تنفّع واستغلال نفوذ.. لماذا يحبس أخنوش "الأكسجين الطبي" عن المغاربة؟
.jpg)
يعاني قطاع الأكسجين الطبي بالمغرب من احتكار واضح لصالح رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عبر شركته "مغرب أكسجين"، والتي تنفرد بتزويد المستشفيات العامة والمصحات الخاصة بهذه المادة الحيوية، مقابل مبالغ مالية توصف بالكبيرة والمبالغ فيها.
أهمية الأكسجين الطبي لا تظهر فقط في بعض الصناعات الغذائية ولكن دوره الأكبر يكمن في مجال خدمة المرضى وتوفير حاجيات المستشفيات، مما يجعل احتكاره من لدن مسؤول حكومي أمرا موضع انتقاد مجتمعي كبير.
ولذلك برزت أحزاب وجمعيات وشخصيات مدنية للمطالبة بضمان المنافسة والنزاهة في تدبير قطاع الأكسجين الطبي.
تدخل برلماني
لإشراك المؤسسات الدستورية في موضوع احتكار الأكسجين الطبي، تقدمت مجموعة حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب (معارض)، بطلب إلى مكتب المجلس، لمراسلة مجلس المنافسة (مؤسسة حكومية) تعنى بمنع الاحتكار وضمان التنافسية الاقتصادية، بغية إبداء الرأي في الموضوع.
المجموعة ذكرت في مراسلتها بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2022، أنها "تروم معرفة مدى احترام الفاعلين في القطاع لشرط المنافسة الحرة والشريفة، وعدم لجوئهم لحالة الهيمنة والتواطؤ من أجل الزيادة في الأسعار"، غير أن مكتب المجلس رفض تحويل المراسلة.
هذا الموقف خلف ردود فعل كبيرة في الساحة الإعلامية والسياسية، بلغت درجة اتهام مكتب مجلس النواب، بإضعاف عمل مؤسسات الرقابة، والتستر على الاحتكار، وخدمة اللوبيات الاقتصادية، التي يتزعمها رئيس الحكومة، بصفته أغنى رجل أعمال بالمغرب.
أكد مصطفى إبراهيمي، الخبير في السياسات الصحية لدى المديرية الجهوية لمنظمة الصحية العالمية، لإقليم شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أن موقف مكتب مجلس النواب فيه تعسف.
وشدد على أن مواد الأكسجين والغازات الطبية شهد مضاربات خطيرة في الأسعار أثناء جائحة كوفيد 19، خاصة وأن أعداد المصابين بالفيروس عاد إلى الارتفاع مرة أخرى.
ورأى إبراهيمي في مقال نشره بموقع محلي، أن الشركات العاملة في قطاع الأكسجين الطبي، تمارس الاحتكار، وتتفاهم فيما بينها، للرفع المتزامن والمبالغ فيه للأسعار.
وبالرجوع إلى من يمتلك هذه الشركات المحمية، يقول إبراهيمي: "يتبين أن سبب رفض تحويل الطلب إلى مجلس المنافسة، يتمثل في تضارب المصالح لولي النعمة المستثمر في الأكسجين والمحروقات وغيرها، التي لا يجب أن تنالها المحاسبة ولا الافتحاص".
ووصف ما يقع بأنه "منحدر خطير وحجر على عمل المؤسسات الدستورية".
من جانبه، قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك (مستقلة)، إن قطاع الأكسجين الطبي يعاني من مشكلة حقيقية وكبيرة، وتتمثل في وجود شركة واحدة تسيطر عليه، وتستحوذ على توزيعه على المستشفيات العامة والمصحات الخاصة.
وشدد الخراطي في تصريح لـ "الاستقلال"، أن الأكسجين الطبي دواء، ولذلك وجب أن يكون سعره مقننا، كباقي الأدوية، وأن يكون معلوما لدى عامة المواطنين، وأن لا يكون موضع احتكار من جهة أو جهات معينة.
وأبرز المتحدث ذاته، أن وزارة الاقتصاد والمالية، تتحمل مسؤولية مراقبة سعر الأكسجين الطبي وتنافسية القطاع، من خلال مديرية المنافسة وحرية الأسعار التابعة لها.
وهذه الأخيرة عليها بحث مسألة وجود الاحتكار من عدمه، وإحالة نتائج هذا البحث إلى مجلس المنافسة، الذي بمقدوره معاقبة الشركة أو الشركات المحتكرة للغاز والأكسجين الطبي، وفق الخراطي.
تفاعل كبير
قبل أن يعيد حزب العدالة والتنمية فتح النقاش حول الأكسجين الطبي، انتقد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، وهو خبير في مجال الصحة، السياسة التي تتبناها الحكومة في طريقة توفيره للمستشفيات العمومية بالبلاد.
وأكد غالي في بث مباشر نشره عبر فيسبوك، سبتمبر/أيلول 2021، أن الحكومة تعتمد على شركة وحيدة، تابعة لـ "هولدينغ أكوا"، المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، وهي التي تربح من الاستثمار في الأكسجين الطبي.
وأوضح غالي أن شركة أخنوش تستثمر 2.4 مليار درهم (حوالي 240 مليون دولار) في السنة بهذا المجال.
في حين كان يمكن للدولة باستثمار مبلغ أقل من هذا بعشر مرات أن توفر الأكسجين للمستشفيات المغربية، من خلال استغلال أسطح المؤسسات الاستشفائية، ضاربا المثل بالتجربة الكوبية، وفق قوله.
وشدد الخبير الصحي والناشط الحقوقي، أن توفير هذا المبلغ الكبير، يمكن أن يفيد في تحسين الخدمات الصحية بالمغرب، لكن، يستدرك أن "العقلية التي تدير قطاع الصحية لا تفكر ولا تبحث سوى عن الربح فقط".
المعلومات التي كشف عنها غالي، لقيت تداولا إلكترونيا كبيرا، ومنه ما نشرته صفحة "الفرشة"، بالقول إن أخنوش يحظى بسند أو دعم قوي من جهات خفية.
وأضافت الصفحة: "يجب أن يعرف المواطنون أن أخنوش يستغل أكسجين المرضى أبشع استغلال، ويستخدم منصبه لاحتكار صفقات بالملايين على حساب صحة المواطن".
مع العلم أن تكلفة إنشاء وتجهيز أجهزة إنتاج الأكسجين، أقل بكثير من الثمن الإجمالي الذي تشتري به وزارة الصحة من شركة أخنوش، وفق قولها.
ولكن، تتساءل الصفحة، "من يجرؤ على وضع حد لهذا المنكر في تبذير المال العام ويقطع بزولة (ثدي) 24 مليار سنويا عن الوزير المقاول؟!".
البروفيسور الطيب حمضي، عضو اللجنة العلمية المكلفة بإدارة أزمة كورونا (حكومي)، أكد أن المستشفيات والمصحات المغربية لم تسجل أي نقص في الأكسجين الطبي، بما فيه مرحلة ذروة الإصابات بكورونا وارتفاع عدد الموجودين في أقسام الإنعاش.
وإنما ينحصر المشكل لدى الخواص في المنازل، وشراء بعضهم للأجهزة التي تصنع الأكسجين من باب الاحتياط، مما أدى لبعض الخصاص، وفق ما تحدث لـ"الاستقلال".
ورفض حمضي الحديث عن ما يثار بخصوص الاحتكار وتنازع المصالح واستغلال النفوذ للحصول على منافع من المال العام، عبر تمرير صفقة الأكسجين الطبي لشركة واحدة.
كما رفض التعليق على المبلغ المؤدى لهذه الشركة وإن كان متناسبا مع السوق الدولية أم أنه أعلى بالمغرب.
واكتفى بالقول إن أي ارتفاع في أسعار الأكسجين الطبي، على مستوى الاستهلاك الموجه للأفراد، ناتج عن المضاربة بين المواطنين أو المستهلكين، في حين أن سعر الأكسجين الموجه للمستشفيات بقي كما هو دون تغيير.
الحل والمطلوب
موقف عضو اللجنة الحكومية، يعكس رفض الحكومة إبداء أي رد أو تعليق على هذا الموضوع، أو نفي ما يثار من اختلال بخصوصه. ورفض مسؤولون حكوميون آخرون الإجابة على أسئلة "الاستقلال".
وفي هذا الصدد، أكد علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أن ثمن قنينات الأكسجين يصل في المغرب إلى 20 ألف درهم، أي حوالي 2000 دولار.
وشدد في تصريح له على أن هذا الأمر يؤكد أن قطاع الأكسجين الطبي يعاني من تسيب كبير.
وشدد لطفي أن هذا السعر يستوجب مساءلة وزارة الصحة، التي عليها مراقبة أسعار قنينات الغاز الطبي، والتي يفوق سعرها السعر المعمول به في أوروبا بثلاثة أضعاف.
إلى ذلك، انتقدت الشبكة الصحية في بيان، غياب عدالة توزيع الخدمات الصحية واستمرار المركزية المفرطة الأحادية في التدبير والقرارات، وغياب الشفافية وضبابية الأرقام وتضارب المعطيات.
كما انتقدت استمرار تسليع الخدمات الطبية بالقطاعين العام والخاص، من خلال فرض أسعار مرتفعة جدا، على المصابين بمرض كوفيد -19 وخاصة لدى الحالات الحرجة والخطيرة.
يرى بوعزة الخراطي، أن تحرير سعر الأكسجين الطبي وتحويله إلى مادة تجارية، سيشجع المنافسة بين المنتجين في المغرب، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتخفيض الثمن، الأمر الذي سيكون في صالح المستهلك أو المريض، وفي صالح المستشفيات.
وأكد الخراطي أن هذا التحويل يستوجب وضع آلية للضبط والمراقبة، والتي ستكون لها الصلاحية القانونية كاملة لزجر المخالفين لقوانين المنافسة، بما يمنع الاحتكار أو التواطؤ لرفع السعر أو كل ممارسة تمس الحق في العلاج وتؤثر على كلفته.
وأبرز رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، أن الحل الأساسي الآخر، يتمثل في تمكين المستشفيات والمصحات، وخاصة الكبرى منها، من إنتاج الأكسجين الطبي، عبر أجهزة توليده.
لكن، يستدرك بأن للأمر الأخير محاذير، وهي أن انتقال المستشفيات من مستهلك للأكسجين الطبي إلى منتج وبائع، يفرض إدخال تعديلات على النصوص والمراسيم القانونية المنظمة للمجال الطبي بالمغرب.
فضلا عن أنه يفرض أيضا المزيد من المراقبة والتدقيق، بخصوص ضوابط ومعايير الاستفادة.
وخلص الخراطي إلى أن المسؤولين العموميين والحكوميين الذين يباشرون مهامهم الانتدابية والرسمية، والذين لهم شركات ومقاولات خاصة، عليهم الابتعاد عن الصفقات العمومية، تجنبا لتضارب المصالح، وترفعا عن المزاوجة بين السلطة والمال.
وأيضا لما للأمر الأخير من خطر على السياسة وعلى الاقتصاد، وتبعا لذلك على المجال العام برمته، وفق تقديره.
المصادر
- مكتب مجلس النواب يرفض مهام برلمانية للتحقيق في “تواطؤ” شركات لزيادة الأسعار
- ابراهيمي يكتب: هل يحمي المهيمنون على مكتب مجلس النواب لوبيات الشركات التي تتواطأ على رفع الأسعار؟
- "مصباح" النواب يطلب رأي مجلس المنافسة حول مدى احترام الفاعلين في "الأوكسيجين" للمنافسة الحرة
- في المغرب.. الأوكسجين يرتفع إلى أثمنة خيالية