نجح رئيس من أربعة كرروا المحاولة.. هل يعود ترامب إلى البيت الأبيض؟

12

طباعة

مشاركة

رغم تحميله مسؤولية فشل حزبه (الجمهوري) في الانتصار على الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفية، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أنه سيرشح نفسه مرة أخرى لمنصب رئيس الولايات المتحدة عام 2024.

وقدم ترامب في 16 نوفمبر/تشرين الثاني أوراق ترشحه لهيئة الانتخابات الفيدرالية، ثم تحدث أمام مؤيديه بمقر إقامته في فلوريدا.

وقال الرئيس السابق: "من أجل جعل أميركا عظيمة مرة أخرى، أعلن الليلة ترشيحي لمنصب رئيس الولايات المتحدة". وأضاف أنه يريد منع حصول بايدن على ولاية رئاسية جديدة

وفاز الحزب الديمقراطي، في انتخابات نوفمبر، واحتفظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ، وهو نصر حاسم لاستمرارية رئاسة جو بايدن، حسبما أفادت به وسائل إعلام محلية.

نظرية المؤامرة

مراقبون يرون أن إصراره على ترشيح نفسه يرجع إلى عدة عوامل منها طبيعة شخصيته "المسيانية" Messianic Figure، أي نظرته لنفسه على أنه "البطل المخلص" وفق هذه الفكرة الواردة في الفكر الديني اليهودي والمسيحي.

إذ يرى أنه يواجه نظرية مؤامرة تسمي "كيو أنون" Q-Anon ابتدعها تياره اليميني المتطرف، تزعم أن هناك خطة سرية لـ "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة ضده، بحسب ما نشرت مجلة "بوليتيكو" الأميركية في 23 سبتمبر/أيلول 2022.

فما يعتقد آخرون أن هدف ترامب من الترشح هو الاستعصام بالرئاسة، للتهرب من مساءلته وربما محاكمته في قضايا فساد مالي وتهرب ضريبي واختلاس مستندات حكومية رسمية، اقتحم الأمن الفيدرالي منزله أغسطس/آب 2022 لاستعادتها.

أي يسعى لتقليد ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي المُكلف بنيامين نتنياهو للهروب من محاكمته، إذ يواجه ثلاث لوائح اتهام بالرشوة والغش وخيانة الأمانة.

في مؤتمر إعادة ترشيحه، كرر ترامب إطلاق نفس شعار نظرية المؤامرة "كيو أنون" التي يعتنقها "متطرفو ماغا" MAGA بقوله: "من أجل جعل أميركا عظيمة ومجيدة مرة أخرى" بحسب ما نشرت سي إن إن الأميركية في 15 نوفمبر 2022.

كما شارك عبر حسابه على موقع "تروث سوشيال" التابع له، تغريده لموقع يُسمي God_Bless_Trump أي "الرب يبارك ترامب"، تتحدث عن مؤامرة شيطانية ضده وهو يريد جعل أميركا عظيمة، في تبن واضح منه لنظرية المؤامرة اليمينية "كيو أنون".

و"ماغا" اختصار لجملة "فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again) وهو الشعار الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية عام 2016. 

كما حاول جلب تعاطف ناخبي حزبه باستحضار الحنين إلى وقت توليه منصبه، وإطلاق العبارات التي لها مدلول لدى تياره الإنجيلي المتطرف الداعم لنظرية المؤامرة.

وهي النظرية التي تدعي أن ما يُسمى "الدولة العميقة" في أميركا أسقطت ترامب في انتخابات 2020 وأن فوز الرئيس الحالي "جو بايدن" مزور.

ويدعي أنصار نظرية المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة، أن ترامب يشن حربا سرية ضد نخبة من عبدة شيطان متغلغلون في الأجهزة الحكومية والشركات ووسائل الإعلام.

كما يدعون أن "المعركة" أو "يوم الحساب" يقترب، إذ سيلقى القبض على شخصيات بارزة، من أمثال مرشحة الرئاسة السابقة هيلاري كلينتون، وبايدن ويعدمون، وفق معتقداتهم.

لهذا حاول الرئيس جو بايدن، تذكير الأميركيين بجنون سابقه ونظرياته الدينية، بتغريدة على تويتر قال فيها إن "ترامب دلل المتطرفين"، و"حرض العصابات العنيفة"، من أجل "محاولة قلب" فوزه عام 2020 إلى خسارة.

وأرفق ذلك بمقطع فيديو يتضمن معلومات تشير إلى "إخفاقات" ترامب خلال فترة رئاسته وأنه "خذل أميركا"، وتربع على "اقتصاد مزور لصالح الاثرياء"، و"هاجم حقوق المرأة".

في المقابل، رد عليه ترامب بانتقادات قاسية متهما إياه بالمسؤولية عن "ترك أميركيين في أفغانستان، وترك معدات بمليارات الدولارات هناك"، وقال إن "حرب أوكرانيا لم تكن لتحصل لو كنت أنا رئيسا"، وسخر من حالة بايدن الصحية.

