زيارات متتالية.. ماذا وراء اهتمام واشنطن بحضرموت دون باقي اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

اهتمام أميركي لافت بمحافظة حضرموت الإستراتيجية شرقي اليمن، تبلوره زيارات متكررة لوفود عسكرية ودبلوماسية إلى المحافظة الغنية بالنفط.

آخرها زيارة السفير الأميركي في اليمن، ستيفن فاجن في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إلى حضرموت ولقاؤه بالمحافظ مبخوت بن ماضي، الذي تم تعيينه بمنصبه في 31 يوليو/ تموز من العام ذاته.

وتأتي زيارة الوفد الأميركي بعد تصاعد تهديدات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا بالسيطرة على المحافظة بشكل كامل، عقب تمدده فيها إلى جانب محافظة شبوة في أغسطس/ آب 2022.

كما تأتي بعد هجوم حوثي بطائرات مسيرة على ميناء الضبة النفطي بحضرموت، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، والحراك الشعبي الحضرمي الرافض لتمدد المجلس الانتقالي والمطالب بالحكم الذاتي لحضرموت.

وتعكس الزيارات، الاهتمام الأميركي لتجنب أي تداعيات قد تؤثر على استمرار تدفق النفط وتنسيق الجهود في مجال تأمين حركة الملاحة في البحر العربي، إلى جانب التأكيد على استمرار الدور الأميركي في ضمان استقرار الأوضاع بالمحافظة.

زيارات متكررة 

وزار وفد أميركي رفيع، في 3 مارس/ آذار 2022، محافظتي شبوة مركز تصدير الغاز المسال، وحضرموت، الغنية بالنفط جنوب شرقي اليمن، بالإضافة إلى محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان.

والتقى الوفد الأميركي الذي ضم المبعوث الخاص لليمن تيموثي ليندر كينغ، والقائمة بأعمال السفارة الأميركية لدى اليمن كاثي ويستلي، وعدد من المستشارين الأميركيين، بمحافظ حضرموت السابق، فرج البحسني الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي.

وناقش الوفد مع البحسني "موضوعات مشتركة"، خصوصا فيما يتعلق بمكافحة "الإرهاب"، والعمل على تحسين الوضع الإنساني، وتعزيز الاقتصاد، الذي تدهور نتيجة للحرب المستمرة منذ نحو 8 سنوات.

وكان وفد عسكري ضم ضباط أميركيين قد زار مديرية "بروم ميفع"، الواقعة على ساحل بحر العرب بحضرموت في 14 أغسطس/ آب 2022، وبحث مع مسؤولين محليين التعاون في الجانب الأمني والعسكري.

وتشير مصادر يمنية بأن لدى الأميركان قاعدة مشتركة مع الإماراتيين في مطار الريان بالمكلا عاصمة حضرموت، الخاضع لسيطرة أبو ظبي، بالإضافة إلى اشتراكها بالقاعدة العسكرية في مطار الغيضة بمحافظة المهرة، التي توجد فيها أيضا قوات بريطانية وسعودية.

وتخضع محافظة حضرموت لسيطرة الحكومة الشرعية، بينما تسيطر قوات إماراتية على مطار "الريان" في المكلا، كما تدعم قوات النخبة الحضرمية الموجودة في نفس المدينة. 

بينما تسيطر قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش اليمني، على حضرموت الوادي ومدينة سيئون التي تتخذ منها مقرا لها.

وفي هذا السياق قال عضو مجلس الشورى اليمني، صلاح باتيس، إن "حضرموت عانت طيلة حكم الحزب الشمولي جنوبا ألوان التهميش والإقصاء وغياب الأمن والأمان"، في إشارة للنظام الاشتراكي الحاكم سابقا.

وأضاف لـ"الاستقلال": "لعلنا بعد استعادة الدولة وبدعم الأشقاء والأصدقاء وفي مقدمتهم السعودية والولايات المتحدة سنجد الإنصاف والحقوق والعدالة والسلام والشراكة الكاملة"

وتابع باتيس: وذلك في "إدارة السلطة والثروة والقضاء على الإرهاب بجميع أشكاله وصوره والعيش بسلام في ظل دولة النظام والقانون ورفع المعاناة عن كل أبناء الشعب اليمني جنوبا وشمالا وشرقا وغربا".

ومضى يقول: "في هذه الظروف بالغة الخطورة أثمن عاليا زيارة السفير الأميركي لمحافظتي الغالية ‎حضرموت وعاصمتها وعاصمة إقليمنا الشرقي ‎المكلا وموقفه الثابت الداعم لسلام دائم وفق المرجعيات الثلاث"، في إشارة للمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216، بشأن اليمن.

وعُقد مؤتمر الحوار بعد الاحتجاجات الشعبية في اليمن عام 2011، وانتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا لليمن، وضم مختلف الأطياف والمكونات السياسية اليمنية، وانبثقت عنه الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار في 25 يناير/ كانون الثاني 2014.

حيث لاقت هذه المخرجات ترحيبا واسعا من الشعب اليمني ومكوناته الوطنية عامة ومن أبناء حضرموت والمحافظات الشرقية خاصة كونها الأكبر مساحة والأكثر ثروة، بحسب تعبيره.

