لم يكتف بالصمت.. ماذا وراء مساندة ابن سلمان للصين في اضطهاد الإيغور؟
بحكم مكانتها الدينية، تصور كثيرون أن تطرح السعودية مسألة تصاعد اضطهاد الصين للمسلمين الإيغور، على الرئيس الصيني "شي جين بينغ" خلال زيارته لها من 7 إلى 10 ديسمبر/كانون الأول 2022، لكن ما جرى خالف التوقعات.
لم يناقش ولي العهد وحاكم المملكة الفعلي محمد بن سلمان، مع الرئيس الصيني الجرائم التي ترتكبها بكين ضد مسلمي الإيغور، أو يحاول استخدامهم ورقة تفاوض، ولم يرد ذكرهم خلال المباحثات، وعلى العكس أظهر دعمه لتنكيل الصين بهم.
لتظل معاناة الإيغور المسلمين بذلك "ملفا غائبا" عن مناقشات الصين والسعودية، وبعيد عن نصرة بلاد الحرمين لمسلمين مضطهدين، على حساب المصالح السياسية.
أكثر من 50 جماعة تمثل الإيغور حثوا في 8 ديسمبر قادة السعودية ورؤساء الدول والمنظمات الذين اجتمعوا مع "شي جين بينغ" على "إدانة جرائم الصين الفظيعة ضد الإيغور وإنهاء الإبادة الجماعية" في منطقة شينجيانغ.
وأكد "جيور قربان"، مدير مكتب "مؤتمر الإيغور العالمي في برلين World Uyghur Congress أن "السعودية لم تلتزم الصمت بشأن الإبادة الجماعية للإيغور فحسب، بل دعمت الصين، حتى في الأمم المتحدة على حساب إخوانهم المسلمين".
قال إنه "أمر مخيب للآمال للغاية أن نرى القادة السعوديين الذين يزعمون أنهم حماة المدينتين المقدستين يستقبلون رئيس الصين، الجاني الرئيسي في الإبادة الجماعية للإيغور، باحتفالات فخمة والسماح له بعقد قمة مع قادة الشرق الأوسط لتوسيع نطاق تسلل بكين ونفوذها في قلب العالم الإسلامي".
واتهم المؤتمر العالمي للإيغور، السعودية، باعتقال أربعة مسلمين صينيين خلال أدائهم العمرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بطلب من سفارة الصين في الرياض، وطالب حكومة المملكة بعدم تسليم المحتجزين إلى الصين، وإلا تعرضوا للاضطهاد هناك.
ورصدت منظمات حقوقية، مشاركة السعودية في تسليم معارضين مسلمين صينيين إلى حكومة الصين الشيوعية واستغلال الحج كمصيدة لهم بحيث يجري اعتقالهم خلال حضورهم للحج وتسليمهم للصين، وتحويل مكة إلى كمين لهم.
خيبة أمل
بسبب خيبة أمل مسلمي الصين في استجابة نظام محمد بن سلمان لندائهم بشأن الضغط على الرئيس الصيني لوقف اضطهادهم، انتقدوا مواقف الأنظمة العربية والإسلامية من قضيتهم خاصة المملكة.
"دولكون عيسى" رئيس مؤتمر الإيغور العالمي ومقره ميونيخ بألمانيا، قال إنه "غير مقبول إطلاقا أن يجلس زعماء العالم الإسلامي مع ديكتاتور الصين ويتحدثون معه فقط عن البيزنس والتعاون، بينما يغضون الطرف عن هجوم الصين على الإسلام".
وأكد لـ "إذاعة آسيا الحرة" في 8 ديسمبر 2022 أن الصين لا ترتكب إبادة جماعية ضد مسلمي الإيغور فحسب، بل أعلنت الحرب على الإسلام.
منظمات الإيغور أعربت خلال بيان في 8 ديسمبر عن "خيبة أملها الشديدة إزاء صمت الدول المسلمة حيال الإبادة الجماعية للإيغور، والاعتقال التعسفي لملايين منهم في معسكرات الاعتقال لإجبارهم على التخلي عن معتقداتهم.
