ثلاث مدن تعيق تركيا عن استكمال حزامها الأمني على حدود سوريا.. تعرف

12

طباعة

مشاركة

تحوم عملية عسكرية تركية مرتقبة حول 3 مدن شمالي سوريا تحولت إلى أعشاش متفجرة لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا" وفروعه، وباتت تعيق استكمال أنقرة لـ"حزامها الأمني" عند حدودها الجنوبية.

وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أطلقت تركيا عملية جوية محدودة شمالي سوريا حملت اسم "المخلب السيف"، استهدفت مواقع مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصارا باسم "قسد" في حلب وشمال الرقة والحسكة.

وجاءت العملية الجوية ردا على تفجير "شارع الاستقلال" بمنطقة تقسيم في إسطنبول، في 13 نوفمبر الذي حملت تركيا مسؤوليته لـ"بي كا كا" وفروعه في سوريا، وهي أكبر مكونات "قسد".

لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تعهد في 23 نوفمبر، بأن العملية لن تقتصر على الضربات الجوية، مؤكدا عزمه "اجتثاث الإرهابيين" من مدن تل رفعت، ومنبج، وعين العرب "كوباني" شمالي سوريا.

وقال أردوغان في كلمة ألقاها خلال اجتماع الكتلة النيابية لحزبه العدالة والتنمية الحاكم بالعاصمة أنقرة: "سننقض على الإرهابيين برا أيضا في الوقت الذي نراه مناسبا".

وأضاف أن "القوى التي قدمت ضمانات بعدم صدور أي تهديد ضد تركيا من المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا، لم تتمكن من الوفاء بوعودها، ما يعطينا حق أن نتدبر أمرنا بأنفسنا".

وجرى توقيع اتفاقية سوتشي بين تركيا وروسيا في سبتمبر/ أيلول 2018، ومن بنودها إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومترا على خطوط التماس بين قوات بشار الأسد وفصائل المعارضة.

وتشمل تلك المنطقة أطراف إدلب، وأجزاء من ريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي، وريف اللاذقية الشمالي، لكن أيا من تلك البنود لم يتحقق.

حجر عثرة

وبنظرة على الخريطة الميدانية، فإن تلك المدن التي يسيطر عليها "بي كا كا" وفروعه بسوريا منذ سنوات، تشكل تهديدا مباشرا على الداخل التركي، كما تقف حجر عثرة أمام "منطقة آمنة" تسعى أنقرة لتأسيسها من أجل إرجاع اللاجئين السوريين إليها.

كما أن مدينة عين العرب الملاصقة للحدود، تقول الداخلية التركية أن التعليمات لتنفيذ تفجير إسطنبول الدامي في 13 نوفمبر، خرجت منها.

وبحسب مديرية الأمن العامة بـ إسطنبول، فإن منفذة التفجير، الذي أدى لمقتل 6 مدنيين وإصابة 81 آخرين، هي امرأة واعترفت أثناء التحقيق بانتمائها إلى "بي كا كا".

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة منذ عقود.

و"بي كا كا" يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

وتعد قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، الفرع السوري من "بي كا كا".

وتؤكد وزارة الدفاع التركية أن العمليات العسكرية كافة التي تقوم بها خارج حدود تركيا متوافقة مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنح الدول حق الدفاع عن نفسها.

وفي حديثه عن العملية، أكد الرئيس التركي أردوغان، أن بلاده "تدافع عن حقوق الأطفال والنساء أيضا عبر الحزام الأمني الذي تعمل على تشكيله خلف حدودها الجنوبية (شمالي سوريا).

وأضاف في فعالية بإسطنبول بتاريخ 25 نوفمبر: "إن شاء الله سنستكمل هذا الحزام من الغرب إلى الشرق على امتداد حدودنا ونضمن تطلع مواطنينا والناس الذي يعيشون في تلك المناطق بثقة نحو مستقبلهم".

حزام أمني

وإذا ما شنت تركيا العملية العسكرية التي تلوح بها لإبعاد فروع "بي كا كا" عن مناطق المعارضة السورية بغية تحقيق مزيد من الاستقرار فيها، فستكون الثالثة ضد تلك الفروع والخامسة بسوريا.

وتقع منبج وتل رفعت وعين العرب ضمن الحزام الأمني، الذي تريد أنقرة تثبيته في سوريا وطرد عناصر "بي كا كا" وفروعه منها.

وتهدف العملية لتوسيع المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية بعمق 30 كيلو مترا، للسوريين الفارين من بطش نظام بشار الأسد، فضلا عن مطالبات متكررة لسكان مناطق تحتلها فروع "بي كا كا" بتحريرها منهم.

ولهذا فإن المدن الثلاثة كانت ضمن بنك الأهداف القادمة لتركيا، عقب قطع الطريق أمام فروع "بي كا كا" لإقامة كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

وماتزال تشكل تلك المدن عقبة كبيرة أمام المنطقة الآمنة التي تنشدها تركيا، ولا سيما أن بقاء عناصر "بي كا كا" وفروعه فيها يمنح مناطق العمليات العسكرية التركية السابقة، عامل عدم استقرار اقتصادي وبالدرجة الأولى أمني.

ومن هنا فإن تركيا عازمة على شن عملية عسكرية ضد فروع "بي كا كا" بسوريا، بمساندة من "الجيش الوطني السوري" المعارض، الذي يجري مناورات عسكرية بالتزامن، وذلك استكمالا لعمليات سابقة.

وفي السابق أطلقت تركيا عمليتين عسكريتين بهدف قطع الطريق أمام محاولات قوات "ي ب ج" وَصْل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها، تربط محافظات الحسكة، الرقة، حلب.

الأولى، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/ كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".

والثانية، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، إذ أبعدت قوات "ي ب ج" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.

وأمام تلك الخلفية، يمكن وضع المجهر على تلك المدن، حيث يظهر مدى تأثيرها الكبيرة على مناطق المعارضة وعلى الداخل التركي في آن معا.

عين العرب

وتمكن المقاتلون الأكراد في 26 يناير 2015 من السيطرة على مدينة عين العرب شمال حلب، بعد معارك مع تنظيم الدولة بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

والمدينة متاخمة للحدود التركية وتقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتفصلها عنه نحو 25 كيلومترا.

وتشكل المدينة "مصدر عدم استقرار؛ إذ تتكرر الهجمات منها على نقاط حدودية تركية، ومناطق يسيطر عليها الجيش الوطني السوري المدعوم من قبل تركيا.

وفي أواخر عام 2019، ضغطت أنقرة على واشنطن فيما يخص شن حملة عسكرية لتنفيذ اتفاقية "المنطقة الآمنة"، لكن ذلك خلق أزمة، إذ انسحبت الولايات المتحدة من عين العرب ومناطق حدودية أخرى، سيطرت عليها روسيا والنظام السوري.

وعادت قسد أمام التهديدات التركية، للتخفي وراء قوات النظام السوري، وسمحت لها بدخول عين العرب ومنبج وتل رفعت في يونيو 2022.

وعين العرب هي المنطقة الوحيدة الواقعة تحت سيطرة فروع "بي كا كا" بين الجناحين الشرقي والغربي لنهر الفرات، أي بين مناطق عملية درع الفرات، التي تتمركز بها المعارضة السورية، وتحديدا جرابلس شرقي حلب، وتل أبيض شمال الرقة.

وكانت أولى العمليات العسكرية ضد "تنظيم الدولة" تحت اسم عملية "درع الفرات"، في 24 أغسطس/ آب 2016، وتركزت بريف حلب، وطرد حينها التنظيم من مدن جرابلس، والباب، وأعزاز، وجرى بها تحرير 2055 كيلومترا مربعا.

وراهنا، تريد أنقرة بسط سيطرتها على عين العرب، من أجل قطع خط القامشلي - منبج، أمام فروع "بي كا كا"، ولضمان الربط المباشر بين رأس العين وتل أبيض (خاضعتان للمعارضة) مع مناطق عملية درع الفرات في ريف حلب.

 كما أن لمدينة عين العرب، رمزية عند المقاتلين الأكراد، إذ كانت في أواسط القرن العشرين في صلب الصراع ما بين تركيا وأقليتها الكردية.

لا سيما أن عددا من عناصر وقادة "بي كا كا" ينحدرون من عين العرب، وفروا في الماضي إلى جبال قنديل بالعراق، ثم عادوا إليها عام 2015.

وينحدر قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، من عين العرب، وهو مطلوب لدى السلطات التركية بتهم "الإرهاب".

وإذ ما سيطر "الجيش الوطني" بدعم تركي، على مدينة عين العرب سيقطع الطريق أمام المليشيات الانفصالية من تنفيذ مشروعها الذي يمتد شمال سوريا وتتوسطه منطقة المدينة.

ولذلك فإن السيطرة على عين العرب، عملية إستراتيجية لأنها تصل ضفتي المنطقة الآمنة شرق الفرات مع غربها.

وطوال السنوات الماضية، حاولت فروع "بي كا كا"، أن تصل مدينة عين العرب إلى مدينة منبج استكمالا لمشروعها الانفصالي.

أما الجيش الوطني، فسيتمكن بالسيطرة على عين العرب، من جر مياه الشرب لشرق الفرات، حيث مناطق يسيطر عليها مثل تل أبيض ورأس العين شمال الرقة.

