رغم تصنيعها طرازا روسيا.. لماذا تستخدم موسكو مسيّرات إيران في أوكرانيا؟
فضح طرد أوكرانيا طلابا إيرانيين يدرسون في جامعاتها دور بلادهم رسميا في دعم روسيا بطائرات مسيرة انتحارية في الغزو الذي اندلع فجر 24 فبراير/شباط 2022.
ولم يكن الطلاب الإيرانيون البالغ عددهم 1424 يتوقعون أن تنسف دراستهم الجامعية في أوكرانيا عقابا من الأخيرة على مساندة إيران للعملية العسكرية الروسية.
عقاب الإيرانيين
وذكر موقع "ميدل إيست آي"، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2022 أن أوكرانيا بدأت بطرد الطلاب الإيرانيين من البلاد، ردا على صادرات طهران لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار إلى روسيا.
وقال طلاب إيرانيون للموقع، إن مسؤولي الهجرة الأوكرانيين أعطوا هذا السبب وراء رفضهم تمديد تأشيرات الطلاب، ووضعوا ختما أحمر على صفحة من جوازات سفرهم، الأمر الذي يمنعهم من دخول أوكرانيا خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ونقل الموقع عن طالب إيراني قوله: "تصرف موظف الهجرة معنا بغضب شديد وأخبرنا أن تأشيرتنا لن يجري تمديدها بسبب الطائرات بدون طيار والضباط العسكريين الذين ترسلهم بلادنا لتدريب الروس".
وأضاف الطالب قائلا: "نظر ضابط الهجرة إلى عيني مباشرة وقال: أنت مرفوض لأنك إيراني وبلدك قدم طائرات بدون طيار لروسيا'". وقال ضابط الهجرة للطلاب: "يجب أن تكونوا مسؤولين عن نشاط حكومتكم".
وحاول عدد من الطلاب الإيرانيين الحصول على الموافقة لحضور الفصول الدراسية عبر الإنترنت، إلا أن كييف رفضت.
وكانت الولايات المتحدة، التي تقود الغرب في صد الهجوم الروسي ودعم كييف عسكريا، تحذر منذ اندلاع العملية من وجود محاولات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز العلاقات مع إيران وسط الصراع الأوكراني.
إذ قال مسؤولون أميركيون في 13 يوليو/تموز 2022، إن إيران تستعد للمساعدة في تزويد روسيا بمئات الطائرات المسيرة، بما في ذلك تلك التي يمكن استخدامها كسلاح، لنشرها في أوكرانيا.
وبالفعل زار بوتين طهران في 19 يوليو، والتقى المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، وذلك في أول رحلة له خارج دول الاتحاد السوفيتي السابق منذ غزو أوكرانيا.
في المقابل، أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، في 11 يوليو، بأن الولايات المتحدة تملك معلومات استخبارية تفيد بأن "الحكومة الإيرانية تستعد لتزويد روسيا بمئات الطائرات المسيرة، وبينها قتالية، خلال وقت قصير جدا".
وتسهم الطائرات المسيرة في مهمات كثيرة في المعارك، منها تحديد أهداف العدو وتنفيذ مهام الاستطلاع وتنفيذ ضربات جوية محددة.
مقبرة المسيرات
في 17 سبتمبر 2022، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن قادة أوكرانيين قولهم إن روسيا تمكنت من إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الأوكرانية باستخدام طائرات إيرانية انتحارية بدون طيار.
ونتيجة لذلك أعلنت الحكومة الأوكرانية "إلغاء اعتماد" سفير إيران في 23 من الشهر المذكور.
وبعد بضعة أيام، وتحديدا في 26 سبتمبر، كتب الصحفي فيكتور كوفالينكو على حسابه في تويتر قائلا: إن القوات المسلحة لأوكرانيا هاجمت قاعدة روسية في مدينة سكادوفسك المحتلة في مقاطعة خيرسون.
وهو ما أسفر عن مقتل 20 مدربا عسكريا من إيران كانوا يدرسون 40 من السكان المحليين و20 من روسيا لتشغيل طائرات إيرانية مسيرة من نوع شاهد -136.
وفي 24 سبتمبر 2022 أبلغت أوكرانيا عن أول هجمات روسية نفذت باستخدام طائرات مسيرة إيرانية الصنع، وأكدت إسقاط ما لا يقل عن سبع طائرات مسيرة، من بينها ست من طراز "شاهد-136" الانتحارية، بالقرب من مينائي أوديسا على البحر الأسود.
كما أشارت القيادة العسكرية الجنوبية لأوكرانيا إلى أن الطائرات شملت ولأول مرة في أوكرانيا طراز "مهاجر-6"، وهي مسيرة إيرانية أكبر حجما.
