برنامج ضخم.. هل يحقق السوداني خلال عام ما عجز عنه أسلافه في العراق؟

في مشهد يكاد يتكرر مع تشكيل كل حكومة عراقية منذ عام 2003، وضع رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني، برنامجا حكوميا حافلا بالمشاريع الحساسة والوعود الكبيرة.
لكن الغريب هذه المرة أن رئيس الوزراء تعهد بإنجاز كل ذلك خلال عام واحد، هو عمر حكومته المحدد ببرنامجها، قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة وفق ما اتفق عليه الإطار التنسيقي مع القوى السنية والكردية..
ونالت حكومة السوداني ثقة البرلمان العراقي، في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد التصويت على 21 وزارة، من أصل 23، إذ جرى تأجيل الإعلان عن وزيري البيئة، والإعمار والإسكان المخصصتين للمكون الكردي، لخلافات بين الأحزاب الكردية على تقاسمها.
برنامج ضخم
وفي أول خطاب خلال جلسة منح الثقة، قال السوداني إن "فريقه الوزاري سيتصدى للمسؤولية في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم تحولات وصراعات سياسية واقتصادية كبيرة جدا، ما يضيف تحديات جديدة على بلدنا الذي يعاني أساسا من أَزمات متراكمة كان لها أشد الأثر الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والبيئي".
وقدم رئيس الوزراء أمام البرلمان برنامجا وزاريا طموحا حمل عناوين لافتة، كان من أبرزها: "إنهاء ظاهرة السلاح المتفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة"، في بلد تتحكم المليشيات، المنضوية ضمن قوى الإطار التنسيقي الذي أتى بالسوداني للسلطة، بالكثير من مفاصلها الأمنية والاقتصادية.
وفي ملف حساس بالنسبة إلى القوى السنية، تعهد البرنامج الوزاري بـ"وضع خطة محددة بجدول زمني لإخراج قوات الحشد الشعبي من المدن لتحل محلها المؤسسات الأمنية المعنية".
وكذلك "التزام الحكومة بإعادة النازحين إلى مناطق سكنهم خلال ستة أشهر من تشكيلها (بمن في ذلك نازحو جرف الصخر بعد تدقيقهم أمنيا)".
وتعد منطقة "جرف الصخر" شمال محافظة بابل خالية من السكان منذ عام 2014 بعد استعادتها من تنظيم الدولة، حيث هجّرت المليشيات الشيعية جميع الأهالي منها وهم من المكون السني ويقدر عددهم بنحو 140 ألفا، وجعلتها منطقة محظورة السكان.
ومن النقاط التي وردت في البرنامج الوزاري للسوداني أيضا: "العمل مع الجهات المختصة للكشف عن مصير المفقودين ويتم شمولهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني".
في إشارة إلى المواطنين السنة الذين اختطفتهم المليشيات خلال الحرب ضد تنظيم الدولة من عام 2014 إلى 2017 ويصل عددهم إلى 12 ألفا.
وشملت التعهدات "تضمين اتفاقية سنجار ضمن البرنامج الحكومي المقبل بما يسهم في إعادة الأمن والاستقرار في قضاء سنجار"، والتي وقعت بين بغداد وأربيل في أكتوبر عام 2021.
وتقضي الاتفاقية بإخراج حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" منها وجميع المليشيات الأخرى وإعادة أهل المدينة إليها، وبدء حملة إعمار واسعة فيها برعاية الحكومة العراقية في بغداد ودعم الأمم المتحدة.
وكذلك شدد السوداني على "اعتماد مبدأ عدم السماح بأن يكون العراق ممرا أو مقرا للاعتداء على الدول الأخرى وفق ما نص عليه الدستور، والطلب من الدول الأخرى المعاملة بالمثل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم الدخول في سياسة المحاور، واتباع سياسة الصداقة والتعاون مع الجميع".
ويدرج البرنامج الوزاري لحكومة السوداني "مكافحة الفساد" ضمن الأولويات، وكذلك التعهد بتبني "خطة محكمة لاسترداد الأموال المهربة وإجراء ملاحقة دولية قانونية لضمان استرجاع تلك الأموال والمباشرة بالخطة بعد تشكيل الحكومة مباشرة".
