أصبح من الماضي.. صحيفة تركية: لم يعد بالإمكان تجاهل وزن أنقرة دوليا
بالنظر إلى المشهد السياسي العالمي للقرن الحادي والعشرين، من الواضح أن كلا من حلف شمال الأطلسي "الناتو" والسويد وفنلندا قد تغاضيا عن عامل حاسم للغاية ألا وهو تركيا.
وتقول صحيفة "ستار" التركية في هذا الإطار: "أصبحت مسألة كيفية تجاهلهم لوزن تركيا المحدد في السياسة العالمية وما يعنيه هذا الموقف التركي للسياسة الخارجية التركية مسألة مهمة".
وفي 28 يونيو/حزيران 2022 وقّعَت تركيا والسويد وفنلندا مذكرة تفاهم ثلاثية بشأن عضوية البلدين الأخيرين في الناتو بعد تعهُّدهما بالاستجابة لمطالب أنقرة بشأن مكافحة الإرهاب.
"لن نكرر الخطأ"
وفي مقال نشرته الصحيفة، قال الكاتب التركي متين أكسوي: "بدأت العلاقات بين الناتو وتركيا بانضمام الأخيرة إلى الحلف في 18 فبراير/شباط 1952".
منذ هذا التاريخ وحتى نهاية الحرب الباردة "كانت سياسات الحرب الباردة عاملاً حاسما في العلاقات"، وفق الكاتب.
وأشار إلى "التطور الذي يكشف عن الأهمية السلبية التي أعطيت لتركيا فيما يتعلق بقضية السويد وعضوية فنلندا في الناتو".
هذا التطور أشار إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقوله في تصريح سابق: "لن نرتكب الخطأ نفسه مرة أخرى".
ليوضح أكسوي أن الخطأ يتمثل في عودة اليونان إلى الجناح العسكري لحلف الناتو في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1980 بموافقة تركيا.
وأوضح أكسوي: غادرت اليونان الجناح العسكري للحلف في 14 أغسطس/آب 1974 على أساس أن الناتو لم يقدم الرد "الضروري" على عملية السلام التركية في قبرص وظل غير نشط.
وعندما جرى تشكيل أجندة أثينا للعودة إلى الجناح العسكري لحلف الناتو، أعربت تركيا عن انزعاجها من أن مسؤوليات مقر الحلف في اليونان امتدت إلى المجال الجوي والمياه الإقليمية التركية.
وجرى كسر هذه المقاومة التركية بعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980، وأمر الانقلابي "كنعان إيفرين"، بالموافقة على اليونان.
وإيفرين هو سابع زعماء تركيا، وكان رئيسًا مؤقتًا للبلاد خلال فترة الانقلاب العسكري في الثمانينيات وذلك منذ 12 سبتمبر 1980 إلى أن انتُخبَ رئيسًا رسميًا للجمهورية في 9 نوفمبر 1982 واستمر في رئاسة الدولة إلى غاية 1989.
وبعد موافقته، عادت اليونان إلى الجناح العسكري لحلف الناتو دون استشارة وزارة الخارجية وممثلي تركيا الدائمين في الناتو.
وكان هذا مقابل عدم انتقاد الولايات المتحدة للديكتاتورية العسكرية القائمة في تركيا لفترة من الوقت، بحسب الكاتب التركي.
تصحيح المسار
واستدرك أكسوي: أصبح خطأ نهج التحالف الغربي الذي عفا عليه الزمن تجاه تركيا ونهجه غير التاريخي تجاه روسيا واضحا الآن.
لدرجة أنه نتيجة للنظرة غير التاريخية للغرب تجاه روسيا و"سياسة تشامبرلين" القائمة عليها، زادت موسكو تدريجيًا من وزنها المحدد في السياسة العالمية وأدت هذه العملية إلى غزو أوكرانيا.
ونيفيل تشامبرلين سياسي بريطاني تولى زعامة حزب المحافظين ورئاسة وزراء المملكة المتحدة من 28 مايو/أيار 1937 وحتى العاشر من ذات الشهر لعام 1940.
اشتهر تشامبرلين بسياسته الخارجية الداعية إلى السلام، وتوقيعه معاهدة ميونخ عام 1938 التي كانت تهدف لاسترضاء الزعيم النازي أدولف هتلر ومحاولة تفادي اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945).
وأضاف الكاتب: الانعكاس الفوري لوجهة النظر التي عفا عليها الزمن لتركيا، الموروثة من الحرب الباردة التي تتجاهل قوة أنقرة العالمية في القرن الـ21، هو الخيار المقنع للتحالف الغربي".
وبين أن ذلك يعود إلى أن تركيا أصبحت لاعبًا عالميًا واثقًا من نفسه لتعلن أن القرن الذي هي فيه هو "قرنها".
لذلك، ما يجب فعله الآن هو أن تعيد تركيا صياغة المعادلة التي أنشأها حلف شمال الأطلسي والسويد وفنلندا من خلال استبعاد أنقرة، وفقًا للكاتب.
في هذا السياق، فإن النقطة الأولى التي يجب أن يركز عليها التحالف الغربي هي أن تأخذ في الاعتبار حساسيات تركيا المبررة.
