دراسة تركية ترصد تأثير "الوهابية السعودية" على القوقاز وآسيا الوسطى
قالت مجلة بحثية تركية إن المملكة العربية السعودية منذ قيامها لم تكتف باستغلال الأيديولوجية الوهابية المتشددة في إضفاء شرعية على سلطتها بالجزيرة العربية، بل استخدمتها كذريعة لبناء كوادر تابعة لها في عدة مناطق بالعالم، في مقدمتها القوقاز وآسيا الوسطى.
وأوضحت "مجلة الدراسات الآسيوية" في ورقة بحثية للباحث "سيد محمد سيدي" أن هذه الأيديولوجيا أحدثت تغييرات اجتماعية ودينية جوهرية في المجتمعات التي انتشرت فيها، وأنبتت جيلا أشد تشددا يمثل تهديدا حتى اليوم.
استغلال مؤسف
وذكرت المجلة التركية أن الأيديولوجيات السياسية التي تسعى إلى الشرعية الدينية كانت في صعود على الصعيد العالمي منذ قرن من الزمان.
وفي البلدان الإسلامية جرى تضخيم هذه الأيديولوجيات مع فشل أفكار الاشتراكية والقومية، وتعززت عبر تصدير التفسيرات الراديكالية والسياسية للإسلام، وخاصة من ممالك الخليج الغنية بالنفط منذ عام 1970.
وسمحت هذه العملية للملكة العربية السعودية منذ قيامها بنشر أيديولوجيات التنظيمات المسلحة في الخارج. فأصبحت داعمة بصورة رسمية وغير رسمية للإسلام الأصولي في العالم الإسلامي وخارجه.
ولجأ قادة السعودية إلى الفكر الوهابي ليقدموا مبررا أيديولوجيا لقيام حكمهم. وجرى استخدام هذا التبرير كمصدر رئيس للشرعية، وكان هذا السبب الديني الرئيس لاستمرار سلطتهم.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تطورت بعض التكوينات الإسلامية المحلية الجديدة تحت تأثيرات أجنبية. وزاد مستوى النشاط الإسلامي لسكان آسيا الوسطى الذين يدين أغلبهم بالإسلام.
وتشمل هذه المؤشرات بناء مساجد جديدة، وزيادة الإقبال على المساجد، وصعود مجموعات الدراسات الإسلامية، وانتشار الملابس ذات الطراز الإسلامي.
وتعد الوهابية شكلا متزمتا من الإسلام السني، وهي العقيدة التي تمارس في المملكة العربية السعودية، وكلمة "وهابي" مشتقة من اسم رجل الدين محمد بن عبد الوهاب (1703-1791).
وفي الفهم الوهابي يرتبط إسلام المرء بالقدرة على إظهار ذلك بوضوح من خلال السلوكيات التي يمكن ملاحظتها بدلا من الالتزام بنظام المعتقدات المقبول.
ولعبت الوهابية، التي اعتنقها الحجاز، دورا رئيسا في تشكيل المملكة العربية السعودية. ونجح محمد بن عبد الوهاب في عام 1746 في عقد اتفاق ثنائي مع مؤسس الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود (1710-1765).
وذلك تحت عناوين عامة مثل مكافحة الهرطقة والخرافات في الإسلام والعودة إلى ما أسماه "التقاليد الحقيقية".
واستند التحالف إلى ادعاء ابن عبد الوهاب الشرعية الدينية واستعداد ابن سعود للجهاد للدفاع عن هذه المبادئ. وبحلول عام 1765، وقبل وفاة محمد بن سعود كانت قواته الوهابية لديها سلطة سياسية على أراضي نجد، وواصل ابنه عبد العزيز بعد وفاته تعزيز الوهابية.
وكانت رؤية ابن عبد الوهاب للدولة عبارة عن ترتيب لتقاسم السلطة بين الجانبين. الشيخ والأمير، الشيخ يدير الشؤون الدينية، والأمير يدير الشؤون السياسية دون إبطال مجالات مسؤولية بعضهم البعض.
وشكل هذا تحالفا بين السلطة الروحية والسلطة الأرضية. وهنا يعطي الأول الشرعية للأخير، والأخير يعطي الأول القدرة على توسيع نفوذه ونشر أفكاره في المجال العام دون أي منافسة.