وكذلك تطرق السوداني في برنامجه الحكومي إلى حل مشكلة النفط والغاز بين إقليم كردستان وبغداد، إضافة إلى تشريع قانون الاتحاد والمحكمة الاتحادية خلال 6 أشهر، وتعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر، وإجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية (مجالس المحافظات) خلال عام.
كلمة رئيس مجلس الوزراء @mohamedshia في جلسة نيل الثقة في مجلس النواب.https://t.co/V3UY2cdlc9 pic.twitter.com/0rnSAi5BpP
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ���� (@IraqiPMO) October 27, 2022
"مهمة مستحيلة"
وبخصوص مدى تمكن السوداني من تنفيذ برنامجه الحكومي خلال مدة عام، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، عدنان الناصري، إن "النظام السياسي في العراق لا ينفع معه ترقيع ولا علاج؛ فمراكز القوى المحمية هي المؤثرة فيه، وستبقي ذلك في المدى المنظور".
وأضاف الناصري لـ"الاستقلال"، أن "السوداني ضعيف بنفسه وسيكون غير مزعج للآخرين ووديعا، فهو ابن النظام، وعلى الأقل هو مقيد بإكراهاته".
وأوضح أن "الحكومة الحالية مالكية العنوان (نسبة إلى دور رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في تشكيلها)، وإطارية بامتياز، رغم أن الدعم الدولي الذي يتسع ويكاد يشبه دعم العبادي (رئيس وزراء سابق) إبان تحرير العراق من تنظيم الدولة، لذلك هذه فرصة ذهبية".
ورأى الباحث أن "برنامج السوداني الوزاري لم يغرق بالشعارات، كما كان يحصل ذلك مع غيره من رؤساء الوزراء السابقين، واعتمد تضمين خطوات تنفيذية مهمة، وكذلك كان التركيز على الجوانب الخدمية دون إهمال البقية، وطرح ولو بحذر الملفات الشائكة".
ولفت الناصري إلى أن "التحدي الأكبر أمام السوداني لتنفيذ برنامجه الحكومي الضخم، هو الإفلات من هذه المنظومة السياسية التي تدير الحكم منذ عام 2003 وحتى اليوم، وذلك أشبه بالمستحيل، أو كما يصفه البعض بأنه بات أمام تنفيذ المهمة المستحيلة".
من جهته، وصف السياسي العراقي كاظم الصيادي، البرنامج الحكومي للسوداني بأنه "زرق ورق" كونه يحتوي على عبارات فضفاضة غير قابلة للتطبيق، إضافة إلى أمور عدة فرضت عليه فرضا، فعلى سبيل المثال تحدث عن دعم الاستثمار المحلي والأجنبي، لكنه لم يذكر كيف يوفر هذا الدعم؟
وأوضح البرلماني السابق كاظم الصيادي خلال مقابلة تلفزيونية في 29 أكتوبر، أن "البرنامج الحكومي للسوداني كان يتألف من 29 ورقة، لكن جرى اختصاره إلى محورين فقط، واحد تنفيذي والآخر تشريعي، وأن الأول سيئ، والثاني أسوأ منه".
وفي نظرة متفائلة، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي صلاح زيني، إنه "بحسب المعطيات والتوجيهات التي يصدرها السوداني والتي نلاحظها خلال هذين اليومين لتنفيذ البرنامج الحكومي، وإذا ما جرى تطبيقها فإن برنامجه سيكون ناجحا بنسبة 100 بالمئة".
وأضاف زيني خلال تصريح لموقع "موازين نيوز" العراقي في 31 أكتوبر: "سنكون داعمين لكل قرارات حكومية تصب بمصلحة المواطن والبلد وإن كنا معارضة في البرلمان".
