عباس إبراهيم.. مدير لأمن لبنان توليه واشنطن ثقتها وتعجز عن حمايته

12

طباعة

مشاركة

رغم محاولة الولايات المتحدة، التأكيد أن المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، من الشخصيات الموثوقة لديها، فهي عاجزة عن إسباغ الحماية القانونية الكاملة عليه.

اللواء عباس إبراهيم موكل رسميا بملفات أمنية معقدة تسعى واشنطن لحلها، وأعطته مساحة كبيرة للتفاوض فيها، طالما تفضي بالنهاية لتحقيق إنجازات في قضايا تثير الرأي العام الأميركي.

وفي أحدث موقف يدلل على ضعف الغطاء الأميركي لإبراهيم، رفضت محكمة أميركية طلبا منه بسحب الفقرة التي تدينه في شكوى قدمتها أسرة اللبناني عامر الفاخوري، وفق مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات.

ويتزايد الغضب الأميركي، من اللواء إبراهيم، إثر الاتهامات المتعلقة بمشاركته في تعذيب وخطف عامر الأميركي الجنسية، الذي توفي بالولايات المتحدة في أغسطس/آب 2020 بعد أشهر قليلة من إطلاق سراحه من سجن في بيروت. 

ففي عام 2020، أُفرج عن الفاخوري من السجون اللبنانية، حيث احتجز عام 2017 بعد اتهامات بالإشراف على تعذيب معتقلين لبنانيين خلال خدمته في جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين.

لكن بالرغم من الموقف الصعب الذي يعيشه اللواء عباس، لتبييض صورته أمام واشنطن بسبب علاقاته مع حزب الله المدعوم من إيران، فإنه ما يزال يحظى بدعم السيناتور الديمقراطي "جين شاهين".

لكن ملف فاخوري، يزيد من تعقيدات علاقة إبراهيم بواشنطن، رغم وجود بعض الداعمين له في الولايات المتحدة.

وحكمت محكمة مقاطعة واشنطن ضد عباس إبراهيم، في القضية المرفوعة ضده من قبل عائلة عامر الفاخوري.

النشأة والتكوين

ولد عباس إبراهيم عام 1959 في بلد كوثرية السياد - قضاء صيدا جنوبي لبنان لأسرة من الطائفة الشيعية، وهو متزوج ولديه ثلاثة أولاد.

حصل عباس على إجازة جامعية في العلوم العسكرية، وبكالوريوس العلوم في إدارة الأعمال.

تطوع في "الجيش اللبناني" بصفة تلميذ ضابط والتحق بالمدرسة الحربية عام 1980، ثم تخرج برتبة ملازم أول عام 1982.

وتدرج في الترقية حتى وصل إلى رتبة لواء عام 2011، وعين على أثرها مديرا عاما لـ "المديرية العامة للأمن العام اللبناني".

شغل عباس منصب مساعد أول لمدير المخابرات بين 2008 و2011، ورئيس فرع مخابرات الجنوب بين 2005 و2008.

وكذلك قائد فوج المغاوير بين 2002 و2005، ورئيس فرع المكافحة في "مديرية المخابرات" بين 1998 و2002، ورئيس قسم مكافحة الإرهاب والتجسس في المديرية بين 1994 و1998.

كما تولى مسؤولية الأمن الشخصي لمبعوث "الجامعة العربية" إلى لبنان الأخضر الإبراهيمي بين 1987 و1988، وكان مسؤولا عن الأمن الشخصي لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري بين 1992 و1993.

ونال عباس العديد من الأوسمة والميداليات والجوائز، منها: "وسام الجرحى"، "وسام التقدير العسكري" من الدرجة الفضية.

وأيضا "وسام الأرز الوطني" رتبة فارس، "ميدالية الدفاع الوطني الفرنس"، "وسام الاستحقاق المدني الإسباني"، بالإضافة إلى "جائزة الاستحقاق من الدرجة الأولى" من "المجلس الاستوني للمعلومات".

وفي خريف عام 2020، حصل اللواء عباس إبراهيم على "جائزة حرية الرهائن الدولية".

انتقادات متزايدة

وتقدم إبراهيم في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بطلب إلى المحكمة في الولايات المتحدة لإزالة أي ذكر لاسمه وجهازه الأمني، قي قضية مقتل عامر فاخوري، وفق تقرير لـ "إنتيليجنس أونلاين" نشر بتاريخ 30 أغسطس 2022.

لكن المحكمة في 15 أغسطس رفضت ذلك ما أضعف موقف إبراهيم في الولايات المتحدة، الذي يتعرض لانتقادات متزايدة بسبب تعامله مع ملف الرهائن الحساس.

وعبر طائرة أميركية خاصة، توجه اللواء عباس، في 21 مايو/أيار 2022 إلى الولايات المتحدة، وأكد أن المسؤولين في واشنطن يريدون منه أن يستأنف جهوده لإعادة الصحفي الأميركي أوستن تايس الموقوف لدى جهة تتبع نظام بشار الأسد منذ عام 2012، وغيره من الأميركيين المفقودين في سوريا.

