وسط الاحتجاجات.. لماذا تهدد إيران مشاهيرها وتتهمهم بالعمالة لواشنطن؟
مع تفجر الاحتجاجات الشعبية الإيرانية المنددة بوفاة الشابة مهسا أميني، أعلن العديد من المشاهير الإيرانيين وقوفهم مع المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام، ما دفع السلطات للتحرك ضدهم.
ومنذ 16 سبتمبر/أيلول 2022، اشتعلت نحو 50 مدينة وبلدة في إيران بمظاهرات شعبية عارمة هي الأوسع منذ احتجاجات 2019، فبعدما كانت تتركز في مسقط رأس مهسا أميني بإقليم كردستان (شمال غربي إيران)، فإنها امتدت إلى طهران وقم وأنحاء أخرى من البلاد.
وقتلت أميني بعد تعرضها للضرب من شرطة الآداب في إيران بدعوى ارتدائها ملابس غير محتشمة، وعلى أثر ذلك، ندد محتجون غاضبون بالنظام الإيراني وطالبوا بإسقاطه.
كما أضرموا النيران في العديد من مقرات وسيارات ومعدات رجال الأمن في مدينة قم الدينية مسقط رأس المرشد الإيراني علي خامنئي، إضافة إلى حرق صوره هو وقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.
دعم المشاهير
رغم قمع السلطات للمتظاهرين، فإن ذلك لم يمنع نجوم الفن والرياضة من إعلان دعمهم للاحتجاجات، وكان في طليعتهم لاعب كرة القدم السابق الشهير علي كريمي المعروف بـ"مارادونا الآسيوي"، فقد حوّل حسابه في "إنستغرام" والذي يتابعه 11 مليونا، إلى منصة للدفاع عن المحتجين.
وحسب ما نشرت صحيفة "تلغراف" البريطانية في 24 سبتمبر 2022، فإن كريمي كان أول شخصية إيرانية بارزة تلقي باللوم في وفاة الشابة أميني على شرطة الآداب الإيرانية، وأن نجم كرة القدم أخبر متابعيه أنه يصدق قصة عائلتها بشأن وفاتها متأثرة بجروح أصيبت بها بعد تعرضها للضرب.
ولفتت إلى أن كريمي، نجم فريق بايرن ميونخ الألماني السابق، كرّس صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم التظاهرات، وشارك الصور ولقطات الفيديو.
وأكدت أن "كريمي قدّم كذلك نصائح للمتابعين في كيفية الالتفاف على حظر الإنترنت، لمشاركة المشاهد المصوّرة بأمان".
وذكرت أن علي كريمي غرّد على "تويتر" قائلا: "أنا مجرد مواطن إيراني عادي، وليس لدي أي منصب أو موقع من خلال نشاطي. أنا فقط أسعى لتحقيق السلام والازدهار لشعبي"، محذرا قوات الأمن من التورّط في القمع، بالقول "أنتم جنود الوطن الأم، ومسؤولون عن حماية أرواح مواطنينا".
أما المطرب الأهوازي مهدي يَرّاحي الذي يشتهر بمواقفه الداعمة للشعب في سجله الغنائي، وما زال محظورا من الغناء منذ عام 2019 إثر توجيه النقد للحرس الثوري بعد الاحتجاجات ضد غلاء البنزين وإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية، فقد قدم أغنية باسم "قفس بس"، تتحدث عن الحرية، حصدت ملايين مرات الاستماع.
من جهته، قال مطرب موسيقى البوب، محسن تشاووشي على "تويتر" في 21 سبتمبر إن "اليوم وفي كل هذه السنوات، أينما تحدثت من خوزستان إلى كردستان وفي جميع أنحاء هذا البلد، كان من أجل حب الناس فقط الذين يتعرضون بطريقة جبانة للضرب المبرح اليوم، دون ذنب ارتكبوه.. لا يجوز الصمت".
بدوره نشر المخرج والممثل ومقدم البرامج الشهير مهران مديري، مقطع فيديو يطالب فيه هيئة الإذاعة والتلفزيون بعدم نشر أيٍّ من أعماله الفنية وبرامجه التلفزيونية، ليعبر عن غضبه تجاه كتم الأصوات في التلفزيون الحكومي وكبح المتظاهرين.
وفي السياق، انتقد بشدة المخرج الشهير مسعود كيميائي مقتل مهسا أميني، وطالب زملاءه في الوسط الفني أن يبدوا مواقفهم تجاه القضايا الحاصلة في البلاد، وأثنى على المتظاهرين وشجاعتهم.