وعلى الفور، كتب ميخائيلو بودولاك مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تغريدة باللغة الإنجليزية، أن إيران تدعم روسيا "من خلال تقديم طائرات مسيرة حديثة إلى دولة رجعية لقتل الأوكرانيين"، حسب قوله.
وحتى 5 أكتوبر، أكدت القوات الأوكرانية إسقاط 6 مسيرات انتحارية إيرانية من طراز شاهد -136 أطلقتها روسيا جنوبي البلاد، وأدى ذلك لجرح شخص في بلدة بيلا تسركفا، على بعد نحو 100 كيلومتر جنوبي كييف.
اللافت أن وزارة الخزانة الأميركية استبقت ذلك الدعم الإيراني لروسيا عبر فرضها في 9 سبتمبر عقوبات على شركة "سفيران" لخدمات المطارات ومقرها طهران.
واتهمت الوزارة الشركة المذكورة بتنسيق الرحلات العسكرية الروسية بين إيران وروسيا، بما في ذلك تلك المرتبطة بنقل الطائرات المسيرة والأفراد والمعدات ذات الصلة.
كما أدرجت وزارة الخزانة في قائمة عقوباتها شركتي "بارافار بارس" لتصميم وتصنيع محركات الطائرات و"بهارستان كيش"، قائلة إنهما "شاركتا في البحث وتطوير وإنتاج وشراء الطائرات الإيرانية المسيرة".
ولم تتوقف الدفاعات الجوية الأوكرانية عن إسقاط الطائرات الإيرانية المسيرة، وزاد يوما إثر آخر حجم الإسقاطات في بعض مناطق القتال بأوكرانيا.
وأمام ذلك، باتت الساحة الأوكرانية "مقبرة حقيقية" لمئات الطائرات الإيرانية المسيرة التي باعتها إيران لروسيا من طراز مهاجر-6 وشاهد.
صفقة تعاونية
ورصد في 16 يوليو 2022 زيارة وفد روسي إلى مطار كاشان بوسط إيران للمرة الثانية، لتفقد طائرتين قتاليتين من طراز شاهد 191 وشاهد 129، لاستخدامهما في الحرب ضد أوكرانيا.
وذكرت "ميدل إيست آي"، أن مدربين عسكريين إيرانيين يعتقد أنهم ينتمون إلى قوة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، كانوا موجودين على الأرض في أوكرانيا لتدريب القوات الروسية على كيفية استخدام الطائرة الانتحارية بدون طيار المعروفة باسم شاهد 136.
وقالت الحكومة الأوكرانية، إن المدربين الإيرانيين كانوا متمركزين في قرية مطلة على البحر الأسود في ميناء زالزني، وهلاديفتسي في منطقة خيرسون، وفي دزهانكوي في شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل روسيا منذ عام 2014.
ووفقا لمعهد دراسة الحرب، ومقره الولايات المتحدة، وضمن تقييمه اليومي للحملة الهجومية الروسية، أكد في 15 أكتوبر 2022 أن "الحرس الثوري الإيراني هو المشغل الرئيس لمخزون الطائرات بدون طيار في إيران".
لذا فإن هؤلاء المدربين الإيرانيين هم على الأرجح أفراد من الحرس الثوري الإيراني أو تابعون لهم.
وتعد إيران الدولة الخامسة الأكثر تطورا في صناعة الطائرات المسيرة، بعد روسيا وإسرائيل والصين، فيما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى.
وكان الجيش الإيراني كشف في 28 مايو/أيار 2022، عن قاعدة تحت الأرض لطائراته العسكرية المسيرة، تضم 100 طائرة مسيرة يحتفظ بها في قلب جبال زاغروس.
مسيرة المسيرات
طائرة "شاهد" صممها الحرس الثوري الإيراني، وكشف عنها في سبتمبر/أيلول 2013، ويبلغ طولها 8 أمتار وبارتفاع 3.1 أمتار، وطول جناحيها 16 مترا.
ويمكن للطائرة غير المأهولة التحليق 24 ساعة متواصلة وتنفيذ مهامها على مسافة 1700 كيلومتر، وعلى ارتفاع 24 ألف قدم تقريبا.
ولدى "شاهد" القدرة على حمل 8 قنابل أو صواريخ في وقت واحد للأهداف الثابتة والمتحركة بوزن 100 كيلو غرام، ويمكن توجيهها عبر الأقمار الصناعية.
أما "مهاجر 6" فهي أحدث عضو في أسرة مهاجر للطائرات المسيرة، وكشف عنها أول مرة في مارس/آذار 2017، واستخدمت في يوليو/تموز 2019.