وبالإضافة إلى الاتصالات المباشرة، استخدمت إدارة الرئيس جو بايدن قنوات خلفية، على رأسها اللواء عباس، الذي تربطه علاقة قوية بنظام الأسد، في مسألة إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في سوريا.

ولجأت واشنطن مجددا إلى اللواء عباس إبراهيم، كونه لعب دورا في تأمين الإفراج عن معتقلين أميركيين في الماضي.

وعقب العودة من واشنطن، سافر اللواء إلى دمشق لإجراء مناقشات حول تايس الذي ينكر نظام الأسد احتجازه لديه، هو وأميركي آخر يدعى مجد كمالماز.

وكمالماز يبلغ من العمر 61 عاما، وهو طبيب نفسي أميركي من أصول سورية اعتقلته مخابرات نظام الأسد، في اليوم الثاني من وصوله دمشق في فبراير/شباط 2017 لحضور عزاء والد زوجته.

وحينها اكتفى اللواء عباس، بالقول إنه نقل ردا من النظام السوري إلى واشنطن، دون ذكر مزيد من التفاصيل نظرا لحساسية الأمر.

وفي 12 أغسطس 2022 كشفت شبكة CNN الأميركية، أن إدارة بايدن أجرت اتصالات مباشرة مع النظام السوري في محاولة لتأمين الإفراج عن المواطن الأميركي أوستن تايس.

واختفى الصحفي المستقل والجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية، أوستن تايس، عقب إعداده تقارير صحفية في مناطق المعارضة السورية آنذاك بريف دمشق عام 2012، بعد دخوله عبر لبنان.

وتمكن أوستن من توثيق جرائم نظام الأسد وقصفه للمدنيين، وحينما هم الصحفي بالخروج من سوريا عبر لبنان، اعتقل عند أحد حواجز قوات الأسد خارج مدينة داريا في 14 أغسطس 2012.

وعقب ذلك، فبرك النظام السوري، حسبما أكدت وسائل إعلام المعارضة، مقطع فيديو يظهر مزاعم اختطاف أوستن من قبل "جماعات مسلحة مجهولة"، في محاولة لنفي مسؤولية حواجزه عن اعتقاله.

حماية سمعته

وأثارت دعوى عائلة فاخوري، قلق إبراهيم البالغ من العمر 63 عاما، بشأن سمعته في الولايات المتحدة.

ووفقا لمصادر "إنتيليجنس أونلاين"، ينفق إبراهيم على حملات دعائية واسعة النطاق لصالحه هناك.

ولذا، طُلب منه أن يطالب المحكمة الأميركية بمحو الاتهامات الموجهة إليه بالخطف والتعذيب، والتي قدمتها عائلة فاخوري.

لكن المحكمة ستبقي الآن على الشكوى في نسختها الأولية حتى نهاية المحاكمة.

وسيؤدي هذا إلى تتبع الدور الذي تلعبه أجهزة الأمن والاستخبارات اللبنانية القوية بالإضافة إلى علاقاتها مع حزب الله وطهران.

ويعد حزب الله صورة لتوسع النفوذ الإيراني في لبنان، منذ ثمانينيات القرن العشرين، وهو يمتلك مئة ألف مقاتل لبناني يتبعه.

وسبق لزعيم حزب الله "حسن نصر الله" أن قالها صراحة في 24 يونيو/حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من إيران".

ويتجاهل بعض مسؤولي وزارة الخارجية في واشنطن طلبات اللواء عباس، بسبب علاقاته مع حزب الله مع حرصهم على معاقبته.

فيما تراجعت مصداقية إبراهيم لديهم كوسيط في قضايا الرهائن، إذ يعتقد العديد من الساسة الأميركيين أنه تصرف حينها كمحرض لا كمفاوض، وفق المجلة.

وتضيف "إنتيليجنس أونلاين"، أن اللواء عباس، لم يكن قادرا على إحراز أي تقدم في الملفات الرئيسة كملف المواطن الأميركي أوستن تايس.

صلاحيات واسعة

اللافت رغم كل القضايا التي تفقد اللواء عباس مصداقيته وسجله الأمني النظيف، أن له حضورا في واشنطن، يكاد يضاهي حضوره في بيروت ودمشق وبغداد.

إذ يلفت اللواء عباس النظر بوجوده في ملفات عربية وإقليمية، لدرجة أنه رافق وفدا وزاريا لبنانيا إلى العاصمة دمشق في 4 سبتمبر/أيلول 2021، لبحث ملف "نقل الغاز المصري إلى لبنان" عبر سوريا.

حتى إن وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، اقترح في 3 يونيو 2022، ضرورة أن تكلف الحكومة اللواء عباس بالذهاب إلى سوريا لمعالجة ملف اللاجئين السوريين في لبنان وإنهاء وجودهم هناك.

لكن ذاك الحضور قد بلغ حدا أزعج وكالة الاستخبارات المركزية، التي تفضل العمل على هذه القضايا الحساسة مع أفراد قادرين على حلها بحذر شديد دون إثارة الأطراف الأخرى.