وكذا الحال بالنسبة للمخرج الكردي بهمن قُبَادِي- الذي يعيش في المنفى- فقد طالب عبر "تويتر" الفنانين الإيرانيين بعدم الصمت إزاء هذا الحادث والوقوف إلى جانب الناس، وذكَرهم أنه لا يمكن أن نصبح فنانين مشهورين دون حماية شعبنا.
من ناحية أخرى، خلعت بعض الفنانات الإيرانيات في 21 سبتمبر 2022 الحجاب ونشرن صورا لهن من دونه احتجاجا على مقتل الشابة الإيرانية، ومنهن: شيوا إبراهيمي، ومريم بوباني، وشبنم فرشادجو، فيما حلقت الفنانة أناهيتا همتي شعرها خلال مقطع فيديو.
وقالت الممثلة الشهيرة كتايون رياحي خلال مقابلة مع برنامج "تيتير أول" في 21 سبتمبر إن "خلع الحجاب هو لمن كانت ترتديه، لكنني لم أرتدِ الحجاب من قبل، والآن أنا فقط أظهر الحقيقة"، مضيفة: "صورونا محجبات منذ سنوات ولكن هذا غير صحيح. كفى أكاذيب".
وعلى الصعيد ذاته، نشر الممثل والمخرج الإيراني، رضا عطاران، صورة لمهسا أميني على موقع "إنستغرام" في 21 سبتمبر 2022، وعلق عليها قائلا: "لقد متنا منذ زمن طويل".
تحريض ومعاقبة
ولم تكن لتلك المواقف أن تمر من دون معاقبة، فقد أقدم القضاء الإيراني في 26 سبتمبر على حجز منزل اللاعب السابق علي كريمي في منطقة لواسان بالعاصمة طهران، لمواقفه تجاه الحراك الشعبي وتضامنه مع الشابة مهسا أميني.
وجاءت إجراءات القضاء بحق اللاعب الإيراني الشهير- بحسب موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض- بعدما اقترح برلماني إيراني (لم تكشف اسمه) مقرب للحرس الثوري بحجز أموال علي كريمي الذي علّق على المقترح بالقول: "كل ممتلكاتي فداء للشعب".
وقبل ذلك، كشفت صحيفة "تلغراف" البريطانية في تقريرها أن الحرس الثوري الإيراني يلاحق نجم الكرة كريمي، بسبب دعواته المستمرة للاحتجاج على نطاق واسع في البلاد، في أعقاب وفاة مهسا أميني.
وتحدّثت الصحيفة عن تقديرات حول تصاعد القلق لدى النظام الإيراني من دور كريمي "كشخصية معارضة تحظى بشعبية كبيرة يمكن أن تتجمع حولها حركة احتجاجية ناشئة".
وذكرت أن شعبية لاعب كرة القدم تعود إلى زمن ما عرف بالانتفاضة الخضراء عام 2009، حين ارتدى سوار معصم أخضر؛ لإظهار دعمه للمتظاهرين خلال إحدى مباريات كأس العالم، لافتا إلى أن كريمي شارك منذ ذلك الحين في العديد من الحملات المناهضة لسياسات النظام الإيراني المحلية والإقليمية.
وحسب الصحيفة البريطانية، فإن وكالة أنباء "فارس" الناطقة باسم الحرس الثوري الإيراني، وصفت علي كريمي بأنه "مثير للشغب"، وطالبت القضاء ووزارة الاستخبارات بـ"التعامل معه".
وفي 26 سبتمبر 2022، هدد رئيس القضاء الإيراني، محسني إيجه إي، المشاهير، قائلا: "ليس من نزل إلى الشارع هو فقط المجرم بل إن محرضي مثيري الشغب ومؤيديهم مجرمون أيضا وسيتم التعامل معهم. سنعاقب الأشخاص الذين اشتهروا بدعم النظام لهم، وبدلا من أن يكونوا معنا في اليوم الصعب تحالفوا مع العدو".
وعلى الوتيرة ذاتها، حرضت صحف إيران في 24 سبتمبر عليهم وطالبت بمحاسبتهم، فقد دعت صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد خامنئي، إلى محاسبة الإصلاحيين وبعض المشاهير بعد أن اتهمتهم بالخيانة والعمالة للولايات المتحدة الأميركية.
وكتبت قائلة: "حان الوقت لكي يُعرض المتطرفون أدعياء الإصلاح وبعض المشاهير أمام القضاء بوصفهم أدوات أميركا والمحركين للفوضى لكي ينالوا العقاب الذي يستحقونه".
أما صحيفة "همشهري" التابعة لبلدية طهران، فقد وصفت الفنانين والرياضيين المؤيدين للاحتجاجات التي تشهدها إيران بـ"الصم العمي" الذين أصبحوا جنودا بيد تيار يستهدف إسقاط النظام.
