تزامنا مع مونديال قطر.. ماذا وراء زيارة رئيس إسرائيل للإمارات والبحرين؟

12

طباعة

مشاركة

بعد تجاهل محرج للإسرائيليين في مونديال قطر تمثل في رفض الشعوب العربية والأجنبية للتطبيع، وتقديم صحف تل أبيب العزاء لقادتها في اتفاقات "أبراهام"، سارعت أطراف إسرائيلية لمحاولة تدارك هذه الفضيحة.

أحد التحركات الإسرائيلية كان إرسال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، بزعم أنه "وجه معتدل" في زيارة للبحرين والإمارات يومي 4 و5 ديسمبر/كانون أول 2022 لطمأنة دول التطبيع الخليجية.

وضمنها كانت مسارعة وزير الأمن الإسرائيلي الجديد "إيتمار بن غفير" لحضور حفل بسفارة الإمارات في تل أبيب لإظهار الوجه المبتسم مع العرب بعد القلق من فوز الصهيونية اليهودية ودخولها حكومة بنيامين نتنياهو.

لتمنح الإمارات بذلك بن غفير شهادة حسن سلوك أملا في ربح سياسي، كما قال المحلل الإسرائيلي تسفي برئيل.

وتساءل برئيل في صحيفة "هآرتس" العبرية في 4 ديسمبر 2022، "ما الذي تأمل الإمارات تحقيقه من خلال احتضانها اليمين المتطرف في إسرائيل؟".

وتفيد تقديرات إسرائيلية بأن نتنياهو سيكون بحاجة إلى خدمات هرتسوغ كـ "مُبيّض" لصورة إسرائيل في العالم، بعد تشكيل حكومته اليمينية المتطرفة، حسبما ذكر موقع "زمن إسرائيل" الإخباري في 4 ديسمبر.

وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وافق نتنياهو، على منح زعيم "القوة اليهودية" اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، حقيبة الأمن القومي في الحكومة التي يعكف على تشكيلها. 

وفقا للاتفاق، ستتولى القوة اليهودية وزارة الأمن القومي بصلاحيات واسعة، بما في ذلك الشرطة الخضراء، وسلطة إنفاذ الأراضي، وشرطة الحدود في الضفة الغربية". وقال بن غفير في بيان: "اتخذنا خطوة مهمة لتشكيل حكومة يمينية كاملة.

وفي 13 نوفمبر، كلف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، نتنياهو بتشكيل الحكومة. ومن أجل الحصول على ثقة الكنيست فإنه بحاجة إلى 61 صوتا على الأقل من مقاعد الكنيست الـ 120.

وواصل موقع "زمن إسرائيل": "لا شك في أن نتنياهو سيتوجه إلى هرتسوغ عندما يحتاج إلى كفاءاته الدبلوماسية المرموقة، فحكومته ستعد عنصرية وقومية وتحريضية، وسيحتاج إلى الوجه اللطيف والمتنور للدولة".

لهذا كانت تصريحات "هرتسوغ" خلال الزيارة للبحرين والإمارات واضحة فهو تحدث عن أن "اتفاقات أبراهام الرائعة هدية عظيمة لمنطقتنا، وسنستمر في العمل سويا لتعزيز وتعميق الشراكة بيننا".

وعقب الزيارة حرص هو وفريق العمل المصاحب له على التأكيد للصحف العبرية أنه حصل على تعهد من دول الخليج أنهم "سيمنحون فرصة لحكومة نتنياهو" حسبما قالت يديعوت أحرونوت.

لكن عين هرتسوغ كانت أبعد حين قال إن هدفهم هو التطبيع مع السعودية وأن تنضم لاتفاقات أبراهام برغم علمه أن هناك حالة قلق عربية من سلوك حكومة نتنياهو الجديدة التي تضم عتاة المتطرفين اليهود، الأمر الذي سيزيد من إحراج أنظمة التطبيع.

محاولة للترطيب

أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 4 ديسمبر أن زيارة هرتسوغ للبحرين والإمارات "محاولة من تل أبيب لمعالجة التباطؤ الكبير الذي طرأ على مسيرة التطبيع مع الدول الخليجية والعربية".

تحدثت عن تراجع التأييد الشعبي لـ"اتفاقيات أبراهام" التي وقعتها دولة الاحتلال مع كلا البلدين إضافة إلى السودان والمغرب عام 2020.

لكنها قالت "يظل الهدف الأكبر لرئيس إسرائيل محاولة إيجاد منفذ، عبر تلك الجولة، لضم السعودية إلى حظيرة التطبيع بشكل رسمي".

وقالت "وول ستريت جورنال" إن "هرتسوغ" يهدف عبر هذه "المحاولة التنشيطية" إلى كسر الإحباط في دول الخليج المطبعة بسبب شعورهم بعدم الاستفادة من "اتفاقيات أبراهام" بشكل كافٍ.