كما وعد ابن عبد الوهاب بأنه وأحفاده وأتباعه سيكونون دائما المدافعين عن ملك المملكة العربية السعودية وأنهم سيستخدمون كل قوتهم ونفوذهم لدعم هذه الأسرة.
ومنذ ذلك الوقت كان أبناؤه وأحفاده، المعروفون باسم "آل الشيخ"، في خدمة الملوك السعوديين باستمرار.
ووفقا لوجهات نظر الوهابية حول الحكام والالتزام بطاعتهم، غالبا ما تستخدم عائلة آل الشيخ نفوذها الأيديولوجي في المجتمع لصالح آل سعود.
لذلك فهي تحتل مكانة مهمة في مجال القوة وتحتل المرتبة الثانية من حيث القوة في البلاد بعد الأمراء السعوديين.
وفي الممارسة العملية استفاد الحكام أيضا من السلالة السعودية ماليا وروحيا من خلال إعطاء السلالة السعودية الشرعية للوهابية.
فإلى جانب دور المؤسسة الدينية، جرى منحهم حصة من السلطة على أعلى مستويات النظام، بما في ذلك وزارات العدل والحج والشؤون الإسلامية، والمؤسسات، والدعوة والإرشاد.
نقطة تحول
وأشارت المجلة التركية إلى أن النجاح الذي حققه عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي سيطر على الرياض في عام 1902 ونجد في عام 1905، شكل نقطة تحول مهمة في تأسيس الدولة السعودية.
وكان اتخاذ عبد العزيز آل سعود الأيديولوجية الوهابية كمرجع وأداة مشروعة لسلطته عاملا مهما في تأسيسه للسلطة على القبائل العربية في المنطقة.
وتحرك عبد العزيز نحو الحجاز واستولى على المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة. وأعلن ملكا على الحجاز وسلطانا على نجد في 1926، واحتفظ بلقبه حتى سبتمبر/ أيلول 1932، عندما جرى تغيير اسم سلطته إلى المملكة العربية السعودية.
والسلطة في المملكة العربية السعودية مركزية بطريقتين رئيستين. أولا، تبقى دائرة صنع القرار في أيدي مجموعة صغيرة مهيمنة تتمتع بجميع امتيازات سلطة الدولة.
وثانيا، يجري تشجيع جميع السعوديين على اتباع المعايير الوهابية السائدة، وإجبارهم على ذلك من خلال أنظمة التعليم والإعلام، وبالتالي التمسك بالقيم القبلية لمنطقة نجد.
واستندت هوية الدولة السعودية إلى تخصيص الرموز الإسلامية من قبيل "دستورنا هو ممارسة القرآن والشريعة".
ومكن الإسلام، وخاصة تفسيره الوهابي، النظام من تمييز نفسه عن الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى. كما لعب دورا مهما في ترسيخ القيم الوطنية.
وهناك ثلاثة جوانب لتشكيل الهوية الوطنية في المملكة العربية السعودية: الأول يقوم على ترسيخ جوهر الأمة حول الأسرة الحاكمة، عبر شبكة من العلاقات القائمة أساسا على الأصول القبلية والإقليمية.
والثاني هو تطوير إطار مؤسسي قائم على توسيع الجهاز البيروقراطي للدولة، بتسهيل من الثروة النفطية.
ويكمن الجانب الثالث من هذه العملية في خلق ثقافة سياسية وطنية تستند إلى حد كبير إلى إرث نجد، المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية. وينظر إلى التقاليد بشكل شائع في التفسير الخاص للإسلام وأنماط اللباس المختلفة.
وعن هذه الجزئية يقول المؤرخ الأميركي ويليام أوكسنوالد في مقال له في المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، إن "الجمع بين القوة العسكرية السعودية والتعاليم الدينية لابن عبد الوهاب هما عنصران استخدمهما عبد العزيز لتوحيد العديد من القبائل السعودية تحت حكم واحد".
وفي مجال السياسة الخارجية استخدمت المملكة العربية السعودية بنجاح ثروتها النفطية لتعزيز علامتها التجارية الإسلامية المتزمتة "الوهابية" في جميع أنحاء العالم.
فمن خلال التبادل الثقافي والجمعيات الخيرية أنفقت المملكة العربية السعودية ما يقدر بنحو 75-100 مليار دولار لتصدير أيديولوجية متطرفة.
