قطعت طريق السعودية.. لماذا أغلقت سلطنة عمان سماءها أمام طيران إسرائيل؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

جملة من التساؤلات أثارتها تقارير عن رفض سلطنة عُمان السماح للطيران الإسرائيلي بالعبور عبر أجوائها، وذلك بعد إعلان السعودية في 15 يوليو/ تموز 2022، فتح مجالها الجوي أمام جميع خطوط الطيران، ومن بينها الإسرائيلية.

وإثر إعلان السعودية، ساد اعتقاد في إسرائيل، أن فتح الأجواء العمانية أمام طائراتها مسألة وقت، وذلك إثر وجود علاقات، غير رسمية، بين الجانبين، لا سيما بعد زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، إلى مسقط ولقائه السلطان الراحل قابوس عام 2018.

"ضغوط إيرانية"

وكشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" في 19 أغسطس/ آب 2022، أن "سلطنة عُمان رفضت عبور طائرات مدنية إسرائيلية في أجوائها"، مرجعة ذلك إلى "ضغوط مارستها إيران عليها".

وفيما لم يعلن حتى إعداد التقرير موقف رسمي عماني، أكدت الصحيفة أن "رفض السلطنة يعني أنه لا يمكن استغلال شركات الطيران الإسرائيلية لأجواء السعودية المفتوحة أمامها، من أجل تقصير مسافة رحلاتها الجوية إلى الشرق الأقصى"، دون الإشارة إلى المسار المار عبر الإمارات.

ونقلت عن الباحث الإسرائيلي المسؤول السابق عن ملف إيران والخليج في مجلس الأمن القومي، يوئيل غوجانسكي، قوله إن "إيران شددت ضغوطها وتهديداتها مؤخرا على دول الخليج كي لا تنفذ خطوات تطبيع مع إسرائيل".

وأوضح غوجانسكي أنه "في 18 أغسطس 2022، تحدث وزير الخارجية الإيراني مع نظيره العماني، ويمكن الافتراض بثقة أن هذا الموضوع طُرح خلال المحادثة بينهما".

وكانت الرئيسة التنفيذية لشركة طيران "إل عال" الإسرائيلية، دينا بن تال، قد أعلنت في 17 أغسطس 2022، أن حصول الشركة على إذن بالتحليق في أجواء سلطنة عمان متوقع "في غضون أيام".

وقالت بن تال للصحفيين، بعد أن أصدرت الشركة النتائج المالية للربع الثاني من العام الحالي، إن الشركة تلقت بالفعل الموافقة للتحليق في أجواء السعودية لكنها تحتاج أيضا إلى التحليق فوق سلطنة عمان لتقليص وقت رحلاتها إلى آسيا.

وقررت الهيئة السعودية فتح أجوائها "لجميع الناقلات الجوّية"، في بادرة واضحة تجاه إسرائيل، قبيل ساعات من وصول الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى السعودية في 15 يوليو 2022. وسارع بايدن إلى الإشادة بهذا القرار، واصفًا إيّاه بأنّه "تاريخي".

ورأت الهيئة في بيان في "تويتر" أن ذلك يأتي "في إطار حرص المملكة على الوفاء بالتزاماتها المقررة بموجب اتفاقية شيكاغو 1944، والتي تقتضي عدم التمييز بين الطائرات المدنية المستخدمة في الملاحة الجوية الدولية".

وأضافت أنه "استكمالا للجهود الرامية لترسيخ مكانة المملكة كمنصة عالمية تربط القارات الثلاث، وتعزيزا للربط الجوي الدولي، تعلن الهيئة العامة للطيران المدنية أنه تقرر فتح أجواء المملكة لجميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات الهيئة لعبور الأجواء".

سياسة مستقلة

وبخصوص أسباب القرار العماني، قال الصحفي والمحلل السياسي العماني عوض بن سعيد باقوير لـ"الاستقلال" إن "السياسة الخارجية لسلطنة عُمان مستقلة منذ أكثر من نصف قرن مع بزوغ النهضة العمانية الحديثة التي قادها السلطان الراحل قابوس بن سعيد وهي تتواصل في عهد السلطان هيثم بن طارق".

وأضاف أن "موضوع عدم سماح سلطنة عُمان للطيران الإسرائيلي بالعبور عبر الأجواء العمانية قرار سيادي بحت وليس له علاقة بأي ضغوط من هذه الدولة أو تلك، وأن السلطنة ومن خلال ثوابت سياستها الخارجية لا تسمح لأحد أن يتدخل في شؤونها الداخلية وهي أيضا لا تتدخل في سياسات الدول الأخرى".

وتابع: "من هنا فإن استقلالية القرار العماني أمر معروف، كما أن القرار العماني مبني على المصالح الوطنية، وسلطنة عُمان في نفس الوقت تحترم القرارات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي، وهذا هو المبدأ العماني الحقيقي في كل تحركات السلطنة تجاه القضايا العربية العادلة".

