ميشال معوض.. برلماني لبناني يدعمه الخليج للوصول إلى قصر بعبدا

12

طباعة

مشاركة

تدفع أحزاب وقوى لبنانية بالنائب في البرلمان ميشال معوض لملء الفراغ في منصب رئيس الجمهورية منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، وسط خشية من بقاء هذا البلد بمتاهة الفراغ الدستوري.

ويصف حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز بلبنان، معوض بـ"مرشح التحدي"، إذ يعطل وحلفاؤه دخوله لقصر بعبدا الرئاسي في بيروت كاسم توافقي غير محسوب على طرف.

ويعد معوض أكثر الأسماء المطروحة لتولي الرئاسة في لبنان، انطلاقا من حصده 44 صوتا في الجلسة الخامسة للبرلمان اللبناني المخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشال عون.

إذ نال المرشح الآخر عصام خليفة 6 أصوات، فيما صوت 46 نائبا بورقة بيضاء، وآخرون لمرشحين مختلفين خلال الجلسة الخامسة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي حضرها 108 نواب من أصل 128.

لكن تلك الأرقام عدا عن كونها غير كافية النصاب لإعلان معوض رئيسا مدعوما من المعارضة، فإنها تبقى علامة على مدى حظوظ الرجل في المنصب ودعمه من قبل عدة قوى سياسية.

وفي هذا الصدد، أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أشد خصوم حزب الله والداعم الرئيس لمعوض في حوار مع موقع "أساس ميديا" في 9 نوفمبر 2022، أن "ميشال حصل حتى الآن على 44 صوتا".

ومضى جعجع يقول: "فهل هناك مرشح معارضة آخر حصل على 45 صوتا ولم نؤيده؟ وبالتالي هذا هو الخيار الوحيد الذي أمامنا في الوقت الحاضر إلى حين ظهور خيار آخر قادر على حصد أصوات أكثر".

النشأة والتكوين

ولد معوض في بيروت عام 1972، ونشأ ضمن عائلة مارونية مسيحية، وهو ابن رينيه معوض الرئيس الأسبق للبنان من 5-22 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، والذي اغتيل بعد تقلده الرئاسة بأيام قليلة في انفجار استهدف موكبه.

وميشال نائب في البرلمان منذ 2018 عن قضاء زغرتا، ومتزوج من ماريال قصرملي، ولديه أربعة أولاد وهم: نائلة، رينيه، يارا ومالك.

في العام 1990 حصل ميشال على شهادة بكالوريا فرنسية بتقدير امتياز مع درجة شرف بعد أن تابع دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة سيدة الجمهور.

وبين العامين 1990 و1992 درس في معهد "سانت جنفياف"، وهو معهد إعدادي للدخول إلى أكبر جامعات الإدارة والأعمال في فرنسا.

 وميشال حاصل على درجة الماجستير بتخصص القانون العام من جامعة السوربون الفرنسية عام 1995.

ويبرز انخراط ميشال في المجتمع المدني في ميادين مختلفة تتراوح من دعم فرص العمل وإقامة مشاريع من خلال مبادرات أطلقها كجمعية فرص وجمعية تطوير الأعمال في طرابلس "BIAT" إلى مبادرات اجتماعية متعددة من شأنها حماية الفئات المهمشة في لبنان، وتحسين ظروفهم المعيشية.

وميشال معوض عضو مؤسس كذلك في حملة "بلدي، بلدتي، بلديتي" (1997-1998)، التي هدفت إلى ممارسة الضغط على حكومة كانت ترفض تنظيم انتخابات بلدية واختيارية.

وهو أيضا عضو مؤسس ومدير تنفيذي لمؤسسة رينيه معوض التي أنشئت عام 1990، وهي منظمة غير حكومية، تهدف إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والريفية في لبنان، والمساهمة في بناء مجتمع يعتمد على قيم الديمقراطية والعدالة والتعددية والعيش المشترك.

كما أنه عضو مؤسس في مؤسسة رينيه معوض – الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم مشاريع في لبنان، وتجمع في نشاطاتها السنوية العديد من الأميركيين من أصل لبناني.

وهو كذلك عضو في المؤسسة المارونية للانتشار التي أسسها البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، والتي تعمل تحت رعاية الكنيسة المارونية بهدف التواصل مع اللبنانيين في الانتشار لتشجيعهم على تسجيل عائلاتهم في الوطن للحصول على الجنسية اللبنانية.

وأسس ميشال معوض وترأس إلى الآن حركة الاستقلال عام 2005 لمواكبة "ثورة الأرز" في العام المذكور، التي خرج فيها مليون شخص إلى شوارع لبنان للمطالبة برحيل القوات السورية بعد عملية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والذي اتهم نظام بشار الأسد وحليفه حزب الله بالوقوف وراءها.

