رغم وجود الشيعة في الحكم.. لماذا تهرب أسرهم إلى مناطق السنة بالعراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم توليهم السلطة منذ عام 2003 وحتى الآن، إلا أن الشيعة في العراق بدأوا منذ نحو ثلاثة أعوام بالزحف إلى المناطق السنية، ولا سيما في العاصمة بغداد، التي كانوا يصفونها قبل ذلك بـ"حواضن الإرهاب"، وتشن عليها حملات اعتقال على الهوية بين الحين والآخر.

في المقابل، كانت المناطق ذات الغالبية الشيعية تشهد استقرارا أمنيا نسبيا باستثناء التفجيرات التي تستهدفها قبل اجتياح "تنظيم الدولة" للعراق عام 2014، إلا أن العائلات الشيعية تتوجه حاليا للسكن بمناطق السنة، لأسباب عديدة رغم ثمنها الباهظ.

تدفق السكان الشيعة من مناطق مختلفة بالعاصمة بغداد للسكن في المدن ذات الغالبية السنية بعد الهوة التي أنتجتها الحرب الطائفية عامي 2006 و2007، أثار جملة من التساؤلات بخصوص حقيقة الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك.

سطوة المليشيات

أولى تلك الأسباب التي استدعت السكان الشيعة لترك مناطق سكناهم، نفوذ المليشيات المتصاعد وسطوتهم الأمنية، والتي تحولت بسببهم المناطق إلى "كانتونات" اقتصادية لاستغلال مخصصاتها المالية، وأخذ الإتاوات من المحال التجارية.

وقال المواطن أبو محمد الذي قدم من مدينة الكاظمية ذات الغالبية الشيعية للعيش في منطقة اليرموك غرب بغداد، وهي إحدى أرقى مناطق العاصمة وتقطنها غالبية سنية، إن "الظروف في منطقته لم تعد مشجعة للعيش براحة، ذلك لأن المليشيات هي من تحكم ومن ليس له ظهر يسنده ويحميه منها لا يقوى على البقاء هناك".

وأوضح أبو محمد لـ"الاستقلال" أن "مشاريع تعبيد الطرق وغيرها من صيانة البنى التحتية تمسك بها المليشيات، ولا يمكن لشركة أن تباشر العمل فيها إلا بإعطاء حصة من مبلغ المقاولة وقيمتها 10 بالمئة حتى تستطيع البدء بإنزال المواد والإتيان بالعمال، وعند البدء بالعمل تأتي مليشيا أخرى تريد هي الأخرى حصة، وإلا لا يسمح لهم بالعمل".

وأشار المواطن العراقي إلى أن "هذا الأمر ينطبق على افتتاح أي مشروع في تلك المناطق، فإنها تخضع إلى الابتزاز والمطالبة بالإتاوات مقابل السماح له بالعمل، وللأسف الأجهزة الأمنية لا تستطيع تحريك ساكن، بل تخشى التدخل إذا اشتكى لديها أحد".

ولفت أبو محمد إلى أن "الأمر الآخر الذي دفعني لمغادرة منطقتي والتي هي مسقط رأسي أبا عن جد، هو موضوع الدكة العشائرية، التي أصبحت شائعة ويمتهنها البعض للابتزاز، وذلك لأن الدولة غائبة، وفي أحيان كثيرة تقف الأجهزة الأمنية عاجزة حيال هذه الحوادث".

ويعرف في العراق مصطلح "الدكة العشائرية"، ما يعني مرحلة التحذير، وهو تقليد يعود لقرون عدة، لكن مع انتشار السلاح بشكل متفلت خلال دوامة العنف التي شهدتها البلاد، أصبحت تلك العادة خطرا كبيرا.

وتتلخص "الدكة العشائرية" بإقدام مسلحين ينتمون لعشيرة على تهديد عائلة من عشيرة أخرى، من خلال عملية إطلاق نار أو إلقاء قنبلة يدوية أحيانا، على منزل المقصود، كتحذير شديد اللهجة لدفعها على الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور لتؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.

وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2018، طالبت قيادة عمليات بغداد، في بيان رسمي، مجلس القضاء الأعلى بتشديد العقوبة على منفذي "دكة العشائر"؛ لأنهم يحملون قنابل يدوية وقاذفات "آر بي جي" وأسلحة رشاشة، ورغم ذلك يطلق سراحهم "بكفالة".

