ضغوط دولية واستعراضات عسكرية.. من المستفيد بتمديد الهدنة في اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب انتهاء الهدنة الإنسانية التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن منذ أبريل/نيسان 2022 تتزايد المخاوف من عودة المعارك من جديد بين قوات الحكومة الشرعية المسنودة بتحالف سعودي إماراتي، ومليشيا "الحوثيين" المدعومين من إيران، في ظل وضع إنساني بالغ التعقيد.

وفي محاولة من المجتمع الدولي لتمديد الهدنة التي تنتهي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022 أجرى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، خلال سبتمبر/أيلول 2022، جولة شملت الرياض ومسقط وصنعاء.

الجولة تأتي من أجل مناقشة مقترح لإعلان تمديد جديد للهدنة، بعد 6 أشهر من استمرارها بصورة "هشة"، والاتهامات المتبادلة بين أطراف الصراع بالخروقات وعدم تنفيذ بنودها.

شروط الحوثيين

وتهدف المساعي الأممية إلى تمديد الهدنة لـ"أطول فترة ممكنة"، حيث أعاد المبعوث الأممي طرح مقترح توسيع الهدنة الجارية والتي أعلنت خلال التمديد الأخير في 2 أغسطس/آب 2022، في ظل مخاوف من انهيارها في ظل حالة التحشيد والاستعراضات العسكرية بين الأطراف خلال الأيام الماضية.

وحمل المقترح الذي قدمه المبعوث، للجانب الحكومي ومليشيات الحوثي بشأن تمديد وتوسيع الهدنة الحالية، فتح طرق تعز وعدد من المحافظات، وتوسيع رحلات تجارية جديدة من مطار صنعاء الدولي إلى سبع عواصم عربية جديدة، وفتح ميناء "الحديدة" بالكامل أمام سفن المشتقات النفطية.

والتقى غروندبرغ في 26 سبتمبر 2022 برئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في العاصمة السعودية الرياض؛ لمناقشة الجهود الجارية لتنفيذ وتمديد الهدنة.

كما التقى مع وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، في 27 سبتمبر، بالعاصمة مسقط، من أجل تبادل وجهات النظر حول المساعي والجهود المبذولة لتأمين استمرار الهدنة في اليمن، لتحقيق تطلعات شعبه في الأمن والاستقرار، بحسب بيان للخارجية العمانية.

وذكر مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن أن كافة محادثاته في السعودية وعمان ركزت على أهمية تمديد الهدنة لفترات زمنية أطول، لإتاحة الفرصة أمام اليمنيين لإحراز تقدم على نطاق أوسع يستوعب الأولويات ويوفر مساحة للإعداد للتوجه نحو مفاوضات سياسية شاملة، وفق بيان نشره موقع مكتب المبعوث الأممي في 27 سبتمبر.

وفي 28 سبتمبر بحث غروندبرغ مع رئيس المكتب السياسي للحوثيين، مهدي المشاط، بصنعاء  "جهود الأمم المتحدة لتوسيع الهدنة في اليمن تمهيدا لسلام دائم".

وخلال اللقاء قال المشاط، إن "الظلم الذي لحق بالشعب اليمني جراء العدوان والحصار كبير جدا، مقارنة بالمطالب الإنسانية البسيطة التي يقدمها من صرف لمرتبات كافة موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين، ورفع الحصار"، على حد تعبيره، وفق ما نقلته وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين.

ويسعى الحوثيون للحصول على مكاسب أكبر من تمديد الهدنة، مستغلين الاهتمام الدولي الكبير بها ومنع أي تصعيد جديد في اليمن.

والتصعيد قد يهدد عودة المعارك والهجمات الجوية والصاروخية المتبادلة بين التحالف السعودي الإماراتي ومليشيات الحوثي، والتي وقفت كليا خلال الأشهر الستة الماضية، رغم الخروقات في الجبهات الداخلية في المحافظات اليمنية.

اتهامات متبادلة

في المقابل، تشترط الحكومة اليمنية فتح الطرق في مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين منذ عام 2015، والتي تعد من البنود الأساسية في الهدنة الحالية، فيما رفض الحوثيون فتح الطرق بعد جولتين من المباحثات التي تمت في الأردن برعاية أممية في مايو/أيار 2022.

بالإضافة إلى صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين من عائدات السفن النفطية الواصلة إلى ميناء الحديدة، حيث تتهم الحكومة الحوثيين بنهب إيرادات المشتقات النفطية، وعدم الالتزام ببنود الهدنة.

وتتهم مليشيا الحوثي، التي تسيطر على معظم المراكز السكانية والحضرية الكبرى في شمال اليمن وغربه، التحالف السعودي الإماراتي باحتجاز سفن الوقود وعدم السماح لها بالدخول إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر، الواقع تحت سيطرة المليشيا.

وتعليقا على المخاض الصعب في طريق تمديد الهدنة، قال الصحفي والناشط في المجال الإنساني، سليم السعداني، إن "الحوثيين يستثمرون الضغوطات الدولية لتمديد الهدنة لصالحهم، من خلال إملاء مزيد من الشروط مقابل عدم تنفيذ البنود السابقة".

وأكد السعداني لـ"الاستقلال" أن "الرغبة الدولية والإقليمية في طي ملف حرب اليمن باتت هدية أخرى يستفيد منها الحوثي في تدعيم بقائه في الحكم شمال اليمن، واستنزاف الوقت لتمرير شروطه بعد أن فشل التحالف في إدارة المعركة".

واستطرد: "لذا أصبح استجداء الحوثي في العودة لطاولة الحوار وتمديد الهدنة يعني منح الحوثي امتيازات لم يكن يحلم بها مسبقا، وهو ما شجعه على التردد والتأني في القبول بها حتى آخر لحظة".

وأشار إلى أن "العقبات الحوثية في القبول بالهدنة نفسها التي وقفت سابقا في تنفيذ مخرجات (اتفاق السويد) وكذلك اتفاق تبادل الأسرى في الأردن، فالحوثي يراهن على الوقت وتفكك المناوئين له، لذلك لا يهمه الاستجابة السريعة أو القبول بدون شروطه".

ولفت السعداني إلى أن "الهدنة ستمدد في نهاية المطاف، وفي كلا الحالات لن يستفيد منها سوى الحوثي ومشروعه السلالي الطائفي".

استعداد للمواجهة

وينص اتفاق السويد أو ما يعرف باتفاق "استوكهولم" الذي وقعه الحوثيون مع الحكومة اليمنية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، على وقف العمليات العسكرية وتقدم القوات الحكومية نحو مدينة الحديدة الإستراتيجية على البحر الأحمر.

وأيضا إخلاء مدينة الحديدة من السلاح، بالإضافة إلى آلية لتبادل الأسرى، وتفاهم لتهدئة القتال في محافظة تعز (وسط) وفتح طرقها.

لكن الحوثيين تنصلوا من التزاماتهم بشأن فتح الطرق وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، واكتفوا بصفقة تبادل أسرى مع القوات الحكومية في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بوساطة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأقام الحوثيون مطلع سبتمبر/أيلول 2022 استعراضا عسكريا ضخما في محافظة الحديدة لأول مرة، منذ إعلان "اتفاق استوكهولم".

وفي 15 سبتمبر 2022 نظمت مليشيا الحوثي بصنعاء عرضا عسكريا للوحدات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الخاضعة لسيطرتهم، تحت شعار "لهم الأمن"، وبحسب موقع "26 سبتمبر" التابع للحوثيين فإن الاستعراض "هو الأكبر في تاريخ اليمن".

ونظم الحوثيون في 21 سبتمبر 2022، بميدان السبعين في العاصمة صنعاء عرضا عسكريا بمناسبة الذكرى الثامنة لانقلابهم على الحكومة اليمنية.

ووفق قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين التي بثت مشاهد من الاستعراض، تضمن العرض "أسلحة إستراتيجية جديدة لم يتم الكشف عنها من قبل، بعضها دخل الخدمة قريبا وبعضها جربت ولم تستخدم بعد".

من جهتها، أقامت القوات الحكومية بمدينة مأرب الغنية بالنفط والتي تضم مقر وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان، عرضا عسكريا في 26 سبتمبر، بحضور نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، محافظ مأرب سلطان العرادة، ورئيس الحكومة، معين عبد الملك.

وحذر الصحفي السعداني من "مغبة عودة المعارك من جديد".

وأشار إلى أن "عودة المعركة ستلقي بظلالها على الوضع الإنساني المتهالك أصلا، في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع الرواتب وانعدام الأعمال، إلى جانب الجبايات المستمرة من قبل الحوثيين".

وتسبب الصراع المستمر في اليمن منذ 7 سنوات بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وحتى نهاية 2021 أودت الحرب بحياة 377 ألف شخص، وكبدت الاقتصاد خسائر تقدر بـ126 مليار دولار، وفق الأمم المتحدة.