والدة ميشال هي النائبة والوزيرة السابقة نائلة معوض التي لها تاريخ طويل في ممانعة الوصاية السورية على لبنان، والدفاع عن القيم الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.

مرشح قوي

خلال جلسات البرلمان الخمس الفاشلة لانتخاب رئيس الجمهورية، حظي معوض بتأييد كتل رئيسة بينها القوات اللبنانية، أحد أبرز الأحزاب المسيحية بقيادة سمير جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحزب الكتائب المسيحي المعارض، إضافة إلى نواب مستقلين وكتل صغيرة معارضة.

إذ نال معوض في الجلسة الأولى في 29 سبتمبر/أيلول 2022، 36 صوتا، والتي حضرها 122 نائبا من أصل 128، وقد صوت 63 نائبا بورقة بيضاء.

لكن حزب الله الذي يمسك وحلفاؤه بدفة الانتخاب من وراء الكواليس، ينظر للمرشح معوض على أنه مقرب من الولايات المتحدة ومن المطالبين بنزع سلاحه الذي يهمين به على لبنان بدعم من إيران.

ولم يخف حزب الله حنقه من معوض علنا، إذ قال النائب عن الحزب، حسن فضل الله لصحافيين في البرلمان إن السير "بمرشح التحدي" في إشارة إلى ميشال "لن يؤدي إلى نتيجة"، منبها إلى أن "طرح التحدي يجعل الأمور تسير باتجاه مزيد من التأخير والتأجيل".

يتبنى معوض منهج توحيد موقف "أطياف المعارضة المتنوعة"، ولهذا قال للصحافيين بمقر البرلمان في 13 أكتوبر 2022، إن "الطريق الوحيد لنتمكن من الوصول إلى رئيس سيادي إصلاحي إنقاذي هو بتوحيد أنفسنا".

ولذلك اسم معوض يواجه حاجزا مشتركا بين عدد من القوى السياسية اللبنانية، وهو على رأس معارك الكتل من أجل التوافق على مرشح يحظى بأكثرية نيابية ليدخل قصر بعبدا المغلق منذ مغادرته من قبل ميشال عون قبل يوم من انتهاء ولايته في 31 أكتوبر 2022.

والعلامة المميزة لمعوض أنه يسير في خط بعيد عن طموحات "حزب الله"، الراغب بوصول رئيس "مطمئن للمقاومة" كما قال زعيم الحزب حسن نصر الله في تصريحات صحفية في 11 نوفمبر 2022.

وعلى الرغم من أن معوض بحاجة لمزيد من الدعم لنيله الثقة البرلمانية المطلوبة لبلوغ منصب الرئاسة، فهو ما يزال متمسكا بآرائه حول حلفاء حزب الله.

ومنها اتهام معوض مجددا في لقاء على قناة "الجديد" في 25 أكتوبر 2022، النظام السوري بالضلوع في اغتيال والده، الذي قال إنه "لم يجر تحقيق حول الحادث فضلا عن مسح آثار الجريمة".

ولمعوض مواقف كثيرة منتقدة للنظام السوري حليف حزب الله، إذ شجب في أغسطس/آب 2013 بأشد العبارات "الجريمة الوحشية التي ارتكبها النظام السوري" في الغوطتين الشرقية والغربية عبر استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، واصفا إياها بالجريمة المروعة ضد الإنسانية".

قال حينها معوض: "لم يرتكب العدو الإسرائيلي بوحشيتها وفظاعتها منذ إقامة دولة إسرائيل في العام 1948".

ومنذ ذلك الزمن بقي معوض يدعو قيادة "حزب الله"، لإعادة النظر مليا في مساندتها نظام بشار الأسد وقتال الحزب إلى جانبه، وهذا ما يغيظ الأخير منه.

حتى أن معوض انتقد مسرحية فوز بشار الأسد بولاية رئاسية جديدة عام 2021، وكتب مغردا عبر حسابه على "تويتر: "ما يجري على الأرض من استعراضات واستفزازات في لبنان من مؤيدي النظام السوري بذريعة إعادة انتخاب بشار الأسد أمر مرفوض بالكامل".

وريث العائلة

وكونه ابن الرئيس الأسبق رينيه، ينظر كثيرون إلى ميشال معوض على أنه بات حاليا يمثل أحد أركان زعامات منطقة زغرتا وراثة لهذا الدور عن أبيه.

ففي 6 فبراير/شباط 2006، سقط ميشال معوض في أول مواجهة نيابية بعد انكفاء والدته وتصدره المشهد السياسي.