أكدوا أن السلطات دمرت أو ألحقت أضرارا بآلاف المساجد والمقابر في شينجيانغ، وحظرت الممارسات الدينية مثل الصيام في شهر رمضان، أو تسمية أبنائهم بأسماء إسلامية، وإجبار المسلمين على تناول لحم الخنزير وشرب الكحول.
وجرى تدمير أو الإضرار بنحو 16 ألف مسجد في شينجيانج، أو 65 في المئة من إجمالي عددها، نتيجة لسياسات الحكومة منذ عام 2017، وفقا لتقرير أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" 24 نوفمبر 2022.
ويقع إقليم شينجيانغ في غرب الصين، ويقطنه عشرة ملايين من المسلمين الإيغور، ولطالما اتهمت جماعات حقوقية وحكومات غربية بكين بـ "انتهاك حقوق الأقلية العرقية ذات الأغلبية المسلمة بإجراءات مثل العمل القسري في معسكرات اعتقال".
لكن حدث ما توقعه الإيغور وجرى تجاهلهم في زيارة الرئيس الصيني للسعودية، أو طرح معاناتهم وما يجري بحقهم من جرائم.
وغاب ملف الإيغور، الذين يتعرضون للاضطهاد العرقي والديني في الصين، عن نقاشات ثلاث قمم سعودية-صينية، وخليجية-صينية، وعربية-صينية كانت تشكل فرصة لإسماع الرئيس الصيني غضب المسلمين مما يجري لهذه الأقلية.
فلم يشر البيان الختامي لأي شيء عن مسلمي الصين واكتفى بعبارة غامضة عن: "تقدير الجهود المهمة المبذولة لرعاية الأقليات في كلا الجانبين العربي والصيني"، والتي تعني ضمنا مباركة السعودية والدول العربية لما تفعله الصين مع المسلمين.
كما تضمن بيان القمة الختامي 10 ديسمبر بندا يتعلق بـ "رفض تسييس قضايا حقوق الإنسان واستخدامها كأداة لممارسة الضغوط على الدول والتدخل في شؤونها الداخلية".
وجاء في بند آخر الدعوة إلى "احترام حق شعوب العالم في اختيار الطرق لتطوير الديمقراطية والنظم الاجتماعية والسياسية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة. ورفض التدخل في شؤون الدول الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية".
وكلاهما يخدم موقفي الرياض وبكين من الانتقادات الغربية والدولية لملفي حقوق الإنسان بالدولتين، وأضاع حقوق الإيغور ضمنا.
وتتهم منظمات حقوق الإنسان، الصين بتوظيف الإيغور المسلمين قسريا في مصانع مرتبطة بسلاسل إمداد دولية في مختلف القطاعات التي تتراوح من الملابس إلى السيارات، ووضعهم في معسكرات اعتقال لتغيير عقيدتهم الدينية بالقوة.
يزدري المسلمين
وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أكدت أنه "كان بإمكان ابن سلمان أن يفتخر بأنه الوصي على أقدس أماكن الإسلام، وأن يتحدث دفاعاً عن مليار مسلم، وأن يُظهر حنكة سياسية تستحق ثناء العالم الإسلامي والمجتمع الدولي.
لكنه فعل العكس، ودافع عن معسكرات الصين التي تعذب المسلمين الإيغور، بحسب ما قال الكاتب "بوبي غوش" في مقال رأي نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 7 ديسمبر.
أضاف: "كان بإمكان ابن سلمان مطالبة ضيفه بإنهاء اضطهاد مسلمي الإيغور، وإيقاف حملة بكين للقضاء على الإسلام في الصين، وأن يكسر صمته المخزي؛ لكنه لم ينتهز هذه الفرصة، لأنه لا يهتم".
أوضح أن: "ابن سلمان لم يتحدث مع الرئيس الصيني بشأن معاناة مسلمي الإيغور، لأنه يزدري فكرة الدفاع أو تمثيل أكثر من مليار مسلم".
وشدد على أنه "في عهد ابن سلمان لم تعد السعودية تقدم حلولاً لأزمات المنطقة الكبرى أو التي تخص العالم الإسلامي، حتى أنه لا يحاول قيادة العالم العربي".