وبحسب صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية، فإنه ينظر إلى مدينة عين العرب على أنها أهم ركائز إنشاء منطقة آمنة في سوريا، لأنها بالنسبة لـ"بي كا كا" مثل جبال قنديل في العراق.

تل رفعت

أما المدينة الثانية، فهي تل رفعت الخاضعة لقوات "ي ب ج" الكردية، وهي أولى المدن التي تلوح تركيا باستعادتها، وتقع في ريف حلب الشمالي على بعد 35 كيلومترا من مدينة حلب ونحو 15 كيلومترا من الحدود التركية.

وانتزعت "ي ب ج"، تل رفعت من فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى بلدات محيطة بها في فبراير 2016 بمساندة وغطاء جوي روسي.

وحينها تسلم النظام السوري، ثماني مناطق في محيط تل رفعت وصولا إلى بلدتي نبل والزهراء الخاضعتين للمليشيات الإيرانية، وتمتد على نقاط تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركيا في مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال حلب.

 ومنذ ذلك الحين عُدّت تل رفعت عقدة توازنات عسكرية بين روسيا وتركيا، لكونها قريبة من الحدود التركية واتخاذها من قبل قوات "ي ب ج" منطلقا لهجمات صاروخية على الداخل التركي.

فضلا عن كونها تمتد على نقاط تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركيا في مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال حلب.

إذ يستخدم "ي ب ج" تل رفعت كمنطلق لشن هجمات بأسلحة ثقيلة، على الأحياء المدنية والمشافي والمدارس في مناطق المعارضة السورية القريبة منها، ما يتسبب بمقتل مئات المدنيين منذ عام 2016.

ولشدة تعرض دوريات الجيش التركي لهجمات من المدينة، أقدم على بناء جدار إسمنتي على جبهة تقابل "جيب تل رفعت" في يونيو/ حزيران 2022، وبطول حوالي 4 كيلومترات.

وفي حال جرى استعادة مدينة تل رفعت ومحيطها، فإن نحو 250 ألف مدني مهجر سيعودون إلى منازلهم، وهو ما يطالب به وجهاء المنطقة أملا في تحسين الخدمات المقدمة للنازحين في مدن ثانية تعاني من ارتفاع الكثافة السكانية.

مدينة منبج

أما مدينة منبج الإستراتيجية الخاضعة حاليا لقوات "قسد" منذ أغسطس 2016، والتي تبعد عن حدود تركيا 80 كيلومترا، تشكل أيضا حجر عثرة أمام إتمام إنشاء المنطقة الآمنة المذكورة.

وحاليا تعد مدينة منبج، بالنسبة لـ"قسد"، بمثابة شريان اقتصادي وبوابة تجارية لشمالي وشرقي سوريا، لأنها تربط مناطق سيطرتها في شرق الفرات (ديرالزور، الرقة، القامشلي، الحسكة) وقريبة من مدينة عين العرب مسافة 60 كيلو مترا.

ولطالما كانت المدينة محط خلاف بين تركيا وأمريكا من جهة وبين تركيا وروسيا من جهة أخرى، وسط غموض في الاتفاق بين هذه الدول على مصير المدينة.

وتحولت المدينة تدريجيا إلى نقطة استقطاب للصناعيين والتجار في المنطقة، بسبب موقعها الجغرافي، وتوسطها مناطق النفوذ الثلاث في الشمال السوري، وقربها من الحدود التركية وطرق استيراد البضائع.

وتكمن أهمية منبج اقتصاديا، كونها ترتبط بمناطق سيطرة المعارضة السورية في الشمال السوري بمعبرين، هما "أم جلود" و"عون الدادات"، وترتبط بمناطق النظام السوري بمعبر "التايهة"، وهذه المعابر تدر ملايين الدولارات على "قسد" من الإتاوات على البضائع.

ولذلك فإن فرس الرهان على هذه المدينة يكمن في أن خسارة قسد لها، بمثابة "انتكاسة اقتصادية" لمناطقها شمالي وشرقي سوريا.

فهي بمنزلة العاصمة الاقتصادية لـ"قسد" التي تؤمّن السلع والخدمات لمناطقها، إذ يوجد بالمدينة وريفها نحو 488 منشأة صناعية، أقل من نصفها تصنع مواد غذائية.

وبالمحصلة، فإنه عسكريا، تكتسب المدن الثلاث أهمية إستراتيجية في ظروف الصراع المركب، وخاصة أن تركيا عازمة على التخلص من هذه الجيوب العسكرية المعادية لها.

وبحال سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على المدن الثلاث، بموجب العملية العسكرية الجديدة، فإنه لا يترك احتمال مهاجمة الأراضي التركية بقذائف صاروخية مجددا.