وذلك من خلال بناء المساجد، ونشر الكتب المدرسية، وتدريب الأئمة، وإنشاء محطات تلفزيونية، وإنشاء منظمات مثل الرابطة الإسلامية العالمية، والجمعية العالمية، والشباب الإسلامي، والمنظمة العالمية للإغاثة الإسلامية.
وقدر المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية أن المملكة العربية السعودية أنفقت 120 مليون دولار على الجالية الإسلامية في أستراليا.
وهذا يظهر أن المملكة العربية السعودية فعالة أيديولوجيا في جغرافيا واسعة من البلقان إلى القوقاز ومن هناك إلى آسيا الوسطى.
وفي عام 1932، كان الاتحاد السوفيتي أول من اعترف بالإدارة السعودية الجديدة، وسرعان ما تبعته بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى.
ورأى الاتحاد السوفيتي ابن سعود كقوة مستقلة مناهضة للإمبريالية وكان يأمل في استخدام دولته الجديدة كوسيلة للتغلغل السياسي والتجاري في الشرق الأوسط، الذي كان تحت سيطرة بريطانيا أو فرنسا.
وخلال الحرب العالمية الثانية تسامح الاتحاد السوفيتي مع الدين. وجرى إنشاء المؤسسة الدينية في آسيا الوسطى وكازاخستان، ومقرها في طشقند. وأتيحت الفرصة لبعض المواطنين للذهاب إلى الحج.
تعزيز النفوذ
وبعد الانهيار السوفيتي هدفت المملكة العربية السعودية إلى تعزيز مواقعها الجيوسياسية من خلال ضم دول آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة إلى مجال نفوذها على ثلاث مراحل:
1) الرسمية: مكاتب السياسة الخارجية والاقتصادية السعودية، مثل وزارة الخارجية، وزارة الشؤون الإسلامية، وزارة الحج والعمرة، صندوق التنمية، إلخ.
2) الهياكل الإسلامية الدولية في المملكة العربية السعودية التي يمولها السعوديون، مثل الاتحاد الإسلامي العالمي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، وما إلى ذلك.
3) الحركة الدينية غير القانونية في آسيا الوسطى هي رعاية غير رسمية للجماعات والأحزاب من قبل صناديق وشركات ومنظمات غير حكومية مختلفة.
وفي عام 1990، بعد تخفيف القيود السوفيتية ضد نشر أو استيراد الكتب المقدسة، أرسلت الحكومة السعودية مئة ألف نسخة من القرآن إلى دول الاتحاد السوفيتي، ومولت منظمات إسلامية مختلفة.
ونجحت المملكة العربية السعودية في إنشاء وتعزيز الحركة الوهابية في جمهورية أذربيجان، وكان عدد كبير من المساجد تحت سيطرة الوهابيين. كما أنها مولت العديد من الجماعات الإسلامية والمدارس الدينية والمساجد خلال الحرب السوفيتية في أفغانستان وآسيا الوسطى وباكستان.
وقدمت التعليم المجاني ووجبات الغداء البسيطة والمنشورات الإسلامية المجانية للأطفال لتوزيعها على أسرهم.
ووفقا لبيانات لجنة أديان الدولة في أوزبكستان؛ وبحلول نهاية أغسطس/ آب 1999، كان هناك أكثر من 1700 منظمة دينية مسجلة على أراضيها.
وبدأ جزء صغير جدا من المجتمع الإسلامي النقي في أوزبكستان وطاجيكستان يطلقون على أنفسهم اسم الوهابيين في أواخر 1980 وأوائل 1990. ويحدث هذا عادة بعد عودة زعيمهم من الحج.
وارتبط الازدهار الاجتماعي والاقتصادي الذي رأوه في المملكة العربية السعودية، وثراء الحياة الدينية هناك، والشعور بالتضامن الإسلامي الذي حدث فيهم أثناء الحج بالوهابية.
ويمتلك البنك البيئي الإسلامي، المدعوم من المملكة العربية السعودية، أكثر من 120 فرعا في قيرغيزستان تقوم بتحويل المدفوعات الشهرية إلى الأئمة المحليين.
