سوريون في دول الخليج يستجمون بمناطق الأسد.. حنين للوطن أم تلميع النظام؟
مع توجه رئيس النظام السوري بشار الأسد لتعويم ذاته بذاته سياسيا، بات يركز على الشق الاقتصادي كبوابة ترويجية، وجالبة للعملة الصعبة في آن واحد لرفد خزينته.
وأمام ذلك، وجد النظام في السوريين المقيمين في دول الخليج بغرض العمل، فرصة لرسم صورة جديدة عن مناطق نفوذه بأنها "أصبحت آمنة"، وتحصيل عوائد مالية كذلك.
استقطاب المغتربين
ولجأ النظام إلى تبديد المخاوف الأمنية في نفوس هؤلاء المغتربين، من خلال تسهيل السياحة لهم بشكل آمن في الأماكن الشهيرة بالمحافظات السورية.
تجلت تلك الخطوة، من خلال تقديم أجهزة مخابرات الأسد منذ بداية موسم صيف 2022 السياحي، تسهيلات أمنية لقدوم السوريين المقيمين في دول الخليج دون أي عقبات.
فعقب اندلاع الثورة السورية في 2011، أحجم السوريون عن النزول إلى بلدهم بسيارات ذات لوحات تتبع لدول الخليج العربي التي يعملون فيها.
ومرد ذلك حينها، الخوف من تعرضهم للقتل أو إطلاق النار أو مصادرة حواجز المخابرات السورية، للسيارات عقب طرد الجامعة العربية لنظام الأسد منها أواخر عام 2011 لقمعه الثورة الشعبية.
ولا سيما أن نظام الأسد عمد مبكرا إلى تقطيع أوصال المحافظات بحواجز أمنية، ابتداء من مناطق درعا المحافظة الجنوبية، التي تعد بوابة سوريا على الخليج العربي للقادمين بسياراتهم مرورا بالأردن الحدودية.
وأكدت مصادر لـ "الاستقلال"، أن الموسم السياحي الحالي بات لافتا فيه حجم السيارات الحديثة القادمة من دول الخليج إلى سوريا، بخلاف السنوات السابقة التي اختفت فيها بشكل نهائي.
وأوضح هؤلاء أن المغتربين السوريين باتوا يتنقلون بحرية وسهولة بين المواقع السياحية وخاصة في محافظتي طرطوس واللاذقية على ساحل البحر المتوسط.
ويرتاد هؤلاء الأماكن السياحية بالمحافظات، برفقة أفراد يتبعون لأجهزة الأمن بغية تسهيل تنقلهم وعدم تعرضهم للابتزاز أو التوقيف من قبل الحواجز الأمنية.
تسهيل أمني
وأكدت المصادر، أن الأجهزة الأمنية تسهل بشكل عام دخول المغتربين السوريين، دون توقيفهم، حتى لو كان مغادرا للبلد منذ عشر سنوات، وفقط تكتفي بختم الدخول عند إدارة معبر نصيب الحدودي السوري مع الأردن.
ووصفت المصادر، أن هذه الخطوة تهدف لتربح النظام السوري المالي من جيوب المغتربين، وجذب المزيد للعودة تحت عنوان السياحة، كون هؤلاء يضخون عملة صعبة في السوق المحلية، مما يوفر نقدا أجنبيا.
ورصدت "الاستقلال"، ترويج بعض هؤلاء لنظرائهم المغتربين للعودة، والقول "إن سوريا أصبحت آمنة ومستقرة" بشكل علني.
ويتخذ هؤلاء من تطبيقي "تيك توك" و"انستغرام" وسيلة لنشر مقاطع فيديو من المناطق السياحية بالمحافظات السورية، ومن داخل المنتزهات والمطاعم.
ويتجنب هؤلاء تصوير المناطق المدمرة التي يضطرون للمرور منها، ولا سيما أن الأحياء عند مدخل العاصمة دمشق غالبيتها كذلك، وأبنيتها سويت بالأرض جراء قصف قوات نظام الأسد.
فضلا عن أن تلك الأحياء، خاوية على عروشها من السكان الذين هجروا بفعل آلة النظام الحربية.
