بعد تقارب القيادات لسنوات.. لماذا تتجه سلطنة عمان لحظر التطبيع مع إسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

بعد 50 عاما على إقراره، قرر مجلس الشورى في سلطنة عمان توسيع قانون مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، ليصبح أكثر شمولية وحظرا وأكبر غلظة.

لكن الإجراء ما يزال ينتظر التصويت النهائي، حيث سينتقل التعديل الآن للمناقشة من قبل اللجنة التشريعية للمجلس للتصويت النهائي.

ولسلطنة عمان وضع خاص فيما يتعلق بالعلاقات مع دولة الاحتلال، فهي أول دولة طبعت فعليا حين استقبل السلطان الراحل قابوس بن سعيد، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزوجته في قصره، وقبله الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس.

وحل نتنياهو في مسقط عام 2018، واجتمع مع السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وكان المسؤول الإسرائيلي الأول الذي يسافر إلى الدولة الخليجية علنا منذ عام 1996، وأعقبها، زيارة لوزير المواصلات ووزير المخابرات السابق يسرائيل كاتس.

وقبل ذلك في 1996، سافر الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس إلى عمان، حين شغل منصب رئاسة الوزراء، كما أجرى رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين رحلة إلى مسقط عام 1994.

وعقب توقيع اتفاقات "إبراهام"التطبيعية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، روج الرئيس الأميركي السابق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي أن عمان ستكون هي الدولة التالية في التطبيع معهم، لكن ما يجرى هو العكس تماما.

وزعم "إيلياف بنيامين"، رئيس قسم الشرق الأوسط وعملية السلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن "سلطنة عُمان قد تكون الدولة التالية التي ستطبع علاقاتها معنا"، بحسب ما نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 7 أكتوبر/تشرين أول 2021.

وكانت سلطنة عمان من أوائل الدول العربية التي أصدرت قانونا خاصا لمقاطعة إسرائيل، أصدره السلطان الراحل قابوس بن سعيد عام 1972، لكنه استقبل قادة الاحتلال قبل وفاته عدة مرات، دون توقيع اتفاقيات تطبيع.

ويتشابه ما فعله مجلس الشورى العماني مع ما اتجهت إليه عدة برلمانات عربية بتشديد حظر التطبيع كرد شعبي واضح على توقيع أربعة أنظمة عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) اتفاقيات مع دولة الاحتلال.

وكان البرلمان العراقي صوت بالإجماع في 26 مايو/أيار 2022 على قانون "حظر وتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني"، وأقر عقوبات قاسية ضد المطبعين تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد والمؤقت.

كما وافق مجلس الأمة بالكويت نهاية مايو 2021 بشكل مبدئي على تغليظ عقوبات التطبيع مع إسرائيل، وطالب نواب أخيرا بإقرار قانون مشابه لما جرى بالعراق.

وناقش برلمان تونس، قبل أن يجمده ثم يحله الرئيس التونسي قيس سعيد، قانونا لتجريم التطبيع في مايو 2021 لكن إقراره توقف لانتهاء عمل مجلس النواب.

وأحدث ما جرى من محاولات لتشديد حظر التطبيع، كانت من قبل الجزائر في 7 مايو/أيار 2022، تزامنا مع الذكرى الـ 74 للنكبة الفلسطينية.

لماذا قرر مجلس الشورى العماني تشديد منع التطبيع الآن؟ وكيف سيطبق المجلس القانون المشدد؟ هل من صلاحيته ذلك؟ وهل يمكنه منع الحكومة من استقبال المسؤولين الإسرائيليين؟ 

ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين عُمان وإسرائيل، رغم الحديث المتكرر عن أن هذه الدولة الخليجية محتمل انضمامها إلى اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل، كخامس دولة، بعد الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

لماذا الآن؟

موقع "تايمز أوف إسرائيل" رجح أن يكون مقترح "توسيع" حظر التطبيع، وتمريره في مجلس الشورى، مرتبطا بجهود تل أبيب لتأمين موافقة مسقط على تحليق الطيران المدني الإسرائيلي في أجواء الدولة الخليجية.

أوضح في 26 ديسمبر/كانون أول 2022 إن إحجام عمان، مثل السعودية عن السماح للرحلات الجوية الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي، جاء "نتيجة ضغوط من إيران المجاورة"، وفشل محاولات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لدفع الحكومة العمانية لذلك.

أكد هذا أيضا تقرير سابق لـ "معهد الشرق الأوسط" 27 أكتوبر 2020، مشيرا إلى أن "إيران هي المفتاح"، وأن "عُمان أكثر دولة مجلس التعاون الخليجي حساسية لمصالح طهران الأمنية".

