انتخاب رشيد.. هكذا أطفأ أزمة رئاسة العراق وأشعل البيت السياسي الكردي

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت عملية انتخاب الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، أزمة في البيت السياسي الكردي، ولا سيما داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان ينتمي إليه الأخير، إضافة إلى الخلاف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر أحزاب إقليم كردستان.

عبد اللطيف رشيد (78 عاما) جرى انتخابه رئيسا للعراق خلال جلسة للبرلمان في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد منافسة شديدة مع الرئيس العراقي السابق برهم صالح، الذي كان المرشح الرسمي الوحيد للاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل الطالباني.

وأخفق البرلمان العراقي ثلاث مرات خلال العام 2022، في تحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تشترط حضور ثلثي أعضاء البرلمان 220 من أصل 329.

كسر إرادات

رشح عبد اللطيف رشيد نفسه لمنصب رئيس الجمهورية على أنه شخصية مستقلة، رغم أنه قيادي سابق في الاتحاد الوطني الكردستاني وزوج شاناز إبراهيم أحمد عضو الهيئة العامة في المكتب السياسي لـ"الاتحاد الوطني"، وهي شقيقة عقيلة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني.

ومع إصرار "الاتحاد الوطني" على ترشيح الرئيس العراقي السابق برهم صالح لولاية ثانية، الذي كان يرفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، فإن الأخير سحب مرشحه ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية، وقرر دعم عبد اللطيف رشيد والاتفاق مع باقي القوى البرلمانية من السنة والشيعة على انتخابه.

وحصل عبد اللطيف رشيد في الجولة الأولى من تصويت البرلمان العراقي على 157 صوتا مقابل 99 لمنافسه برهم صالح، ولم يحصل أي من المرشحين على ثلثي الأصوات البرلمان، كشرط دستوري للفوز، ثم جرت جولة ثانية فاز رشيد بـ162 صوتا مقابل 99 لصالح.

وعقب انتخاب رشيد رئيسا للعراق وإخفاق مرشح الاتحاد الوطني، خرج زعيم الأخير بافل الطالباني مع الرئيس الجديد أمام وسائل الإعلام العراقية، ليؤكد أن "عبد اللطيف رشيد هو مرشح الاتحاد لرئاسة الجمهورية وكسرنا إرادة الديمقراطي بترشيح هوشيار زيباري وريبر أحمد".

لكن القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بنكين ريكاني علق على تصريح الطالباني خلال تغريدة على "تويتر" في 14 أكتوبر 2022، بالقول: "والله لا عنده اتفاق ولا شيء، وأنه بقي يضغط مع حلفائه بشكل مهول".

وأردف: "بعدين يترجى الدكتور لطيف للانسحاب مع الكثير من الوعود وطلب تدخل العائلة بعد أن شعر بالقلق لكن كل المحاولات لم تدفع الأخير لسحب ترشيحه".

من جهتها، علقت سروة عبد الواحدة رئيسة كتلة "الجيل الجديد" البرلمانية الكردية على "تويتر" قائلة: "لا أعتقد أنه (بافل الطالباني) يكذب لأنه الوحيد يعرف اتفاقه مع البارزاني، لطيف رشيد عايش في نفس البيت معه يعني معقولة شخصين في بيت واحد وما عندهم اتفاق. لا تقرؤوا ظاهر الأشياء ما حدث هو اتفاق مباشر بين الطالباني والبارزاني".

وقبل يوم من انعقاد جلسة انتخاب الرئيس في 12 أكتوبر 2022، وجه زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل جلال الطالباني، مناشدة إلى حليفه "الإطار التنسيقي" الشيعي لانتخاب مرشحه برهم صالح لرئاسة الجمهورية.

وكتب الطالباني تغريدة على "تويتر" قال فيها: "الأخوة الأعزاء في الإطار التنسيقي وحلفاءنا الآخرين؛ نناشدكم باسم أخوتكم في الاتحاد الوطني الكردستاني الذين وقفوا معكم دائما في أصعب وأحلك الظروف أن تكونوا كما عاهدناكم.. (المؤمنون عند شروطهم)".

تداعيات محتملة

وعلى ضوء التجاذبات بين أكبر حزبين كرديين في إقليم كردستان وتداعياتها المحتملة على البيت السياسي الكردي، رأى الباحث في الشأن العراقي، عمر العادل أن "حزب الاتحاد الكردستاني، وأسرة الرئيس الراحل جلال الطالباني تورطوا بقيادة شابة ليس لديها خبرة سياسية. حتى ليس لها وزن سياسي معروف".

وأشار الباحث لـ "الاستقلال" إلى أن "عائلة الرئيس الراحل تتعكز على إرث جلال الطالباني والذي يمثلها نجله غريب الأطوار بافل، وأن هذا الشاب المهووس ليس لديه حذر من عجائز السياسة داخل حزب الاتحاد الوطني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والأحزاب الشيعية الإسلامية".

وتابع: "نجح هؤلاء بتخدير بافل طالباني فجرى ترويضه والضحك عليه وجعلوه يتحرك مكوكيا بين السليمانية وبغداد وبالعكس حتى صار عجينة بأياديهم، ولا يعطونه غير الابتسامة الصفراء والمديح والولائم حتى جاء موعد الغدر به بالاتفاق السري بين الإطار التنسيقي والبارزاني فسقط برهم صالح وصعد حليف البارزاني عبد اللطيف رشيد".

ولفت الباحث إلى أن "هذا الغدر لن يغفره برهم صالح ولا حتى والدة بافل والتي هي من القيادات التاريخية في حزب الاتحاد".

ولفت إلى أن "سقوط برهم صالح لصالح عبد اللطيف رشيد له تداعيات خطيرة جدا على إقليم كردستان وهو الخطأ الإستراتيجي الذي وقع به مسعود البارزاني".

