الإبادة الجماعية في ناميبيا.. المعارضة تطالب باتفاقية جديدة مع ألمانيا
تحدثت صحيفة لوبوان الفرنسية عن التطورات في قضية اعتراف ألمانيا وتعويضها للدولة الناميبية بسبب "الإبادة الجماعية في حق قبيلتي الهيريرو وناما".
تقول الصحيفة إنه في عام 2021، اعترفت برلين بارتكاب إبادة جماعية ضد كل من قبيلتي هيريرو وناما ووعدت بدفع أكثر من مليار يورو كتعويضات، "وهي لفتة، تعد غير كافية بالنسبة للمعارضة في ناميبيا".
وصرح زعيم أكبر أحزاب المعارضة في ناميبيا في منتصف سبتمبر/أيلول أنه كتب إلى ألمانيا يطلب منها إعادة التفاوض بشأن الإعلان المشترك حول الإبادة الجماعية الذي أبرم العام 2021 بين حكومتي البلدين.
حل وسط
وقال زعيم الحركة الديمقراطية الشعبية مكهنري فيناني لوكالة الأنباء الفرنسية إنه كتب رسالة لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك في سبتمبر لكنه لم يتلق ردا بعد.
وكانت ألمانيا مسؤولة بداية القرن العشرين عن مذابح ضد السكان المحليين في ناميبيا، تحديدا قبيلتي هيريرو وناما.
تلك الأحداث الدموية يعدها العديد من المؤرخين أول إبادة جماعية في القرن العشرين.
في مايو 2021، بعد أكثر من خمس سنوات من المفاوضات الصعبة، أعلنت ألمانيا أنها اعترفت بارتكاب "إبادة جماعية" في هذه الدولة الواقعة جنوب إفريقيا والتي استعمرتها بين عامي 1884 و1915.
وعدت الدولة الألمانية خلال تلك المفاوضات بتقديم مساعدات بقيمة 1.1 مليار على مدار ثلاثين عاما، والتي يجب أن تفيد أحفاد القبيلتين.
وشددت ألمانيا في ذات السياق، على أن هذه المساعدة ستدفع "على أساس طوعي" وأن ما وصفته باتفاق الإعلان المشترك في قضية الإبادة لا يمكن مقارنته بـ "التعويضات".
رفض العديد من الناميبيين هذا الإعلان المشترك، قائلين إن أحفاد هيريرو وناما لم يشاركوا بشكل كاف في المفاوضات وأن الحكومة في ويندهوك اضطرت لقبول نص الإعلان- الذي قدم إلى البرلمان الناميبي هناك منذ عام ولكن لم يتم اعتماده بعد.
وقال فيناني في هذا السياق، إنه: "لم يجر الاعتراف بالتعويضات كنتيجة للاعتراف بالإبادة الجماعية". ودعا ألمانيا إلى "العودة إلى طاولة المفاوضات وإعادة صياغة اتفاق يرضي كلتا المجموعتين".
وبينت الصحيفة الفرنسية أن الجرائم التي ارتكبت في ناميبيا أثناء الاستعمار الألماني سممت العلاقات الثنائية بين البلدين لسنوات عديدة.
تشكل قبائل هيريرو الآن حوالي 7 بالمئة من سكان ناميبيا مقارنة بـ 40 بالمئة في مطلع القرن العشرين.
وتوضح لوبوان: "بلغت سياسة الاضطهاد، التي كانت ألمانيا تنتهجها في مستعمراتها الإفريقية، ذروتها بين عامي 1904-1909".
فقد أعطت جنودها الحرية الكاملة في ممارسة كل أنواع القتل والتشريد بحق من يعارض وجودها في المنطقة.
فأخذت ترتكب في حقهم الفظائع من قتل واعتقال وتشريد واغتصاب للأراضي والممتلكات بالإضافة إلى عزلهم في المعسكرات حتى الموت، بحسب لوبوان.