وفي 7 ديسمبر، فسرت صحيفة "واشنطن بوست" تجاهل السلطة التي تحكم بلاد الحرمين، اضطهاد الصين الشيوعية لمسلمي الإيغور بأن "السعودية تشترك مع الحزب الشيوعي الصيني في العديد من الاتجاهات الاستبدادية".
أضافت الصحيفة الأميركية نقلا عن "مجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر السياسية"، أن هذا "يحمي بكين من الانتقادات بسبب سياساتها القاسية تجاه المسلمين الإيغور".
الأمر ذاته أشارت له صحيفة "نيويورك تايمز" في 6 ديسمبر، مؤكدة أن نظامي ابن سلمان وشي بينغ "يتبادلان خدمات القمع".
لذا "لم تستنكر السعودية انتهاكات الصين ضد مسلمي الإيغور، ولم تنتقد الصين الحكومة السعودية على اغتيال (الصحفي جمال) خاشقجي وانتهاكات حقوق الإنسان"، وفق الصحيفة الأميركية.
وبعدما أكدت وكالة أسوشيتد برس في 9 ديسمبر 2022 أن حزب الرئيس الصيني متهم بارتكاب جرائم بشعة ضد أكثر من مليون مسلم من الإيغور، اتهمت ابن سلمان بأنه "قدم له غطاءً سياسياً عندما استقبله في السعودية التي تضم أقدس مواقع الإسلام".
واستغرب موقع "ذا هيل"، الذي يغطي أخبار الكونغرس والرئاسة الأميركية، "صمت الدول ذات الأغلبية المسلمة عن نصرة إخوانهم في الصين".
أكد في 9 ديسمبر أنه كان "لديهم (الحكام) فرصة للدفاع عن المسلمين المضطهدين" خلال زيارة الرئيس الصيني للسعودية "لكن لسوء الحظ، التزمت معظم الأنظمة ذات الأغلبية المسلمة الصمت".
وبعدما اتهم الموقع الأميركي الحكومات الإسلامية بالتقصير، أشار إلى اتهام ناشطين لهم بأنهم "تخلوا عن الإيغور المسلمين".
وضرب مثالا بما جرى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حين دعمت "أنظمة وقحة بالدول الإسلامية" الموقف الصيني في أكتوبر/تشرين أول 2022، وفق وصفه.
ومن عجائب زيارة الرئيس الصيني للسعودية أنه نشر مقالا في صحيفة "الرياض" 8 ديسمبر باسمه، بعنوان "شراكتنا إستراتيجية شاملة"، استغل فيه الإسلام وحاول توظيفه لصالح الزيارة.
واقتبس مقولة "اطلبوا العلم ولو في الصين" ليؤكد حاجة العرب والمسلمين لبكين. وتحدث عن إيمان العرب بالاستقلال "ورفضهم التدخل الخارجي وعدم الخضوع لسياسة القوة والهيمنة"، لتحريضهم على التمرد ضد الغرب.
وفي زيارة سابقة إلى الصين، في فبراير 2019، بدا أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يؤيد سياسات الحكومة الصينية بحجج بكين "لمكافحة الإهاب والتطرف".
وقال ابن سلمان حينها: "نحترم وندعم حقوق الصين في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومي"، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الرسمية الصينية "شينخوا" 22 فبراير 2019.
أيضا أيدت السعودية رسائل مشتركة وجهت إلى "الأمم المتحدة" لدعم سياسات الصين القمعية في شينجيانج المسلمة في 2019، ومرة ثانية في 2020، وفق ما نشرت مجلة ذا ديبلومات الأميركية، المتخصصة في الشؤون الآسيوية في 9 أكتوبر 2020.
مناكفة بايدن
وفي 31 أغسطس/آب 2022 خلص تقرير صادر عن مكتب "المفوضة السامية لحقوق الإنسان" حول ما تشير إليه الصين باسم منطقة "شينجيانغ الإيغورية"، إلى ارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" ضد الإيغور المسلمين.
وتحدث التقرير عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق المسلمين في شينجيانغ، مستحضرا "أدلة موثوقة" على التعذيب والعنف الجنسي.
لكن الصين تمكنت في أكتوبر 2022 من تجنب مناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، عندما رفضت غالبية الدول الأعضاء الـ 47 إجراء نقاش طالبت به الولايات المتحدة وحوالي عشر دول أخرى.
