وقائع حقيقية أم مكائد مالية.. ماذا وراء نظرة فيتش السلبية لاقتصاد مصر؟

12

طباعة

مشاركة

كشف تقرير دولي أن الأيام المقبلة ستكون أشد قسوة على المصريين في ظل استمرار ذات السياسات التي ينتهجها النظام الحاكم منذ عام 2013، الأمر الذي كشف عنه تخفيض أهم وكالات التصنيف الائتماني العالمية رؤيتها لاقتصاد البلاد.

وخفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى "سلبية"، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مرجعة ذلك إلى "تدهور وضع السيولة الخارجية" للبلاد، بجانب "مخاطر التمويل".

المثير في الأمر، أن ذلك التصنيف يأتي بعد نحو أسبوعين من الإعلان عن موافقة صندوق النقد الدولي منح مصر قرضا بنحو ثلاثة مليارات دولار، ما يعني وفق مراقبين، أن شهادة الأمان والثقة الدولية في الاقتصاد المصري، التي منحها الصندوق للقاهرة لن تؤتي ثمارها. 

جرس إنذار

الوكالة الأميركية أبقت على التصنيف الائتماني لمصر عند (+B)، لكنها حذرت من أنها قد تخفض التصنيف خلال الأشهر المقبلة، إذا استمرت ضغوط التمويل الخارجي، أو لم تتمكن حكومة مصر من خفض العجز، وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وقالت الوكالة التي تعمل من نيويورك، وتعد إحدى ثلاث شركات تصنيف كبرى إلى جانب "ستاندرد آند بورز"، و"موديز"، إن هذا التخفيض يعكس "تدهور وضع السيولة الخارجية، وتراجع آفاق الوصول إلى سوق السندات".

وحذرت من أن هذا الوضع يجعل مصر "عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري، وآجال استحقاق الديون الخارجية".

وفي رصدها لوضع اقتصادي مصري صعب، ألمحت "فيتش" لـ"انخفاض احتياطيات البنك المركزي لأقل من 32 مليار دولار بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من 40 مليار دولار فبراير/ شباط 2022، لتصبح تغطية الاحتياطي أضعف من المتوسط (B) في 4 أشهر".

وأكدت أن حاجة مصر لتمويل كبير "يفاقم التحدي المالي الذي تواجهه بسبب آجال استحقاق الدين الخارجي العام بنحو 6 مليارات دولار عام 2023، وبنحو تسعة مليارات دولار في 2024".

ولفتت "فيتش"، إلى ما تعانيه مصر من أزمات متمثلة في "ضعف السيولة"، و"عدم القدرة على الاقتراض من سوق السندات"، بجانب "خروج الأموال الساخنة من البلاد لتصل إلى 13 مليار دولار بعد نحو 30 مليار دولار، في 2021".

وخرج 15 مليار دولار من مصر مارس/ آذار 2022، بقيمة حوالي 40 بالمئة من إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي، بحسب الوكالة.

وألمحت "فيتش" أيضا، إلى "ارتفاع العجز بالميزان التجاري"، و"ارتفاع ديون البنك المركزي"، و"استمرار عجز الموازنة"، و"حاجة البلاد لتمويل كبير"، و"توقع عجز مالي للحكومة بـ6.3 بالمئة من الناتج المحلي في 2023، ونحو 7.3 بالمئة في 2024".

ولتحسين الوضع الائتماني طالبت "فيتش"، الحكومة المصرية بتغيير "هشاشة الوضع الخارجي للبلاد عبر اختراق سوق السندات"، و"تحسن ميزان المدفوعات"، و"رفع الاحتياطي النقدي"، و"خفض مستويات الدين الخارجي إلى الإجمالي المحلي".

علامات الإفلاس

إعلان "فيتش" نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى "سلبية"، والبيانات التي أعلنتها تثير الكثير من المخاوف بشأن خطورة وضع مصر وإلى أين يسير؟، وتدعو للتساؤل عن أسباب تلك النظرة السلبية؟، وكيف يمكن تلافيها؟

وفي قراءته لبيانات "فيتش"، قال المستشار السياسي والاقتصادي المصري الدكتور حسام الشاذلي، لـ"الاستقلال"، إن "هذا التصنيف في هذا التوقيت هو أمر خطير للغاية، خاصة أن هذا هو التصنيف الدولي الثاني لمصر سلبيا بعد تصنيف (موديز)".

الشاذلي، الذي يرأس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، أكد أن "توقيت صدور هذا التصنيف أثناء انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 27) بمدينة شرم الشيخ، يقضي على أي فرصة استثمارية تتطلع لها مصر من خلال المؤتمر، ويؤكد على غياب ثقة الشركاء الدوليين".