ورأى العادل أن "البارزاني نجح في شق العائلة المهيمنة على القرار في السليمانية عندما اتفق مع الشيعة وأعطى رئاسة الجمهورية إلى زوج شقيقة زوجة جلال الطالباني (عبد اللطيف رشيد)".

 وهنا ستنقسم الأسرة مما سيلقي بظلاله على العلاقة بين الأسرتين، وعلى العلاقة بين السليمانية وأربيل وستتصاعد بالضد من أربيل، وفق تقديره.

الباحث، وصف برهم صالح بأنه "شخصية براغماتية خطيرة ولن يسكت وأنه سيعود إلى السليمانية بقوة وله جمهور كبير، وسيؤسس لخط سياسي ثالث لإرباك القرار بالسليمانية بالضد من أربيل".

وأردف أنه "ربما يتحالف مع كتلة التغيير (الكردية). هذا إذا لم يتحالف مع زوجة الطالباني ضد البارزاني ويقودان حركة تصحيحية في الاتحاد الوطني والسليمانية".

ومنذ تمتع إقليم كردستان بالحكم الذاتي إبان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 1991، يدير الحزب الديمقراطي الكردستاني محافظتي أربيل ودهوك.

وبدوره، يتولى الاتحاد الوطني الكردستاني مقاليد الحكم في مدينة السليمانية رغم وجود حكومة وبرلمان في الإقليم.

خلافات داخلية

وبعد وفاة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني الذي كان يتزعم الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2017، حصل انشقاق كبير داخل الحزب قاده برهم صالح، وشكل قائمة مستقلة خاض فيها الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2018.

لكن كان للسياسي الكردي الشاب بافل الطالباني الدور الأبرز لإعادة برهم صالح إلى صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني وترشيحه لمنصب رئيس جمهورية العراق (2018 إلى 2022) الذي يتولى شغله من شخصيات الحزب منذ عام 2006.

وفي يوليو/تموز 2021 اندلعت أزمة حادة داخل قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، الأمر الذي كاد يصل إلى الصدام المسلح بين جناحي القيادة المشتركة للحزب، بافل نجل رئيس العراق الراحل جلال طالباني، ولاهور شيخ جنكي، ابن عم الأول.

في فبراير/شباط 2020، انتُخب بافل طالباني ولاهور شيخ جنكي لرئاسة مشتركة للاتحاد الوطني، في خطوة تعد الأولى للأحزاب الكردية العراقية.

وجرى الاتفاق على أن يسيّر نجل مؤسس الحزب، بافل الطالباني الشؤون السياسية، بينما تُترك الملفات الأمنية لابن عمه شيخ جنكي.

ووقتها قال موقع "شفق نيوز" الكردي، إنه بعد توتر شديد شهده الاتحاد الوطني الكردستاني، أقدم بافل على تعريف نفسه برئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، ملغيا صفة الرئيس المشترك مع لاهور شيخ جنكي.

جاء ذلك خلال لقاء جمع بافل الطالباني في تلة دباشان -مقر قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني- مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، حسبما أفاد به الموقع الكردي.

ونقل الموقع حينها بيانا عن مكتب الطالباني، جاء فيه أن "الرئيس أعلن أنه يريد تنظيم البيت الكردي، وأن يقود مكانة كردستان نحو الأمن والاستقرار، ولتحقيق هذا الغرض فإنه بحاجة إلى التعاون مع الأطراف الشيعية والسنية وجميع القوى السياسية الأخرى في البلاد".

من جانبه، وصف لاهور شيخ جنكي الأزمة بأنها مؤامرة "محلية إقليمية وعثمانية" وقال في أول تعليق له إن "الاتحاد الوطني الكردستاني أقوى مما كان يعتقده الأعداء".

فهو يعتمد على شعب كردستان وعائلات الشهداء، ولن يسمحوا للاتحاد الوطني أن يضعف، لذا يجب على الأعداء أن يضعوا أحلامهم تحت الأرض، بحسب تعبيره.

ورجح الموقع الكردي أن يمهد التحرك الذي أقدم عليه بافل الطالباني لفرض سيطرته على المؤسسات الأمنية داخل جدران مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني.

وأوضح التقرير أن الخلاف تركز بعد أن قرر بافل تعيين شخصية مُقربة منه لرئاسة "جهاز زانياري" الأمني، وقيادة مكافحة الإرهاب، الذي يعد بمثابة المركز الاستخباراتي والأمني الأكثر قوة، والذي كان تحت قيادة لاهور شيخ جنكي.

من جهته، نشر موقع "زيان" الكردي القريب من شيخ جنكي، في 10 يوليو 2021 تقريرا قال فيه إن "السليمانية واجهت وضعا غير طبيعي بالإمكان تسميته بالانقلاب الأبيض وتسليم السليمانية إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفي حال نجاحها ستنعكس تأثيراتها على مستقبل هذه المنطقة وحياة مواطنيها".

وعلى الصعيد ذاته، قالت شبكة "رووداو" الكردية، في 11 يوليو 2021 إن الخلافات التي طفت إلى السطح، بين بافل ولاهور، سببها إبعاد رئيسي مؤسستي "المعلومات" و"مكافحة الإرهاب" في السليمانية واستبدالهما بآخرين أقرب إلى بافل.

وذكرت الشبكة الكردية أن "تغييرات بافل جرت بدعوة من شقيقه قوباد طالباني، نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، الذي طلب من رئيس الإقليم، نيجيرفان البارزاني، إصدار أمر إقليمي لتعيين مسؤولَي مكافحة الإرهاب ومؤسسة المعلومات في السليمانية".