ورغم خسارته سمعته، فإن اللواء إبراهيم لا يزال يتمتع بدرجة معينة من الدعم في واشنطن، إذ نقلته طائرة مستأجرة من البيت الأبيض في مايو/أيار 2022.

كما تواصل عائلات الرهائن الآخرين، كعائلة جيمس فولي- الصحفي الأميركي الذي قُتل في سوريا عام 2014- دعمها القوي له.

إلا أن أميركا وهي تعمل على إسباغ الحماية الكاملة للواء إبراهيم، يكاد يحرجها تورط الرجل في تهم تعذيب بحق مواطنين لبنانيين حد الموت.

ويأخذ على عباس صلاته القوية بحزب الله الذي يعد "السلطة المهيمنة بحكم الأمر الواقع" في لبنان.

كما أن عباس، كان حاضرا في كل مكان منذ أن أصبح الميشال عون رئيسا عام 2016، وبات يسيطر منذ ذلك الحين على علاقات لبنان مع نظام الأسد.

وهنا كان لافتا، اعتماد واشنطن في تكليف اللواء عباس على الأسلوب ذاته المتمثل في تقديم تنازلات لقاء إطلاق سراح الرهائن والذي يعيد إلى الأذهان حرب لبنان في ثمانينيات القرن العشرين.

وجرى آنذاك تحرير عدد من الرهائن الغربيين، بعد مفاوضات طويلة وصعبة مع كل من النظام السوري وإيران اللذين كانا يديران الحرب في الكواليس.

كما أن اللواء عباس له سوابق في ملف الرهائن، إذ نجح في التواصل لإطلاق سراح 16 راهبة سورية في مارس 2014 اختطفن من مدينة معلولا بريف دمشق لمدة ثلاثة أشهر، مقابل إفراج النظام وقتها عن 150 معتقلة من سجونه على خلفية الثورة السورية المندلعة عام 2011.

مملوك لبنان

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "لوريوان لو جور" الناطقة بالفرنسية، في الثاني من مارس 2020، فإن اللواء عباس إبراهيم، بإيعاز من حزب الله، سافر إلى تركيا في 29 فبراير من العام المذكور.

والتقى إبراهيم وقتها، بمدير المخابرات التركية هاكان فيدان، للمحاولة في تهدئة اللعبة بين الأتراك من جهة والإيرانيين والسوريين وحزب الله من ناحية أخرى.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع حينئذ، أن هذه ليست المرة الأولى التي يتوسط فيها الجنرال إبراهيم بين الأطراف على الأرض السورية.

وأنجز إبراهيم العديد من صفقات تبادل الرهائن والأسرى خلال مسيرته المهنية، ونجح مجددا في تأمين إطلاق سراح معتقل لبناني في أبو ظبي.

فبعد أكثر من شهر على اعتقاله في أبو ظبي لنشره تغريدات رأتها السلطات الإماراتية تشهيرية، أُطلق سراح الطبيب اللبناني ريتشارد خياط، ليعود إلى وطنه أواخر أبريل 2022.

كما نجح عباس إبراهيم، بموجب اتفاق بين لبنان والإمارات، من إتمام صفقة إطلاق سراح ثمانية لبنانيين، في يناير/كانون الثاني 2021، كانوا معتقلين في أبوظبي، وذلك بعد توقيفهم لأشهر عدة في الدولة الخليجية لاتهامهم بالتعامل مع حزب الله اللبناني. 

ويرى اللواء إبراهيم، أن لبنان يخوض ما وصفها بـ "معركة مقدسة لاستعادة حقوقه البحرية من العدو الإسرائيلي" وفق ما قال في 26 أغسطس 2022.

وتخوض بيروت وتل أبيب مفاوضات متعثرة لترسيم الحدود البحرية تساهم الإدارة الأميركية في إنجازها.

كما لا يتوانى اللواء في عقد لقاءات مع مسؤولين خليجيين، لبحث مواجهة الأزمات الاقتصادية التي تواجه لبنان وخاصة في مسألة الطاقة.

ويتهم ساسة لبنانيون النظام السوري بالوقوف خلف تعيين عباس إبراهيم وتثبيته في منصب مدير عام "المديرية العامة للأمن العام اللبناني".

لدرجة أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط، وصف اللواء، في 21 سبتمبر 2021 بأنه "علي مملوك لبنان"، وأنه يتلقى تعليمات من نظام الأسد.

وعلي مملوك هو رئيس "مكتب الأمن الوطني" التابع للنظام السوري، ويسمى "رجل الظل"، الذي لطالما عد خلال العقد الأخير، اليد الأمنية الأولى والممسك بخيوط أجهزة الأمن والمخابرات كافة في كامل النظام.

وكان اللواء إبراهيم وضع عينه على منصب رئاسة مجلس النواب اللبناني، وقال بتصريحات صحفية في سبتمبر 2021، إن رئاسته ليس حكرا على أحد.

وذلك في إشارة إلى نبيه بري (84 عاما)، الذي انتخب رئيسا للمجلس للمرة السابعة على التوالي في نهاية مايو 2022، وعد بذلك صاحب أطول ولاية في رئاسة مجلس النواب في العالم العربي والأرجح في العالم.