وأضافت الصحيفة: "كان الهدف من اتفاق أبراهام، إطلاق فصل جديد تحويلي في المنطقة، لكن بعد عامين من توقيعه في البيت الأبيض، يقول حتى مناصري الاتفاق إن الروابط الجديدة بين إسرائيل والعالم العربي كانت بطيئة التطور".

وباستثناء العلاقات الأمنية والدبلوماسية الحكومية والسياحة الإسرائيلية مع أبوظبي، لم تتحقق الآمال في انضمام دول عربية أخرى وخاصة السعودية إلى الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في تطبيع العلاقات، وفق الصحيفة الأميركية.

وبدلا من ذلك، انخفض الدعم الشعبي لاتفاقيات في الدول العربية والإسلامية. وأوضحت أنه في البحرين مثلا، يؤيد 20 بالمائة من السكان العلاقات مع إسرائيل مقارنة بـ 45 بالمائة عام 2020، وفقا لاستطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في يوليو/تموز 2022.

وانخفض الدعم في السعودية إلى 19 بالمئة بعد أن كان سابقا 41، حتى في الإمارات انخفض الدعم إلى 25 بعد أن كان 47 بالمائة.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن "ديفيد بولوك"، الباحث بمعهد واشنطن الذي أشرف على الاستطلاع، قوله إن الأشخاص الذين لديهم توقعات كبيرة بأن الاتفاقات ستحسن حياتهم اليومية "أصيبوا بخيبة أمل".

وأضاف: "حتى الآن، كان المستفيد الأكبر هو شركات الدفاع الإسرائيلية، التي حصلت على 3 مليارات دولار في الصفقات مع دول أبراهام وأولئك الذين يعملون في مجال السياحة".

وزعمت يديعوت أحرونوت أن ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، قال لهرتسوغ إن "إسرائيل هي نعمة للمنطقة".

قالت: استقبلت البحرين الرئيس الإسرائيلي "استقبال الملوك"، رغم خروج مظاهرات من أهالي البحرين ضده ترفض الزيارة.

وجاءت إشادة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان "بالزيارة التاريخية" للرئيس الإسرائيلي إلى البحرين، وإبداء امتنانه للملك لتشير ضمنا للدور الأميركي في ترتيب هذه الجولة "التجميلية" للوجه الصهيوني.

وضمن محاولته تلطيف الأجواء، حاول هرتسوغ تبرير فوز الفاشيين اليهود المتطرفين في انتخابات الكنيست (البرلمان)، ووصولهم إلى الحكم، بأنه "نتيجة الغضب في إسرائيل على الإرهاب الفلسطيني" بحسب وصف يديعوت أحرونوت 4 ديسمبر 2022.

ووقعت البحرين والإمارات، في سبتمبر/أيلول 2020، اتفاقيتين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بوساطة أميركية.

في العام نفسه، وقع المغرب والسودان اتفاقيتين مماثلتين مع إسرائيل، لتنضم الدول العربية الأربع إلى مصر والأردن المرتبطتين باتفاقيتي سلام مع تل أبيب منذ 1979 و1994.. 

السعودية هدف

خلال زيارته الإمارات والبحرين قال هرتسوغ بوضوح: "كلي أمل أن تنضم دول أخرى لدائرة السلام" في إشارة للسعودية، وسط توقعات أن يكون التقى مسؤولين سعوديين في الإمارات.

وكتب هرتسوغ على تويتر "أدعو المزيد من الدول في منطقتنا للانضمام إلى هذه الشراكة وتعزيز منطقة الشرق الأوسط".

وأضاف "إن توسيع دائرة السلام (في الشرق الأوسط) أمر بالغ الأهمية، خاصة وسط التهديدات للاستقرار العالمي والإقليمي. في مواجهة الكراهية والتهديدات والإرهاب، هناك إجابة واحدة: التحالفات مع الأصدقاء".

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية في 3 مايو/أيار 2022 قال هرتسوغ: "أود زيارة السعودية علانية"، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان قد زارها أو التقى مسؤولين سعوديين سرا.

زعم أن "السعوديين (النظام) بحاجة إلى الانضمام إلى عائلة اتفاقات أبراهام وسأكون سعيدا بالتأكيد بزيارة المملكة العربية السعودية بشكل علني".

شدد على أن "انضمام الرياض المستقبلي إلى اتفاقات أبراهام يعتمد بشكل كبير على علاقاتها مع واشنطن"، وأيضا على "الوضع الداخلي السعودي".

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 4 ديسمبر أن هرتسوغ قال للرئيس الإماراتي محمد بن زايد "الآن علينا أن نصل إلى علو مرتفع، هذا يعني رفع مستوى العلاقات بيننا أكثر، لتعزيزها وضم المزيد من الدول إلى اتفاقات إبراهام" في إشارة للسعودية.