بعدها أعلن "مجلس القضاء الأعلى" في بيان خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، "إدراج الدكات العشائرية ضمن الجرائم الإرهابية، وضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم".

وأشار الى أن المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقر العام 2005، تنص على أن "التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أيا كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية".

مخدرات وشذوذ

وفي السياق ذاته، أشار "أبو علاء" وهو صاحب أحد مكاتب العقار في حي الجامعة ببغداد ذات الغالبية السنية، إلى أن "إقبالا كبيرا نشهده من سنتين أو ثلاث من مناطق الكاظمية والشعلة وبعض مناطق الرصافة من بغداد للشراء أو الاستئجار في منطقة حي الجامعة".

وأكد أبو علاء لـ"الاستقلال" أن "طبقات ليست بالمتوسطة، وإنما الثرية منها والمثقفة هي التي تأتي في الأغلب لشراء عقارات سكنية في منطقة حي الجامعة التي يتجاوز سعر المتر فيها ألفي دولار، حفاظا على أبنائهم من المخدرات والشذوذ الجنسي بين فئة الشباب في المناطق التي قدموا منها".

ونوه صاحب مكتب العقار إلى أن "هذه أبرز الأسباب التي نسمعها ممن يريد الانتقال للعيش في حي الجامعة من المناطق سابقة الذكر، إضافة إلى سطوة المليشيات التي يتهمونها بتسهيل انتشار المخدرات والاتجار فيها، سواء بين طلبة المدارس الثانوية أو المقاهي".

ولفت إلى أن "الكثير من سكان هذه المناطق يأتي ويسأل على سكن في مناطق الجامعة والعدل واليرموك والعامرية والخضراء، والتي تعتبر أحياء باهظة الثمن، لكنهم يفضلونها لهدوئها وقلة المشاكل المسلحة التي غالبا ما تندلع في مناطق أخرى تأوي مقرات فصائل مسلحة ومليئة بالسلاح".

في المقابل، أعرب أبو عامر من سكان حي الخضراء عن خشيته مما أسماه "الزحف الشيعي" إلى مناطق ذات غالبية سنية، ذلك لأن معظم من يمتلك المال هم الفصائل المسلحة والفاسدون الذين يغسلون الأموال القذرة من خلال شراء العقارات والتي تسببت بصعود مرعب لأسعار العقارات في هذه المنطقة.

وبيّن أبو عامر لـ"الاستقلال" أن "الزحف نحو هذه المناطق ربما يكون منظما، وبالتالي قد نشهد بعد سنوات قليلة افتتاح مكاتب للفصائل المسلحة وتكون أرضا مستباحة من هذه الأطراف التي ترفضهم مجتمعاتهم بشدة كونهم جلبوا لهم الخراب، بسبب تخزين السلاح في البيوت والتي تشهد بين الحين والآخر مواجهات".

ولفت إلى أن "العراقيين متآلفون فيما بينهم سواء سنة أم شيعة بعيدا عن هذه الفصائل صاحبة المشاريع الخارجية المشبوهة التي تعمل على هدم البلد والدولة، بل هم أصبحوا أقوى من الدولة، لذلك السنة لا يستطيعون الذهاب والسكن في مناطق توجد فيها هذه الفصائل، لأن حياتهم ستكون مهددة".

وفي 25 يوليو/ تموز 2022، قال مسؤول الإعلام في المديرية العامة لمكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية، بلال صبحي، إن "مناطق الرصافة في بغداد (غالبية شيعية) تصدرت المناطق الأكثر تجارة وتعاطيا للمواد المخدرة".

وأوضح صبحي لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن "عصابات المخدرات تستهدف محافظات العراق كافة، فيما تعد محافظة المثنى من الأكثر انتشارا للمخدرات".

وتابع أن "المواد المخدرة التي يتم ضبطها تكون منشطة لجهاز العصب المركزي (مادة الكريستال وحبوب الكبتاغون)"، مبينا أنه "خلال الأشهر الستة الماضية تم ضبط أكثر من 210 كيلوغرامات من المخدرات، بينها أكثر من 180 كيلوغراما من مادة الكريستال".

وأكد صبحي أن "نحو 90 بالمئة من المواد المخدرة يتم تهريبها عبر الطرق والمنافذ غير الرسمية وعن طريق الشريط الحدودي بين العراق وإيران من خلال الأهوار أو طريق الصحراء من الجهة الغربية عن طريق منطقة القائم من جهة الأنبار".