ومنذ الاستقلال في عام 1991، حشدت هذه المنظمات الأموال المحلية والأجنبية والعامة لبناء وترميم المساجد والمدارس الدينية. وجرى بناء مساجد جديدة أو إعادة فتحها في كل بلدة ومدينة تقريبا في المنطقة، بمعدل ثلاثة مساجد في المتوسط يوميا.
ووفقا لصحيفة "إنسايد أرابيا" الأميركية، أنفق الاتحاد السوفيتي ما يقرب من 7 مليارات دولار على الدعاية الشيوعية خلال 70 عاما من وجوده، في حين أنفقت المملكة العربية السعودية 90 مليار دولار لنشر أيديولوجية الوهابية منذ 1980.
تزييف الوعي
وتشارك مصادر التمويل السعودية بشكل متزايد في دعم المنظمات الدينية من خلال إرسال الأدبيات والمستشارين الدينيين للمساعدة في إحياء ما يمكن أن نسميه "الوعي الإسلامي".
وفي أوائل 1990، نظم المبشرون السعوديون حركة في وادي فرغانة (شرق أفغانستان) تسمى "العدالة"، والتي تحدت الحكومات المحلية التي لم تدرس الإسلام ولم تعزز العدالة الاجتماعية، ولكن جرى حظر الحركة من قبل السلطات الأوزبكية.
وفر قادة الحركة إلى طاجيكستان ولعبوا دورا نشطا في الحرب الأهلية في طاجيكستان. وقدمت المنظمات الدينية السعودية الدعم المالي للمعلمين والمبشرين الإسلاميين، ونشرت كميات كبيرة من نسخ القرآن الكريم (والكتب الدينية الأخرى) مترجمة إلى اللغات الأوزبكية والطاجيكية في آسيا الوسطى.
وفضل أتباع الوهابية الذين سافروا إلى أوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان وتتارستان والشيشان، الزواج من نساء محليات بأموال سعودية لنشر أفكارهم ومن ثم زيادة جيل الوهابية من خلال الأطفال الذين أنجبتهم هؤلاء النساء.
واكتسبت المملكة العربية السعودية سمعة سيئة لدعمها الحركات الإسلامية الأكثر أصولية في آسيا الوسطى. وانضمت بعض المؤسسات إلى حركات مثل حزب التحرير وحتى التيار الماركسي الأممي.
كما ملأ المواطنون السعوديون صفوف التنظيمات المسلحة التي عمودها الفقري "المقاتلون الأجانب"، خاصة في أفغانستان وطاجيكستان.
كما جرى تمويل "وحدة الإسلام الدولية" من قبل تنظيم القاعدة ووكالات أخرى، وجرى استخدام هذا التمويل للحصول على ترسانة كبيرة.
وقدم لهم المانحون السعوديون 15 مليون دولار لشراء بنادق قناصة، ومعدات للرؤية الليلية، وقذائف صاروخية، ورشاشات ثقيلة، وسترات مضادة للطائرات، وأجهزة راديو.
وحصيلة المملكة العربية السعودية اليوم هي نتيجة لجهود الأسرة السعودية لإقامة نظام ملكي إسلامي في شبه الجزيرة العربية. كان توحيد شبه الجزيرة العربية نتيجة لتحالف طويل الأمد بين محمد بن عبد الوهاب والأسرة السعودية.
وهكذا، بالنظر إلى ارتباط المملكة العربية السعودية التاريخي بالفكر الوهابي كان الدعم الوهابي لهيكل السلطة الحالي أحد الأسباب الرئيسة لاستمرار السلطة في المملكة العربية السعودية.
ولدى المملكة العربية السعودية منظور إستراتيجي وجيوسياسي لآسيا الوسطى والقوقاز. والرياض دائما في منافسة مع الجهات الفاعلة الأخرى في إستراتيجياتها.
وهي تتبع نهجا مختلفا عن نهج البلدان الأخرى ذات المصالح الجيوسياسية والأيديولوجية الإستراتيجية، مثل إيران وتركيا وروسيا.
في التحليل النهائي، تستخدم المملكة العربية السعودية الفرص الاقتصادية والتجارية لنشر الوهابية في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.
لذلك، من الواضح تماما أن اهتمام وميل القطاعات الشعبية في المنطقة نحو الوهابية يخدم مصالح المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية.