وسط أزمات معيشية.. ماذا وراء دعوات تغيير نظام الإرث بالمغرب؟

جمال خطابي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تجدد النقاش في المغرب حول نظام الإرث، بين داع للتغيير، مواكبة للعصر واستجابة لمتغيرات الحياة، وتماشيا مع التزامات المغرب الدولية، وبين محذر من عواقب هذه المطالب، ومخالفتها لصريح الشريعة الإسلامية.

وانخرطت في الدعوة لتغيير نظام الإرث للوصول للمساواة بين الرجال والنساء، شخصيات رسمية ومدنية، إضافة إلى أحزاب سياسية يسارية، مقابل رفض شخصيات دينية رسمية وأحزاب سياسية إسلامية.

"تأنيث الفقر "

في 14 يونيو/ حزيران 2022، صرحت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) أمينة بوعياش، أن "نظام الإرث الإسلامي يحمل تمييزا ويساهم في تأنيث الفقر"، داعية إلى التأطير الحقوقي لنظام الإرث بالمغرب وما يمكن أن يترتب عليه من اجتهادات "تؤصل للمساواة".

وادعت بوعياش، بمناسبة تقديم نتائج دراسة حول "نظام الإرث في المغرب"، بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، أن "الطموح الذي عبرت عنه هذه الدراسة، هو الوصول إلى المساواة التامة في الإرث بين الذكور والإناث".

من جهته، أكد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي) الحسن أولحاج، أن "لا شيء ثابت وأن موقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي واضح لا غبار عليه مع إعمال الدستور المغربي". 

وعد أولحاج، في كلمته خلال نفس الندوة، أن الدستور نص على المساواة الكاملة بين كل المغاربة ما يجعلنا، وفق تعبيره، "أمام ورطة حقيقية تتمثل في مدى ملاءمة المشرع المغربي ومدونة الأسرة وأحكام الإرث مع الدستور المغربي وروح المناصفة التي كرسها".

دعوات تغيير نظام الإرث ليست جديدة، بل سبق لعدة جمعيات نسائية أن دعت لذلك، ومنها "اتحاد العمل النسائي" الذي أطلق في فبراير/شباط 2022، حملة وطنية تحت شعار "من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة والمساواة".

وفي 10 فبراير 2022، نظم "اتحاد العمل النسائي"، ندوة صحفية بالرباط، أكد فيها ضرورة "اعتماد المرجعية الحقوقية ومبدأي المساواة وعدم التمييز وملاءمة المدونة مع مقتضيات الدستور واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل اللتين التزم المغرب بإعمالهما".

ودعا في بيان بالمناسبة، إلى "مراجعة منظومة الإرث بما يضع حدا للإجحاف في حق النساء ولهضم حقوقهن وتفقيرهن، وبما يتجاوب مع التحولات المجتمعية وأدوار النساء، وذلك بإقرار المساواة في الإرث بين المرأة والرجل في كل المستويات".

مسار غير بريء

ومقابل دعوات المساواة التامة في الإرث بين الرجال والنساء، انتقد حزب العدالة والتنمية (إسلامي معارض)، في بيان، تهافت هذه الدعوات المسيئة للثوابت الدينية للمغاربة.

وفي 18 يونيو 2022، قال الحزب، إنه "يتابع بقلق كبير المساعي الجارية من طرف بعض الجهات للمساس بنظام الإرث الجاري به العمل، والذي يستمد مرجعيته من الشريعة الإسلامية".

واستنكر الحزب، "التصريحات المعبر عنها من طرف رئيسة مؤسسة وطنية (يقصد أمينة بوعياش رئيسة مجلس حقوق الإنسان)، يفترض فيها الالتزام بالقانون والحرص على احترامه". 

وعد أن إصلاح بعض مظاهر الحيف التي تعاني منها المرأة المغربية يمر أولا عبر احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وليس بالاتهام المغرض للنصوص الشرعية بالمسؤولية عن ظاهرة الفقر التي يعاني منها النساء والرجال على حد سواء".

ويرى مراقبون أن سياق إعادة إثارة موضوع المساواة في الإرث، غير بريء، كونه يأتي في ظل ظروف صعبة يعيشها المغاربة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. 

ويعاني المغرب من أزمة اقتصادية متفاقمة في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، التي تزامنت مع موجة جفاف كبيرة تضرب البلاد.

المحامي والبرلماني السابق نجيب البقالي، استغرب في تصريحات لموقع محلي، من إعادة طرح هذا النقاش، في وقت يئن المغاربة فيه تحت الفقر والهشاشة المرتبطين بغلاء المعيشة.

وأضاف البقالي، في 18 يونيو، "لم نسمع للسيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أي موقف في هذا الباب"، مردفا "كان الأحرى بها أن تتحدث في هذه المواضيع المرتبطة بالحقوق الاقتصادية للمغاربة".

 وبعد أن انتقد البقالي، تصريحات رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، شدد على أن الإسلام وإمارة المؤمنين الحامية للملة والدين، من الثوابت الأساسية لدولة المغرب.

وعد أن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يعوزها الفهم العميق لنظام الإرث في الإسلام المعتمد من قبل مدونة الأسرة.

وتابع أن نظام الإرث هو جزء من نظام الأسرة التي أفرد لها القرآن بابا كبيرا جدا، مشيرا إلى أنه لا توجد أي مؤسسة قانونية أفرد لها القرآن الكريم والسنة النبوية ما أفرده للأسرة من أهمية.

وأشار المحامي المغربي، إلى أنه لا يمكن فهم نظام الإرث إلا بالرجوع إلى نظام الأسرة، وهذا هو الخلط الذي وقعت فيه رئيسة المجلس.

وأكد أنه على خلاف ما زعمته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من كون "نظام الإرث يخلف الفقر والهشاشة للمرأة"، فإن العكس هو الحاصل.

وأردف البقالي، أن المرأة ترث في كثير من الحالات أكثر من الرجل، مبينا أن الحالات التي يرث فيها الرجل أكثر من المرأة هي حالات قليلة وعلى رؤوس الأصابع.

ولفت إلى أن نظام الإرث في الإسلام بريء مما زعمته جهلا السيدة رئيسة المجلس، من كونه ينتج الفقر والهشاشة، مؤكدا أن أسباب الفقر والهشاشة ترجع أساسا إلى سوء توزيع الثروة وإلى أسباب اقتصادية واجتماعية وإلى أسباب سياسية أيضا.

اليسار حاضر

دعوات تغيير مدونة الأسرة وإعادة النظر في أحكامها، بما فيها ما يرتبط بنظام الإرث، انخرطت فيها أيضا أحزاب سياسية ذات مرجعية يسارية، أبرزها حزبا التقدم والاشتراكية (معارض)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض).

وأكد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن إصلاح مدونة الأسرة يندرج ضمن الإشكال الأساسي المتعلق بملف المساواة في المجتمع المغربي بأبعاده الحضارية والمجتمعية والحقوقية، وكذا أبعاده السياسية والاقتصادية والقيمية والثقافية.

وادعى بنعبد الله، خلال ندوة نظمتها الكتلة النيابية لحزبه، في 15 يونيو 2022، أن "هناك حاجة إلى بعث الروح والنهوض بالمطالب الديمقراطية والحقوقية والمطالب المساواتية".

وأكد أن إصلاح مدونة الأسرة يعد جزءا أساسيا لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، مشيرا إلى أن موضوع المساواة لم يعد بنفس الحيوية التي كان عليها في المجال الحقوقي.

بدورها، رأت عضو الكتلة النيابية لحزب الاتحاد الاشتراكي مليكة الزخنيني، أن منظومة الإرث تسائل جميع المغاربة والمغربيات، وتقتضي فتح نقاش عمومي هادئ ورصين بشأنها، لأن الأمر يتعلق بالحقوق الاقتصادية، وبالعدالة الاجتماعية.

وأفادت الزخنيني، خلال ذات الندوة، أن التحولات التي عرفها المجتمع المغربي على مستوى الأسرة وعلى مستوى العلاقات والأدوار المنوطة بمختلف مكوناتها، تستدعي إعادة النظر في مجموعة من القوانين والمبادئ التي أطرت لعقود هذه العلاقات.

وأكدت على ضرورة "إعادة فتح ورش مدونة الأسرة من أجل تحيينها بنفس الروح السابقة، أي روح المواءمة بين الشريعة والحكمة، بين الروحي والاجتماعي، بين روح الإسلام كونه دافعا نحو الحداثة، وبين روح الحداثة كونها استمرارا نوعيا للرسالات السماوية التي تحض على التضامن والعدل والمساواة".

رفض رسمي 

ومقابل هذه المطالب، عد عضو المجلس العلمي (أعلى مؤسسة دينية بالمملكة) مصطفى بنحمزة، أن كل ما يرتبط بالشأن الديني هو من اختصاص ملك البلاد، بوصفه أميرا للمؤمنين، مضيفا أن "الإرث هو أحد مشمولات المسألة الدينية".

ووفق منطوق الدستور، يضيف المتحدث ذاته، لـ"الاستقلال"، فإن مطالب الداعين لتغيير أحكام الإرث تبقى كلاما عاما، ولن يكون لها وقع عملي، نظرا لمخالفتها أحكام الدستور، وتعارضها مع مقتضيات إمارة المؤمنين.

وكان بنحمزة، قد شرح هذه المسألة باستفاضة في ندوة بتاريخ 19 يونيو، قال فيها إن "الذي وضع أحكام الإرث هو الله سبحانه وتعالى، والذين يدعون أنهم يناصرون المرأة لن يكونوا أحن عليها من ربها".

وتساءل بنحمزة، وفق المقطع المرأي المنشور من الندوة عن النموذج الذي يبشر به دعاة تغيير نظام الإرث، مؤكدا أن هؤلاء لن يستطيعوا تقديم الإجابة، سواء بالإحالة إلى النموذج الأميركي أو الأوربي.

وأكد أن مال الرجل ملك له، وهو حر فيه، يورثه لمن يشاء، فأين المساواة التي يتحدث عنها دعاة تغيير نظام الإرث الإسلامي. 

ورأى بنحمزة، أن الهدف الذي يحرك دعاة وحملة هذه المطالب، ليس تحقيق المساواة للمرأة أو إنصافها، بل إن هدفهم الأساس، هو إظهار العيب والعوار في الشريعة الإسلامية.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن دعاة المساواة في الإرث، يجهلون أن أحوال الإرث متعددة وليست على حال واحدة، ولذلك يمكن للمرأة أن ترث أقل من الرجل أو مثله أو أكثر منه.

وتابع أن الإرث في الإسلام لم ينحصر على الزوجة فقط، بل على عشر نساء، وهن الأم والزوجة والبنت وبنت البنت، والجدة لأم والجدة لأب، والأخت الشقيقة والأخت لأب والأخت لأم، وغيرهن، متسائلا: هل يوجد مثل هذا النظام والتفصيل في منظومة إرث أخرى في العالم؟!

وحذر بنحمزة، من أن تغيير نظام الإرث بناء على مبدأ المساواة، يستوجب تغيير كل البنود والمواد الواردة في مدونة الأسرة، والتي تشكل تمييزا لصالح المرأة، ومنها ما تعلق بالحضانة، التي هي في الأصل حق للمرأة، وكذلك وجوب النفقة على الزوج، فضلا عن الحقوق المترتبة عن الطلاق من نفقة وغيرها.

ووصف بنحمزة، دعاة تغيير الإرث بأنهم ليسوا على دراية وعلم بأحكام الإرث في الإسلام، داعيا أبناء المجتمع المغربي إلى عدم الاستماع إليهم، وإلى النظر في الأفكار وتمحيصها والوعي بخلفياتها، حماية للعقول من التحنيط والانغلاق.