و"توازن نفسها جيوسياسيا بعناية بين طهران والرياض"، كما أنها "الدولة الخليجية العربية الوحيدة التي تشارك في مناورات عسكرية مشتركة مع إيران".

ويؤكد موقع "تايمز أوف إسرائيل" أن "توسيع اتفاقات إبراهام أولوية لرئيس الوزراء المقبل بنيامين نتنياهو، بحسب حلفائه".

وزعم نتنياهو، خلال زيارة عمان عام 2018، أنه "تلقى التزاما من السلطان قابوس آنذاك بفتح المجال الجوي العماني أمام الطائرات الإسرائيلية"، لكن تراجع خليفته، السلطان هيثم بن طارق، عن القرار، بحسب "تايمز أوف إسرائيل".

وأوضح "موران زاغا" الخبير في شؤون منطقة الخليج في "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية" (ميتفيم) أن "السلطان هيثم أكثر حذرا في سياسته الخارجية" لكنه يزعم أن هذا "بسبب قلة خبرته وتفضيله الجلوس على الحياد".

وفي 22 أكتوبر 2022 قالت وسائل إعلام عبرية، إن شركة طيران إسرائيلية ألغت أكثر من 10 رحلات جوية بسبب رفض سلطنة عمان لها عبور أجوائها.

وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن شركة الطيران المذكورة باعت بالفعل تذاكر إلى وجهة في جنوب الهند على افتراض أن عمان ستسمح بالطيران في مجالها الجوي، ولن تتسبب في مشاكل، لكن تلقى الركاب إشعارات بإلغاء الرحلات.

قبلها، أفاد موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية 10 أغسطس/آب 2022 أن سلطنة عمان ترفض منح موافقتها لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق في أجوائها.

أكد أن هذا الأمر فوجئت به السلطات الإسرائيلية، التي كانت تتوقع موافقتها عقب فتح السعودية أجواءها أمام طيرانها 15 يوليو/تموز 2022 في إطار ممر جوي خاص إلى الإمارات والبحرين فقط.

وأوضحت الصحيفة أن "الموافقة العمانية لها أهمية كبيرة وضرورية لأنه بدونها لا توجد إمكانية للخروج من الأجواء السعودية نحو المحيط الهندي ومن ثم إلى وجهات مختلفة في الشرق".

إذ إنه "للخروج من السعودية تجاه الشرق يجب المرور من الأجواء اليمنية أو العمانية، والتحليق فوق الأجواء اليمنية غير ممكن بسبب الحرب هناك ولا توجد علاقات بين إسرائيل واليمن".

وتابعت أنه "بقي الاحتمال فقط مع عمان والتي يوجد بينها وبين إسرائيل علاقات، لكنها حتى الآن لم تمنح الموافقة للشركات الإسرائيلية للمرور في أجوائها، وهذا الموضوع يجرى التعامل معه من قبل المستوى السياسي".

وبالنسبة للشركات الإسرائيلية فإن التحليق فوق الأجواء السعودية يسهم بشكل كبير في تقصير الفترة الزمنية التي يستغرقها عدد كبير من الرحلات إلى الشرق الأقصى، مما سيسهم في خفض تكلفتها، بحسب الصحف العبرية.

وفي الأسابيع الأخيرة، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن سلطنة عمان تتجه إلى السماح لطائرات إسرائيلية بالتحليق في أجوائها للوصول إلى آسيا.

لكن استمرار حظر عمان مرور الطيران الإسرائيلي فوق أجوائها، يعني أنه لا يزال يتعين على تلك الرحلات أن تأخذ مسارا أطول بكثير بطريقها إلى آسيا، ويرى أنه سبب تعجيل تسريع النواب العمانيين هذا التشريع.

وقبل مناقشة مجلس الشورى العماني توسيع قانون حظر التطبيع بيوم، زعم موقع i24news العبري أن تعديل عُمان قانون مقاطعة إسرائيل "يمهد لدفء العلاقات".

أكد أن "إسرائيل تمارس ضغوطا على مسقط، للسماح لشركات طيرانها بالمرور فوق الأجواء العُمانية، في طريقها إلى الشرق الأقصى أسوة بالسعودية"، لكن تعديل القانون جاء ليبرد هذا التطبيع ويجمده.

تشديد الحظر 

في 26 ديسمبر 2022 أحال مجلس الشورى في سلطنة عمان، مشروع قانون تقدم به سبعة أعضاء لتعديل "المادة الأولى" من قانون مقاطعة إسرائيل إلى اللجنة التشريعية لاستيفاء الجوانب الإجرائية.

وبعد ساعات من طرح المقترح للتصويت، جرت الموافقة عليه، وتوسيع مقاطعة إسرائيل عبر تعديل البند الأول للقانون الصادر عام 1972م.