أولا وقبل كل شيء، تشكو تركيا من أن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي قد تركاها وحدها في حربها ضد الإرهاب ضد حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة غولن وجميعها مصنفة إرهابية لدى أنقرة، "بل وعرقلوا هذا الصراع في بعض الأماكن".
لدرجة أن حزب العمال الكردستاني نظم نفسه في بعض الدول الأوروبية ووجد الدعم المالي والسياسي، وبالمثل، جرى التسامح مع إقامة زعيم منظمة غولن في الولايات المتحدة.
مع ذلك، دعمت الدول الأوروبية تشكيل حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا وانتقدت عمليات تركيا عبر الحدود لضمان أمن الحدود.
ثانيًا، لم يجر دعم أطروحة "المنطقة الآمنة" التي عبرت عنها تركيا منذ بداية الحرب الأهلية السورية من قبل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ثالثًا، فشل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أيضًا في دعم تركيا ضد المهاجرين غير الشرعيين من سوريا، وفق وصفه.
وكان من المقرر حسب الاتفاقية أن يقدم الاتحاد الأوروبي 6 مليارات للاجئين ولكن المبلغ الذي أنفقته تركيا عليهم أكبر بكثير، كما قال.
الشكوى الرابعة المبررة التي قدمتها تركيا إلى التحالف الغربي هي أن اليونان والإدارة القبرصية اليونانية قد استخدمتا الاتحاد الأوروبي كأداة لموقفها العدائي تجاه أنقرة.
وتحدث عن عدة أمور تؤثر سلبا على علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
ومنها دعم الناتو والاتحاد الأوروبي للسياسات القبرصية اليونانية بشأن قضايا مثل مشاكل الجرف القاري والمجال الجوي في بحر إيجة، وأزمة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط والحرب الأهلية الليبية.
إضافة إلى الجهود القمعية للاعتراف بالإدارة القبرصية اليونانية من جانب تركيا، ومحاولة إدماجها في آليات حلف شمال الأطلسي.
أهمية تركيا
واستدرك أكسوي: القضية الثانية التي يحتاج التحالف الغربي إلى التركيز عليها هي وزن تركيا في السياسة العالمية للقرن الـ21.
إذ أظهرت تركيا أنها دولة رئيسية في السياسة العالمية، كما يتضح من نجاح اتفاقية الحبوب في الأزمة الروسية الأوكرانية.
وبالمثل، مع عملياتها العسكرية الناجحة في سوريا، وقوتها العسكرية البناءة في ليبيا، وطائراتها بدون طيار التي أظهرت ثقلها في حروب أذربيجان وأرمينيا وروسيا وأوكرانيا، أثبتت تركيا أنها قوة حاسمة ليس فقط للبحر الأسود أو الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، ولكن أيضا لتأسيس الأمن العالمي.
وأشار أكسوي إلى أن "حقيقة أن هذا الوزن المحدد لتركيا في السياسة العالمية وصحة معادلتها الحرة التي وضعها حلف الناتو والسويد وفنلندا قد بدأ يفهمها التحالف الغربي تؤكدها التطورات التي حدثت".
في الواقع، فإن مضمون الاتفاق الثلاثي الموقع بين تركيا والسويد وفنلندا بمبادرة من الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" قد أكد أن شروط أنقرة جرى قبولها.
كما بين الاتفاق أن أنقرة في وضع يمكنها من إملاء المعادلة وحتى التحكم فيها، وليس البقاء خارجها.
لدرجة أن البلدين اتفقا على أنهما لن يقدما الدعم لحزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة غولن، وأنهما سيزيدان من تعاونهما في حرب تركيا ضد الإرهاب اعتمادا على روح التحالف، وأنهما سيتعاملان بشكل عاجل مع طلبات الترحيل والتسليم التي تتلقاها أنقرة، وفق الكاتب.
ولفت إلى أن "هناك أهمية أخرى لهذه الوثيقة، التي تؤكد أيضا أنها لن تفرض حظرا عسكريا على تركيا، وهي أن غولن معترف بها كمنظمة إرهابية في وثيقة دولية للمرة الأولى".
وفي هذا السياق، فإن الإصرار على نقطتين مهمتين بالنسبة لتركيا سيمنع تكرار التاريخ بشكل خاطئ.
أولا وقبل كل شيء، يجب على تركيا أن تراقب عن كثب ما إذا كانت هذه الدول تفي بالتزاماتها وأن تغير موقفها الحالي وفقا لذلك.
ثانيا، يجب دائما منع إمكانية اغتصاب السلطة السياسية في تركيا من قبل أولئك الذين يسعون إلى شرعيتهم غير الموجودة في الخارج ويقدمون تنازلات دولية لهذا الغرض، مثل الانقلابي إيفرين، وفق وصفه.
وختم الكاتب مقاله قائلا: إن إمكانية وصول سياسيين يربطون أمل السلطة بموقف الدول الغربية، ستلغى من خلال الانتخابات الشعبية، وهذا ما يجعل انتخابات 2023 مهمة لتركيا.