دليل ارتباك.. استنكار واسع لمحاكمة الغنوشي ومحاولة تسييس القضاء بتونس

12

طباعة

مشاركة

لم يكن مفاجئا محاولة الرئيس التونسي قيس سعيد، التخلص من خصومه السياسيين وعلى رأسهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وتوجيه اتهامات له ولغيره وتقديمهم للمحاكمة.

وهو ما حدث في 19 يوليو/تموز 2022، بتقديم الغنوشي الذي يشغل أيضا منصب رئيس البرلمان التونسي المنتخب إلى محاكمة استمرت قرابة 10 ساعات بدعوى اتهامه بتبييض أموال؛ وانتهت بقرار من قاضي التحقيق بالإبقاء عليه في حالة سراح مع تحجير السفر عليه.

وينفي الغنوشي التهم الموجهة إليه ويصفها بـ"المسيسة"، إذ قال من أمام مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، إنه يواجه "تهما كيدية في إطار تمرير مشروع دستور يكرس الانقلاب والاستبداد والحكم الفردي المطلق".

ومن المقرر أن يطرح قيس سعيد الذي يشكك معارضون في نزاهته مشروع دستور جديد بديل لدستور 2014، للاستفتاء عليه في 25 يوليو 2022 بعدما استبدل النظام السياسي القائم من البرلماني المعدل إلى الرئاسي.

وتعاطى ناشطون مع محاكمة الغنوشي وطول فترة التحقيق معه وقرار القضاء، بتقديم تفسيرات مختلفة، أبرزها أن السلطة القضائية تحاول تكريس استقلاليتها عن كل توظيف سياسي، وتبتعد عن الانتكاسة والاستجابة للضغط المسلط عليها.

وأعربوا عبر تغريداتهم على وسوم عدة أبرزها #الغنوشي، #راشد_الغنوشي، #يسقط_الانقلاب_في_تونس، وغيرها، عن رفضهم للمحاكمات السياسية برمتها، واستعمال القضاء في تصفية الخصوم السياسيين، وإخضاع القضاة لسلطة غير سلطة القانون.

دلالات المحاكمة

واستنكر ناشطون استخدام سلطة الانقلاب في تونس بعض القضاة والعسكر لتكريس الانقلابات وإسكات أصوات المعارضة وتمرير الدستور الذي كتبه سعيد، معربين عن ارتياحهم من الحكم الذي أصدره القضاء التونسي بالإبقاء على الغنوشي في حالة سراح.

ونددوا بمحاولة قيس سعيد المتعمدة الانتقام الشخصي من الغنوشي، واتهموه بالغيرة واتباع المكائد السياسية للخلاص من خصومه السياسيين، مذكرين بسيرة رئيس البرلمان وتاريخه ومواقفه الوطنية طوال فترة عمله السياسي، وانتمائه وتجنيب البلاد صراعات واسعة. 

وتحدثوا عما تحمله محاكمة الغنوشي من دلالات متعلقة بسياسة الانقلاب والأجندة التي يهدف إلى تمريرها. 

ورأى الباحث في مؤسسة مشارق ومغارب عباس شريفة، أن محكمة الغنوشي في هذا التوقيت وقبل الاستفتاء على دستور #قيس_سعيد بأسبوع ومحاولة اعتقال #المنصف_المرزوقي (الرئيس الأسبق) قبلها، دليل على ارتباك الانقلاب ومحاولة تغييب رموز الثورة التونسية وترك الشارع بدون قيادة قادرة على الحشد في وجه الانقلاب.

وأشار رئيس منتدى "برلمانيون لأجل الحرية" محمد الفقي، إلى أن محاكمة الغنوشي التي خلصت ببراءته سياسية من أجل فرض الاستفتاء على مشروع الدستور الذي كتبه بنفسه.

واستنكر أستاذ العلوم السياسية الكويتي عبدالله الشايجي، التسييس وتصفية الحسابات في #تونس، ووصفها بأنها كمن أطلق النار على قدميه.

وأشار إلى أنه عشية إجراء الاستفتاء المثير للجدل على الدستور، الذي بدل من توسيع الحريات ودعم فصل السلطات، يقيدها ويحصرها بالرئاسة، وبعد 10 ساعات من محاكمة الغنوشي بتهم لا تسندها أدلة، صدر حكم بالبراءة.

سيرة الغنوشي

وذكر ناشطون بتاريخ الغنوشي، معلنين تضامنهم معه وسعادتهم بأن الحكم الصادر بحقه يخالف هوى ومساعي دول محور الشر المتورطة في دعم انقلاب سعيد في 25 يوليو 2021، وجر البلاد إلى أزمة سياسية بعدما فرض إجراءات استثنائية منها حل مجلس القضاء والبرلمان.

وأعرب الأكاديمي والكاتب التركي ياسين أقطاي، عن تضامنه مع الغنوشي في وجه الاستهداف الذي يتعرض له من قبل السلطات التونسية التي دعاها إلى احترام حقوق المعارضين السياسيين وعدم استخدام القضاء كوسيلة لتصفية الخلافات السياسية.

وقال الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، إن "الدكتاتور الصغير" يحاكم الشيخ الغنوشي بتهمة الإرهاب!، مؤكدا أن هذا لم يكن قراره، ولا ما سبق؛ وإن وافق هواه ونفّس عُقده.

وأضاف أن هناك من يدير المشهد؛ لإرضاء شهية "الثورة المضادة"، وجلب معوناتها، مستطردا أن المحاكمة ترفع من شأن الشيخ في رحلته الأخيرة بعد عُمر كامل في مقارعة الظلم.

ولفت الكاتب والصحفي اليمني عباس الضالعي، إلى أن الغنوشي ينادي بالديمقراطية وتطبيقها وهو زعيم لحركة النهضة، داعيا السلطة التونسية إلى احترام عقول انصارها على الأقل.

وذكر المؤرخ والسياسي الفلسطيني بشير نافع، بأن الغنوشي عاش حياته كلها مدافعا عن الحرية والديمقراطية، مؤكدا أن هذا ما منحه موقعا آمنا في تاريخ تونس وتاريخ العرب الحديث؛ وستبقى قامته أعلى بكثير مما يحاول سعيد الوصول إليه.

تأزيم سعيد

وأكد حمادي جقيريم، أن ما يفعله قيس سعيد من محاولة اعتقال الغنوشي ومحاكمته محاكمة صورية، ثم الزج به في السجن أو إجباره على المنفى من جديد، "يزيد في تأزيم وترذيل الحياة السياسية في تونس، وبالتالي انخرام الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي".

وأشار أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر محمد الشنقيطي، إلى أن الغنوشي كسب جولة مهمة ضد #قيس_سعيد إلى وضع قوى الثورة التونسية في موقع الدفاع، وحشْرها في الزاوية. 

ولفت إلى أن جلسة التحقيق مع الغنوشي تحولت إلى جلسة محاكمة للانقلاب القيسي البائس، متوقعا أن الطريق لا يزال طويلا، حتى تستعيد #تونس عافيتها الديمقراطية، وتتغلب على التحديات الجسيمة.

وأوضحت إشراق الخديجة، أن راشد الغنوشي امتثل للقضاء لأنه يرى القانون فوق الجميع، لكن قيس سعيد يريد تحصين نفسه لأنه يرى نفسه فوق القانون.

ضمانة القضاء

وأثنى ناشطون على موقف القضاء التونسي، إذ قال أحمد القاري، إن الرئيس المنقلب قيس سعيد ضغط من أجل حبس راشد الغنوشي والتنكيل به، لكن يبدو أن لدى القضاء بقية من استقلال.

وأكد الصحفي المصري صلاح بديوي، أن القضاء يشكل حصن الدفاع الأخير عن أي دولة، وإذا فسد فقل على تلك الدولة السلام، ولذلك أطلقت النيابة التونسية الغنوشي فور عرضه عليها باتهامات كيدية وملفقة.

وأضاف: "انتوا عارفين لو كان في مصر مؤسسة قضائية مستقلة لكانت الأغلبية الساحقة من المعتقلين إن لم يكن كلهم خارج السجن".

وكتب أستاذ علم الاجتماع بجامعة قرطاج عبد الستار رجيب: "حاكم التحقيق يطلق سراح أ. راشد الغنوشي، قد تتفق مع الرجل وقد تختلف معه لكن لا تجعل القضاء وسيلة لتصفية الخصومة السياسية".

وأكد أن الخصومة السياسية تحسم بالصندوق والانتخابات وليس بالإقصاء والاستئصال، قائلا إنه يتأكد اليوم قبل غيره أن تونس في حاجة إلى وطنية جامعة لا تقصي ولا تلغي أحدا.

ومن جانبه، شدد مختار شنب على أن القضاء المستقل هو الضمانة الحقيقية للديمقراطية.