"ليس كافيا".. صحيفة ألمانية تنتقد ضعف الدعم الغربي للاحتجاجات الإيرانية
منذ 14 سبتمبر/أيلول 2022، تتواصل احتجاجات إيرانية عقب مقتل الشابة الإيرانية من أصل كردي مهسا أميني، بعد تعرضها للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قبل "شرطة الأخلاق" التابعة للحكومة الإيرانية.
انطلقت التظاهرات في مدينة سقز، مسقط رأس الشابة القتيلة، واتسعت لاحقا لتنتشر في غالب المدن الإيرانية، وعلى رأسها العاصمة طهران.
تسلط صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية الضوء على أشكال الدعم السياسي والشعبي المقدم من الغرب للاحتجاجات الإيرانية.
غير كافٍ
وترى الصحيفة أن الدعم المقدم غير كافٍ، وأن في وسع الحكومات الضغط على الدولة الإيرانية لصالح الثورة بشكل أكبر مما هو قائم حاليا.
وأشارت إلى إحدى العقوبات التي فرضها الغرب على الحكومة الإيرانية أخيرا، وهي الاستبعاد من لجنة المرأة بالأمم المتحدة، إذ صوتت 29 دولة من أصل 54 لصالح الاستبعاد.
واتّخذ القرار بسبب "العنف المستمر الذي تقوم به الحكومة والقيادة الإيرانية بقمع حركة الاحتجاج منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر". لكن الصحيفة ترى أن هذه العقوبة شكلية فقط.
وذكرت أن أولى العقوبات ضد إيران صدرت في سبتمبر 2022، وفرضتها الولايات المتحدة ضد كبار المسؤولين في الشرطة الدينية.
فجرى تجميد ممتلكاتهم في الولايات المتحدة، ومنعوا من التصرف فيها، وحُظر على الأميركيين التعامل معهم.
كما فرض وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022، عقوبات على 11 فردا وأربع منظمات في إيران.
فلم يعد بإمكانهم دخول الاتحاد الأوروبي، وحال امتلاكهم حسابات بنكية داخل الاتحاد الأوروبي، فسيجرى تجميدها أيضا.
وأشارت الصحيفة إلى نزول كثيرين من مواطني الدول الأوروبية إلى الشوارع، تعبيرا عن تضامنهم مع الحركة الاحتجاجية في إيران.
وبين الخبير السياسي علي فتح الله نجاد، من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، أن "مهمة هذه الاحتجاجات منح زخم لحركة التظاهرات الإيرانية".
ولفتت إلى أن هذا الدعم الشعبي الغربي يتابعه المتظاهرون في إيران عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ويعدونه دعما مقدما لهم.
كذلك نقلت الصحيفة رأي بينت شيلر، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة هاينريش بول: "أسمع هذا مرارا وتكرارا من مناطق مختلفة حيث يقاتل الناس من أجل حريتهم.
فلا يوجد شيء أكثر إحباطا، بالنسبة لأولئك الذين يخاطرون بحياتهم للكفاح والنضال من أجل الحرية، أكثر من عدم وجود أحد خارج حدود البلاد يعبر عنهم وينقل صوتهم للآفاق ويجعله مسموعا للعالم".
حجم الأثر
وتابعت: "لذا، علينا أن نحرص على أن نبقى مهتمين لنقل هذه الأصوات". وبينت الصحيفة أن الاحتجاجات الداعمة للإيرانيين في الخارج كان لها أثر كبير على النظام في إيران.
وقال علي فتح الله نجاد، إن الحكومة الإيرانية تحاول دوما تقديم نفسها على أنها نظام جمهوري يحظى بالشعبية ويعمل لصالح مواطنيه، لكن هذه الاحتجاجات تكشف "واقعا اجتماعيا وسياسيا مختلفا تماما".
وأضاف أن هذا الواقع "يجرى متابعته وتسجيله دوليا بدقة شديدة". ويتابع: "وبالطبع يخشى النظام الإيراني فقدان شرعيته على الساحة الدولية، ولم يعد بإمكانه تصدير الصورة التي تخدم مصالحه".
وذكرت الصحيفة أن إعدام شابين في إيران لمشاركتهما في الاحتجاجات، تسبب في استفزاز قادة الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفعهم لاستهداف بعض قادة الحكومة بشكل شخصي.