موقع إستراتيجي

وفي خطوة هي الأولى من نوعها، تظاهر الآلاف من أبناء حضرموت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، في مدينة سيئون ثاني أكبر مدن محافظة حضرموت، رافعين أعلام "دولة حضرموت"، وفق تعبيرهم.

ونظمت التظاهرة استجابة لدعوة أطلقتها قيادات من قبائل "آل الكثيري"، كبرى القبائل الحضرمية، حيث رفع المحتجون أعلاما وشعارات تطالب بكيان حضرمي مستقل، على خلفية التهديدات المتواصلة التي يطلقها المجلس الانتقالي للسيطرة على المحافظة.

ويرأس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، بموجب إعلان نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي بضغوط سعودية في 7 أبريل/نيسان 2022.

ويدعو المجلس إلى انفصال الشمال عن الجنوب ويسيطر أمنيا وعسكريا على العاصمة المؤقتة عدن منذ أغسطس/ آب 2019، إضافة إلى سيطرته على مناطق جنوبية أخرى.

ويسعى الانتقالي الجنوبي للتوجه شرقا نحو محافظتي حضرموت والمهرة، بعد سيطرته على أغلب مناطق محافظة أبين واستكمال سيطرته على جميع مناطق محافظة شبوة، خلال الشهرين الماضيين.

وتعد حضرموت من أهم المحافظات اليمنية، حيث تحتل نحو 35 بالمئة من مساحة اليمن، ويقدر عدد سكانها بنحو مليون ونصف المليون، وتتكون من 30 مديرية وعاصمتها مدينة المكلا.

وتحد حضرموت السعودية من الشمال ومن الجنوب البحر العربي، ومن الشمال الغربي محافظتا مأرب والجوف ومن الشرق المهرة ومن الغرب شبوة.

كما يعد ميناء المكلا من الموانئ اليمنية المهمة، فيما يعد مطار المكلا ثالث أكبر مطارات اليمن، والذي تتمركز فيه القوات الإماراتية منذ عام 2017 تقريبا.

وتعود أهمية حضرموت إلى كونها موطن أكبر الحقول النفطية اليمنية ومقر ميناء الضبة لتصدير النفط، بالإضافة إلى كونها الموطن الأصلي لكبار التجار الذين هاجروا إلى السعودية والإمارات ودول شرق آسيا وإفريقيا.

ويصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز باليمن إلى نحو 105 حقول منها 13 حقلا تخضع لأعمال استكشافية و12 حقلا منتجة وحوالي 81 حقلا قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب.

وانهار إنتاج اليمن من النفط منذ عام 2015 عندما تدخل التحالف السعودي الإماراتي في الحرب لمحاولة إعادة حكومة عبدربه منصور هادي إلى السلطة بعدما أطاح بها الحوثيون.

وكان اليمن ينتج نحو 127 ألف برميل يوميا قبل الصراع، وتفيد تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أنه كان يملك احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ نحو ثلاثة مليارات برميل.

كما يقع في حضرموت منفذ "الوديعة" الذي يعد الشريان البري الوحيد مع السعودية بعد تدمير منفذ "الطوال" البري بمحافظة حجة وخروجه عن الخدمة بسبب الغارات الجوية والمعارك مع الحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من المحافظة.

أهداف خفية

كما تضم حضرموت منطقتين عسكريتين، من إجمالي سبع مناطق عسكرية في اليمن، وهي المنطقة العسكرية الأولى في سيئون والمنطقة العسكرية الثانية في المكلا، وتعد بكامل قوامها القتالي كونها بعيدة عن الصراع مع مليشيا الحوثي.

وحول الاهتمام الأميركي بحضرموت، قال الكاتب والمحلل السياسي الحضرمي، محمد بالفخر إن "الاهتمام الأميركي بحضرموت ليس وليد اللحظة فقد سبق زيارة السفير الأخيرة زيارات سابقة لمسؤولين أميركيين مدنيين وعسكريين دون إشعار السلطات العليا اليمنية كما جرت العادة". 

وأضاف: "غالبا ما تأتي هذه الزيارات مع تنامي أحداث في المنطقة كما حصل مع الزيارة الاخيرة بعد نشوء حراك حضرمي يطالب بدولة حضرمية مستقلة في حال فشل مشروع اليمن الاتحادي ذي الأقاليم الستة وفي مقدمته إقليم حضرموت كامل السيادة في قراره وثروته مع حق تقرير المصير".

وأقرت وثيقة مخرجات "مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن" الذي اختتم في يناير 2014، اعتماد شكل اتحادي للدولة اليمنية، وبعد ذلك بشهر، أقرت لجنة تقسيم الأقاليم توزيع اليمن إلى ستة أقاليم، هي آزال وعدن وحضرموت والجند وتهامة وسبأ.

وأضاف بالفخر لـ"الاستقلال"، أنه "في حال فشل هذا المشروع وفرض التقسيم لليمن وفق مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا فمعظم المكونات والمجتمع الحضرمي يرفض أن تكون حضرموت ضمن هذا المشروع بحال من الأحوال".