تاريخ دموي
وعن تفاصيل عملية الابادة التي تعرض لها أعضاء قبيلة هيريرو، يشار إلى أنهم عقب ثورتهم ضد المستعمر الألماني عام 1904 حُرموا من أرضهم ومواشيهم، الأمر الذي أدى بالسلطات الاستعمارية لقتل المئات منهم.
وجرى إرسال الجنرال الألماني لوتار فون تروثا لإخماد التمرد، لكنه أمر بإبادتهم.
قبيلة ناما هي الأخرى، انتفضت بعد عام من مجزرة هيريرو على ظلم الاستعمار، وكانت الإبادة مصيرها.
في المجموع، قُتل ما لا يقل عن 60 ألف من الهيريرو وحوالي 10 آلاف من ناما بين عامي 1904 و1908.
وقالت الصحيفة: "استخدمت القوات الاستعمارية الألمانية أساليب الإبادة الجماعية: القتل الجماعي، والنفي في الصحراء حيث مات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من العطش، ومعسكرات الاعتقال مثل جزيرة القرش سيئة السمعة".
وأرسلت العظام، ولا سيما جماجم الضحايا، إلى ألمانيا لإجراء تجارب علمية على أساس العرق.
حتى إن الطبيب يوجين فيشر، الذي خدم في جزيرة القرش وكانت كتاباته متأثرة إلى حد كبير بأدولف هتلر (الزعيم النازي)، سعى جاهدا لإثبات "تفوق العرق الأبيض".
وتوضح لوبوان: "لا يمكن تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي وُضعت في عام 1948 بعد الهولوكوست، بأثر رجعي".
أي أنه لا يمكن محاكمة ألمانيا، وفقا لقوانين الأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية، لأن المجزرة ضد قبيلتي الهيريرو وناما كانت قد ارتكبت أساسا قبل تأسيس "النظام العالمي الحالي" بما فيه من قوانين دولية وهيئات حقوقية أممية.
في هذا السياق، رفضت محكمة فيدرالية في نيويورك عام 2019 الإجراء الذي بدأته قبيلتا ناما وهيريرو، اللتان كانتا تطالبان بتعويض من ألمانيا عن الإبادة الجماعية.
لكن ومع ذلك، فمن غير الواضح إذا ما كانت ناميبيا لا تزال تريد تنفيذ الاتفاقية.
فبعد انتهاء المفاوضات مع ألمانيا في مايو/أيار 2021، احتج متظاهرون غاضبون من شعبي هيريرو وناما في العاصمة ويندهوك.
وقبل المناقشة البرلمانية الحاسمة في سبتمبر/أيلول 2021، اقتحم متظاهرون قاعة البرلمان.
وحتى في البرلمان نفسه انتقدت المعارضة بشدة المعاهدة، ولم يحظ الإعلان على رضا بعض أعضاء البرلمان من حزب "سوابو" الحاكم.
وعلى الرغم من الأغلبية الساحقة التي تحظى بها الحكومة في البرلمان، تمتنع الحكومة الناميبية حتى الآن عن عرضه للتصويت.
إلى ذلك، فإنه حتى بعد المناقشات المثيرة للجدل في الجمعية الوطنية الناميبية، فإن حكومة البلاد "ما زالت متمسكة بمسودة الإعلان المشترك".
ووفقا لممثل هيريرو، أوريكا تيغوكو، كل أصحاب المصالح في ناميبيا سيقررون في أكتوبر/تشرين الأول 2022 فيما إذا كان البرلمان سيصدق على الإعلان.
ومن المحتمل تماما أن تظل جميع الخطط نظرية بحتة ولا ترى النور، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ستكون هناك انتخابات في ناميبيا.
وفي ضوء شعبيتها المتردية، من المرجح أن تتجنب الحكومة أي شيء قد يتسبب في اضطرابات في البلاد، ويكلفها الأصوات. ويمكن أن ينطبق ذلك أيضا على الإعلان المشترك بشأن الإبادة الجماعية.