وخلال الأشهر الأخيرة سمحت حكومة الأسد، لبعض المواطنين بتحويل أرض زراعية تقع على ضفاف نهر "زغرين" شمال اللاذقية، إلى استراحة عائلية يقصدها الناس للسياحة والاستجمام.
كما خصصت وزارة سياحة النظام شواطئ فقط للسياح، لا طاقة للمواطنين بدخولها نظرا لانعدام قدرتهم المالية، فهم يرتادون الشواطئ العامة.
وأسهمت إستراتيجية حكومة الأسد الجديدة السياحية في ازدياد أرقام القادمين إلى سوريا، سواء من السياح الأجانب أو المغتربين.
ويمنع النظام السوري السياح الحاملين للجنسيات الخليجية من القدوم إلى سوريا بسياراتهم الخاصة، ويلزمهم بالطيران حصرا؛ بهدف تحقيق عائدات من هذا القطاع.
كما يجب حصولهم على موافقة مسبقة من إدارة الهجرة والجوازات عبر كفيل سوري.
أرقام متصاعدة
في هذا الإطار، أكد وزير السياحة "محمد رامي رضوان مرتيني" في تصريح إذاعي بتاريخ 16 أغسطس/آب 2022، أن عدد السياح القادمين إلى سوريا بلغ منذ بداية 2022 حتى يوليو/تموز من العام المذكور نحو 926 ألف سائح منهم 797 ألفا من العرب و129 ألفا من أجانب، مقارنة بـ 212 ألف عام 2021.
أما أعداد السوريين المغتربين القادمين إلى سوريا بغرض السياحة فقد بلغ 972 ألف سوري منذ بداية عام 2022، وذلك في زيادة للضعف عن عام 2021 الذي بلغ 431 ألف سوري، وفقا لـ "مرتيني".
وفي صيف عام 2021 كان الإقبال ضعيفا على النزول لسوريا من المقيمين في دول الخليج بغرض السياحة، وحرص نظام الأسد على عدم تعرض هؤلاء لمضايقات أمنية وخاصة ممن ينزلون بسياراتهم الحديثة الأمر الذي أعطى انطباعا أن "النزول بات آمنا ومشجعا".
ومن يريد السفر إلى سوريا يجب أن يكون سجله الأمني نظيفا، بغض النظر إذا كان مطلوبا للخدمة الاحتياطية العسكرية، التي يجري التساهل فيها، لمن يحملون إقامات في الخارج بخلاف المقيمين.
ويركز هؤلاء المغتربين على تصوير المناطق الشهيرة بالعاصمة دمشق كسوق الحميدية، فيما يحجبون كاميرات أجهزتهم المحمولة عن وفود "الحجاج الشيعة" الذين يأتون إلى سوريا بغرض السياحة الدينية ويقصدون المسجد الأموي الذي يقع في نهاية السوق.
وبحسب وزارة السياحة في حكومة الأسد، فقد جرى تسجيل دخول 125 ألف إيراني إلى سوريا منذ مطلع 2022، منهم عبر الحدود البرية وآخرون عبر الخطوط الجوية.
بينما وصل عدد العراقيين الذين دخلوا سوريا للغرض ذاته، إلى قرابة 100 ألف عراقي، خلال عام 2022.
ويستفيد هؤلاء من انخفاض سعر الليرة السورية أمام الدولار والتي تساوي 4500 ليرة، كما أن رسوم الفنادق في سوريا ليست باهظة، فضلا عن التزام المطاعم بتسعيرة وزارة السياحة.
رفد الخزينة
وتعتزم وزارة السياحة التابعة للنظام، في 11 و12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إطلاق ملتقى فرص العمل في القطاع السياحي، بالشراكة مع القطاع الخاص، بهدف تأمين 110 آلاف فرصة عمل ضمن المنشآت السياحية و100 ألف سرير فندقي و200 ألف كرسي إطعام خلال العشر سنوات المقبلة.
وتمثل السياحة لنظام الأسد شريان حياة تضخ في خزينته عملة صعبة، ولا سيما أن جولة أسبوع واحدة تكلف السائح 1500 دولار، في وقت تتبع فيه معظم المطاعم والفنادق الشهيرة لأذرع النظام الاقتصادية.
