رسالة "المجر العظمى".. لمن يوجهها أوربان بارتدائه وشاح أطماعه التوسعية؟
على خطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يسعى لاستعادة أمجاد روسيا القيصرية، أثار رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، غضبا عارما في أوروبا مع استحضاره من جديد أحلام "هنغاريا العظمي".
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، نشر أوربان مقطعا مصورا يظهر فيه وهو يحيي لاعبي كرة القدم المجريين مرتديا وشاحا تظهر عليه خريطة بلاده قبل الحرب العالمية الأولى فيما كان يعرف بـ"هنغاريا العظمي".
وأحدث هذا الظهور ضجة في أوروبا، ولا سيما دول الجوار، وسط تساؤلات عن نوايا أوربان الذي تربطه تفاهمات قوية مع روسيا، بشأن مستقبل بلاده الذي كانت تضم قبل نحو قرن من الزمن أجزاء من النمسا، وسلوفاكيا، ورومانيا، وكرواتيا، وأوكرانيا.
أمجاد الماضي
وفي الفيديو الذي نشرته صفحة أوربان الرسمية على فيسبوك، يظهر الزعيم اليميني، وهو يحيي لاعبي كرة القدم المجريين، خلال حضوره مباراة جمعت بين المنتخب المجري ونظيره اليوناني.
وقال أوربان في الفيديو وهو مرتديا وشاح عليه خريطة "هنغاريا العظمى"، إن المنتخب المجري هو "فريق كل المجريين أينما كانوا"، مدعيا أن "كرة القدم ليست سياسة".
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، فرض المنتصرون اتفاقيات سلام قاسية على الدول المهزومة تضمنت بنودا حدت من تسلحها وقلصت مساحاتها وأجبرتها أحيانا على دفع تعويضات مالية هائلة.
وبجانب معاهدات فرساي وسان جرمان وسيفر التي فُرضت تباعا على الألمان والنمساويين والأتراك، فرض الحلفاء على المجر التي انفصلت عن النمسا مع نهاية النزاع معاهدة "تريانون" التي حمّلتهم، رفقة حلفائهم، المسؤولية الكاملة عن اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وبحسب بنود "تريانون" الموقعة في 4 يونيو/ حزيران 1920، خسرت المجر 75 بالمئة من مساحتها مقارنة بفترة وجودها ضمن الإمبراطورية النمساوية المجرية (1867 – 1918).
وآلت معظم هذه الأراضي حينها لكل من رومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ليجد بذلك نحو 33 بالمئة من السكان ذوي الأصول المجرية أنفسهم بدول أخرى.
وأقلق تصرف أوربان الأوروبيين والغرب عموما بسبب توقيته، حيث يسعى حليفه بوتين لاستعادة أمجاد روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي السابق بضم أجزاء من أوكرانيا فضلا عن حملته في جورجيا قبل سنوات.
أعضاء في البرلمان الأوروبي، منهم الفرنسي "ألين ميتوا"، رأوا ما فعله أوربان "غير مسؤول" و"لفتة تعديلية" لخريطة المنطقة.
وأكد ميتوا أنه مؤشر على أن أوربان يحلم بتغييرات الحدود أيضًا، على غرار ما يحاول بوتين فعله، داعين زعماء الاتحاد الأوروبي لمعاقبته باعتبار المجر عضوا، فضلا عن عضويتها بحلف شمال الأطلسي "ناتو".
Another irresponsible act of Viktor Orban, who appeared today with a scarf with the map of Greater Hungary. It's a revisionist gesture that puts Orban alongside Putin, who also dreams of border changes. He should be sanctioned and isolated by EU leaders in the European Council. pic.twitter.com/9UwOIU89cN
— Alin Mituța (@AlinMituta) November 21, 2022
وما زاد القلق أن هذه ليست المرة الأولى التي يشعل فيها أوربان التوتر بالقارة عبر إشارات إلى "المجر الكبرى"، ففي عام 2020، نشر صورة كرة أرضية تظهر حدود المجري قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، ما أثار غضب كرواتيا ورومانيا.
لعبة سياسية
وفي إطار الضجة الأوروبية، كتبت صحيفة "فرانكفورتر الجمانية زايوتنج" الألمانية أن "أوربان اعتاد اللعب سياسيا بخريطة بلاده، وعندما تغضب دول الجوار، يتظاهر بالدهشة والبراءة، مدعيا أنها مجرد تمثيل لحالة سابقة ليس لها علاقة لها بالسياسة الحالية".
وأضافت تحت عنوان "الحلم الساخر لهنغاريا الكبرى" في 26 نوفمبر، أن "عدم توقف أوربان عن مثل هذه الاستفزازات حتى الآن أمر يثير القلق، لأنه لا يزال يتقرب من مجرم الحرب بوتين".
وأوضحت الصحيفة الألمانية أن "أوربان يتظاهر بأنه الوصي على المجريين في الدول المجاورة وسبق أن أعطاهم جوازات سفر مجرية بأعداد كبيرة، ودعاهم إلى التصويت قبل الانتخابات الأخيرة له".
وادعت أن "أوربان يعلم أنه لا يستطيع استعادة المجر الكبرى، واستفزازاته مجرد ألعاب سياسية ربما يكون المقصود منها تشتيت الانتباه عن شيء ما، لكنها ربما تكون أيضًا غاية في حد ذاتها"، نظرا لأنه "صديق لجار عدواني (روسيا) يسعى لاستعادة إمبراطورتيه الماضية أيضا".
الصحيفة الألمانية قالت أيضا: "قد يكون من المشروع للمجر أن تدافع عن أقلياتها في حالة انتهاك حقوق الأقليات الخاصة بهم كما حدث في أوكرانيا، لكن ليس مشروعا تشجيعهم على تقويض ولائهم للدولة التي يعيشون فيها وفق حدود معترف بها في القانون الدولي".
وختمت بالتحذير من أن "حكومة أوربان تنكأ جراح الماضي بتصرفات وإيماءات خفية مثل وشاح هنغاريا العظمى".
من جانبها، أشارت صحيفة "ديلي ميل البريطانية في 23 نوفمبر، إلى أن هدف أوربان من ارتداء هذا الوشاح ليس اعتباطيا، وأن المجر ربما تتطلع الآن لعودة أجزاء من أوكرانيا إليها، بعدما غزاها بوتين وباتت مقسمة.
ونقلت عن المحلل المجري في شئون البلقان "ميلانوفيتش" قوله إنه "يوجد في خزائننا وأرشيفاتنا العديد من الخرائط التاريخية التي تُظهر أن وطننا أكبر بكثير مما هو عليه اليوم، لكن مشاركتها ووضعها على حساب أوربان الشخصي على فيسبوك، يخلق بلبلة ويثير غضب الجيران".
وفي معرض ردها على خطوة أوربان، أكدت وزارة الخارجية الرومانية في بيان أن "أي رسم تنقيحي لخريطة المجر، بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه، هو أمر غير مقبول لأنها يتناقض مع الواقع والالتزامات المشتركة التي تعهدت بها رومانيا والمجر".
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، أوليغ نيكولينكو، إن كييف استدعت سفير المجر "لإبلاغه بعدم قبول تصرف فيكتور أوربان".
فيما قال رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا إنه يتوقع مناقشة الوشاح الذي يصور "المجر الكبرى" في قمة دول فيشغراد الأربعة (جمهورية التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا).
وأكدت وكالة رويترز في 23 نوفمبر، أن وشاح أوربان "المجر الكبرى" سيكون على الأرجح على جدول أعمال قمة وسط أوروبا المقبلة.
كما وصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الوشاح الذي ارتداه أوربان بأنه كان "ترويجًا للأفكار التحريفية".
وكانت قد شكت أوكرانيا من "الولاء المنقسم" للأقلية العرقية الهنغارية التي تعيش في إقليم ترانسكارباثيا على الحدود الأوكرانية المجرية (150 ألف نسمة)، ومرتبطة ثقافيا ولغويا بالمجر.
ووصف أوربان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه "خصم" في خطاب النصر الذي ألقاه عقب فوزه في انتخابات أبريل/ نيسان 2022، كما أنه يرفض بشدة تزويد الجيش الأوكراني بالسلاح.
أحلام بعيدة
تجدر الإشارة إلى أنه رغم تحسن قدرات الجيش المجري وتطور قدراته واستعداداته الحربية بعد خروجه من عباءة الاتحاد السوفيتي وانضمامه للناتو، إلا أن قدراته الحالية لا تسمح له بأي غزو لدول مجاورة، وفق مراقبين.
ومقارنة بالجيش النمساوي المجري قبل الحرب العالمية الأولي الذي كان يضم 3 قوات هي الجيش الإمبراطوري الملكي 350 ألف فرد، إضافة إلى القوات النمساوية 40 ألف فرد والقوات المجرية 30 ألف فرد، لا يتعدى حجم جيش المجر الحالي 22 ألفا بجانب 44 ألفا احتياطيا.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب "أوربان" اليميني كان قد فاز للمرة الرابعة على التوالي منذ عام 2010 على تحالف من ستة أحزاب معارضة في انتخابات 4 أبريل 2022.
وتتهمه أحزاب المعارضة المجرية أوربان بأنه "سلطوي" وأعاد خلال السنوات الـ12 التي قضاها في السلطة، كتابة الدستور، وملأ المحاكم العليا بالمعينين من قبله، وغير النظام الانتخابي لصالحه وكمّم القضاء والإعلام فارضا رؤية محافظة متشددة للمجتمع.
وكان لأوربان علاقة مشحونة مع الاتحاد الأوروبي الذي يرى أن أوربان قوض المؤسسات الديمقراطية في المجر، لكن إعادة فوزه في الانتخابات البرلمانية جعلت حكم فيكتور أوربان المقرب من موسكو في وضع أفضل.
ويُعد أوربان، أقرب حليف لبوتين في الاتحاد الأوروبي، وضغط بقوة لعدم فرض بروكسل عقوبات على موسكو على الرغم من تصويته في نهاية المطاف لصالح جميع حزم العقوبات.
واتهم أوربان الاتحاد الأوروبي في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بأنه يستهدف المجر عبر سلسلة عقوباتها على روسيا، والتي رأتها بودابست "قنبلة" تهدد اقتصادها.
ومنذ أن غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 عمد أوربان مرارًا وتكرارًا إلى كبح عقوبات الاتحاد الأوروبي على الكرملين، ودعا إلى مفاوضات سلام بين موسكو وواشنطن، ويبدو أنه قد كوفئ بشحنات غاز روسي إضافية إلى المجر.
وفي 2 يونيو/ حزيران 2022 عرقلت المجر إقرار الاتفاق الذي توصلت إليه القمة الأوروبية والقاضي بحظر القسم الأكبر من واردات النفط الروسي وفرض عقوبات جديدة على روسيا.
وبرغم العداء التاريخي بين المجر وروسيا بسبب تدخل الاتحاد السوفيتي عسكريا ضد الثورة المجرية عام 1956 فقد أعاد البلدان تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ويرى مجريون أن الحكم السوفيتي كان أفضل لهم مما جري بعد الحرب العالمية الأولي، مشيرين إلى أنه خلال الحكم السوفيتي كانت هناك حرية ثقافية نسبية ويسمح لهم بتولي مناصب رسمية بارزة، على عكس ما يحدث للمجريين في أوكرانيا.