"مواطنون درجة ثانية".. لماذا يخشى مسلمو بريطانيا قانون الجنسية الجديد؟

12

طباعة

مشاركة

"خانة اليك" مثل شعبي عربي يعبر عن حالة الشخص المقيد والمحبوس، وهذا ما ينطبق حاليا على وضع المسلمين في بريطانيا، مع إقرار قانون الجنسية والحدود المثير للجدل في أبريل/ نيسان 2022.

فبنصوصه غير المسبوقة، حول هذا القانون المواطنين البريطانيين من أصول غير بريطانية، ولا سيما المسلمين منهم، إلى مواطنين من الدرجة الثانية، إذ يمنح وزارة الداخلية صلاحية سحب الجنسية من أي شخص منهم، حتى من دون إخباره بالأمر.

قانون جائر

وأقر "معهد العلاقات العرقية" البريطاني (IRR)، في 11 سبتمبر/ أيلول 2022، بأن حق تجريد الجنسية كرس فكرة وجود مواطنين يحملون "جنسية من الدرجة الثانية"، وأثر في الأساس على المسلمين البريطانيين.

ومنحت التعديلات على قانون "الجنسية والحدود" الحكومة سلطات أوسع لسحب جنسية المواطنين البريطانيين من الأصول الأجنبية، لأنهم يحملون جنسية بلد آخر.

لكن لن يتم تطبيقه على البريطانيين البيض لأنه ليست لديهم جنسية أو أصول أجنبية، والقانون الدولي يمنع على أي دولة ترك أي مواطن من دون جنسية.

وأورد المعهد البريطاني في تقريره الذي حمل عنوان "المواطنة.. من الحق إلى الامتياز"، أن المسلمين البريطانيين عرضة لسحب جنسيتهم، ما يرسخ التمييز ويخلق نوعا أقل من المواطنة.

وبعد الجدل الذي أثارته قضية الفتاة شميمة بيغوم، التي جردتها بريطانيا من جنسيتها بسبب التحاقها بتنظيم الدولة، وهي فتاة قاصر، قال المعهد إنه تحت حجة حماية أمن البلاد تم سن قانون الجنسية والحدود، برغم أن هناك آلاف المجرمين من البريطانيين الأصليين الذين لن يتم سحب جنسياتهم.

وكشف نائب رئيس المعهد فرانسيس ويبر، أن الرسالة التي بعث بها التشريع أنه على الرغم من جوازات سفرهم فإن هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون ولن يكونوا أبدا مواطنين حقيقيين، كما هو الحال مع المواطنين بريطانيي الجذور.

وأضاف في التقرير: "بينما يمكن للمواطن البريطاني (الأصل) الذي لا يتمتع بأي جنسية أخرى، أن يرتكب أبشع الجرائم دون تعريض حقه في البقاء ببريطانيا للخطر، لا يمكن لأي من المواطنين البريطانيين ذوي الأصول غير البريطانية، الذين يقدر عددهم بنحو 6 ملايين شخص، أن يشعروا بالثقة بطبيعة جنسيتهم".

وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني ومسح السكان السنوي، الصادرة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فإن عدد المسلمين في إنجلترا يبلغ 3.3 ملايين نسمة.

ويعد الإسلام ثاني أكبر ديانة في المملكة المتحدة، ويتزايد المسلمون في بريطانيا بشكل ملحوظ.

وأغلب المسلمين في المملكة مهاجرون أو من أصول تعود إلى الهند وباكستان وأفغانستان وإيران، ومن بعدها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثم دول أخرى مثل ماليزيا ونيجيريا.

النساء المسلمات

وكشفت بيانات صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن ما يقرب من نصف ضحايا جرائم الكراهية في إنجلترا وويلز عام 2020، "كانوا من المسلمين".

لكن كانت هناك فئة خاصة من المسلمين، عرضة للاضطهاد والتنكيل بشكل أفدح. 

وهو ما أثارته النائبة المسلمة، سلطانة (27 عاما)، حول الكراهية ضد المسلمين من داخل قاعات البرلمان البريطاني، بمداخلة مؤثرة اختلطت فيها الدموع بالعبارات القوية والمركزة، مظهرة حجم العنصرية التي تتعرض لها النساء المسلمات داخل المجتمع، وتبين تداعيات التغاضي عن هذه الظاهرة المستشرية والمتصاعدة.

وخلال كلمتها في 14 سبتمبر/أيلول 2021، قالت سلطانة: "كبرت وأنا أرى الإساءات التي يتعرض لها المسلمون البريطانيون الذين وصلوا إلى مناصب عليا أو للبرلمان".