لكن هذه الخسارة لم تبعده عن استكمال المهمة الملقاة على عاتقه بلعب "دور العائلة السياسي"، حتى نجح بحصد مقعد نيابي في انتخابات 2018.

ووجد معوض الفرصة سانحة في توجيه أنظاره إلى مقعد الرئاسة، بعد فقدان حزب الله وحليفه "التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل صهر ميشال عون الرئيس المنتهية ولايته، وحلفاؤهما الأكثرية النيابية لعام 2022 التي حصلا عليها في انتخابات 2018.

وبذلك بات اسم معوض من الأسماء الأولى المطروحة لرئاسة الجمهورية منذ الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في 29 سبتمبر 2022، بدعم من قوى تصر على خروج منصب الرئاسة من "هيمنة وقرار حزب الله".

ويحمل معوض شعار "استعادة الدولة والمؤسسات والجمهورية والسيادة وتحرير قرار الشرعية من هيمنة دويلة حزب الله وسلاحه".

وفي هذا الإطار، أطلق تصريحات نارية في 4 أكتوبر 2021، قال فيها إن "إيران تضع يدها على لبنان عسكريا وعبر مؤسسات الدولة وتسيطر على البلاد من خلال ما تعده جيشا خارج الحدود مهمته الدفاع عنها وليس عن بيروت، وعبر وضع يد حزب الله على مجمل المؤسسات اللبنانية عبر حلفائه المباشرين وغير المباشرين".

وأضاف آنذاك أن "حزب الله أساس في الجيوش الـ6 التي أنشأتها إيران في المنطقة، واليوم الحزب حالة إيرانية في لبنان ومعركتنا أن يعود إلى لبنانيته".

مقبول عربيا

وتنبع حظوظ معوض في الرئاسة من رغبة قوى سياسية بوصول رئيس غير مرتهن أو محسوب على جهة كما كان عون لحزب الله.

ويمكنه أن يلعب دورا في التقارب مع دول الخليج، خاصة الذين أدارت استثماراتهم وجهها عن لبنان بسبب تدخلات إيران عبر ذراعها العسكري ذاك الحزب.

ويقول عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وائل أبو فاعور​ إننا "ذاهبون لانتخاب النائب ميشال معوض كونه يعبر عن قناعاتنا السياسية وتحديدا بموضوع استقلال البلد وسيادته".

ويدلل المشهد، على أن أحزاب المعارضة الأساسية لم تطرح اسم ميشال معوض للرئاسة وتصوت له من الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية لتسحبه لاحقا، بل إن هذه القوى ماضية بترشيح الرجل، وتسعى لرفع "رصيده" في الجلسات المقبلة.

ويرى هؤلاء أن معوض اختير بعناية فائقة لكونه "الأقدر" على جمع المعارضة بمختلف تكتلاتها وفروعها.

فضلا عن كونه يمتلك كل المواصفات الجامعة لقوى المعارضة ورؤيتها حول دخول قصر بعبدا شخصية منفتحة على الخارج ومقبول من قبلها، وينظر إلى لبنان من "معيار وطني وليس حزبي أو تحالفي".

ويصف الكاتب اللبناني إبراهيم أمين في مقال له بصحيفة الأخبار اللبنانية، ميشال معوض بأنه "شاب مولع بالسياسة الأميركية، ويريد أن يكون رأس حربة في المشروع المواجه لحزب الله في لبنان، وهو ما يناسب حلفاء أميركا والسعودية على وجه الخصوص".

ولذلك فإن المصرين على ترئيس معوض يؤكدون على أنهم يقطعون الطريق أمام "فرض ميشال عون ثان على لبنان"، وفق ما يقول النائب أشرف ريفي الذي شغل منصب وزير العدل من 2014 وحتى 2016. وقبلها كان مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي من 2005 وحتى 2013.

وخلال مقابلة لريفي مع سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد البخاري في 9 أكتوبر 2022 قال: "إننا نعمل مع كل زملائنا المؤمنين بوحدة هذا الوطن وسيادته واستقلاله لإيصال رئيس إنقاذي عروبي صنع في لبنان، يرفض أن يبقى البلد ساحة صراعات وتجاذبات إقليمية بعيدة عن مصالحه ومصالح أبنائه".

واستدرك ريفي قائلا: "لذلك رشحنا النائب ميشال ابن شهيد اتفاق الطائف ووحدة لبنان رينيه معوض، وسنعمل لإيصاله إلى سدة الرئاسة مع كل زملائنا الذين يؤمنون بسيادة واستقلال هذا الوطن".

وكرس اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 إلى 1990) معادلة اقتسام السلطة في البلاد على أساس الانتماءات الدينية والطائفية. وضمن التوافقات، يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني ورئاسة الحكومة سني ورئاسة البرلمان شيعي.