وبرر هذا بالتحالف مع "الأصدقاء" لمواجهة "التهديدات للاستقرار العالمي والإقليمي ومواجهة الكراهية والتهديدات والإرهاب"، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية في 4 ديسمبر 2022.

وحتى ولو لم يتحقق التطبيع السياسي فورا، يظل الهدف الإسرائيلي هو التطبيع الاقتصادي، خاصة أن المقاطعة العربية السابقة للتطبيع كانت اقتصادية بالأساس.

وقد ألمح لهذا موقع "زمن إسرائيل" الإخباري في 4 ديسمبر 2022، مؤكدا أن أهمية زيارة هرتسوغ للإمارات ترجع إلى أنها "بوابة الصادرات إلى السعودية"، التي يتطلع نتنياهو إلى إبرام اتفاق سلام معها وضمها إلى "اتفاقات أبراهام".

وسبق لهرتسوغ قبل توليه رئاسة إسرائيل أن حاول مغازلة السعودية بالحديث عن دور لها في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس، واختار موقعا سعوديا هو "إيلاف" لينقل هذه الرسالة للسعوديين مباشرة.

قال لموقع "إيلاف" في 16 يناير/كانون ثان 2018 إنه يرى أن السعودية يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في القدس، وتتحمل مسؤولية إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية في أي اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وتابع "عندما نصل إلى مرحلة الحديث عن القدس والمشاعر المقدسة مثل الأقصى، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك دور سعودي ومسؤولية تجاه الأماكن المقدسة"، وفق قوله.

وخلال زيارته واشنطن في أكتوبر/تشرين أول 2022، ركز الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على التطبيع العربي الإسرائيلي.

وأشاد بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية "والتي عمل خلالها الأخير على دفع التطبيع السعودي الإسرائيلي"، بحسب ما قال موقع "جويش إنسايدر" 26 أكتوبر 2022.

وكان الموقع اليهودي نفسه نقل عن خبراء، منهم "دان شابيرو" السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل قوله "إن التوترات الأخيرة بين السعودية والولايات المتحدة تجعل التطبيع بين تل أبيب والرياض هدفًا أكثر صعوبة".

تطبيع مع الشعوب

في ظل مشاهد التضامن مع فلسطين في مونديال قطر والرفض الشعبي الواضح للتطبيع، كتب سفير إسرائيل الأسبق في القاهرة إسحاق ليفانون في صحيفة "معاريف" مطلع ديسمبر 2022: "آن الأوان لعقد اتفاقيات سلام مع الشعوب لا الأنظمة".

وقال إن إسرائيل تستمر في خلق العلاقات مع الأنظمة فقط، متسائلا: "هل سنغير المعادلة كي يتغلغل هذا إلى الشعوب أيضاً؟".

ضمن هذا التوجه، اجتمع مسؤولون حكوميون وعلماء وخبراء في السياسة من إسرائيل وأكثر من 6 دول عربية في المغرب، في مؤتمر من 5 إلى 7 ديسمبر 2022، لبحث "التعليم والتعايش والعلاقات بين الشعوب" في المنطقة.

وقالت وكالة الأناضول التركية في 5 ديسمبر 2022 إن المؤتمر يهدف إلى "إظهار فوائد التطبيع لمواطني المنطقة"، وهو من تنظيم N7، وهي شراكة بين المجلس الأطلسي ومؤسسة جيفري إم. تالبنز.

وشارك في المؤتمر كل من السودان والأردن والبحرين والإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل. 

قال وليام ويشسلر، مدير عمل المجلس الأطلسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن "من المهم لمستقبل التطبيع الخروج بتوصيات سياسية قابلة للتنفيذ لحكومات المنطقة، من شأنها زيادة التعاون وتعزيز التسامح في التعليم".

لكن الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي سخر من هذا التوجه، مشيرا إلى مطالبتهم العرب بالتعايش مع الإسرائيليين، بينما مناهج المدارس الإسرائيلية تقوم على تكريس النظرية العنصرية والاستعلائية لدى النشء اليهودي تجاه العرب.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذكّرت الإسرائيليين بأن الحكومات العربية التي طبعت العلاقات قمعت المعارضة الشعبية التي كانت ضد هذه الاتفاقات، أي أن الشعوب ترفضها.

أكدت في 4 ديسمبر 2022 أن الصحفيين الإسرائيليين في مونديال قطر تعرضوا للتوبيخ والتجاهل من قبل العرب.

وهو تذكير بأنه على الرغم من اتفاقيات التطبيع مع عدد من أنظمة دول الخليج فإن المجتمعات لا تزال تعارض توثيق العلاقات مع إسرائيل.