السيسي يهمش الأزهر ويسعى لـ"علمنة" الزواج.. ماذا سيتغير في حياة المصريين؟

12

طباعة

مشاركة

المناقشات الدائرة منذ سنوات عن منظومة الزواج في مصر وإقرار قانون جديد للأحوال الشخصية وفق رغبات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لم تجد من يتصدى لها سوى مؤسسة الأزهر ممثلة في الإمام أحمد الطيب. 

ويبدو أن الأزمة في طور الدخول إلى منحى جديد تمهيدا لحسمها نهائيا، إذ شكلت الحكومة لجنة لإعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، مستثنية بصورة صادمة وجود ممثلين عن الأزهر الشريف. 

وضربت هذه الخطوة بعرض الحائط، المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع"، فيما تعطي المادة السابعة، الأزهر، حق الإشراف على كل جوانب التشريع، "كونه المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية".

ويسعى السيسي الذي دخل في خلافات علنية عديدة مع شيخ الأزهر إلى تعديل حكم الطلاق الشفهي، بالإضافة إلى أمور أخرى يرى متخصصون أنها تصعب إجراءات الزواج والطلاق، وتحول المنظومة بأكملها إلى مدنية أقرب للعلمانية منها إلى الشريعة الإسلامية. 

طبيعة اللجنة 

وقرر وزير العدل المصري عمر مروان، في 9 يونيو/ حزيران 2022، تشكيل لجنة خاصة برئاسة المستشار عبد الرحمن محمد حنفي، رئيس محكمة استئناف طنطا و10 قضاة آخرين لإعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد خلال أربعة شهور، والاكتفاء بتلقي المقترحات على البريد الإلكتروني.

القرار اقتصر فقط على القضاة، مع عدم مشاركة ممثلين عن الأزهر الشريف، أو خبراء قانونيين متخصصين، كما استبعد منظمات المجتمع المدني، وهو ما أثار انتقادات واسعة.

ويختص قانون الأحوال الشخصية، بقضايا الزواج والطلاق والأسرة والطفل والحقوق والواجبات للمرأة والرجل سواء قبل أو أثناء أو بعد الزواج.

ويتكون القانون من 194 مادة تشمل أيضا الخلع والنسب والنفقة والحضانة وصندوق رعاية الأسرة المصرية.

ويرى مراقبون أن هناك سعيا حثيثا من النظام من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية ووضع إضافات بعينها. 

ويتوقع أن أهم نقاط التعديلات تتعلق بحكم الطلاق الشفهي، وتعقيد إجراءات الزواج الثاني، بتحقق القاضي من شرط موافقة الزوجة الأولى وضمان استيفاء العدل بينهما، ومنح القاضي سلطة التصريح بالزواج الثاني بعد تحقق الشروط.

إضافة إلى مواد تتعلق بحضانة الطفل في حالة الطلاق، والنص على الحق في الكد والسعاية والتأكيد على الذمة المالية المستقلة للزوجين.

ويتضمن القانون أيضا إقرار شهادة المرأة على قدم المساواة مع الرجل والتأكيد على ذلك مثلما يحدث في واقع الإجراءات الجنائية والمدنية.

وينص على إجازة الكشف على حسابات الزوج البنكية مع مراعاة سرية البيانات وأن تتضمن كل أنواع وفئات ومصادر الدخل على تنوعها في المواد الخاصة بالنفقة لبيان الدخل الحقيقي للزوج أو المطلق.

وهي أمور يرى فقهاء على رأسهم شيخ الأزهر أحمد الطيب أن بعضها يتعارض مع صريح الشريعة الإسلامية ويخالفها.

مخطط مدروس

ولم يكتف النظام المصري بتعضيد رؤيته بقوة السلطة ومحاولة فرض التعديلات بناء على ذلك، بل استخدم الدراما التلفزيونية في القضية.

عندما عرض مسلسل "فاتن أمل حربي" في الموسم الرمضاني 2022، الذي أثار جدلا دينيا واجتماعيا، خاصة وأن مؤلفه الكاتب إبراهيم عيسى، الذي طالما وجهت إليه اتهامات بالإساءة للأزهر والدين الإسلامي.

وتناول المسلسل الذي لعبت بطولته الفنانة نيللي كريم، قضايا الولاية التعليمية للأطفال في حالة الطلاق، وحضانة الأم للأبناء في حال زواجها مرة أخرى.

ومن المشاهد الأكثر إثارة للجدل في المسلسل عندما توجهت فاتن المطلقة، إلى دار الإفتاء المصرية لتحصل على فتوى حول فقدان المطلقة لحضانة أبنائها بمجرد زواجها.

ومع إجابة الشيخ بسقوط الحضانة عند الزواج، قالت "هو ربنا قال كده (هكذا) بنفسه؟.. أتحداك أن ربنا قال ذلك، الأمر لا يحتاج إلى دراسة". 

وهو ما دفع أستاذ الحديث وعلومه في جامعة الأزهر، الدكتور إبراهيم العشماوي، للرد عبر "فيسبوك" قائلا: "عهدنا رجال الأزهر يراجعون المسلسلات الدينية والتاريخية، دون هذه المسلسلات التي تروج لأفكار مسمومة ضد الدين".