كما عمدت وزارة السياحة إلى إقامة حفلات غنائية في سوريا لمطربين مشهورين، أمثال نجوى كرم وراغب علامة وملحم زين وناصيف زيتون وجورج وسوف.
وكان رئيس النظام بشار الأسد أصدر في 26 مايو 2022، القانون رقم (23) لذات العام المتعلق بترخيص وتشغيل المنشآت السياحية في سوريا.
وقالت وكالة "سانا" الرسمية حينها، إن "القانون يهدف إلى تحسين جودة الخدمات السياحية والرقابة عليها وضبط المخالفات وردعها وتحصيل حقوق الخزينة العامة للدولة".
كما يجري تأمين منافذ خاصة لبيع البنزين للسيارات السياحية بسعر مضاعف عن سعر المحطة والتي تعاني من قلة الكميات وندرتها أساسا، إذ يباع لهؤلاء اللتر الواحد بـ 3 دولار أميركي، بينما يباع في المحطات إذا توفر بسعر أقل من دولار واحد.
ويوجد في سوريا 403 مواقع سياحية منها ما تضرر بشكل كلي أو جزئي بفعل العمليات العسكرية، كما فقد أكثر من 260 ألف عامل في قطاع السياحة وظائفهم.
وأمام ذلك، فإن السياحة المحلية للمواطن العادي، تراجعت كثيرا عام 2022 للقادمين من المحافظات الأخرى إلى الساحل السوري.
إذ تؤكد صحيفة تشرين التابعة للنظام، في تقرير لها نشر في 14 يوليو 2022، أن المواطن إذا قرر قضاء ثلاثة أيام في منتجع مع أسرته الصغيرة فإنه يحتاج ما يقارب المليوني ليرة (500 دولار).
ويبلغ راتب الموظف السوري في مناطق نظام الأسد في أحسن الأحوال 25 دولارا في الشهر، وسط انعدام كبير في القدرة الشرائية وتأمين الاحتياجات اليومية.
إذ تعتمد الأسر في تلك المناطق على التحويلات المالية الخارجية القادمة من أقاربهم لتغطية نفقات العيش.
ترويج إعلامي
ويلزم نظام الأسد السوريين ومن في حكمهم بتصريف مبلغ 100 دولار إلى الليرة السورية، وفقا لنشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، عند دخول البلاد، فضلا عن تحصيل ضرائب على الأمتعة.
وخلال عام 2021 حصلت وزارة السياحة على 5.6 مليار ليرة سورية من خلال العائدات المباشرة للمنشآت السياحية، و5.5 مليار ليرة عن طريق العائدات غير المباشرة كالضرائب والرسوم.
بينما سجلت أرباح الفنادق الشهيرة التابعة للوزارة في العام المذكور وهي "داما روز - شيراتون دمشق - شهبا حلب - منتجع لاميرا" 14 مليار و700 مليون ليرة سورية (الدولار الواحد يساوي 4500 ليرة).
ويؤكد اقتصاديون سوريون لـ "الاستقلال"، أن كل ما يهدف له نظام الأسد في إيهام السوريين في الخارج أن بلدهم آمن وأن العودة غير محفوفة بالمخاوف الأمنية هو لغسل صورته كمجرم قتل وشرد ملايين السوريين، فضلا عن محاولة تكريس فكرة أن سوريا عادت كسابق عهدها.
وأضاف أحدهم، أن شركات سياحية سورية روجت بشكل كبير للسياحة خلال "يوم سوريا" في معرض "إكسبو 2020 دبي"، الذي جرى مطلع أكتوبر 2021 وحتى 31 مارس 2022.
وخلال عام 2022 زاد إعلام نظام الأسد جرعة الترويج للجانب السياحي، وأن سوريا باتت محطة آمنة ومكانا مناسبا لعودة السوريين.
حتى أن "قناة السورية" الرسمية، لجأت في يناير/كانون الثاني 2022، لتشجيع السياحة، إلى فبركة مقابلات مع سياح أجانب زاروا مدينة تدمر الأثرية شرقي حمص.
وصورت حينها المقابلة على أنها حديثة، إلا أن هؤلاء السياح ظهروا بلباس صيفي في وقت يكون فيه شهر يناير بارد جدا ولا سياحة فيه.