رائد جوحي.. قاض شهير حقق مع صدام ومتهم في "سرقة القرن" بالعراق
رغم المناصب المهمة التي تولاها القاضي رائد جوحي في العراق منذ عام 2003، فقد كان بعيدا عن وسائل الإعلام إلى حد كبير، غير أنه أصبح كثير التداول بعد تورطه بفضيحة وصفتها وسائل إعلام عراقية بـ"سرقة القرن".
كشف وزير المالية بالوكالة، إحسان عبد الجبار في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022 عن سرقة 2.5 مليار دولار أميركي خلال المدة من سبتمبر/أيلول 2021 وحتى أغسطس/آب 2022، من حساب الأمانات التابع لدائرة الضرائب بتعاون 5 شركات مع فاسدين معنية بالملف.
— Ihsan A. Ismaael إحسان عبد الجبار (@IhsanIsmaael) October 15, 2022
"بطل السرقة"
تعود قصة أموال الضرائب إلى عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي الذي كلف ديوان الرقابة المالية عام 2017 بتدقيق جميع معاملات إعادة مبالغ الأمانات الضريبية والجمركية بدءا من يناير/كانون الثاني 2015 واستمر العمل بذلك حتى منتصف 2018.
لكن في عام 2021، وجهت اللجنة المالية البرلمانية السابقة برئاسة هيثم الجبوري (المستشار المالي الحالي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي) كتابا إلى وزير المالية علي علاوي المستقيل في أغسطس 2022، مقترحا مفاده بأن "يجري تدقيق معاملات مبالغ إعادة الأمانات من الهيئة العامة للضرائب فقط"، بما يعني إلغاء دور ديوان الرقابة المالية بالتدقيق.
في الأول من أغسطس 2021، أي بعد 17 يوما من كتاب اللجنة المالية، أرسل مدير عام هيئة الضرائب كتابا إلى وزير المالية علي علاوي يطلب حصر عملية تدقيق مبالغ إعادة الأمانات الضريبية بالهيئة العامة للضرائب دون الحاجة إلى تدقيق ديوان الرقابة المالية تماشيا مع طلب اللجنة المالية البرلمانية.
وهنا كان دور رائد جوحي الذي أصدر كتابا في اليوم ذاته (1 أغسطس 2021) يشير إلى إلغاء القرار السابق الذي صدر في فترة حيدر العبادي وإلغاء دور ديوان الرقابة المالية في التدقيق بمعاملات مبالغ إعادة الأمانات الضريبية.
في 3 أغسطس 2021، طلبت اللجنة المالية البرلمانية برئاسة هيثم الجبوري من وزارة المالية بالعمل وفقا لما جاء في كتاب رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي أشار إلى إلغاء تكليف ديوان الرقابة المالية بتدقيق المعاملات المالية للضرائب.
بعد كل هذه التوصيات والكتب الرسمية الصادرة من اللجنة المالية ومدير مكتب الكاظمي في حينها رائد جوحي، وافق وزير المالية المستقيل علي علاوي على أن يكون حصر التدقيق لدى الهيئة العامة للضرائب دون الحاجة لتدقيق ديوان الرقابة المالية.
وبعد ذلك مباشرة، جرى سحب المبالغ من حساب الأمانات الضرائبية في مصرف الرافدين عبر خمس شركات وهمية حديثة التأسيس، ابتداء من سبتمبر 2021 وحتى أغسطس 2022، عن طريق سحب 247 صكا (شيكا) موقعة من هيئة الضرائب، قيمة الصك الواحد نحو 10 ملايين دولار أميركي.
وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء "براثا" العراقية في 18 أكتوبر 2022، فإن السرقة كانت مكتملة الأركان بكتب رسمية حكومية وبرلمانية تحت إشراف رائد جوحي.
رئيس للمخابرات
تولى رائد جوحي رسميا مهام مدير مكتب الكاظمي، بقرار من الأخير في 7 يونيو/حزيران 2020، لكنه غادره بعد نحو عامين متوجها إلى إدارة جهاز المخابرات العراقي أكثر الأجهزة حساسية في البلاد.
ورغم أن منصب رئيس المخابرات من حصة المكون السني، وفق نظام المحاصصة الطائفية، فإن الكاظمي أصدر قرارا في 27 يوليو/تموز 2022، يقضي بتعيين جوحي رئيسا للجهاز، الذي احتفظ الأول بإدارته منذ تعيينه رئيسا للجهاز في يونيو 2016، وحتى مع توليه رئاسة الحكومة في مايو/أيار 2020.
وفي 15 أكتوبر 2022، وجه السياسي العراقي النائب السابق فائق الشيخ علي، رسالة إلى رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني، دعا فيها إلى تنحية رئيس جهاز المخابرات رائد جوحي من منصبه.
ودعا الشيخ علي في تغريدة على "تويتر" رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني، بقلع رائد جوحي من جهاز المخابرات، في أول مهمة ينفذها بعد جلوسه على كرسي رئاسة الحكومة، محذرا من السماع لمن يقول إن أميركا وبريطانيا لن تقبل بذلك.
وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدر تحالف القوى العراقية (أكبر كتلة للسنة في البرلمان وقتها) بيانا شديد اللهجة اتهم فيه رائد جوحي بفرض الوصاية على الوزراء "بالترغيب والترهيب والتدخل في عملهم بشكل سافر".
