توقعات بتكراره في 3 دول.. هل يقود نموذج سريلانكا لربيع عربي جديد؟
ما إن هرب الرئيس السريلانكي جوتابايا راجاباكسا من القصر الرئاسي الذي اقتحمه المتظاهرون الغاضبون من فساده وتراكم الديون وفشل الحوار بين النظام والمعارضة حتى طُرح سؤال: هل نموذج سريلانكا يمثل حلا لدول الربيع العربي؟
وهل تقدم "سرنديب" أو "سيلان"، وهي أسماء قديمة لهذه الجزيرة الآسيوية، الأمل لربيع عربي جديد يقتلع الطغاة؟ أو يكون ربيع سريلانكا دافعا ومشجعا لربيع عربي جديد لتشابه أسباب الانفجار؟
التسونامي الشعبي الذي اقتلع النظام مقتحما القصر الرئاسي، ومشاهد الشعب وهو يلهو في مسبح الرئيس الخاص وينام على سريره الوثير داعب أحلام غالبية الناشطين العرب.
كتبوا من مصر والسعودية والعراق وتونس وسوريا وغيرها يتمنون أن يروا هذا المشهد في قصور الحكام العرب.
أوجه التشابه بين سريلانكا والعديد من الدول العربية، مثل مصر، عديدة فقد استدان نظام كولومبو الديون بلا حدود حتى عجز عن السداد، وألقى المليارات في مشاريع فاشلة غير ضرورية.
كما أن الحوار الذي دعا له الرئيس، قبل هروبه، مع المعارضة فشل وتصاعد الغضب الشعبي لنقص المواد الأساسية خصوصا الوقود الذي عطل مجالات الحياة كافة. وأظهرت الأحداث في هذا البلد الفقير أن الشعب عندما يجوع يأكل فاسديه.
وخلال تمرد الأمن المركزي في مصر عام 1986 اقتحم آلاف الأهالي كباريهات شارع الهرم الشهيرة وأخذوا ما طالته أيديهم من مأكولات ومشروبات.
وهو مشهد متكرر في عديد من الاضطرابات الشعبية، حيث تقتحم قطاعات واسعة من الفقراء المولات والمحلات الكبرى للحصول على ما لذ وطاب مما لا تسمح به دخولهم المنخفضة من الحصول عليه في الحياة العادية.
ويطلق عليها علماء الاجتماع اسم "ظاهرة ثورات الجياع" التي لا يمكن تجنبها واتقاء عواقبها المدمرة، إلا بالعدالة الاجتماعية وعدم استئثار طبقة أو فئة قليلة بثروات البلاد.
أسباب الأزمة
تعاني سريلانكا من أزمة اقتصادية ضخمة، ونفاد الاحتياطي من العملات الأجنبية، وتراكم الديون الخارجية التي تبلغ 51 مليار دولار مقارنة بشعب حجمه 22 مليون نسمه فقط، وبسبب تمويل مشاريع بنيه تحتية وصفت بالفاشلة وغير الضرورية.
فبالإضافة إلى 5 مليارات دولار لبكين، تدين سريلانكا بأموال للهند واليابان، وكذلك للممولين التجاريين الذين اشتروا سنداتها في السنوات الأخيرة، بخلاف فواتير مستحقة الدفع للوقود.
ولا يجد ثلثا الشعب طعامًا ليأكله، وبلغ معدل التضخم 54.6 بالمئة، وصاحبه ارتفاع في أسعار المواد الأساسية خمسة أضعاف، وقد حذر محافظ البنك المركزي من أن التضخم الحالي قد يرتفع إلى 70 في المائة في الأشهر المقبلة.
وتحتفظ سريلانكا بأقل من ملياري دولار (1.9 مليار) فقط من احتياطيات النقد الأجنبي، وتعد عملتها من بين أسوأ العملات انخفاضا في العالم.
وتشهد سريلانكا أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها عام 1948، وصلت ذروتها بإعلان رئيس وزرائها المستقيل "رانيل ويكريميسينجه" في 22 يونيو/حزيران 2022، أمام البرلمان، انهيار اقتصاد البلاد ووصولها حافة الإفلاس.
واضطرها ذلك لتعليق سداد 7 مليارات دولار من فوائد وأقساط الديون الخارجية المستحقة هذا العام، من أصل حوالي 25 مليار دولار مستحقة حتى عام 2026، لعدم قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها بسبب ضعف الوضع المالي.
ويعاني سكان البلاد من نقص في الضروريات مثل الغذاء والغاز الطهي والأدوية. وأدى نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة، إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي ممتد، في ظل الأجواء الحارة.
كما أُجبر الناس على الوقوف في طوابير لمدة أيام لمجرد شراء الوقود والغاز، حتى إن البعض مات وهو ينتظر في الطابور.
برغم هذا، استمرت مظاهر إسراف النظام وانعزاله عن الشعب، واستمر القمع وتجاهل مشاكل السريلانكيين الذين لا يجدون وسيلة مواصلات لعدم أموال لشراء الوقود.
ويقول محللون إن استمرار آل راجاباكساس في الاقتراض بحرية وبشكل مفرط أدي لأزمة ديون وانهيار اقتصادي في سريلانكا، بحسب ما نشر موقع "جريد" grid البحثي الأميركي 28 يونيو 2022.
ويؤكدون أن بناء البنية التحتية بالقروض سبب رئيس للكابوس الحالي إذ إن الكثير من مشاريع بناء الطرق والبنية التحتية مولت بواسطة الديون.
وعندما فشلت سريلانكا في سداد ديونها في مشروع الميناء العملاق، أجُبروا على تسليم السيطرة على الميناء إلى الدائن (الصين)، بموجب اتفاقية إيجار طويلة الأجل.
وجعلت هذه الحادثة من سريلانكا نموذجا لما يُعرف باسم "دبلوماسية فخ الديون". ويشكل السنهاليون البوذيون ما يقرب من 75 في المئة من سكان البلاد، وكان ملفتا أن بعض الكهنة البوذيين كانوا من بين المشاركين في اقتحام القصر الرئاسي.
ويبلغ عدد مسلمي سريلانكا، بحسب إحصاءات 2012، مليونين، أي 9 بالمئة من السكان الذين يبلغ عددهم 22 مليونا، وقد شاركوا بدورهم في الثورة.
وسريلانكا ليست الدولة الوحيدة التي أعلنت إفلاسها، إذ سبقتها البرازيل ولبنان في العامين الأخيرين.
ما يجعل التجربة السريلانكية مشابهة نسبيا لحالة أنظمة عربية عديدة، حتى إن البلاد تحولت في ظل أزمتها الاقتصادية إلى ما يشبه حكم عائلة واحدة تسيطر على الحكم.
فقد شغل أفراد عائلة واحدة مناصب الرئيس ورئيس الوزراء وسيطروا على مجلس النواب، حسبما تبين دراسة موقع "جريد".
فرغم أنها ليست دولة ملكية، فقد حكم سريلانكا أسرة واحدة تقريبا اسمها "راجا باكسا" Rajapaksa تملكت غالبية مناصب الحكم في الرئاسة والحكومة والبرلمان أيضا.
حتى إن هناك نكتة شائعة تقول إن مسؤولا صينيا زار البلاد والتقى بعدد من كبار المسؤولين الحكوميين، فأصابته الحيرة لأن جميع من التقى بهم يحملون اسم العائلة راجاباكسا، فسـأل: هل هذا هو اسم العائلة الوحيد الموجود في بلدكم؟
وتحتكر عائلة راجاباكسا الحياة السياسية السريلانكية وتسيطر على هذه الدولة (الجزيرة) منذ عقدين، لكن ثورة الشعب تبشر بإنهاء هذا الحكم.
فرئيس الدولة هو "غوتابايا راجاباكسا"، وشقيقه الثاني هو رئيس الوزراء الحالي (كان رئيسا سابقا) ماهيندا راجاباكسا.
وشقيق الرئيس الأكبر الثالث "شامال راجاباكسا" رئيس البرلمان، وعمل في وزارات الزراعة والثروة السمكية والري، وشقيقهم الرابع "باسيل" تولي منصب وزير المالية ووزير التنمية الاقتصادية.
كما شغل العديد من الأقارب الآخرين للأخوة الأربعة مناصب عامة. ولأن الاحتجاجات المستمرة منذ شهور، تكاد تفكك بسلالة راجاباكسا السياسية التي حكمت الدولة العقدين الماضيين، فقد استقال جميع أفراد عائلة راجاباكسا من الحكومة واحدا تلو الآخر هذا العام.
الدول العربية
واقترض راجاباكسا وإخوته المليارات من المستثمرين الدوليين ودول إقليمية كبرى بدعوى تعزيز النمو.
لكن ما حدث، في ظل غياب الرقابة، هو تنفيذ "برنامج تنموي فاسد وغير مستدام"، بحسب تقرير لمعهد أبحاث "تشتام هاوس" البريطاني نشره في 19 أغسطس/أب 2020
ويوضح تقرير للمعهد البريطاني أن برقيات دبلوماسية أميركية مسربة من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحدثت عن أن "راجاباكسا دخل في فورة بناء للبنية التحتية تغذيها الديون".
وحذرت هذه البرقيات المسربة من أنه "لا يوجد نهج إستراتيجي لهذا التطوير والبناء ولا تنسيق بين الوكالات الحكومية المسؤولة عن المشاريع المختلفة، وهناك نقص في الفهم والخبرة، وعدم مراعاة مطالب المستثمرين".
وهو ما يتشابه كثيرا مع حالة مصر، وبناء رئيس النظام عبد الفتاح السيسي عاصمة إدارية وكباري وبنية تحتية بديون باهظة، ودون أي دراسات للجدوى وإسنادها للجيش في صفقات فاسدة.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز في 14 مايو/أيار 2022 إن هذا الفشل دفع تلك العائلة الحاكمة التي هيمنت على البلاد لعقدين من الزمن، على إخفاء معظم أفراد أسرتها في قاعدة عسكرية.
وهو ما يقارنه خبراء وناشطون مصريون بسعي عبد الفتاح السيسي لبناء العاصمة الإدارية كمنطقة خضراء معزولة ومحصنة تبعده عن أي ثورة شعبية في القاهرة.
سريلانكا فلست بعد الديون المتلتله اللي بقيت عليها
— Aly Hussin Mahdy (@AlyHussinMahdy) July 9, 2022
المدارس والمستشفيات والشرطة والشركات كل حاجة قفلت
البلد مبقاش فيها كهربا ولا بنزين ولا اي نيلة
الناس عملت لجان شعبية حماية لنفسها
النهاردة الشعب بتاعها نزل اقتحم القصر الرئاسي
ورئيسها هرب منها
عرفتوا عمل العاصمة الادارية ليه؟
ويرجع الاهتمام بالعاصمة الجديدة لأنها مقر الحكم الجديد ومكان لما تسميه صحف ودوريات أجنبية "المنطقة الخضراء" التي سيتحصن فيها السيسي ونظامه.
وتضم ما يسمي "الكيان العسكري" وبه جميع أجهزة الأمن والدفاع (مبني الأوكتاجون Octagon الاضخم من البنتاغون الأميركي والذي يتكلف 2.2 مليار جنيه) والمخابرات وقصر الرئاسة، لحماية رموز السلطة من أي مظاهرات مستقبلية.
ووصفت "ميشيل دن" الخبيرة في معهد كارنيجي للشرق الأوسط، العاصمة الإدارية بأنها "منطقة السيسي الخضراء" التي يسعى للتحصن فيها من احتمالات تجدد الربيع العربي.
وقالت "دن" في دراسة أن العاصمة الجديدة هي "إعادة بناء جدار للخوف يفصل المواطنين المصريين عن الدولة ومؤسساتها، بعدما تم تحطيم هذا الجدار الذي بناه رؤساء مصر السابقين (ناصر والسادات ومبارك) خلال انتفاضة 2011".
وسبق أن توقع تقرير صادر عن شركة استشارية للمخاطر أن يغذي ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية في العالم "تصعيدا حتميا" في الاضطرابات في البلدان النامية متوسطة الدخل، مؤكدا أن مصر والبرازيل معرضتان لهذا الخطر بشكل خاص.
وتوقع تقرير شركة "Verisk Maplecroft" لمراقبة المخاطر السياسية في 11 مايو 2022 أن تواجه ثلاثة بلدان عربية خطر "الاضطرابات الاجتماعية" بعد ارتفاع الأسعار، هي مصر وتونس ولبنان.
أوضح أن هذه الدول الثلاث تسعى حاليا للحصول على دعم صندوق النقد الدولي لتعويض مخاطر الأزمة المالية، ما سيعني تخفيضات في برامج الدعم للغذاء والوقود كشرط للحصول على التمويل، ومن ثم زيادة الأسعار المؤلمة للمواطنين.