واتهمت الصحيفة مشاهير الفن والرياضة في إيران بأنهم "يجهلون السياسة" وكانوا لقمة سائغة بيد الأعداء وقد وقعوا في الفخ الذي نصب لهم وأصبحوا يسايرون أعداء الثورة الإيرانية.
تصاعد الضحايا
حصيلة الحملة الأمنية التي نفذتها السلطات الإيرانية ضد المتظاهرين أسفرت عن مقتل 76 شخصا على الأقل، وفق ما أعلنت منظمة "إيران هيومن رايتس" غير الحكومية التي تتخذ من النرويج خلال تقرير لها في 26 سبتمبر.
وقال مدير المنظمة، محمود أميري مقدم: "ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية بشكل حاسم وموحد لوقف قتل وتعذيب المتظاهرين"، مضيفا أن التسجيلات المصورة وشهادات الوفاة التي حصلت عليها المجموعة تظهر بأن “الذخيرة الحية تطلق مباشرة على المتظاهرين".
في المقابل، فقد حض المرجع الديني الإيراني البارز حسين نوري الهمداني السلطات الإيرانية على "الإصغاء للشعب" في خضم تظاهرات مستمرة تشهدها البلاد على خلفية موت الشابة مهسا أميني خلال الاعتقال على يد شرطة الآداب الإيرانية.
وجاء في بيان نشره الموقع الإلكتروني للمرجع الهمداني في 26 سبتمبر أن "القادة عليهم أن يصغوا لمطالب الشعب وأن يحلوا مشاكله وأن يبدو أكثر اكتراثا بحقوقه".
ولطالما كان الهمداني حليفا للمعسكر المحافظ المتشدد ومؤيدا بقوة للمرشد الأعلى لإيران علي خامنئي في مناسبات عدة، خصوصا إبان الاحتجاجات التي شهدتها إيران عام 2009 اعتراضا على فوز محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية.
وأكد الهمداني "إدانة أي إهانة للمقدسات وأي اعتداء على حقوق الناس والأملاك العامة".
ولا تزال السلطات الإيرانية تمنع الوصول إلى "إنستغرام" و"واتساب"، فقد قالت وكالة الأنباء "فارس" في 22 سبتمبر إنه "بقرار من مسؤولين لم يعد من الممكن الوصول في إيران إليها".
وأوضحت أن "هذا الإجراء اتخذ بسبب "أعمال نفذها مناهضون للأمن القومي عبر شبكات التواصل الاجتماعي هذه".
ويعد "إنستغرام" و"واتساب" التطبيقين الأكثر استخداما في إيران منذ حجب منصات عدة أبرزها: "يوتيوب، فيسبوك، تلغرام، تويتر، تيك توك" في السنوات الماضية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الإنترنت يخضع لقيود من قبل السلطات.
في السياق، أعرب وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، خلال مقابلة تلفزيونية في 23 سبتمبر، عن قلقه من الحضور المتزايد للمواطنين في الاحتجاجات، وقال إن تعطيل الإنترنت في إيران هدفه السيطرة على المتظاهرين.
ووصف أحمد وحيدي احتجاجات الشعب الإيراني بـ "المنظمة"، وقال إن تعطيل الإنترنت مؤقت، ويتحمل مسؤوليته المحتجون الذين تسببوا في هذا التقييد، لافتا إلى أن القيود "طبيعية للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين".
وشدد وزير الداخلية على ضرورة تطبيق القيود حتى لا يتمكن المتظاهرون من تنظيم الاحتجاجات. وأضاف: "حتى تطمئن أجهزة المخابرات والأمن، فإن تعطيل الإنترنت سيستمر".
المصادر
- Iran's Revolutionary Guards seek arrest of 'Asian Maradona' over support for protests
- لاعب منتخب إيران السابق الملقب بـ"مارادونا الإيراني" يندد بمقتل مهسا أميني ويدعو إلى إسقاط النظام
- السيناريو يتكرر والصوت يعلو... تداعيات مقتل مهسا أميني في إيران
- منظمة إيرانية: مصرع 76 في الاحتجاجات… ومرجع ديني بارز يحض على «الإصغاء للشعب»
- حجز منزل علي كريمي في طهران بسبب مواقفه من الاحتجاجات
- رئيس القضاء الإيراني يهدد المشاهير: أصبحوا مشاهير بدعم النظام لكنهم تحالفوا مع العدو
- استمرار القيود على الإنترنت.. وصحيفة المرشد تطالب بإنهاء الاحتجاجات.. ومعاقبة المشاهير
- “المنعطف الأخطر”.. ما تداعيات احتجاجات إيران على نظام ما بعد خامنئي؟