وبكثير من الألم، أقرت بأنها "كانت مخطئة عندما أخبرت المسلمات الشابات بأنه ليس عليهن القلق من النجاح داخل المجتمع، وبأن العقبات التي سيصادفنها هي نفسها العقبات التي تصادف بقية الفتيات من خلفيات ثقافية أخرى"، مضيفة "بعد فترتي القصيرة داخل البرلمان أود أن أعترف أن رحلتي ليست سهلة".

وسرعان ما تساقطت دموع سلطانة، وهي تروي كم الأحداث العنصرية التي تعرضت لها منذ وصولها للبرلمان ومشاركتها في النقاش العام، كنموذج بسيط لمعاناة المسلمات في المجتمع البريطاني بشكل عام. 

وقدمت النائبة المسلمة الشابة في كلمتها، تعريفا للإسلاموفوبيا، وعرضت نماذج من الرسائل التي تتلقاها والتي تقطر بالعنصرية والتجريح والتحريض، مما أحدث حالة من الصدمة داخل لجنة الاستماع البرلمانية، وفي صفوف العديد من السياسيين البريطانيين.

ومن بين أبرز الرسائل التي عرضتها سلطانة، "أنت والمسلمون تمثلون خطرا حقيقيا على الإنسانية"، وكذلك "أنت سرطان أينما ذهبت وقريبا ستلفظك أوروبا"، وآخر يتهمها بأنها متعاطفة مع الإرهاب، واستخدم عبارة "حثالة هذه الأرض ويجب تطهير العالم من أمثالها".

هنا انهارت النائبة المسلمة وأعلنت "كوني سيدة مسلمة، وأن أتحدث في الفضاء العام، وأن أنتمي للتيار اليساري، كل هذا يجعلني موضوعا بطوفان من الكراهية".

وفي 11 يونيو/ حزيران 2016، كشف تقرير مجلس العموم البريطاني عن أن "المسلمات هن أكثر فئات المجتمع حرمانا من الناحية الاقتصادية".

وذكرت لجنة "المرأة والمساواة" في المجلس أن "عدد المسلمات البريطانيات المعرضات للبطالة أو الباحثات عن عمل يفوق عدد أقرانهن عامة بمقدار 3 أضعاف، كما يزيد عدد غير الناشطات اقتصاديا منهن على الضعفين". 

وقالت اللجنة إن "آثار الإسلاموفوبيا على السيدات المسلمات يجب ألا يستهان بها".

مستقبل مظلم 

من جانبه رأى صهيب عمران، وهو لاجئ سياسي في بريطانيا، إن المملكة المتحدة من الدول التي تأخذ خطوات إلى الخلف فيما يخص حقوق اللاجئين والمهاجرين والمسلمين بشكل عام.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه بدلا من مراعاة حقوق الإنسان، ووقف خطاب الإسلاموفوبيا والتحريض والتمييز، تستحدث بريطانيا تشريعات وقوانين تساهم في زيادة الواقع الأليم. 

وتابع: بسبب نهج الحكومات البريطانية المتعاقبة خاصة حزبي العمال والمحافظين، لا يشعر المجتمع الإسلامي في بريطانيا بالأمان، ولا طالبي اللجوء يضمنون عدالة وإنسانية تمكنهم من تجاوز محنتهم وبدء حياة جديدة أقل خطورة وقسوة من حياتهم السابقة. 

واستشهد عمران بحديث وزيرة الداخلية سويلا برافرمان المستقيلة قبل أيام، التي قالت فيه إن حلمها أن تشاهد صورة طائرة تنقل طالبي اللجوء إلى رواندا على صفحات الجرائد البريطانية، وتعهدت بالقتال من أجل تحقيق هذا الحلم.

وأورد صهيب بأن الوزيرة ذات الأصول الهندية أثارت استغرابه من كيف أن لها أصولا مهاجرة تعلن قتالها من أجل ترحيل اللاجئين. 

وذكر: "كان أولى بها وبحكومتها القتال من أجل الإنسانية، وحق الإنسان في الحياة، وتحقيق العدالة للمستضعفين، والاستفادة منهم كما تفعل حكومات كثيرة حول العالم، أكثر كفاءة وأقل عنصرية". 

وتحدث اللاجئ السياسي عن تجربته بأنها كانت متعثرة إلى حد ما، وأن الإجراءات كانت أشد عليه من غيره من طالبي اللجوء غير العرب والمسلمين، وذكر بأن طالبي اللجوء الأوكرانيين يحصلون عليه في بضعة أيام، لكن علينا نحن الانتظار لفترات قد تصل إلى سنوات. 

وشدد بأن المجتمع الإسلامي في بريطانيا يجب أن يوحد جهوده بما يملكه من أصوات وأموال، لانتشال المسلمين والمهاجرين من هذا الوضع الذي قد يتفاقم إلى حد لا يمكن تصوره.