وخلال حقبة استخدام الخليج للحظر النفطي كسلاح ضغط، كانت الصين تتحسب في تعاملها مع أزمة مسلمي تركستان الشرقية (الإيغور) جانب المملكة العربية السعودية ودول الخليج، خشية استخدام هذا السلاح ضدها.
لكن المعادلة انقلبت وباتت الرياض تتغاضي عن اضطهاد مسلمي الصين، وبل وتشارك بكين أمنيا باعتقال مسلمين صينيين معارضين يعيشون على أرضها.
يبدو أن ما كان يهم ابن سلمان من زيارة الرئيس الصيني هو مناكفة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وإظهار أن لديه حلول أخرى للإفلات من أي عقوبات، فضلا عن الاستقواء بالصين كطرف دولي يوازي الحليف الأميركي.
مجلة "إيكونوميست" البريطانية حذرت من ذلك وقالت في 7 ديسمبر إن "ابن سلمان يعتقد أن هذه لحظته للخروج من ظل أميركا، لكن عليه أن يُدرك جيداً أن الصين لن تحل محلها بالكامل".
قالت إن "ابن سلمان يستخدم العلاقات بين السعودية والصين كشوكة لإغاظة أميركا، لكن عليه أن يُدرك بأنه سيواجهه تحدي في الموازنة بين هاتين العلاقتين".
وشددت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية 6 ديسمبر على أن زيارة الرئيس الصيني للمملكة "تبعث برسالة مفادها أن نفوذ بكين في المنطقة ينمو في وقت يقول فيه المسؤولون الأميركيون إنهم يريدون جعل الشرق الأوسط أقل أولوية".
ونوهت إلى مقالة رأي مبطنة، كتبها سفير الصين في الرياض في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، بعد زيارة بايدن إلى المملكة في يوليو/تموز 2022، أشار فيها إلى أن القوى الغربية تعاملت مع الدولة الخليجية بـ "غطرسة" وقارن ذلك بـ "احترام بكين لشركائها العرب".
ربما لهذا، أكدت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية 7 ديسمبر 2022 أن زيارة الرئيس الصيني إلى للسعودية "خضعت لتدقيق واشنطن لمعرفة مسار السياسة الخارجية لابن سلمان، والتي أصبحت أكثر توتراً مع أميركا".
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن "الغرب يدقق في زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية؛ بحثا عن دلالات حول السياسة الخارجية للمملكة، ومعرفة مكانة الصين في الشرق الأوسط".
وتؤشر زيارة الرئيس الصيني للسعودية واجتماعه مع قادة عرب في ثلاث قمم أن هذه الزيارة ليست كسابقاتها، وربما تؤسس لمرحلة جديدة لها ما بعدها فيما يتعلق بالتعاون المشترك بين العالم العربي وفي القلب منه الخليج وبين ثاني أكبر اقتصادات العالم والقوة الطامحة للعب دور أكثر صرامة في النظام الدولي تحت زعامة الرئيس شي.
وذهبت تحليلات غربية إلى وضع الزيارة في سياق محاولات الصين إعادة تموضعها في نظام عالمي يشهد اختلالات جوهرية بالبناء الدولي.
ويأتي هذا في ظل تراجع نفوذ الولايات المتحدة والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا التي تعيد تعريف أوروبا في النظام العالمي من حيث تبعيتها لواشنطن ودورها بالترتيبات الأمنية العالمية.
وكان الحديث، وفق هذه التحليلات، يدور حول تحريك الصين لواحدة من أحجارها على رقعة الشطرنج كلاعب عالمي في حين ظهرت المنطقة العربية مجرد ساحة لعب في محاولة لإضفاء السلبية على الموقف العربي والخليجي منه على وجه التحديد.
المصادر
- Uyghur groups urge leaders of Muslim states to condemn genocide in China’s Xinjiang
- MBS Should Speak Truth to Xi on Uyghurs
- China’s Xi at Saudi palace to meet royals on Mideast trip
- China's Xi visits Saudi Arabia to cement Gulf Arab ties
- Xi Will Visit Saudi Arabia, a Sign of China’s Growing Middle East Ties
- Arab nations should press China on Uyghur Muslim abuses