"رسالة لقطيع العلمانية وحكام العرب".. ملك بريطانيا الجديد يقسم على الإنجيل

12

طباعة

مشاركة

رافعا الإنجيل بيده في مراسم تاريخية وبوجود قساوسة وفي بث مباشر عبر التلفزيون شهده العالم أجمع، أقسم تشارلز فيليب آرثر جورج، في خطاب تنصيبه ملكا للمملكة المتحدة خلفا لوالدته الملكة إليزابيث الثانية، بالمحافظة على بريطانيا بـ"الدين البروتستانتي".

وفي كلمته أمام مجلس العرش في قصر سانت جيمس بلندن، في 10 سبتمبر/أيلول 2022، تعهد بالمحافظة على "قوانين الله والاعتراف بالإنجيل، والحفاظ على استقرار كنيسة أسكتلندا وما يتبعها من عقيدة وعبادات ودون المساس بها".

وأضاف تشارلز الثالث "سأسعى خلال حكمي لمتابعة المثال الملهم المترسخ في دستورنا"، مضيفا: "سأكرس ما بقي من حياتي للقيام بمسؤولياتي وسأتقيد بالتقاليد وأعمل على دعم الحكومة لمصلحة الجميع".

قسم ملك بريطانيا الجديد ووعوده وتعهداته وظهوره ممسكا بالإنجيل في يده، أثار ردود فعل واسعة على تويتر، إذ عده ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسم #تشارلز_الثالث، دليلا على أن "الدين والسياسة يسيران جنبا إلى جنب".

وأعربوا عن استهجانهم لتصدير الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا لأفكار مناهضة للدين الإسلامي والمناداة بفصل الدين عن السياسية في الدول العربية والإسلامية، مستنكرين الترويج لمشاريع علمانية متطرفة تناصب الإسلام العداء.

وانتقد ناشطون انجراف حكام الأنظمة العربية والإسلامية ومراهقي السياسة وراء تلك المشاريع والتشنيع على أهل الإسلام ورفض تمسكهم بالدين ومناهضتهم لتطبيق شريعتهم وتبرئهم من الإسلام وملاحقتهم لكل المطالبين بتطبيقها بزعم "محاربة الإسلام السياسي". 

وأنكروا على الحكام سعيهم لجعل بلادهم علمانية لا دينية، وإصرارهم على محو الهوية الإسلامية وإزاحة المرجعية الدينية، وصمتهم وصمت العلمانيين والمتنورين أمام قسم تشارلز للجلوس على العرش، مؤكدين أن الدول العظمى تجعل الدين محورها.

ورأى ناشطون أن قسم تشارلز الثالث يعني تعهده بإبقاء دولته دينية، وجاء ليؤكد أن الدين حاضر وبقوة في الغرب وفي حركته السياسية، ويثبت أن "فصل الدين عن الدولة" مجرد شعار ضد الإسلام يستهدف محاربة تطبيقه وانتشاره في الدول العربية والإسلامية.

قادة العرب

وتعقيبا على قسم تشارلز، تساءل الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي محيي الدين القره داغي: "هل يملك معظم قادة العرب والمسلمين هذه الجرأة بأن يقسموا على حماية الشريعة الإسلامية؟".

وأشار الباحث في الدراسات الشرعية والسياسية، حسن سلمان إلى أن "أعرق الديموقراطيات الغربية يقسم ملكها على حماية البروتستانتية والإنجيل"، مؤكدا أنه "لو تعهد حاكم مسلم بحماية الشريعة والتزام القرآن الكريم لقامت عليه الدنيا برويبضاتها ووصفوه بالتخلف والرجعية والإرهاب". ودعا أستاذ العلوم السياسية بالكويت، عبد الله الشايجي إلى "تصور رد فعل الغرب والعلمانيين والملحدين العرب لو أقسم حاكم عربي - مسلم على حماية الشريعة؟!".

ورأى الإعلامي القطري، جابر الحرمي أن "من حق تشارلز القسم خلال حفل تنصيبه ملكا لبريطانيا على الدفاع عن الكنيسة والمحافظة على الديانة البروتستانتية"، متسائلا: "لماذا في عالمنا العربي والإسلامي يصر البعض على إبعاد الدين بكل الطرق ويرفضون أي صلة رغم أن الغالبية الكاسحة من الشعوب مسلمة؟".

فساد الحكام

وبرزت مقارنات ناشطين بين موقف تشارلز ومواقف حكام ورؤساء أنظمة سابقين وحاليين تبرؤوا من الدين الإسلامي وأعلنوا بلادهم علمانية مدنية، وآخرين لم يعلنوها صراحة، لكنهم استهدفوا الدعاة والإصلاحيين وناهضوا كل مظاهر الدين في بلدانهم، وغربوا مجتمعاتهم.

ونشر أستاذ الاتصال السياسي السعودي، أحمد بن راشد بن سعيد مقطع فيديو لكلمة تشارلز، وأخرى لكلمة الرئيس التونسي الأسبق، الباجي قائد السبسي يعلن فيه أن دولته مدنية وأن القول بأن مرجعية الدولة التونسية إسلامية "خطأ".