ويحظر القانون العُماني حاليا على المواطنين الاتصال بالكيانات أو الأفراد الموجودين في إسرائيل بشكل مباشر أو من خلال وسطاء، لأي غرض من الأغراض، لكن القانون المعدل يفصل أكثر في حالات منع وحظر جديدة محددة.

وتنص المادة الأولى من القانون الصادر في يونيو 1972 بمرسوم سلطاني، على أنه "يُحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل".

"أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا، وذلك متى كان محل الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته".

"وتعد الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم حسبما تقرره وزارة الاقتصاد وفقا لتوصيات مؤتمر ضباط الاتصال".

وقد أضيفت بنود لهذه المادة في 26 ديسمبر 2022 تحظر "جميع الاتصالات الرياضية والثقافية والاقتصادية مع إسرائيل، بالإضافة إلى الحظر الصريح للتفاعل أو التواصل الفردي مع الإسرائيليين، سواء بشكل شخصي أو عبر الإنترنت".

وتتمثل مهام مجلس الشورى، الذي يضم 86 نائبا، في صلاحيات تشريعية ورقابية من بينها مناقشة مشاريع القوانين التي تحمل صفة الاستعجال، وإقرار أو تعديل مشاريع القوانين التي تعدها الحكومة.

ومناقشة مشاريع خطط التنمية والميزانية السنوية للدولة، واستجواب أي من وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم المخالفة للقانون.

وينتخب أعضاء المجلس من قبل الشعب، مرة كل أربع سنوات، ويمثل كل ولاية يقل عدد سكانها عن ثلاثين ألفا عضو واحد، بينما يمثل عضوان كل ولاية يزيد عدد سكانها على ثلاثين ألف نسمة.

وأكد عضو مجلس الشورى أحمد العبري في 26 ديسمبر أن "هذا التعديل يهدف إلى دعم الأشقاء في فلسطين من أجل إقامة دولتهم وحفظ سيادتها".

عدّ أن الهدف من القانون هو "تغليظ التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي وكل أنواع التعامل أيا كانت حفاظا على الحقوق الفلسطينية"، وفق صحيفة "الرؤية" العمانية.

وقال نائب رئيس مجلس الشورى العُماني يعقوب الحارثي، في تصريحات نشرتها وكالة "واف" العمانية: إن المقترح يوسع من نطاق المقاطعة التي نصت عليها المادة المذكورة، ويفضي إلى "توسع في التجريم وتوسع في مقاطعة هذا الكيان".

أشار إلى أن القانون في صيغته الحالية "يحظر التعامل مع الكيان الصهيوني، سواء للأفراد أو الشخصيات الاعتبارية".

وبين أن "التطور الحاصل حاليا سواء كان التقني أو الثقافي أو الاقتصادي أو الرياضي، دفع النواب لاقتراح تعديلات إضافية تتضمن قطع أي علاقات اقتصادية كانت، أو رياضية، أو ثقافية، وحظر التعامل بأي طريقة أو وسيلة كانت سواء كان لقاء واقعيا أو لقاء إلكترونيا أو غيره".

وكان موقع "i24" العبري كشف في 14 نوفمبر/تشرين ثان 2022 عن لقاء جرى بين مسؤول إسرائيلي مع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، في محاولة لإدخال المزيد من الدول العربية في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وأشار الموقع إلى أنه حصل على "وثيقة رسمية" صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، تفيد بأن الاجتماع المزعوم "عقد على هامش منتدى MEDRC في عمان.

وحضره نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي ورئيس قسم الشرق الأوسط وشعبة عملية السلام بالوزارة، بحسب ذات المصدر.

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي في 16 نوفمبر 2022 عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان ووزير الخارجية توني بلينكن التقيا وزير الخارجية العماني "لمناقشة احتمال فتح المجال الجوي أمام الخطوط الجوية الإسرائيلية".

كما نقل عنهم أن إدارة بايدن تحاول منذ يوليو 2022 إقناع العمانيين بفتح المجال الجوي أمام الخطوط الجوية الإسرائيلية، لكن "لدى العمانيين عدة قضايا ثنائية وطلبات من الولايات المتحدة أرادوا الحصول عليها في المقابل".

لكن في يوليو 2022 نفى وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، صحة ما تردد بأن بلاده ستكون الدولة الخليجية الثالثة التي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل.

وشدد على دعم بلاده "تحقيق السلام العادل والشامل والدائم، على أساس حل الدولتين، وهذا هو الخيار الوحيد الذي تؤكده مبادرة السلام العربية والشرعية الدولية"، وفق قوله.

قال البوسعيدي: "لن نكون ثالث دولة خليجية تطبع، ولكننا مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ونحترم القرارات السيادية للدول مثلما نتوقع احترام الغير لقراراتنا السيادية".