"وهو ما سيؤدي إلى احتمال تزايد الاضطرابات المدنية الجماعية ردا على ذلك"، متوقعا أن "يُقابل ذلك بقمع الدولة العنيف بقوات الأمن".
وأشار التقرير إلى سريلانكا وكازاخستان أمثلة على البلدان المتوسطة الدخل التي تشهد تصعيد للتوترات والمعاناة من الاضطرابات هذا العام بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود.
أكد أن 10 دولة من الاقتصادات المتوسطة الدخل ستكون أكثر عرضة للخطر وأشد المتضررين خلال الستة أشهر المقابلة حتى نهاية العام 2022، وفقا لتوقعات مؤشر الاضطرابات المدنية.
وهذه الدول التي تواجه ضغوطا مماثلة: الأرجنتين والبرازيل ومصر وتونس ولبنان والسنغال وكينيا وباكستان وبنغلاديش والفلبين، وفق التقرير.
ولاحظ التقرير أن أكثر من 50 بالمائة من حوالي 200 دولة يغطيها المؤشر شهدت زيادة في الاضطرابات المدنية منذ انتشار جائحة كورونا.
أي أن أكثر من نصف العالم يواجه زيادة في مخاطر الاضطرابات المدنية، فبين 107 من أصل 198 (54 بالمائة) دولة جرى تقييمها، سجل تدهور في درجاتها.
ويبدو أن هذه المؤشرات تؤكد أن دولا عربية عديدة في طريقها لمصير سريلانكا، وأن النموذج السريلانكي باقتحام القصر الرئاسي قد يكون مشجعا على ثورة شعبية وتكرر ربيع عربي جديد، لكن يُخشى أن يكون دمويا هذه المرة، كما يؤكد مراقبون.
وفيما يبدو احتمالات انهيار على طريقة دومينو الربيع العربي عام 2011، لكن على طريقة سيرلانكا هذه المرة، اندلعت مظاهرات في كينيا لنفس الأسباب.
وهي سوء الأوضاع واستيلاء الصين على ميناء مومباسا بعد عجز كينيا سداد قرض 5 مليار دولار على غرار ما فعلته في سريلانكا بالاستيلاء على الميناء الرئيسي لعجزها عن سداد القرض.
كما اندلعت مظاهرات أمام القصر الرئاسي في الأرجنتين احتجاجا على التضخم المرتفع والدين العام الذي زاد من مستويات الفقر في البلاد.
لكن استطلاعا للرأي أجرته شبكة "الباروميتر" العربي 6 يوليو/تموز 2022 مع 23 ألف شخص في 10 دول عربية لصالح قناة "بي بي سي" البريطانية أظهر أمورا لافتة.
أبرزها أن أكثر من نصف سكان المنطقة العربية أصبحوا يشككون بفوائد الأنظمة الديمقراطية، أي أن أكثر من نصف العرب باتوا يكفرون تقريبا بها ربما بسبب فشل الربيع العربي.
أوضح الاستطلاع: "يدرك المواطنون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الديمقراطية قد لا تكون مثالية، لكن الغالبية العظمى منهم ما زالت تقول إنها أفضل من النظام غير الديمقراطي".
وكشف أنه مقابل تراجع الايمان بالديمقراطية بين العرب، تتزايد أعداد العائدين للتدين وممارسة الشعائر الدينية.
لكن الملفت أكثر أن نصف سكان المنطقة العربية قالوا إنهم يخشون أن ينفد طعامهم ولا يستطيعون شراء المزيد، وأشار الاستطلاع إلى أن 68 بالمئة من المصريين قالوا ذلك.
الاستطلاع أظهر أيضا أن الرئيس الأكثر شعبية في الشارع العربي، رئيس غير عربي وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنسبة 55 بالمئة.
المصادر
- Sri Lanka’s economic crisis: How one family turned this ‘hidden jewel’ into a basket case?
- Cost of living crisis inflames civil unrest risks in emerging markets Political Risk Outlook 2022
- سريلانكا: تعرف على أسرة رجاباكسا التي تحكم قبضتها على البلاد منذ عقدين
- A Ruling Family on the Run as Sri Lanka Plunges into Economic Ruin
- In 10 points: How unprecedented economic crisis pushed Sri Lankans over the edge
- Democracy in the Middle East &North Africa July 2022