إذ مُنع 20 من قيادات النظام في طهران من دخول أوروبا، وجمدت حساباتهم المصرفية.
كما عُوقب أربعة آخرون بالعقوبات ذاتها لدورهم في تطوير وتزويد طائرات بدون طيار لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وحول جدوى الضغوطات الغربية، يقول علي فتح الله نجاد: "حتى الآن، لم تتأثر إيران بالعقوبات"، مؤكدا ضرورة "زيادة الغرب للضغوط التي يمارسها والعقوبات التي يفرضها، وبقوة أكثر من ذي قبل".
وأشاد نجاد بسياسة الضغط القصوى التي كانت تمارسها الولايات المتحدة إبان عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب. وحسب قوله فإن من ثمرات هذه السياسة أنه "حتى الصين لم تستورد النفط من إيران".
ولفتت الصحيفة إلى أن ألمانيا هي أكبر شريك تجاري لإيران في الاتحاد الأوروبي، مؤكدا قدرتها على زيادة ضغطها على الحكومة الإيرانية.
فخلال العشرة أشهر الأولى من عام 2022، صُدرت بضائع ألمانية لإيران بقيمة 1.2 مليار يورو.
وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتيجن، في مقابلة مع الصحيفة: "علينا أن نظهر أننا على الجانب الصحيح من التاريخ عندما يتعلق الأمر بالثورة في إيران".
الحرس الثوري
واقترح روتيجن إصدار المزيد من العقوبات على الحكومة الإيرانية، ومن بين ما يقترح اليوم، وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب.
ولفت إلى أن الأمر "لم يعد متعلقا بمسؤولية جنائية لبعض الأفراد داخل النظام، إنما تقع المسؤولية على النظام الإيراني بأكمله".
وأتبع: "ولهذا السبب، ينبغي أن توجه العقوبات للعنوان الصحيح، وهو الحرس الثوري، كونه المخطط السياسي الأول لهذا النظام، والمستفيد الاقتصادي الأكبر من سياساته".
ووفقا لروتيجن، فإن "العصابة التي تمارس الإرهاب يوميا في إيران، لا بد أن تدرج على القائمة السوداء في الاتحاد الأوروبي".
لكن الصحيفة الألمانية استدركت بقولها إن هذه الخطوة ليست يسيرة من الناحية القانونية، إذ يتطلب وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأوروبية تنفيذه عمليات إرهابية داخل إحدى دول الاتحاد الأوروبي.
وحول هذا الشرط، ذكر الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، بيجان جير سراي، أنه يجرى التحقق حاليا ما إن كان للمنظمة الإيرانية أي علاقة -مباشرة أو غير مباشرة- بالهجوم الذي شُن على الكنيس اليهودي في مدينة إيسن الألمانية، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
وفي صباح 18 نوفمبر، عثر على ثقوب ناجمة عن طلقات نارية في باب مقر الحاخام السابق بجوار الكنيس القديم، ولم يصب أحد.
ويضم المبنى الذي تعرض للرصاص معهدا للتاريخ الألماني اليهودي. وهو مجاور مباشرة للكنيس القديم الذي يستخدم حاليا كمركز ثقافي، ولم يعد مكانا للعبادة.
وأضاف جير سراي: "إذا كان هذا هو المطلوب فقط، فسيجرى تنفيذه". وبين أن الأمر لا يتعلق بالإشكالية القانونية فقط.
لكن يجرى دائما وصفه بأنه خطير أو صعب من الجانب السياسي، بدعوى عدم وجود أي مصلحة في تعريض الاتفاق النووي مع إيران للخطر، وفق قوله.
كذلك يرى فتح الله نجاد ضرورة تخلي الغرب عن رؤيته السابقة ومساره الداعي لتطبيق الاتفاق النووي مع إيران بالرغم من كل شيء.
إذ إنه "من خلال التهديد بالتصعيد النووي، تستطيع طهران أن تحدد دائما وتيرة رد فعل الدول الغربية، وهو ما يحول دون إمكانية تأثيرها على النظام الإيراني".
واختتمت الصحيفة بمقترح آخر أضافه نجاد للضغط على النخبة الحاكمة في إيران، وهو معاقبتها عبر الضغط عليهم من خلال أبنائهم وبناتهم الذين يعيشون في الدول الأوروبية، أو من خلال تقييد تدفقاتهم النقدية ومصادرة ممتلكاتهم.