بعدما فرقتهما التوترات.. ماذا جمع استخبارات السعودية وباكستان مجددا؟

12

طباعة

مشاركة

لاعبة على وتر الأزمة الأمنية الراهنة بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية، تحاول السعودية إيجاد موطئ قدم لنفوذها في هذه المنطقة الحساسة التي ترتبط بحدود مهمة مع دول مثل الصين وإيران.

وكشفت تقارير استخباراتية أخيرا أن ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان يسعى إلى لعب دور الوسيط بين باكستان وحركة طالبان التي تسيطر على أفغانستان منذ أغسطس/ آب 2021.

وتوترت العلاقات بين باكستان وأفغانستان منذ استولت طالبان على السلطة، إذ اتهمت إسلام آباد في البداية مجموعات مسلحة بشن هجمات متكررة من الأراضي الأفغانية عليها، وهو ما نفته طالبان.

وتصاعد التوتر أكثر عندما تسببت ضربات جوية نفذتها باكستان على الحدود مع أفغانستان بمقتل وإصابة عشرات الأشخاص في أبريل/نيسان 2022، وتفاقم الوضع مع اتهام طالبان باكستان بالسماح للطائرات المسيرة الأميركية باستخدام مجالها الجوي لاختراق الأجواء الأفغانية.

دور الوسيط

وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن باكستان تسعى لعلاقة مستقرة مع جيرانها في كابل، لذا طلبت مساعدة السعودية للعب دور الوسيط.

وأوضحت المجلة الفرنسية أن هذه الجهود لم تنجح حتى الآن، رغم حرص المملكة على إتمام هذه المهمة على أكمل وجه.

وأوردت أن "رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد بن علي الحميدان أجرى اتصالات متكررة مع السلطات في إسلام آباد وكابل من أجل تهدئة التوترات الحاصلة بين الجانبين".

وذكرت أن "تصرف الحميدان جاء بناء على أوامر مباشرة من محمد بن سلمان، الذي طلب منه رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف خلال زيارته إلى الرياض في 20 أغسطس 2022 التوسط بينه وبين طالبان". 

وأضافت: "سرعان ما عقد الحميدان اجتماعات مع قائد القوات المسلحة الباكستانية قمر جاويد باجوا، وقائد وكالة الاستخبارات الباكستانية الجنرال نديم أحمد أنجوم، وقائد فيلق بيشاور الفريق فيض حميد". 

وأشارت: "أنه على الجانب الأفغاني، التقى برئيس حكومة طالبان الملا محمد حسن آخوند، ونائبه الملا عبد الغني برادار، ووزير الدفاع الملا محمد يعقوب نجل الملا عمر، ووزير الخارجية أمير خان متقي، ومدير جهاز المخابرات عبد الحق الواثق". 

وأرجعت "إنتيليجنس أونلاين" عدم نجاح جهود الحميدان، وعدم توصله لاتفاق بين الجانبين رغم الجهود الحثيثة، لحداثة عهد الرياض بالمنطقة من هذه الجهة.

خاصة فيما يتعلق بمسألة الحدود بين البلدين، حيث تريد إسلام أباد بناء جدار على خط (ديورند) على طول الحدود، في المنطقة التي تتمركز فيها قوات الحدود شبه العسكرية التي تهيمن عليها قبائل البشتون. 

وتعارض كابل بشدة بناء الجدار الذي تعده سببا محتملا لاندلاع حرب بين الجانبين. فيما يوجد أكثر من 40 فصيلا في المناطق القبلية الحدودية وتكافح باكستان لاحتوائهم.

ومع احتدام الأزمة بين الطرفين، كان الحميدان يخطط لمواصلة مهمته ويفكر في خيار تقديم مساعدات مالية كبيرة للجانبين، حيث يواجه كلا الطرفين أزمات اقتصادية خطيرة.

ويأمل الحميدان التوصل إلى تسوية بينهما، ما سيسمح للسعودية بتحقيق أهداف إستراتيجية أخرى، وفق المجلة الفرنسية.

أهداف إستراتيجية

وهذا التعاون الاستخباري بين السعودية وباكستان ليس جديدا، إذ كشف موقع "القدس العربي"، في 29 يناير/ كانون الثاني 2022، عن تعزيز العلاقات الاستخبارية بين البلدين في الآونة الأخيرة. 

وذكر أن "وكالة الاستخبارات الباكستانية، التي تضع الرياض كقناة اتصال مع حركة طالبان الافغانية، تعد أيضا موضع اهتمام للمملكة بسبب خبرتها في المجال النووي".

وأكد أن الرياض الماضية بقوة في إعادة تنشيط تحالفها مع إسلام أباد، كما يتضح من القرض البالغ 4.2 مليارات دولار، الذي قدمه الصندوق السعودي للتنمية للبنك المركزي الباكستاني، تخطط للاستفادة من المعرفة النووية لوكالة الاستخبارات الباكستانية. 

وشدد على أن المملكة تعتزم ضخ تمويل جديد للمجمع الصناعي العسكري في باكستان، مقابل المزيد من المساعدة في تطوير قطاعها النووي، التي تأمل الرياض في إنجازه لمواجهة التهديدات الإيرانية. 

وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2021، زار الحميدان نظيره في المخابرات الباكستانية نديم أحمد أنجوم، للبحث في سبل درء مساعي إيران لاختراق جارتها أفغانستان.

كما أرسلت الرياض باحثين من مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، للحصول على دورات تدريبية في المؤسسات النووية الباكستانية، وعلى رأسها مختبرات الأبحاث الذرية في كاهوتا بإقليم البنجاب.

 

ويعد السبب الأهم للوجود السعودي في المنطقة، وزيادة التعاون الاستخباراتي، وفتح الطريق لزيارات رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان المستمرة إلى نظرائه الباكستانيين، هو كبح جماح إيران.

وهو ما أكده موقع "فيرست بوست" الهندي في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بالقول إن "الرياض تسعى إلى مساعدة إسلام آباد بهدف الحد من العلاقات الباكستانية الإيرانية المتنامية".

وذكر أن "العلاقات المتنامية مع باكستان قد تواجه تحديات مع علاقات الرياض الاقتصادية المتنامية مع الهند".

وأوضح أن السعودية تريد إعادة مكانتها إلى المنطقة بعد أن طغى عليها منافسوها الإقليميون (قطر  وإيران) لبضع سنوات، كما تريد أن تبين أنه لا يمكن الاعتماد على العلاقات بين باكستان والصين القائمة على القروض.

ورغم أن باكستان لن تحصل على دعم السعودية فيما يتعلق بإقليم كشمير فإنها ستكون "سعيدة" بالاكتفاء بدعمها الاقتصادي لها، حسبما أورد الموقع الهندي.

ولفت إلى أن العلاقات بين الطرفين لها جذور تاريخية مهمة، تعود إلى حقبة الستينيات عندما درب عناصر من الجيش الباكستاني القوات المسلحة السعودية في تلك الفترة، وتلاها مزيد من التعاون العسكري في فترة السبعينيات والثمانينيات.

إذ قالت الحكومة الباكستانية حينها إنه يوجد نحو 2000 عسكري باكستاني في السعودية ينفذون مهام هندسية وتدريبية.

ثغرات عالقة

ورغم التقدم الحادث في العلاقات الاستخباراتية السعودية الباكستانية، لكن ما حدث يوم 10 أبريل/ نيسان 2014، سيظل ثغرة لا تنسى.

حينها صوت البرلمان الباكستاني لصالح عدم الانضمام للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.

ما أطاح بآمال الرياض في الحصول على دعم قوي من خارج المنطقة في معركتها التي كانت تستهدف منع سيطرة الحوثيين المتحالفين مع إيران على جنوب اليمن، والوصول إلى منطقة الموانئ الرئيسة في عدن.

السعودية طلبت حينها من باكستان إمدادها بسفن وطائرات وقوات في حملتها العسكرية لإنهاء النفوذ الإيراني في جارتها الجنوبية، لكن البرلمان الباكستاني صوت ضد المشاركة العسكرية، وإقحام قواته في معركة خارج أراضيه.

وقال البرلمان حينها: "يجب أن تلتزم باكستان بالحيادية في الصراع في اليمن حتى تتمكن من لعب دور دبلوماسي وقائي لإنهاء الأزمة".

ومثل الأمر صدمة للرياض، وأخرى شخصية لمحمد بن سلمان، الذي كان يتوقع دعما باكستانيا قويا. 

وعن هذه الجزئية، قال الباحث الباكستاني رسول بخش ريس: "كشفت حرب اليمن عن أكثر الاختبارات صعوبة لسياسة باكستان في الشرق الأوسط، حيث إن الموازنة بين العلاقات بين كل من السعودية وإيران لا تعد خيارا سهلا لباكستان". 

وأضاف في دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 16 أبريل 2015: "تكمن صعوبة ذلك في الانقسامات الدينية والسياسية في البلاد وأولوية الجيش فيما يسمى محاربة الإرهاب".

وردت الرياض الصاع لإسلام آباد بعد ذلك، وجاء الخذلان السعودي المباشر لباكستان، في 8 فبراير/ شباط 2020، عندما ذكرت صحيفة "داون" الباكستانية أن "السعودية رفضت طلب باكستان عقد اجتماع طارئ حول كشمير، على مستوى وزراء الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي".

وقالت الصحيفة: "السعودية رفضت نداء عمران خان (رئيس الوزراء آنذاك) لمناقشة قضية كشمير/ ما أصابه بالإحباط".

ولم تكتف السعودية بأخذ موقف سلبي، بل قامت نكاية في باكستان بتعزيز تقاربها مع المنافس التاريخي لها، وزار رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، والتقى محمد بن سلمان.

ووقع الجانبان حينها اتفاقية شراكة إستراتيجية بين البلدين، ما جعل الهند رابع بلد بعد فرنسا وبريطانيا والصين تكسب مثل هذه المكانة المهمة لدى الرياض.

لذلك فإن التقارب الاستخباراتي مع باكستان هذه المرة محفوف بتاريخ متوتر، وتحكمه براغماتية مطلقة، قد تؤدي إلى تصاعده، أو انهياره على حين غرة.