يشار إلى أن مليشيات كتائب "حزب الله" العراقي الموالية لإيران هي القوة الرئيسة التي تسيطر على بلدة القائم وما حولها في الأنبار المحاذية لسوريا غرب العراق.

إضافة إلى وجود بعض الفصائل الأخرى كـ"الخراساني" التي تقوم بعملية الإسناد للكتائب، حسب مقال للكاتب العراقي، شاهو القره داغي، نشره مركز "الرافدين" للدراسات الإستراتيجية في 22 سبتمبر/ أيلول 2021.

قلق أمني

وعلى الصعيد ذاته، رأى المواطن هيثم الأسدي أن "الخلافات السياسية التي تحصل بين القوى الشيعية في كل مرة تنعكس على شكل صدامات مسلحة واغتيالات في هذه المناطق ذات الغالبية الشيعية".

ولفت الأسدي لـ"الاستقلال" إلى أن "امتلاك السلاح من جميع الأحزاب والفصائل المسلحة في المناطق الشيعية، يسبب قلقا أمنيا مستمرا لسكان هذه المدن خصوصا في الأزمات السياسية، وهذه المجتمعات ترفضهم بشدة في الوقت الحالي وتغبط باقي المناطق التي لاوجود لهم فيها".

وبين أن "سكان المناطق الشيعية كانت في مراحل سابقة خصوصا عند سيطرة تنظيم الدولة على ثلث مساحة العراق عام 2014، تنتمي إلى هذه الفصائل لمقاتلة التنظيم، وهناك تعاطف وتأييد كبير لمن يحمل السلاح للدفاع عن المدن العراقية، لكن الأمر تبدل اليوم، فقد أصبحوا أباطرة للمال والسلاح".

وشدد الأسدي على أن "من يدافع على الفصائل المسلحة ويريد بقاءها في المناطق السكنية هم المنتمون لها والمستفيدون منها حصرا، أما عموم المواطنين فقدد سئموا من ممارساتهم، خصوصا أن قادة هذه المليشيات وعائلاتهم يعيشون حيتا مترفة على حساب المواطن الاعتيادي".

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، في مقال للكاتب روبرت إف وورث، نشرته في 6 أغسطس/آب 2020، إن "الجماعات مثل كتائب حزب الله ليسوا فقط عملاء لإيران بالوكالة، بل هم أيضا الوجه الجديد لحكم اللصوص البيروقراطي التي اكتسبت ثروتها على حساب شباب العراق الذين ازدادت أعدادهم فقرا وبطالة".

"وفي الوقت ذاته بات بعض قادة المليشيات من بين أغنى رجال العراق، مشهورين بشرائهم المطاعم والأندية الليلية الفاخرة والمزارع الوافرة على ضفاف نهر دجلة"، بحسب الصحيفة الأميركية.

ولفت الكاتب إلى أن "من دعم هذه المليشيات ومكنها هي الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي لا تسعى إلا إلى الثراء".

وأردف: "هذه العصابات متعددة الطوائف مارست لسنوات عديدة الاحتيال على المستويات كافة، ومن ضمنها السيطرة المستمرة على نقاط التفتيش، والاحتيال المصرفي، والتحايل على نظام الرواتب الحكومي".

وتابع: "عندما تولى عادل عبد المهدي الحكم (رئاسة الوزراء) عام 2018، وسط ترحيب به كمصلح محتمل، حاول ضم المليشيات للدولة، لكنهم فاقوه براعة وسيطروا عليه. وقد تضمنت حكومته أشخاصا لهم ارتباطات بأحد أسوأ شبكات الكسب غير المشروع التي ابتلت البلاد بها".

وفي أبريل/ نيسان 2022، تداولت حسابات على موقع "تويتر" صورا لمجموعة من الشبان تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاما، بصحبة سيارات فارهة من نوع مرسيدس "جي كلاس" موديل عام 2021 يفوق سعرها 130 ألف دولار.

وحسب الناشطين، فإن هؤلاء هم، حسين نجل شبل الزيدي زعيم كتائب الإمام علي، علي نجل أحمد محسن فرج الحميداوي زعيم كتائب "حزب الله"، محمد نجل أحمد المكصوصي معاون زعيم كتائب "سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي.