غطاء سياسي.. الإفراج عن قتلة نزار بنات يفتح ملف "فساد" القضاء الفلسطيني
مع مرور سنة على اغتياله، نال المتهمون بقتل المعارض الفلسطيني نزار بنات حريتهم في الضفة الغربية، ما أثار تساؤلات عن مدى نزاهة القضاء وزاد الشكوك بشأن تورط مسؤولين كبار في القضية.
وجاء الإفراج عن 14 متهما في قضية الاغتيال منتصف يونيو/ حزيران 2022 بقرار من النائب العسكري العام بالسلطة، بدعوى "انتشار فيروس كورونا".
وفي 24 يونيو، حلت الذكرى الأولى لاغتيال قوة أمنية فلسطينية الناشط والمعارض السياسي نزار بنات عقب اقتحام منزل أحد أقاربه في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة.
وقتل بنات نتيجة الضرب المبرح بالعصي ورشه بغاز الفلفل، وقمعت الأجهزة الأمنية برام الله تظاهرات خرجت في نفس اليوم منددة باغتياله.
ورغم مرور عام على الواقعة فإن أصداءها ما تزال حاضرة على الصعيدين المحلي والدولي، في ظل تجاهل السلطة محاسبة المسؤولين عن الجريمة ومرتكبيها، لا سيما بعد إفراجها عن المتهمين.
وكان نزار بنات ناشطا سياسيا معارضا ومحاربا للفساد، ومرشحا للانتخابات التشريعية المعطلة عن قائمة "الحرية والكرامة"، التي كان مقررا عقدها في مايو/ أيار 2021، قبل أن يلغيها رئيس السلطة محمود عباس.
غطاء سياسي
ويطالب ناشطون وحقوقيون بمحاكمة المسؤولين عن العناصر الأمنية، وألا تقتصر المحكمة على الأفراد.
ومؤخرا، كشفت عائلة بنات في فيلم نشرته عن بعض تفاصيل الجريمة، ومعلومات تنشر لأول مرة من لحظة التخطيط وحتى التنفيذ.
وأوضحت أنه وبتوجيهات سياسية عليا عقد اجتماع طارئ بمدينة رام الله في 23 يونيو 2021، للجنة الأمنية العليا لقيادات أجهزة أمن السلطة بالضفة، وبحضور مدراء العمليات المركزية، وكان عنوان الاجتماع الوصول إلى نزار بنات حيا أو ميتا.
وأضافت بأن اللجنة الأمنية أوكلت إلى محافظ الخليل جبرين البكري مهمة تنفيذ عملية الاختطاف، ليعقد الأخير اجتماعا طارئا مع مدراء أجهزة السلطة فيها لإتمام الأمر.
وكان على رأس المشاركين في الاجتماع: مدير المخابرات محمد غنام، ومدير جهاز الأمن الوقائي محمد زكارنة، ومدير الاستخبارات فضل أخلاوي، ومدير الشرطة عبد اللطيف القدومي، ومدير الأمن الوطني حرب النجار.
وتضمن الفيديو أسماء بعض المشاركين في عملية الاغتيال ومعلومات تفصيلية حولهم والمهام التي أوكلت إليهم يوم تنفيذ الجريمة، ويتحدث كثيرون أن محاولات طمس القضية مرده إلى تورط مسؤولين كبار.
وعن هذا الأمر، يقول محمد عماد مدير الشؤون القانونية والسياسات لمنظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان، "أصبح واضحا أن عملية الإفراج عن قتلة بنات تجري بغطاء سياسي أكثر من أنه قانوني".
وأضاف عماد لـ"الاستقلال": "هذا النهج في الإفراج عن أشخاص متورطين سواء كانوا من الأجهزة الأمنية أو تابعين لفصائل محددة هدفه التغطية على جرائمهم".
وبين أنه "رغم أن جريمة قتل بنات خطيرة وهزت الشارع الفلسطيني بكونها اعتداء بشكل مباشر ودون وجه حق على حرية الرأي والتعبير، فإن السلطة تضفي الشرعية على كل الانتهاكات التي تتم على أيدي الأجهزة الأمنية".
عدالة غائبة
بدوره، قال مركز "حماية" لحقوق الإنسان إن قرار النائب العام العسكري بمنح إجازة للموقوفين على ذمة جريمة قتل المغدور نزار بنات "التفاف على العدالة وطعنة في خاصرتها".
وأشار المركز في بيان بتاريخ 23 يونيو إلى أن التذرع بوباء كورونا عقب انحسار الجائحة لا يقوى على أن يكون سببا للإفراج عن الموقوفين.
وبين أنه كان الأجدى الإفراج عن المعتقلين السياسيين والمفرج عنهم بقرار من المحاكم، للتخفيف من الاكتظاظ داخل السجون.
وعبر المركز الحقوقي عن خشيته من عدم وجود جدية للمحاكمة، في ظل عدم توجيه أي تهم لمسؤولين أمنيين رفيعي المستوى أجازوا العملية وأشرفوا عليها.
وأيضا في ظل مضايقات واعتقالات وتصرفات انتقامية من عائلة الضحية وأشقائه والشهود واقتحام منازلهم وتوجيه تهم وسوء معاملتهم أثناء الاحتجاز.
وطالب البيان بإعمال صحيح القانون وإعادة الموقوفين لمحبسهم، ووقف المضايقات والاعتقالات من عائلة الضحية، بما يعزز شعور سيادة القانون، وحيادية ونزاهة المحاكمة وفق معاييرها العادلة.
أما الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، فأكدت أن "قرار النائب العام العسكري بمنح المتهمين إجازات من التوقيف والحبس الاحتياطي ليس له أساس في القانون".