وفي إشارته إلى خطورة الوضع الاقتصادي والمالي لمصر، رأى أن "هذا التصنيف هو بداية العلامات الكبرى لإفلاس المنظومة الاقتصادية المصرية المترهلة".

في السياق، قال رجل الأعمال والأكاديمي المصري الأميركي الدكتور محمود وهبة، إن تغيير فيتش، مستقبل مصر لسداد الديون من مستقر إلى سالب، يعني أنه "لا أمان"، مضيفا عبر "فيسبوك"، أنه "المسمار الأخير بنعش السيسي (رئيس النظام عبدالفتاح السيسي)".

وأوضح أن "تصنيف مستقبل قدرة مصر على سداد ديونها (عدم السداد يعد إفلاسا)، غيرته فيتش من مستقر إلى سلبي"، ويرى أنه موقف "أسوأ؛ لأثره على القدرة على الاقتراض، ويتناقض مع ما قيل إنه شهادة بالأمان من صندوق النقد".

"سوء نية"

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المصري هاني توفيق، إن منح "فيتش" مصر، بعد "موديز" في أكتوبر 2022، نظرة مستقبلية سلبية من حيث جدارتها الائتمانية فيه "سوء نية، وتسييس من هذه المؤسسات الدولية".

وأشار عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى "سوء توقيت إصدار هذا التقرير لتزامنه مع مؤتمر المناخ الذي قد ينجم عنه العديد من فرص الاستثمار".

وأكد أن هذا التقييم السلبي معناه، "هبوط أسعار سندات مصر الدولارية بأسواق المال العالمية، وصعوبة الحصول على قروض جديدة إلا بمنح سعر فائدة أعلى، مع أهمية إجراء إصلاح هيكلي لنسيج الاقتصاد".

وطالب توفيق، حكومة بلاده بتشكيل لجنة للتخطيط الاقتصادي بغرض تنمية مدخلات الدولة المالية، وترشيد النفقات، بغرض تعظيم القدرة على سداد الديون، وتعديل النظرة المستقبلية من سلبية لإيجابية، أو مستقرة .

كما دعا لتفعيل مبدأ وحدة الموازنة، وتجميع كل إيرادات الدولة ومصروفاتها في وعاء واحد، والانسحاب من منافسة أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة للقطاع الخاص المصري، قبل الأجنبي.

ويأتي هذا التصنيف بعد توقعات لشركة "فيتش سوليوشنز"- التابعة لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني- في 19 أكتوبر 2022، تراجع نمو الاقتصاد المصري إلى 4.3 بالمئة بالعام المالي (2022/2023)، مقابل 6.6 بالمئة محققة بالعام المالي السابق.

وأرجعت شركة فيتش، أسباب توقعاتها تراجع نمو الاقتصاد المصري إلى تأثره بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتباطؤ قطاع السياحة.

ومطلع نوفمبر 2022، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لديون مصر لنسبة الدين إلى الناتج المحلي من 94 بالمئة، و89.6 بالمئة لعامي 2022 و2023 على التوالي إلى 89.2 بالمئة و85.6 بالمئة على التوالي.

فيما توقع صندوق النقد ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عن توقعاته السابقة الصادرة في إبريل/ نيسان 2022.

إذ قدر أن يمثل حجم الدين الخارجي خلال عامي 2022 و2023 نحو 36.7 بالمئة و34.7 بالمئة على التوالي، ارتفاعا عن التوقعات السابقة البالغة 32.6 بالمئة و31.4 بالمئة للفترة ذاتها.

توتر سياسي

ويتزامن صدور تصنيف "فيتش"، مع ما تشهده مصر من قلق شعبي وتوتر سياسي ودعوات للتظاهر ضد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بالتزامن مع حضور قادة ورؤساء ووفود الدول لمؤتمر المناخ بشرم الشيخ.

موقع "Fitch ratings"، وفي بعض تفسيراته لتخفيض تصنيف مصر الائتماني تحدث عن جانب "المخاطر السياسية والاجتماعية"، التي تعيشها مصر.

وقال إنه "لا تزال احتمالية عدم الاستقرار السياسي تشكل خطرا كبيرا، من وجهة نظرنا، نظرا للمشاكل الهيكلية، بما في ذلك نقاط الضعف في الحكم، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب".

وأضاف أنه برغم سعي "الحكومة إلى التخفيف من ذلك من خلال الإنفاق الاجتماعي المستهدف والإصلاحات الاقتصادية، إلا أن مساحة المعارضة السياسية وحرية التعبير مقيدة، في رأينا".

ولفت إلى أن مصر في مؤشر "الحوكمة"، حصلت على درجة ملاءمة تبلغ "خمسة" لكل من "الاستقرار السياسي"، و"الحقوق"، و"حكم القانون"، و"الجودة المؤسسية والتنظيمية"، و"مراقبة الفساد".