ودعا التحالف البرلماني السني، رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بعزل مدير مكتبه عن العمل، مهددا بأنه "لن يكون شاهد زور على حكومة فشلت إلى الآن بتحقيق ما تعهدت به من التزامات".
وقال التحالف السني وقتها: "هناك محاولات الاستحواذ واستغلال النفوذ الوظيفي لموظفي مكتب الكاظمي ومستشاريه لتحقيق مكاسب نفعية وشخصية وغايات سياسية للتأثير في مسار ونتائج الانتخابات القادمة (التي جرت بالفعل)".
واستنكر البيان "محاولات مدير مكتب رئيس الوزراء بتجاوز الصلاحيات المحددة له واستغلال موقعه الوظيفي للتمدد على الوزارات، ومحاولات فرض الوصاية عليها ضاربا عرض الحائط قوانينها المنظمة، قافزا على صلاحيات وزرائها الحصرية التي صوت عليهم البرلمان".
جاء ذلك بعد يومين من تداول ناشطين كتابا رسميا صادرا عن رائد جوحي، موجها إلى مكتب وزير الصناعة (السني)، منهل عزيز، أشار فيه إلى عدم تنفيذ الأخير العديد من الأوامر والتوجيهات الصادر عن رئيس الوزراء، وأن ذلك قد يعرضه إلى الإقالة.
وشدد كتاب جوحي على وصف الإجراءات المتخذة خلافا لأوامر الكاظمي بأنها "باطلة وعديمة الأثر، وعليكم تنفيذ أوامر وتوجيهات رئيس الوزراء وإلغاء كافة القرارات الصادرة عنكم بهذا الشأن خلال 72 ساعة، وبخلافه سيجري اتخاذ الإجراءات القانونية".
قاض شهير
رائد جوحي حمادي من مواليد محافظة ميسان جنوب العراق عام 1971، حاصل على شهادة البكالوريوس في كلية القانون بجامعة بغداد عام 1993، ثم المعهد القضائي عام 2002، وحصل على ماجستير في القانون الدولي من الولايات المتحدة الأميركية عام 2010.
عين جوحي قاضي تحقيق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، في مدينة النجف، ثم بعد الاحتلال الأميركي للعراق انتقل إلى بغداد.
وعينته السلطات الأميركية في الأول من يوليو 2004 قاضيا للتحقيق مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وظهر في أولى الجلسات موجها التهم للأخير في عدد من القضايا، في التحقيق الذي استمر عامين.
وبعد مقتل رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي، أصدر جوحي مذكرة اعتقال بحق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي اتهم بالتحريض لاغتياله في مدينة النجف، وذلك وفق مذكرة قبض قضائية في 20 مارس/آذار 2003.
وترقى رائد جوحي بعد ذلك من المرتبة الرابعة إلى الثانية في السلك القضائي، وأصبح رئيس المحكمة الجنائية المختصة في العراق والناطق باسمها.
ثم ذهب إلى كارلايل باركس في بنسيلفانيا وأقام فيها محاضرا حتى سنة 2011، ليعود إلى العراق ويطلب التقاعد من القضاء.
وعن تعيينه قاضيا للتحقيق مع صدام حسين، قال جوحي خلال مقابلة صحيفة نشرها موقع "مون لبنان" في 5 يونيو 2016 إنه مع "انتخاب القاضي لمهمة معينة هو من اختصاص السلطة القضائية".
وأردف: "تعييني جرى بناء على قرار رئيس مجلس القضاء بالتنسيق مع السلطة التنفيذية حينها. بدأنا العمل في منتصف 2004 قبل انتقال السلطة من المسؤول الأميركي بول بريمر إلى الدكتور إياد علاوي، وكان هناك بحث عمن يقود التحقيق".
وفي معرض رده عن شرعية النظام القضائي العراقي بعيد الاحتلال، وتعيين رئيس مجلس القضاء مدحت المحمود، قال جوحي: "الحكومة الأميركية هي من عينته. رسميا وقانونيا، بحسب القانون الدولي كان العراق تحت الاحتلال الدولي الأميركي – البريطاني".
وسبق أن تولى القاضي رائد جوحي مناصب عدة، قبل توليه منصب مدير مكتب رئيس الوزراء، وعمل لمدة ثلاث سنوات متتالية بين عامي 2016 و2019 رئيسا لمفتشي وزارة المالية والمفتش العام في وزارة الدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب وكذلك وزارة الداخلية.
المصادر
- الكاظمي يكلف مدير مكتبه رائد جوحي بمهام رئيس جهاز المخابرات
- قاضي محاكمة صدام حسين ومذكرة إعتقال مقتدى الصدر مديرا لمكتب مصطفى الكاظمي!
- فائق الشيخ يوجه رسالة إلى محمد شياع السوداني
- هذا ما جرى لسرقة 3.7 ترليون دينار عراقي من صندوق امانات هيئة الضرائب العامة ( سرقة حكومية بامتياز + رئيس اللجنة المالية البرلمانية )
- بعد توجيه كتاب لوزير الصناعة.. تحالف القوى يتهم رائد جوحي بفرض الوصاية ويدعو الكاظمي لعزله
- رائد جوحي
- وزير عراقي يكشف سرقة أكثر من ملياري دولار
- القاضي العراقي رائد جوحي: هكذا حققت مع صدام، كان علينا إقناعه بأنه متهم ولم يعد رئيسًا