تندرج الطائرة في فئة الطائرات من دون طيار التكتيكية القتالية، ويستخدمها الحرس الثوري والجيش الإيراني في عملياتهما.
ويبلغ شعاع عمليات مهاجر 6 نحو ألفي كيلومتر، وهي قادرة على حمل 40 كيلو غراما من القنابل الذكية.
وتبلغ سرعة "مهاجر 6" نحو 200 كيلومتر في الساعة، ويمكنها التحليق 12 ساعة متواصلة على ارتفاع 18 ألف قدم، وتنفذ عمليات مختلفة ضد أهداف ثابتة ومتحركة.
وتستفيد الطائرة أيضا من أنظمة الكشف الكهروضوئية، والليزر وأنظمة الكشف بالأشعة تحت الحمراء وأنظمة اعتراض العدو الإلكترونية والحرب الإلكترونية.
وأمام تلك المعطيات يبرز السؤال الأهم: ما الذي يدفع روسيا لاستجرار الطائرات المسيرة الإيرانية طالما لديها صناعة متقدمة في هذا المجال؟
تكتيك روسي
وكشف مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لوكالة رويترز البريطانية في 30 أغسطس 2022، أن روسيا تعتزم استخدام الطائرات المسيرة الإيرانية، التي يمكنها شن هجمات جو-سطح وحروب إلكترونية واستهداف في ساحة المعركة في أوكرانيا.
ومضى المسؤول الذي لم تذكر الوكالة اسمه يقول إن الولايات المتحدة لديها معلومات تفيد بأن إيران تستعد لتزويد موسكو بما يصل إلى عدة مئات من الطائرات المسيرة.
ويؤكد خبراء عسكريون أن روسيا لجأت إلى المسيرات الإيرانية ضمن تكتيك يقوم على تفويت الفرصة على الولايات المتحدة في كشف ميزات الطائرات الروسية المسيرة في حال سقطت بيد الأوكرانيين.
ولا سيما أن واشنطن تسعى لاستنزاف موسكو في أوكرانيا، وكشف أسلحتها السرية والإستراتيجية.
لكن مع ذلك فإن الجيش الروسي استخدم طائراته المسيرة مثل "لانسيت 3" الانتحارية، و"أورلان 10" وخاصة في شرق أوكرانيا وإقليم دونباس ومقاطعة زاباروجيا.
وخلال المعارك دمرت هذه الطائرات المسيرة الروسية منظومات هيمارس أميركية، ومدافع هاوتزر، وغيرها من الأسلحة الغربية التي حصلت عليها كييف.
ووفق الخبراء العسكريين، فإن الطائرات المسيرة متنوعة ومتباينة في قدراتها والأهداف التي صنعت من أجلها.
فبعضها يستخدم للتشويش أو لاستنزاف الدفاعات الجوية للعدو أو للاستطلاع والتصوير ورصد تحركات وأسلحة العدو، وأيضا يوجد منها ما هو قتالي.
وصرح المحلل العسكري البريطاني، جريمي بيني، لوكالة الأنباء الفرنسية في 8 أكتوبر، بأن معدلات فشل الطائرات المسيرة مرتفعة؛ لأن الأنظمة ليست عالية الجودة بشكل خاص.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القوة التفجيرية لها "منخفضة نسبيا"، ولذلك فإنه يعتقد أن الطائرات المسيرة ليس لها تأثير كبير على مسار الحرب بأوكرانيا.
ولكن من ناحية أخرى، يصعب على شاشات الرادار كشف الطائرات المسيرة حسب ما نقلته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية عن جندية أوكرانية، فقدت وحدتها دبابتين مع كامل الطاقم خلال هجوم لطائرة مسيرة قرب خيرسون، فضلا عن أن هذه المسيرات تشكل "ضغطا نفسيا" كبيرا على المدنيين.
ويحاول الجيش الروسي التقليل من استخدام مسيراته بكثرة في معارك أوكرانيا، لأن موسكو لا تستطيع إنتاج مسيرات مجددا بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها.
إذ أصبح من الصعب جدا حصولها على مكونات وقطع تبديل للطائرات المسيرة، وفق "ميدل إيست آي".
المصادر
- Ukraine expels Iranian students following Iran drone sales to Russia
- Ukraine Says Russia Used Iranian Suicide Drones To Hit Small Town
- Iranians trained Russian forces to launch suicidal drones on Ukrainian cities, says report
- بوتين يزور إيران في أول رحلة له خارج الاتحاد السوفيتي السابق منذ حرب أوكرانيا