وتابع: "لهذا فتقرير المصير وإعلان دولة حضرمية كاملة السيادة على أرضها حق مشروع لكل أبناء حضرموت". 

وأردف: "من وجهة نظري قطعا تأتي زيارة السفير لتكون أميركا موجودة في المشهد في حال تحقق ذلك المشروع لتضمن مصالحها في منطقة لها من الأهمية التاريخية والجغرافية مكانتها الكبيرة وتكتنز في أرضها الكثير من الثروات التي يسيل لها لعاب الدول الكبرى ومنها أميركا على وجه التحديد". 

وخاصة مع تفاقم أزمة الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وكذلك بعد قرارات تحالف أوبك بلس الأخير التي أثرت على الاقتصاد الأميركي.

واتخذ تحالف "أوبك بلس" النفطي الذي تقوده الرياض وموسكو، في 12 أكتوبر 2022، قرارا بخفض إنتاج النفط بنحو 2 مليون برميل بدءا من نوفمبر 2022.

ومضى الكاتب اليمني يقول: "هذا أيضا يجرنا لاستذكار ما قاله نائب السفير الأميركي السابق، نبيل خوري الذي زار حضرموت عام 2008 وفي أثناء لقائه بالنشطاء السياسيين في المحافظة قال عبارة ذات مغزى لم تجد من يلتقطها في ذلك الوقت، وهي (أن حضرموت لديها مقومات دولة)، وهذا يؤكد مدى الاهتمام الأميركي بتفاصيل التفاصيل فيما يجرى بالمنطقة".

وخلص بالفخر إلى القول إن "الرسالة الأهم للأطراف اليمنية التي حملتها الزيارة الأخيرة هي التأكيد لكل الأطراف، أن اليمن جميعه ضمن دائرة اهتمامات الولايات المتحدة الرئيسة وإن شغلتها قضايا أخرى عنه".  

رفض حوثي

وأثارت زيارة السفير الأميركي حفيظة الحوثيين الذين رأوها"استفزازا لملايين اليمنيين المحاصرين، ولا تخدم فرص السلام المتعثر في اليمن منذ سنوات".

واستنكرت هيئة رئاسة مجلس الشورى التابع للحوثيين، خلال اجتماعها في 12 نوفمبر، "التحركات المشبوهة للسفير الأميركي بمحافظة حضرموت وممارسته أدوارا وأنشطة عدائية "تستهدف اليمن عموما والموقف الوطني المناوئ للعدوان والاحتلال".

ورأت الهيئة، زيارة السفير الأميركي لحضرموت، "انتهاكا سافرا للسيادة اليمنية تندرج ضمن مخططات الإدارة الأميركية التي تستهدف أمن واستقرار ووحدة اليمن" وفق صحيفة الثورة الصادرة عن الحوثيين.

كما أدان تحالف الأحزاب والقوى السياسية التابع للحوثيين، زيارة السفير الأميركي لمحافظة حضرموت وممارسته أدوارا وأنشطة عدائية.

وأشار بيان صادر عن التحالف في 10 نوفمبر، إلى "انكشاف أميركا وأدوارها في شن وتمويل العدوان والحصار على اليمن وتحركاتها العسكرية والاستخباراتية في المناطق المحتلة من اليمن ووقوفها الواضح أمام فرص السلام، وبما يضعها أمام أبناء اليمن كعدو لا يمكن أن يؤمن جانبه ولا يتوقع منه أي مصلحة" بحسب وكالة "سبأ" الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وكان السفير الأميركي نوّه خلال لقائه بمحافظ حضرموت إلى إدانة بلاده لهجوم الحوثيين بالطائرات المسيرة على ميناء الضبة، مؤكدا تأثيره على الاقتصاد اليمني وعلى حضرموت على وجه الخصوص.

وأكد دعم المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإحلال السلام في اليمن، والتزامها بالوقوف إلى جانب الشعب اليمني نتيجة ما يمر به من ظروف صعبة بسبب الحرب الحالية.

ويفسر خبراء تصعيد الحوثيين للخطاب ضد زيارة السفير الأميركي كونها جاءت لكبح مخاطر استهداف مسيراتهم للموانئ النفطية، ولتفادي أي دور محتمل لواشنطن في تصعيد الاحتجاجات داخل المدن الإيرانية.

ويأتي هذا التحرك الحوثي بالتزامن مع مرحلة من الجمود في ملف المفاوضات التي تجريها إيران مع القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية عنها.

ويهدف الحوثيون من هجماتهم لمنع تصدير النفط الخام لصالح الحكومة اليمنية، بعد تعثر التوصل إلى اتفاق جديد لتمديد الهدنة التي انتهت في 2 أكتوبر، بسبب اشتراط الحوثيين دفع رواتب الموظفين والمقاتلين في مناطق سيطرتهم ورفض الحكومة ذلك.

واللافت في زيارة الوفود الأميركية المتوالية إلى حضرموت، عدم صدور أي بيانات أو تصريحات رسمية من الجانب الحكومي أو مجلس القيادة الرئاسي، أو المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا بشأنها.