فإنه "ليس له أساس في قانون مراكز الإصلاح الثوري لسنة 1979، ولا في قانون مراكز الإصلاح وتأهيل السجون لسنة 1998 وتعديلاته".
وشددت خلال بيان في 22 يونيو، على أن الأسباب المرتبطة بالوقاية من انتشار فيروس كورونا لا تبرر الخروج عن حكم القانون.
إضافة إلى أن هذا الإجراء بالصورة التي جرى فيها، ينطوي على اعتداء على سلطة المحكمة واختصاصها، وبالتالي، لا بد من تصويب الإجراءات وفقا للقانون.
قضاء فاسد
وبالعودة إلى الاتهامات بوجود تدخلات سياسية بالقضاء، أظهر استطلاع رأي نشر في فبراير/شباط 2021 أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين المستطلعين يعتقدون بوجود فساد في الجهاز القضائي، كما يعتقد 53 بالمئة منهم أن الفساد زادت وتيرته في فلسطين في 2020.
وجاءت نتائج الاستطلاع الذي أجراه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، في ظل احتجاجات من نقابة المحامين ومؤسسات المجتمع المدني وقتها على إصدار الرئيس عباس قرارات عدتها تلك الجهات تشرعن إحكام سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء.
وصدر قرار حينها بقانون معدل لقانون السلطة القضائية، قالت منظمات حقوقية إنه يمس بمبدأ الفصل بين السلطات ويقوض بشكل خطير منظومة القضاء واستقلاليته، وهو إجراء يتنافى مع الأسس القانونية والدستورية.
ووفق النتائج، يعتقد 76 بالمئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية بوجود فساد في المحاكم والنيابة العامة.
ويرى 79 بالمئة من عينة الاستطلاع أن العقبات المفروضة على مرتكبي جرائم الفساد غير رادعة، كما يعتقد 55 بالمئة أن الفساد سيستمر بالزيادة في الأيام المقبلة.
وعن تدخل السلطة التنفيذية بعمل نظيرتها القضائية، تحدث عماد عن مسارين، الأول يتمثل بالأحكام القضائية الصادرة من بعض المحاكم بالضفة ولا يجري تطبيقها.
ويقول لـ"الاستقلال"، هناك "أحكام عدة وثقناها في عام 2021 للإفراج عن أشخاص اعتقلوا على خلفية تجمعات سلمية وحرية الرأي والتعبير لكن ما زالوا معتقلين حتى هذه اللحظة".
أما المسار الثاني، هو تدخل السلطة التنفيذية بشكل مباشر والإيعاز للقضاة بإطالة أمد التقاضي لبعض الأشخاص المحسوبين على فصائل معارضة أو المتهمين بتنظيم احتجاجات سلمية ووقفات طلابية في بعض جامعات الضفة، وفق عماد.
ويوضح أن السلطة "مسؤولة عن تطبيق القانون وإنفاذه بشرط حماية الحريات وبشكل أخص حرية الرأي والتعبير التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني وأيضا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعهد الدولة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
ما المطلوب؟
وتنبع المشكلة الأساسية في الجهاز القضائي الحالي من الانقسام الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية منذ عام 2017، وتغول أجهزة السلطة على المتظاهرين والمعارضين، وهو أمر يرتبط بملف الاعتقال السياسي.
ولذلك ترى منظمات حقوقية أن الحل الأساسي يكمن في العمل على توحيد مؤسسات قطاع العدالة (السلطة القضائية، والنيابة العامة على وجه الخصوص) بين الضفة وغزة عبر وضع الأسس والمعايير التي تفضي إلى ذلك وتلغي حالة الانقسام المستمرة.
وتقول ورقة موقف صادرة عن مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"، إنه "يجب إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وتوفير متطلبات نجاحها من بيئة نزيهة واحترام للحقوق والحريات العامة، بما يعالج الخلل الجوهري الفادح في النظام السياسي".
إذ لا يمكن فصل الإصلاح بين السلطتين القضائية والتنفيذية وتجديد شرعيتها ووقف تغولها، عبر استعادة دور السلطة التشريعية، بحسب ورقة الموقف الصادرة حديثا.
وتحدثت عن ضرورة الضغط باتجاه إعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا، نظرا لما يعتريه تشكيلها القائم من مخالفات وصبغة سياسية، وهو ما عززته القرارات الصادرة عنها، مع ضرورة تجريم تدخلات السلطة التنفيذية بالقضاء.
أما رؤية مؤسسة الحق للإصلاح القضائي في فلسطين، فتغوص في التفاصيل وتدعو إلى ضرورة تشكيل "مجلس قضاء أعلى انتقالي" ومنحه كامل الصلاحيات القانونية اللازمة لتشكيل وإعادة هيكلة الهيئات القضائية وترتيب أوضاع القضاء والمحاكم والنيابة العامة ودراسة التعيينات والترقيات في المناصب.
وأوضحت المؤسسة في دراسة نشرتها عام 2014 أن التمويل الخارجي المباشر للسلطة القضائية والنيابة العامة والمعهد القضائي يشكل تهديدا جديا لاستقلال القضاء ويؤثر سلبا على هيبة وثقة المواطنين بمؤسسات العدالة، دون توضيح.
وبينت أنه "من الضروري التأكيد على وجود ضوابط وموازين وآليات قانونية واضحة ومحددة في قانون السلطة القضائية تحكم العلاقة مع السلطة التنفيذية، مبنية على الأداء المؤسسي والرقابة المتبادلة والمتوازنة ومبدأ الفصل المرن بين السلطات، بعيدا عن الاجتهاد الشخصي".
وأشارت إلى أن تحقيق ذلك من شأنه أن يؤدي إلى دعم وتثبيت استقلال القضاء والنهوض بقطاع العدالة.