فقدان الأدوات
من جهته، قال رئيس "المجموعة المستقلة للبحوث" في العراق، منقذ داغر، إن "من السهولة جدا وضع خطط وبرنامج وزاري، لكن المشكلة في التنفيذ، فهل يمتلك السوداني الأدوات القادرة على تنفيذ هذه الخطط وتحويلها إلى شيء ملموس على الأرض؟".
ولفت داغر خلال مقابلة تلفزيونية في 31 أكتوبر، أن "حكومة السوداني لم يتغير فيها شيء عن الحكومات التي سبقتها طيلة الـ20 عاما، لأن المحاصصة ذاتها لا تزال قائمة، وهي الطريقة نفسها التي جيئت بها حكومته الحالية".
وتساءل قائلا: "هل يستطيع السوداني تنفيذ البرنامج الوزاري الذي وضعه من خلال ما هو متاح له من أدوات بنيت على المحاصصة، لأننا لاحظنا صراع الكتل السياسية للحصول على وزارتي النفط والتخطيط وغيرها، فضلا عن أن كثيرا من الوزراء لديهم مشاكل عند القضاء".
وتابع: "على سبيل المثال في ملف مكافحة الفساد، كيف للسوداني أن يقول للوزير الفلاني هناك فساد في وزارتك، وأن الوزير نفسه هو جزء من هذا الفساد، فكيف يمكن محاسبته وبأي طريقة؟".
وأردف، قائلا: "نحن في العراق ليس دولة لديها فساد، وإنما لدينا دولة فساد، لأنه أصبح للفساد دولة واستشرى في كل المفاصل، وهناك تحالف بين المال السياسي والسياسيين والفصائل المسلحة، وأي واحد من هؤلاء الثلاثة إذا لم يتم تحجيمه فلا يمكن محاربة الفساد".
من جهته، علق الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي على برنامج السوداني بالقول إنه "متفق عليه سياسيا، وهناك فقرات تظهر على أنها من ضمن شروط القوى السياسية على السوداني مثل ملف كركوك وجرف الصخر وسنجار".
وأضاف النعيمي خلال تصريح لموقع "العربي الجديد" في 27 أكتوبر، أن جميع الحكومات السابقة أخفقت في تنفيذ ولو 20 بالمئة من برامجها التي أعلنت عنها في بداية منحها الثقة.
وتابع: لذلك تجد البرامج متشابهة بشكل كبير بين الحكومات المتعاقبة كون المشاكل هي ذاتها"، مؤكدا أن عمر الحكومة "لن يسعفها في تنفيذ الكثير من تعهداتها، خاصة إذا ما تم فعلا الذهاب لانتخابات مبكرة خلال عام واحد".
وتأتي ولادة حكومة السوداني بعد عام من انتخابات برلمانية جرت في 10 أكتوبر 2021، وحققت فيها الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر الصدارة في النتائج، لكنه لم يفلح في حشد الدعم لتشكيل حكومة أغلبية سياسية مع حلفائه من السنة والأكراد.
وعلى ضوء ذلك، استقال نواب الصدر من البرلمان البالغ عددهم 73 نائبا في يونيو/ حزيران 2022، فيما قال زعيم التيار بعدها بشهرين إنه سيعتزل السياسة، ما أشعل أسوأ أعمال عنف في بغداد منذ سنوات، عندما اقتحم أنصاره مباني حكومية، واشتبكوا مع جماعات شيعية منافسه أغلبها تابعة للإطار التنسيقي ومدعومة من إيران وذات أجنحة مسلحة سقط خلالها نحو 60 قتيلا من الطرفين.
المصادر
- أبرز محاور البرنامج الوزاري للسوداني في العراق: انتخابات مبكرة ومحاربة الفساد
- أبرزُها "إنهاء السلاح المتفلّت"... وعود حكومة السوداني تحت الاختبار بعد نيلها ثقة البرلمان العراقي
- حكومة السوداني.. جدولة أزمات العراق في عام واحد
- نائب مستقل: البرنامج الحكومي سيكون ناجحاً بنسبة 100% في هذه الحالة
- العراق: مجلس النواب يمنح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني
- كاظم الصيادي: البرنامج الحكومي للسوداني "زرق ورق"