يذكر أنه في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أعلن الإمام الأكبر أحمد الطيب، رفضه ترك مشروع قانون الأحوال الشخصية في مصر لكل "من هب ودب"، على حد تعبيره، وعد أن اتهام مؤسسة الأزهر باتخاذ موقف متحيز شهادة لها.

وأوضح في بيان أن "المشوار يبدأ من الخطوة الصحيحة، لأننا مهما عدلنا ومهما أضفنا إلى قانون الأسرة دون أن يكون تحت نظرنا هذا العوار في التعامل مع المرأة، لن تجدي هذه المشروعات شيئا".

وأضاف أن "الأزهر باشر إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية للأسرة انطلاقا من واجبه الشرعي، وحقه الذي يخصه وحده في هذا الأمر"

وتعد أكثر الجزئيات جدلا في القانون ما يتعلق بمسألة "الطلاق الشفهي"، حتى أنها تسببت في خلافات قوية داخل أروقة مؤسسات الحكم المصرية، إذ دخل السيسي، في مناوشات مباشرة مع شيخ الأزهر في 25 يناير/ كانون الثاني 2017.

حينها طلب السيسي من شيخ الأزهر تجديد الخطاب الديني، قائلا: "نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

وفي تلك الكلمة دعا السيسي بشكل واضح، إلى تعديل "قانون الطلاق"، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وهنا خاطب السيسي الطيب قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

لكن هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، ردت على طلب السيسي عبر بيان مذيل بتوقيع الطيب، رفضت فيه تعديل قانون الطلاق، واستنكرت المطالبة بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدة أنه يتنافى مع الشرع.

إفساد للمجتمع 

وفي قراءته للمشهد، قال عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحمد هلال، إن "النظام الحالي في مصر يعمد بقوة وبسرعة إلى علمنة منظومة الزواج في مصر وجعلها أقرب إلى الشق المدني، وربما مستقبلا يذهب الناس إلى المحاكم القضائية ليتزوجوا وينفصلوا كما في الغرب، ويتركوا الزواج على الشريعة".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "التعديلات الواردة في قانون الأحوال الشخصية فجة ومخالفة للشريعة الإسلامية بشكل صريح، ومنها مسألة (الطلاق الشفهي) التي يسعى إليها السيسي، ويخالفه شيخ الأزهر".

وأوضح هلال، أن "الموافقة على أمر كهذا بمثابة انتكاسة فقهية لن تمحى من التاريخ، لأنه منذ البعثة المحمدية والزواج والطلاق بكلمة".

ومضى يقول: "لطالما كان قانون الأحوال الشخصية الحائط الذي تميل عليه الأنظمة لتمرير تشريعات مريبة، ولا ننسى الصدام الشهير بين شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود والرئيس أنور السادات بسبب (قانون جيهان) عندما أرادت قرينته تمرير أمور مخالفة للإسلام، فتصدى لهم الشيخ، ورضخت الدولة لحكمه آنذاك". 

وأكد هلال أن "التعديلات المزمع إقرارها في القانون في مجملها مدمرة للأسرة المصرية المسلمة، وتساعد على صد الشباب عن الزواج، مع العادات المجتمعية المذمومة أصلا مثل المغالاة في المهور، وبالتالي سترتفع نسبة العنوسة، وتزيد حالات الطلاق". 

أما المحامي بالنقض إبراهيم عز الدين، فرأى أنه "لا يمكن عرفا ولا دستورا إقرار تعديلات قانون الأحوال الشخصية بمعزل عن مؤسسة الأزهر، لأن الدستور أعطى لها الحق الكامل في مناقشة وتعديل القوانين التي تمس الشريعة الإسلامية، وأهمها الأحوال الشخصية". 

وأضاف لـ"الاستقلال"، "من الناحية القانونية فإنه من حق السلطة التشريعية (البرلمان) مناقشة تعديل أي قانون، لكن الأهم أن يحوز موافقة جميع الهيئات، ولا يتعارض مع الثوابت المجتمعية والدينية، وأن يحقق المصلحة العامة للمواطنين". 

واستطرد: "يجب أن تراعي التعديلات الجديدة أن مصر مقبلة على كارثة بارتفاع حالات الطلاق، حتى وصلت إلى حالة طلاق في كل دقيقتين كما ذكرت بعض الإحصائيات، ونحن كمحامين نرى حجم القضايا بين الأزواج ما بين اعتداء إلى خلع إلى تبديد قائمة (أثاث المنزل) إلى حضانة أطفال، وبالتالي نحتاج إلى تخفيف القيود ووضع المسؤوليات، لا زيادة الأعباء وتعقيدها".

وطالب المحامي المصري: "بضرورة أن تنظر جهات التشريع إلى طبيعة المجتمع فنحن لسنا أوروبا ولا الغرب، وطبائعنا مختلفة، وكذلك الوضع الاقتصادي والتعليمي لشرائح المجتمع متفاوتة".

 وختم بالقول: "فخلق تعقيدات في تلك القوانين الحساسة، قد يتسبب في ارتفاع حالات الجرائم الأسرية، ويؤدي إلى عزوف عن منظومة الزواج ككل".