ودعا لمشاهدة الفرق بين خطاب تشارلز والسبسي عن الدين، موضحا أنه الفرق بين النموذج البريطاني الذي تتسيد فيه علمانية غير مصادمة أبدا للدين، لكنها مستقلة عنه، وبين نموذج عربي لا يفهم العلمانية إلا من خلال مصادمة الدين، والسعي لسلخ الناس منه.

ونشر أحمد بن علي السادة صورة تجمع تشارلز والسبسي، ومدون على صورة كل منهما تصريحه، قائلا: " هكذا هم متدينون على الباطل  ونحن متخلفون عن الحق".

وأشار نايف آل نملان إلى أن ملك إنجلترا خرج ليقسم على الحفاظ على الدين البروتستانتي والدفاع عنه، في الوقت الذي يتسابق فيه بعض الحكام المسلمين بتطبيق العلمانية والحرب على كل ما هو إسلامي وتطبيق دين بمقاس غربي يسمى "إسلام معتدل"، قائلا: "ما أصغركم وأنتم لا عقيدة".

وذكر أحد المغردين بتعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ"تدمير الصحوة"، مقابل قسم تشارلز على حماية الديانة البروتستانتية بالبلاد.

خرس العلمانيين

وانتقد ناشطون صمت العلمانيين وعدم استنكارهم لقسم تشارلز والتعامل معه على أنه عنصرية وخلط علني للدين بالسياسة وانحياز لأصحاب الديانة البروتستانتية وتجاهل لباقي البريطانيين الذين يدينون بديانة مختلفة، في حين تتعالى أصواتهم إذا تعلق الأمر بالمسلمين ومطالبهم بتطبيق الشريعة الإسلامية.

وأكد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر، محمد المختار الشنقيطي أن "الشعوب الحرة لا تتنكر لدين الغالبية من شعبها، ولا تخجل من عقيدة يدين بها جل شعبها". 

وأشار إلى أن الملك تشارلز أقسم باعتباره "المدافع عن العقيدة" على "المحافظة على الديانة البروتستانتية" رغم أن ملايين من شعبه كاثوليك ومسلمون، متسائلا: "أين اليسار الطائفي وليبرالية الشق الأسفل من الجسد في العالم العربي؟!".

ونشر رئيس منظمة "سند" الحقوقية، الداعية السعودي سعيد بن ناصر الغامدي كلمة تشارلز، متسائلا "أين جوارب العربية واعتدال والأمن الفكري ورابطة العيسى من خلط ملك بريطانيا الدين بالسياسة؟ أم أنهم لا يتكلمون عن أسيادهم الذين جاؤوا بهم؟ وإنما شجاعتهم على أهل الإسلام؟". وعد الناشط المصري عمرو عبدالهادي قسم تشارلز "ضربة في مقتل لكل مدعي المدنية"، وتساءل ساخرا: "ما أخبار العلمانيين وخالد منتصر وفاطمة نعوت وإبراهيم عيسى ودعاة حذف المادة الثانية من الدستور (المصري) الخاصة بديانة الإسلام للدولة". ونشرت الناشطة المصرية، غادة نجيب مقطع فيديو لكلمة تشارلز، متسائلة: "أين دعاة لا لخلط الدين بالسياسة".

وأضافت أن "العلمانيين العرب مش بيتشطروا غير علينا احنا وإذا تكلم أحد بعقيدته المؤمن بيها يبقى في نظرهم رجعي ومتخلف لكن طبعا لا يستطيعون قول ذلك على تشارلز".

وعقب الناشط اليمني أسعد الشرعي على قسم تشارلز، متسائلا: "أين العلمانجيين العرب؟".

وأضاف ساخرا: "شفوا لنا تشارلز، يمكن يطلع من الإخوان الإنجليز"، متسائلا: "هل يجرؤ زعيم مسلم أن يقول: أتعهد بالحفاظ على الإسلام والقرآن ولو شعارا؟".

رهاب الإسلام

وأعرب ناشطون عن استيائهم من الترهيب من الإسلام والمسلمين، وتبني الدعوات لفصل الدين عن السياسية، متحدثين عن الأهداف الحقيقية من وراء ذلك. 

واستنكر ناصر العمار "مبالغة المنافقين والجهلة في التخويف من الإسلام السياسي وتطبيق الشريعة، وتدافع النسوية عن الحرية العلمانية ثم تطالب بالمهر والنفقة، في حين يقسم تشارلز على حمايته للديانة البروتستانتية، فيما ينص دستور الكيان الصهيوني على يهودية الدولة".

وأكد الصحفي المصري سلامة عبدالحميد أن فصل الدين عن الدولة "اختراع يتم فرضه فقط على الدول الإسلامية".

وعد الباحث سياف مصطفى، كلمة تشارلز بمثابة "رسالة لقطيع العلمانية"، مؤكدا أن فصل الدين عن الدولة "يخدع بها الشعوب المستغفلة".