دعوة مغربية للحوار.. هل تقبلها الجزائر رغم غياب محمد السادس عن القمة؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ترقب حضور العاهل المغربي محمد السادس إلى القمة العربية في الجزائر، تلاشى مع تصريحات رسمية بتعذر مشاركته، ما فتح الباب أمام سيناريوهات جديدة بشأن مستقبل العلاقات بين الجارين.

وكانت الآمال معلقة على حدوث "مفاجأة" خلال الدورة الـ31 للقمة، تفتح آفاقا في "جليد" المواقف، وتكسر "تشنج" الوضعية القائمة، فيما تأكيد الغياب تبعه "تأسف" مشترك.

غير أن التصريحات الرسمية المتبادلة بين الجزائر والمغرب، خاصة بعد التركيز على "الحوار"، أحيت من جديد التمني برأب الصدع وإصلاح الانكسارات في "مرآة" أواصر الجوار المغاربي.

فرصة ضائعة

وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وجه العاهل المغربي، محمد السادس، دعوة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة الرباط من أجل "الحوار".

وقال وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، إن "الملك محمد السادس دعا الرئيس الجزائري تبون إلى زيارة المغرب، بعدما لم يتسن ذلك خلال القمة العربية العادية الـ31 التي عقدت بالجزائر" مطلع نوفمبر.

وأضاف بوريطة في 3 نوفمبر، أن الملك محمد السادس أعرب عن نيته خلال الأيام الأخيرة زيارة الجزائر، التي دعي إليها لحضور القمة العربية، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

واستدرك: "لكن الوفد المغربي لم يتلق أي تأكيد من الجانب الجزائري بواسطة القنوات المتاحة"، بعدما طلب توضيحات عن الترتيبات المقررة لاستقبال الملك. وأعرب عن أسفه "لعدم تلقي أي إجابات عبر القنوات الملائمة".

وتأتي هذه الدعوة بعد مقابلة تلفزيونية لوزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، تساءل من خلالها عما إذا كان غياب الملك محمد السادس عن القمة العربية "فرصة ضائعة" للحوار بين الجارين.

وقال لعمامرة، إن بلاده "تبلغت رسميا بغياب محمد السادس عن قمة الجزائر"، مشيرا إلى أن مشاركته "كانت ستحقق فرصة للقاء قائدي البلدين اللذين يعيشان قطيعة منذ أشهر."

وتعليقا على ذلك، قال لعمامرة: "بناء على ما جرى تبادله من رسائل ومذكرات كنا نعتقد أن جلالة الملك محمد السادس سيشارك في القمة، وأبلغنا بغيابه".

وأضاف: "سيبقى للمؤرخين إصدار الحكم إن كانت هناك فرصة ضاعت للمغرب العربي والعمل العربي المشترك وكذلك من يتحمل مسؤولية ضياعها".

وتابع: "لا أتحدث عن أمور لم تتم، لكن كانت هناك فرصة لدفع العمل المغاربي وتنقية الأجواء، ولم يستفد من تلك الفرصة فعلا (..) لا أقول إنها فرصة مؤكدة، ولكنها كانت قائمة".

والسبب حسب قوله أن "رئيس الجمهورية (تبون) يستقبل كل رؤساء الدول في المطار، وكل رئيس دولة يصل، له حديث معه".

وتابع: "كان من المتوقع أن يكون حديث من هذا النوع بالمطار مع جلالة ملك المغرب ويتقرر على انفراد آنذاك ما إذا كان يمكن القيام به، وهذا لم يتم، وهذا الكلام للتوضيح وليس لأي شيء آخر".

والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين مقطوعة منذ أغسطس/آب 2021، على خلفية نزاع في ملفات معقدة.

وتعاني العلاقات بين الجارين المغاربيين انسدادا على خلفية ملفي الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وقضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقريرالمصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

كما رأت الجزائر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، برعاية أميركية، موجه ضدها، وقد تضمن التطبيع أيضا اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، أواخر عام 2020.

خيار التعقل

وقال الصحفي المغربي يونس مسكين: "كنت أتمنى لو تحصل المفاجأة فعلا ويحضر الملك القمة، ليس لأجندتها أو رهاناتها (لا رهانات في هذه القمم)، بل لدلالة الخطوة في العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، لأنها ستكون تأكيدا لخيار التعقل والترفع واليد الممدودة والتطلع إلى مستقبل المنطقة".

وتابع في تدوينة عبر فيسبوك في الأول من نوفمبر: "لكن أيضا لوجود محاولة عزل وشيطنة المغرب على خلفية تطبيعه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، واصطفاف تونس إلى جانب الجزائر في الفترة الأخيرة، ما يعني أن الحضور الملكي خطوة ضد هذا المسعى".

من جهته، وعبر تدوينة في الثاني من نوفمبر، قال المحامي الجزائري، جمال عصامنية: "الملك محمد السادس يطلب من الرئيس عبد المجيد تبون زيارة المغرب من أجل الحوار.. هذا ما يريده الشعبان المغربي و الجزائري".

فيما يرى المحلل الجزائري، البروفيسور فارس مسدور، أن "غياب العاهل المغربي لم يؤثر تأثيرا بالغا على القمة التي جرت في ظروف ممتازة، لكن ذلك فوت فرصة لإيجاد، على الأقل، بصيص أمل للإصلاح بين البلدين، أو لتقارب بين الرؤى".

وبين مسدور لـ"الاستقلال" أن "المغرب انتهج نهجا خاصا في قضاياه الدبلوماسية الدولية وعزز علاقته مع الكيان الصهيوني، وهذا لا يتوافق تماما مع إستراتيجية الجزائر، التي ما زالت تعتقد يقينا بأن التضامن الذي يمكن أن تبديه الدول العربية حيال القضية الفلسطينية هو الحل الوحيد لنصرة الفلسطينيين وليس التطبيع".

وأفاد بأن "حضور محمد السادس للقمة سيكون شكليا وليس حقيقيا فيه نية صادقة قدما نحو إيجاد حلول عميقة للأمة العربية".

واستدرك مسدور قائلا: "فرص الحوار ما تزال قائمة، شريطة أن يبدي الطرف المغربي نية صادقة وإجراءات حقيقية لفتح الحوار بين البلاط الملكي والسلطات الجزائرية، غير أن الأمر لا ينحو نحو هذا الاتجاه، لأن ملك البلاد عزز علاقته بالكيان الصهيوني حتى أوصله للحدود الجزائرية".

وعن المرتكزات الأساسية لنجاح أي حوار بين الجارين، دعا إلى "إجراءات عملية حقيقية تبتعد كليا عن التعامل مع الكيان الصهيوني خاصة في المجال العسكري".

وهذا "تراه الجزائر نقطة سوداء عززت موقفها تجاه المغرب برفض كل أشكال التقارب، نتيجة ما فعلته الرباط مع الكيان الصهيوني خاصة في مجال استغلال ما يمكن أن نسميه أسلحة الدرون، لتهديد الحدود الجزائرية بشكل أو بآخر".

ووفق تقدير مسدور، فإن "البلاط المغربي يرفض كل أشكال الحوار بخصوص قضية الصحراء الغربية أو الاعتراف بأن هذه المنطقة محتلة من طرفه، فيما الجزائر متمكسة برأيها وترفض أيضا رفضا قاطعا أن تتخلى عن الشعب الصحراوي".

من جهته، أكد الخبير المغربي في العلاقات الدولية هشام معتضد، أن دعوة الملك محمد السادس إلى حوار مفتوح ومصالحة مع الرئيس تبون "تترجم تمسك المغرب بقيمه الدبلوماسية في هذا الملف، والمرتبطة أساسا بسياسة البناء المشترك والتكامل الإقليمي لمواجهة التحديات والتطورات الراهنة".

وأوضح معتضد لموقع "العرب" (مقره لندن)، أن "الدعوة الملكية تندرج في إطار اقتناع المملكة بأن تجاوز الخلافات مع الجزائر وتقريب وجهات النظر السياسية معها يمران عبر قنوات التواصل المباشرة، وكسب الرهانات الإقليمية المشتركة يستحيل دون تنسيق الرؤى التي تحترم خصوصيات كل بلد".

من جانبه، شدد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، أن "المتتبعين بالبلدين كانوا يأملون مشاركة الملك المغربي، كونها ستساهم في خفض حالة التوتر البينية".

أو على الأقل تجميد حالة الاستقطاب الشديد والبحث عن المخارج التي يمكن أن تؤسس لعلاقات طبيعية بين بلدين جارين. لكنه يورد بالمقابل، أن لـ"الأشقاء المغاربة رؤية أخرى".

وأعرب بوقاعدة عن أمله في أن "تفلح الدولتان خلال الفترة المقبلة، في حلحلة الخلافات المطروحة واستئناف العلاقات بينهما"، مؤكدا أن "هذا التوتر يضر بالجانبين، والاستمرار فيه يعقد من الأزمات الإقليمية بالمنطقة ويعقدها".

فيما أشار المحلل السياسي المغربي أمين الإدريسي، إلى أن "الملك محمد السادس دعا لأكثر من مرة الجانب الجزائري إلى الحوار والعمل على تطوير العلاقات مع تغليب منطق الحكمة".

وذكر الإدريسي لـ"الاستقلال" أن "دعوات اليد الممدوة تكررت من المغرب منذ سنوات وخلال كل خطاب ملكي، ولعل أبرزها عام 2018، حين دعا الملك لتشكيل آلية سياسية مشتركة للحوار من أجل تجاوز الخلافات".

وبين أن "الجزائر ظلت تتهرب من الاستجابة لهذه الدعوات بمبررات وجدتها فرصة لاستغلالها، خاصة ملف التطبيع".

ولفت إلى أن "تطبيع المغرب مع إسرائيل كان نهاية 2020 أي أن الدعوات المغربية كانت قبل هذا التاريخ، وإغلاق الحدود البرية أيضا منذ عام 1994، ما يعني غياب رغبة الطرف الجزائري في البحث عن نهاية لهذه الأزمة".

وعن فرص الحوار في المستقبل القريب، شدد الإدريسي على أن "حقوق الجوار تفرض على الطرفين التنازل قليلا عن وجهات النظر المختلف فيها، والبحث عن أرضية مشتركة لإطلاق حوار تكون فيه مصلحة الشعبين هي الأولى".