وأكد باقوير أنه "في مقدمة تلك القضايا، القضية الفلسطينية، والتي تعد قضية العرب المركزية، والذي لن يتحقق أي سلام حقيقي دون حل الدولتين وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود عام 1967 ورجوع الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني الشقيق".

من جهته، قال المحلل السياسي المختص في شؤون الخليج العربي عماد الدين الجبوري، إنه "من المعروف عن السياسة الخارجية العمانية أنها تتوسط الأمور من دون أن تميل بشكل كامل نحو أية جهة تجاه جهة أخرى. لذلك، تريد سلطنة عمان التوازن في علاقتها مع إيران والسعودية وإسرائيل".

واستبعد المقيم في لندن أن قرار منع السلطة عبور الطيران الإسرائيلي، جاء بسبب ضغط إيراني أو خلل مع إسرائيل أو وقف فتح الأجواء السعودية وغيره من الأسباب.

وأضاف الجبوري لـ"الاستقلال": "علينا أن نتذكر في حرب الخليج الثانية 1991، كيف وقفت جميع دول الخليج العربي ضد العراق، باستثناء سلطنة عُمان، إذ أبقت على العلاقة مفتوحة. هي ذات السياسة الخارجية العمانية القائمة على التوازن دائما".

"علاقة الحياد"

رغم استقبال نتنياهو في مسقط، وإعلان الدولتين الخليجيتين الإمارات والبحرين رسميا تطبيع العلاقة مع الاحتلال برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أغسطس/آب 2020، إلا أن سلطنة عمان لم تلتحق رسميا بركب المطبعين رغم ترحيبها بإعلان تطبيعهم.

وذهبت عُمان إلى أكثر من ذلك، فقررت في 26 يونيو/حزيران 2019 إعادة فتح بعثة دبلوماسية لها في رام الله، وذلك بالتزامن مع انعقاد ورشة المنامة بالبحرين في 25 و26 يونيو/حزيران 2019 بقيادة الولايات المتحدة، في أول مؤتمر علني يكشف لدعم "صفقة القرن".

قبل انعقاد الورشة، وحسب وكالة "الأناضول"، لم تؤكد مسقط مشاركتها، كما لم تعلن مقاطعتها، وأعلنت الحياد إزاء تلك الورشة، كما هو الخط العام لمواقفها تجاه أحداث كهذه.

غير أنها قالت عبر وزير خارجيتها آنذاك يوسف بن علوي، إنها تدعم القضية الفلسطينية، وتطالب بمنح الفلسطينيين حقوقهم بإقامة دولتهم المستقلة، ويرى أن إقامة دولة فلسطينية سوف يضع حدا للعنف، على حد قوله.

أما بخصوص زيارة نتنياهو إلى سلطنة عُمان في 2018، فإن المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوليفر جندلمان، أكد أن "زيارة نتنياهو إلى سلطنة عمان هي أول زيارة رسمية في هذا المستوى منذ 1996".

وسبق نتنياهو، زيارة أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين إلى مسقط عام 1994، وتلاها بعام واحد، استضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في القدس بعد أيام قليلة من اغتيال رابين.

كما وقّعت إسرائيل وعمان اتفاقًا بشأن الافتتاح المتبادل لمكتب التمثيل التجاري في يناير/كانون الثاني 1996، والذي أعقبته زيارة رسمية بعد 4 أشهر من جانب بيريز إلى عمان لافتتاح "مكاتب تمثيل تجاري إسرائيل" رسميا هناك.

عقب الزيارة الأخيرة صرح وزير الشؤون الخارجية العماني بن علوي بقوله: "التاريخ يقول إن التوراة رأت النور في الشرق الأوسط، واليهود كانوا يعيشون في هذه المنطقة من العالم، مشيرا إلى أن إسرائيل دولة موجودة بالمنطقة".

وأضاف: "نحن جميعا ندرك هذا، والعالم أيضا يدرك هذه الحقيقة وربما حان الوقت لمعاملة إسرائيل بالمثل وتحميلها نفس الالتزامات"، ما عده البعض تصريحا يأتي ضمن جهود التطبيع الذي تقوم به مسقط مع إسرائيل.

إلا أن بن علوي نفى أن تكون الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها مسقط شكلا من أشكال التطبيع، وأكد إن إقامةَ الدولة الفلسطينية شرطٌ لأي تطبيع مع الكيان الصهيوني، نافياً إلى جانب ذلك، أن تكون زيارة نتنياهو لبلاده أو لقاؤه بالأخير في وارسو "شكلا من أشكال التطبيع".

وفي مقابلة مع قناة روسيا اليوم، قال بن علوي في وقتها إن سلطنة عمان أبلغت نتنياهو، حين زارها مؤخرا، موقفا صريحا وقويا بأنه "لا يمكن إقامة علاقات مع إسرائيل ولا أمن لهم إلا بقيام الدولة الفلسطينية".