خامس رئيس يفعلها

بإعلان ترشحه بشكل رسمي للانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024، يكون ترامب خامس رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُقدم على هذه الخطوة.

ترامب يسعى أن يصبح ثاني شخص يجرى انتخابه على الإطلاق لفترتين غير متتاليتين، على غرار أربعة رؤساء سابقين حاولوا فعل هذا، لكن سقط منهم ثلاثة فيما نجح رئيس واحد فقط في تاريخ أميركا، بحسب ما نشر موقع "بوليتيكو" 15 نوفمبر 2022.

كان أول رئيس حاول العودة إلى الحكم بعد خسارته الانتخابات هو، مارتن فان بورين، لكنه خسر في انتخابات عام 1840.

"بورين" كان ثامن رئيس للولايات المتحدة يُنتخب عام 1836 وتولى منصبه في 4 مارس/آذار 1837، وكان محاميا بارزا وسياسيا، شكل مع بعض زملائه وأصدقائه "الحزب الديمقراطي" الحالي، وغير الطريقة التي كانت تدار بها السياسة الأميركية.

ولكن فترة رئاسته ابتليت بأزمة اقتصادية حادة عرفت بـ "هلع 1837"، استمرت حتى 1845 ونتج عنها إغلاق نحو 900 بنك، وقد ألقى خصومه السياسيون باللوم عليه في تداعيات ما حدث، فخسر فان بيورن في انتخابات عام 1840 أمام المرشح اليميني وليام هنري هاريسون.

وفي انتخابات 1848 ترشح فان بيورين كمرشح عن حزب "الأرض الحرة" المناهض للعبودية، قبل أن يعود إلى الحزب الديمقراطي ليدعم فرانكلين بيرس (1852)، وجيمس بيوكانان (1856)، وستيفن دوغلاس (1860) لرئاسة الجمهورية.

والثاني هو ثيودور روزفلت الرئيس السادس والعشرين، والذي لم يرشح نفسه في المرة الأولى، لكنه أصبح رئيسا لأميركا عام 1901 عقب اغتيال الرئيس ويليام ماكينلي وكان هو نائبه، لكنه خسر الرئاسة حين ترشح لفترة ثانية عام 1912.

الثالث هو "هربرت هوفر" الذي فاز في الفترة الرئاسية الأولى عام 1929، وحين حاول العودة للترشح لفترة ثانية في انتخابات عام 1932، هُزم هزيمة منكرة.

وعقب تولى هوفر الرئاسة عام 1929، أفسد الكساد الكبير برامجه الطموحة، وازدادت الأحوال الاقتصادية سوءا رغم التدخلات الكبيرة التي أجراها في الاقتصاد، لكن استمر الكساد لمدة 10 سنوات، وتراجعت الأجور والناتج المحلى الإجمالي.

وهُزم هوفر في انتخابات عام 1932 من قبل المرشح الديمقراطي فرانكلين روزفلت، بعدما استغل الديمقراطيون سجله في فترة الكساد لمهاجمته وإسقاطه.

والرابع، الذي حاول العودة إلى البيت الأبيض لكنه نجح، هو "جروفر كليفلاند" الذي أضحى الرئيس الوحيد الذي وصل إلى سدة الحكم فترتين غير متتاليتين بعد فوزه عامي عام 1884 في الفترة الأولى، ثم عام 1892 لفترة ثانية.

وفي عام 1884، أضحى حاكم نيويورك جروفر كليفلاند أول ديمقراطي يفوز بانتخابات الرئاسة الأميركية منذ العام 1856، منهيا إبعاد حزبه عن السلطة لفترة طويلة، لكنه خسر الانتخابات أمام بنيامين هاريسون.

ثم عاد للفوز مرة أخرى بعد أربع سنوات، وهو ما يأمل ترامب أن يفعله أمام الرئيس الأميركي الحالي بايدن.

ويشكك خبراء في أن يفوز ترامب بفترة ثانية، في انتخابات 2024، مستندين إلى نتائج انتخابات التجديد النصفية الأميركية التي عدتها الصحف المحلية كافة "كارثة".

وكان ترامب سبب خسارة الجمهوريين الأغلبية فيها، وبقاء الديمقراطيين، بحسب وسائل الإعلام.

وسبق أن أظهر استطلاع أجرته وكالة "رويترز" البريطانية في 8 سبتمبر 2022 مع موقع الاستطلاعات "إبسوس" أن غالبية الأميركيين يعتقدون أن ترامب وأنصاره يقوضون ديمقراطية أميركا، لذا لا يرغبون في عودته للرئاسة.

قال 58 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع (بينهم واحد جمهوري من كل أربعة مستطلعة آراؤهم)، إن تيار ترامب المتطرف (ماغا) الذي يرفع شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" يهدد الأسس الديمقراطية في البلاد.

حزبه لا يريده

قبل ترشيح ترامب نفسه، كان يواجه منافسة محتملة مع حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، أبرز المرشحين في الحزب الجمهوري وأبرز الفائزين في انتخابات التجديد النصفية، لذا سارع لقطع الطريق عليه.

وفي خطاب ترشيحه لفترة ثانية، سعى ترامب لتحذير حزبه من ترشيح آخرين، في إشارة إلى رون ديسانتيس، بدعوى أن الحزب لا يستطيع تحمل ترشيح "سياسي أو مرشح تقليدي" إذا كان يريد استعادة البيت الأبيض.

وأشار موقع "أكسيوس" الأميركي في 15 نوفمبر أن ترامب، وضع نفسه في "مأزق" بهذا الترشيح لأنه ترشح في توقيت يأتي بعد الخسائر التي تعرض لها المرشحون الجمهوريون الذين دعمهم في سباق الانتخابات النصفية.

أوضح الموقع أن نتائج الانتخابات النصفية كانت "بمثابة كارثة للجمهوريين وترامب شخصيا، ولكن بسبب وعده قبل الانتخابات النصفية، شعر الرئيس السابق بأنه مضطر للمضي قدما في إعلان حملته الرئاسية لعام 2024 في الموعد الذي حدده بالفعل".

عقب خيبة آمال الحزب الجمهوري بتحقيق انتصار تاريخي في الانتخابات، بدأت السهام تتساقط على ترامب، من جمهوريين غاضبين ومحبطين، بينما كان آخرون يشحذون السكاكين الطويلة للتضحية به بصفته المسؤول الأول عن نكستهم.

وتضررت مكانته السياسية مجددا بسقوط مرشحي الحزب الذين اختارهم، بعدما تضررت في السابق إثر اقتحام أنصاره لمبني مجلس النواب 5 يناير/كانون ثان 2022، بحسب "أكسيوس".

وحاول ترامب نفي ذلك بقوله إن 236 من مرشحيه للانتخابات النصفية فازوا، مقابل خسارة 22 منهم فقط، لكنه قال إن أداء الجمهوريين في انتخابات مجلس الشيوخ "كان يجب أن يكون أفضل".

لكن من اللافت أن منظمة "Club for Growth" المحافظة، التي كانت يوما حليفة لترامب، نشرت استطلاعا داخليا بالحزب الجمهوري يشير لتقدم حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، على الرئيس السابق في عدة ولايات. 

لذا وصفت مجلة "بوليتيكو" في 14 نوفمبر هذه النتائج بأنها "طلقة تحذيرية" ضد الرئيس السابق عشية إطلاق حملته للرئاسة، لأنها تعني أن هذه المنظمة قد تدعم خصم ترامب الجمهوري "ديسانتيس".

لذا يتوقع أن تمهد أوراق ترامب التي جرى تقديمها أمام هيئة الانتخابات الفدرالية الأميركية لمعركة قاسية داخل الحزب الجمهوري لنيل بطاقة الترشح للرئاسة، بسبب رفض العديد داخل حزبه ترشحه خشية خسارة الحزب الانتخابات الرئاسية 2024.

واهتمت وسائل الإعلام بالبحث وراء سر رغبة ترامب العودة للرئاسة، وركزت على رغبته في الرجوع للبيت الأبيض لتفادي "عواقب قانونية" محتملة.

وبينت صحيفة "واشنطن بوست" في 14 نوفمبر أن الرئيس السابق الذي حاول مجلس النواب عزله مرتين، كان حريصا على إعادة الترشح، لحماية نفسه من التهم الجنائية الثقيلة التي قد تواجهه بعد انتهاء التحقيقات الجارية ضده.

وأبرز تحليل لشبكة سي إن إن في 16 نوفمبر 2022 تصوير ترامب نفسه على أنه "ضحية" لنظام الانتخابات الأميركي الذي شكك فيه، وانتقاده التحقيقات الجنائية الجارية ضده والتي رأى أنها "ّمسيّسة وغير عادلة".

وحذرت "نيويورك تايمز" 15 نوفمبر من أن ترامب يهدد الديمقراطية بمحاولة عودته إلى البيت الأبيض، بعد أن هددت فترة رئاسته أركان المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

وذكر موقعا ذا نيويورك بوست في 15 نوفمبر، و"ديلي واير" في اليوم التالي أن ترامب يرغب "أن يكون في المقدمة"، وأنه يحب الظهور، وألا ينافسه شخص آخر في زعامة الجمهوريين خاصة "روي ديسانتيس".

وألمح الموقعان إلى أن فرص ترامب في رئاسة جديدة ضعيفة، وأنه يواجه منافسه صعبة مع خصومه في الحزب الجمهوري أولا، لتحديد من يمثل الحزب في انتخابات 2024.