"Fitch ratings"، أشار إلى حصول مصر على درجة ملاءمة الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية "4" لـ"حقوق الإنسان، والحريات السياسية"، لافتة إلى تأثير ذلك على التصنيف الائتماني لمصر.

وهنا يقول الخبير المصري الدكتور حسام الشاذلي: "بات من الواضح في كل التقارير والمؤشرات الصادرة عن المؤسسات الدولية بأن مصر صُنفت تحت الدول غير المستقرة سياسيا واجتماعيا، وهذا يقلل من فرص الشراكات الدولية أو الاستثمارات والقروض وقد يقضي عليها تماما". 

وأكد أن تغيير التصنيف الائتماني لمصر من قبل مؤسسة فيتش العالمية (IDR) إلي "+B" بتصنيف مستقبلي "سلبي"، هو "بداية العلامات الكبرى لإفلاس المنظومة الاقتصادية المصرية المترهلة".

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن هذا التصنيف يؤدي "إلى ضعف المصداقية الائتمانية المصرية، ما يضعف فرص حصولها على أي قروض، بما في ذلك القرض الذي أشارت إليه وكالة (بلومبرغ) مسبقا، مع قرض صندوق النقد الدولي". 

وفي رؤيته أيضا، فإن هذا التصنيف يقود "قيمة الأصول المصرية للهبوط بالبورصات الأوروبية والدولية والتي كان يعول عليها النظام لإنقاذه، بما في ذلك قيمة السندات الدولارية وغيرها".

ضربة قاتلة

ويعتقد أن هذا التصنيف بهذا الوقت، يشكل "ضربة قاتلة لمنظومة اقتصادية متهالكة تعاني عجزا غير مسبوق بالسيولة يؤدي لضعف قدرتها على التعامل بأسواق السندات والبورصات العالمية، ويترك البلاد عرضة لأخطار الأزمة الاقتصادية العالمية ويضاعف تأثيرها".

الشاذلي، رصد نقاط الضعف التي يجب معالجتها بالاقتصاد المصري، قائلا إن "استمرار هبوط الاحتياطي النقدي والذي وصل لأقل من 32 مليار دولار في أكتوبر 2022، يؤكد على ضعف المنظومة الاقتصادية بصورة مطردة". 

وأشار إلى أزمة "هروب رأس المال الأجنبي، وهبوط أرقام الاستثمارات غير المحلية إلى 13 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول 2022، من 17 مليار دولار في مارس 2022، وبفرق كبير جدا عن 30 مليار دولار في 2021".

وأوضح أن هذا "يؤكد أن مصر باتت طاردة للاستثمار الأجنبي، وأنها باتت ملعبا لمضاربات العملة والقروض ذات الفوائد الخرافية". 

وقال إن "احتياجات مصر النقدية كبيرة جدا لتغطية خدمة الدين الخارجي، والذي تعدى 150 مليار دولار، وباتت خدمته تتعدي 6 مليار دولار في 2023، وتسعة مليارات دولار في 2024، ومن الواضح أن مصر لن تقدر على الوفاء بها مع الحالة الاقتصادية الحالية". 

وبجانب ما سبق، تحدث الشاذلي، عن "عجز الموازنة الكبير والذي يتوقع أن يتعدى 6.3 بالمئة، من إجمالي الناتج المحلي؛ وغلاء الأسعار المتوالي بسبب وضع الجنيه أمام الدولار وفقدانه ما يعادل 30 بالمئة من قيمته السوقية فقط في أكتوبر ونوفمبر 2022".

وتوقع أن "يستمر ارتفاع الأسعار بمعدلات أقلها بنسبة 17 بالمئة في 2022، ونحو 12 بالمئة في 2024".

وأكد الشاذلي أن التصنيفات الأخيرة السلبية من (فيتش)، و(موديز)، هي بداية العلامات الكبرى لإفلاس المنظومة الاقتصادية، وأنه في ظل كل المعطيات لا يتوقع أي تحسن بتلك المؤشرات، وأن القادم قد يكون الأسوأ بتاريخ تلك المنظومة". 

وأوضح أن "الحديث عن إصلاحات اقتصادية أو تشكيل لجان أو تغيير حكومات ضرب من الوهم وتضييع لوقت لا تملكه البلاد"، موضحا أنه "لا سبيل لإنقاذ مصر من مصير أسود وعواقبه السياسية والاجتماعية إلا بإحداث تغيير هيكلي بالمنظومة السياسية".

"يتبعه تغيير جذري بهيكلة المنظومة الاقتصادية، مما يمنح مصر متنفسا لإعادة هيكلة التزاماتها وإسقاط جزء من ديونها، بل وطلبها المشروع للدعم الدولي بعد الخلاص من حكم ديكتاتوري فاسد قد تسبب في إفلاس البلاد"، يختم الشاذلي.