سيرغي سوروفيكين.. جنرال روسي أحرق سوريا فقاد جيش بوتين في أوكرانيا

12

طباعة

مشاركة

مع استمرار حرب أوكرانيا تتكشف الأدوار "القذرة" للضباط الروس الذين يتولون قيادة العمليات العسكرية من أمثال قائد العدوان ضد كييف سيرغي سوروفيكين، الذي تطارده اتهامات بالوحشية وتهم فساد.

ووضع سوروفيكين تحت دائرة الضوء، بعدما كسرت موسكو سياسة الكتمان بشأن أسماء الضباط الذين تولوا قيادة القوات الروسية بأوكرانيا، وخاصة بالمراحل الأولى من الغزو فجر 24 فبراير/ شباط 2022.

تحقيق كاشف

وسلط تحقيق أوروبي حديث الضوء على مملكة فساد الجنرال الروسي سوروفيكين (56 عاما)  الملقب بـ"جنرال حرب نهاية العالم" في وسائل الإعلام الغربية.

وأكد التحقيق الاستقصائي الذي أجرته "إذاعة أوروبا الحرة" ونشرته في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، استفادة سوروفيكين من صفقات مربحة داخل روسيا عبر أعمال تتبع لزوجته، وأيضا من مناجم استخراج الفوسفات بسوريا.

وذكر أن سوروفيكين متهم أيضا بارتكاب مجازر وشن هجمات استهدفت مدارس ومستشفيات راح ضحيتها آلاف المدنيين في سوريا.

 ورجح التحقيق الذي أجرته منظمة لمكافحة الفساد يرأسها المعارض الروسي المعتقل أليكسي نافالني، أن يكون سوروفيكين قد استفاد ماليا أثناء وبعد فترة قيادته للقوات الروسية بسوريا.

ولفت إلى تعاون سوروفيكين، مع غينادي تيمشينكو، وهو رجل أعمال مرتبط بالكرملين ومقرب من الرئيس فلادمير بوتين، وحقق المليارات من تجارة النفط والطاقة من خلال شركة "غونفور".

ووفقا لوزارة الخزانة الأميركية، فإن أعمال تيمشينكو "مرتبطة بشكل مباشر ببوتين الذي يمتلك استثمارات في الشركة، ولديه إمكانية للوصول إلى أموالها".

وأوضح التحقيق أن شركة إنشاءات "سترويترانسز غاز" المملوكة لتيمشينكو تمكنت من الوصول إلى حقلين سوريين لتعدين الفوسفات بالقرب من تدمر هما: الشرقية، وخنيفيس.

وبدأت شركة "سترويترانسز غاز" باستخراج الفوسفات في صيف عام 2017، بعد حوالي عامين من التدخل العسكري الروسي في سوريا.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017، ظهر سوروفيكين وهو يؤدي التحية العسكرية لبوتين من داخل قاعدة حميميم الجوية في مدينة اللاذقية السورية خلال زيارة غير معلنة لبوتين آنذاك إلى سوريا، وأطلعه حينها على "تحرير" حقلي الشرقية وخنيفيس.

اللافت أن سوروفيكين ترك قيادته للحملة العسكرية الروسية على سوريا، بعد ذلك بأشهر، عندما عينه بوتين قائدا أعلى للقوات الجوية الروسية.

النشأة والتكوين

ولد سوروفيكين عام 1966 في منطقة نوفوسيبيرسك جنوب غربي روسيا، وهو من قدامى المحاربين، إذ بدأ مسيرته العسكرية النشطة في أفغانستان في أواخر ثمانينيات القرن العشرين.

واشترك في الحرب الأهلية الطاجيكية، وفي الحرب الشيشانية الثانية، وفي تدخل روسيا لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط في سوريا بعد ثورة شعبية ضده عام 2011، ليرجح كفة النظام بعد حرق المدن بلهيب الطائرات.

وخدم سوروفيكين في نهاية التسعينيات في طاجيكستان، حيث أصبح قائدا للفرقة 201، وهي القاعدة العسكرية الروسية هناك، قبل أن ينتقل إلى قيادة فرقة في الشيشان بين عامي 2004 و2005.

وفي عام 1991 عندما عاد إلى روسيا من أفغانستان، كان برتبة نقيب وله من العمر 24 عاما، وتورط بقتل ثلاثة أشخاص خلال اشتباك بين عربات عسكرية ومتظاهرين مؤيدين للديمقراطية في موسكو.

ونتيجة لذلك، أمضى وقتها سوروفيكين ستة أشهر في السجن، وأسقطت لاحقا جميع التهم عنه على أساس أنه كان ينفذ الأوامر.

وبينما كان سوروفيكين طالبا في أكاديمية فرونزي العسكرية عام 1995، حكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لبيعه مسدسا بشكل غير قانوني لزميل في الصف.

وفي عام 2013 عين قائدا للمنطقة العسكرية الشرقية للقوات الروسية، وأصبح في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 قائدا للقوات الجوية الفضائية الروسية.

وكان سوروفيكين من مارس/ آذار حتى أكتوبر 2017 ومن يناير/ كانون الثاني حتى أبريل/ نيسان 2019 قائدا للقوات الروسية في سوريا.

وكعادة جميع أسلافه قائدي العمليات بسوريا، حصل سوروفيكين على ترقية عقب عودته من سوريا إلى روسيا، إلى رتبة جنرال عام 2021.

وظهر اسم الجنرال سيرغي سوروفيكين، قائد مجموعة قوات الجنوب في أوكرانيا لأول مرة على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف يوم 24 يونيو/ حزيران 2022، عندما تحدث في تقرير يومي عن تقدم في معارك ليسيتشانسك بمنطقة لوغانسك.

جزار وفاسد

بالعودة إلى تحقيق "إذاعة أوروبا الحرة"، الذي يكشف جانبا من الفساد المالي واستخدام النفوذ في توسيع سوروفيكين حظوظه المالية بناء على مناصبه العسكرية الرفيعة.

فإن شركة "أس تي جي لوجيستيكا "، التابعة لشركة "سترويترانسز غاز"، دفعت 104 ملايين روبل (حوالي مليوني دولار) على شكل قروض لشركة أخشاب تدعى "Argus SFK" بين عامي 2020 و2021.

وذكر التحقيق أن شركة " Argus SFK"، التي يقع مقرها في منطقة سفيردلوفسك في روسيا، أسستها زوجة سوروفيكين مع ابنة منصب الحاكم الإقليمي ألكسندر ميشرين.

كما يكشف التحقيق أن زوجة أحد كبار المسؤولين في  "سترويترانسز غاز"، منحت أيضا الشركة التابعة لزوجة سوروفيكين قرضا بقيمة 25 مليون روبل (حوالي 412 ألف دولار).

وأكد التحقيق أن القرض كان بمثابة دفعة مخصصة لسوروفيكين للأعمال التجارية التي أجريت خلال العملية الروسية في سوريا.

وذكر  أنه خلال نوفمبر 2022، قيد السجل الوطني الروسي للممتلكات، بشكل مفاجئ، الوصول إلى سجلات عائلة سوروفكين وأقاربها، وعدها سرية.

وفي سوريا، لم يكن سوروفيكين ينسج علاقاته المالية ويجني أموالا فقط، بل كان موغلا في دماء السوريين.

فقد لقب سوروفيكين بـ"جزار حلب" السورية، كونه كان مشرفا على الحملة العسكرية الشرسة على أحياء مدينة حلب الشرقية التي كانت بيد المعارضة السورية.

واتبع الجنرال الروسي سياسة الأرض المحروقة والتدمير العشوائي للمنازل، الأمر الذي أجبر المعارضة السورية على الاستسلام نهاية 2016.

وأثناء تلك الحملة برز تجريب روسيا لأسلحة جديدة على رؤوس المدنيين السوريين في مدينة حلب، حيث ظهر سوروفيكين الذي يرى المقاتلين والمدنيين بذات السوية، بتسجيلات مصورة وهو يتحدث عن نجاعة تلك الأسلحة في سوريا.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تؤكد مصادر بحثية أن سوروفيكين متورط بهجمات كيماوية على المدنيين السوريين.

إذ نقلت قناة "بي بي سي نيوز" في 12 أكتوبر 2022، عن تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، قوله: "إن القوات الروسية شاركت تحت قيادة سوروفيكين في تغطية استخدام غاز الأعصاب السارين، وشهدوا تحميلها على متن طائرات سورية قبل دقائق من هجوم كيماوي مميت على بلدة خان شيخون بريف إدلب قتل فيه أكثر من 80 شخصا في 4 إبريل 2017".

وحصل سوروفيكين على لقب "بطل روسيا" للشجاعة والبطولة في سوريا عام 2017، كما حصل على وسام القديس غيورغيوس من الدرجة الرابعة لـ"الشجاعة والاستحقاق العسكري".

اليد الوحشية

وفي محاولة من الكرملين ووزارة الدفاع لإعادة الجهود الحربية إلى مسارها بعد انتكاسات عديدة بأوكرانيا، جرى في 8 أكتوبر 2022، تعيين سوروفيكين قائدا للحرب الروسية في أوكرانيا.

وقبل ذلك كان سوروفيكين، "الجنرال هرمجدون"، كما وصفته الصحافة البريطانية، قائدا للتجمع الجنوبي، أحد مكونات العملية المذكورة.

وفي يوم تنصيب سوروفيكين، تعرضت أكثر من 300 بلدة ومدينة أوكرانية لأكبر قصف جوي روسي منذ الأيام الأولى للغزو، وكانت طريقة القصف مروعة، وكأنه يحتفل بترقيته للمهمة الجديدة.

وسمعة سوروفيكين الوحشية وسلوكه المضطرب مع جنوده وخاصة بعد حادثة انتحار جندي روسي عام 2005 بعد خروجه من غرفته حسبما ذكرت صحيفة "كوميرسانت الروسية" الموالية للحكومة، يدلل على شكل الحرب التي يريدها بوتين ضد أوكرانيا من الآن فصاعدا.

إذ لم يكن اختيار الجنرال القاسي سوروفيكين قائدا للقوات في أوكرانيا، عبثيا، كون تعيينه يشير إلى مزاج أكثر عدوانية من الكرملين تجاه الجارة أوكرانيا، وخاصة أنه جاء بعد ساعات من تفجير جسر القرم.

وألحق انفجار شاحنة قوي أضرارا جسيمة بجسر كيرتش الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم المحتلة، في ضربة قاسمة إلى رمز مرموق لضم موسكو لشبه الجزيرة.

وخاصة أن الجسر يضم طريقا بريا ومسارا للقطارات، ويشكل طريق الإمداد الرئيس للقوات الروسية التي تقاتل للسيطرة على الأراضي التي استعادتها أوكرانيا في الجنوب.

ومدح رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، حليف بوتين الوثيق، سوروفيكين بعيد ميلاده الـ56 عبر رسالة على تلغرام في 10 أكتوبر 2022.

جاء في الرسالة: "أتمنى له السعادة والنجاح والصحة. خلال هذا الوقت، لم أشك أبدا في حزمه ومهنيته ووطنيته، وأنا متأكد تماما من أنه في ظل قيادته، ستتم العملية الخاصة بنجاح".

يفغيني بريغوزين رجل الأعمال الروسي البارز متعدد المهن، ورئيس مجموعة "فاغنر"، والمعروف أيضا بـ"طباخ الرئيس فلاديمير بوتين"، علق كذلك على تعيين سوروفيكين قائدا لعملية أوكرانيا، بقوله: "الجنرال هو القائد الأكثر كفاء في الجيش الروسي".

"قوي وحاسم"

ويقول الخبير العسكري، العقيد المتقاعد فيكتور ليتوفكين، لصحيفة "إكسبرت رو" الروسية، إن سوروفيكين "يحظى باحترام كبير في الجيش؛ وهو قائد قوي الإرادة وحاسم، ولا يخشى اتخاذ قرارات مستقلة".

وسوروفيكين هو صاحب اقتراح سحب القوات الروسية إلى الضفة اليسرى من نهر دنيبر في خيرسون الأوكرانية في نوفمبر 2022.

ورغم أن هذا التكتيك يعد "خسارة إستراتيجية جديدة" لموسكو في الحرب، إلا أن الجنرال فضل الحفاظ على حياة 30 ألف عسكري روسي وحوالي 5000 قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية كانت هناك.

وفي أوكرانيا لجأ القائد الروسي إلى تطبيق أعمال مماثلة أجراها في سوريا، وهي ترويع السكان المدنيين بشدة القصف من أجل كسر إرادتهم في المقاومة، واتباع سياسة الأرض المحروقة، وحصار المدن وفتح ممرات إنسانية مشروطة.

لكن في أوكرانيا بات من الواضح أن سوروفيكين بحاجة إلى إعادة التفكير في حملته العسكرية هناك.

وهو الآن لديه جيش ميداني تحت تصرفه، لكنه متعب للغاية، ولديه مشاكل معنوية ويفقد باستمرار الأفراد والمعدات.

وفي هذا الإطار، قال ضابط استخبارات بريطاني كبير، لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية في 26 أكتوبر 2022 لم تذكر اسمه، إن "تكتيكات سوروفيكين العسكرية أثبتت فعاليتها في سوريا، حيث اشتهر بكفاءته بصفته خبيرا إستراتيجيا عسكريا، وإن تميز بالقسوة".

بينما وصف سيرغي أكسيونوف، حاكم شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا عام 2014، سوروفيكين بـ "الضابط الحاسم الذي يتمتع بالصفات اللازمة للقائد"، وفق تعبيره.

كما أن وسائل الإعلام الروسية أسبغت توصيفات كثيرة على سوروفيكين، وأشارت إليه قناة "روسيا اليوم" بأنه "رجل عسكري محترف".

ولهذا يعتقد خبراء عسكريون أن سوروفيكين يلتزم بالنوايا السياسية لروسيا لإطالة أمد الحرب بأوكرانيا لأطول فترة ممكنة.

وخاصة أنه أكد في مقابلة مع الإعلام الروسي عقب تعيينه قائدا للعملية بأوكرانيا، إن "نتيجتي المنشودة هي أن تكون أوكرانيا مستقلة عن الغرب وحلف شمال الأطلسي، ودولة صديقة لروسيا".