زاد الدولار وانخفض الاقتصاد.. هل كان رفع الفائدة بمصر خيارا صحيحا؟
جاء قرار رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة للمرة الثانية منذ بداية عام 2022، لكبح جماح التضخم المتصاعد بوتيرة سريعة، في وقت يعاني فيه اقتصاد البلاد من أزمات هيكلية مختلفة، بينها تنامي الدين الخارجي، فضلا عن المعضلات الخارجية كأزمتي الغذاء والطاقة.
وقرر البنك المركزي، في 19 مايو/ أيار 2022، رفع الفائدة 200 نقطة أساس، لتصبح 12.25 بالمئة للإقراض و11.25 بالمئة للإيداع، بالتزامن مع إعلان بلوغ معدل التضخم السنوي 14.9 بالمئة خلال أبريل/ نيسان 2022، بفعل ارتفاع أسعار كافة السلع تقريبا.
وعلى الرغم من سياسات البنك المركزي المصري إلا أن سعر صرف الجنيه المصري تراجع مجددا أمام الدولار ليسجل 18.53 جنيها للشراء و 18.64 جنيها للبيع في البنك المركزي نفسه في 25 مايو، ليسجل أعلى مستوى وصل إليه منذ خفض سعر الصرف في 21 مارس/آذار 2022.
وفي 27 مايو 2022، أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تغيير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، وذلك على الرغم من تثبيت تصنيفها للدولة عند B2 دون أي تغيير.
وقالت "موديز"، إن النظرة المستقبلية السلبية تعكس المخاطر الجانبية المتزايدة لقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية.
وارتفع الدين الخارجي المصري إلى أكثر من 145 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي 2021/2022 أي مع نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، فيما توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، أن يصل إجمالي الديون السيادية لمصر مع نهاية 2022 إلى 391.8 مليار دولار، واصفة ذلك بـ"الكارثة".
وبينما يروج خبراء ومحللون لفكرة أن رفع الفائدة شر لا مفر منه في ظل مواصلة الفيدرالي الأميركي رفع الفائدة، يرى آخرون أن ما يفعله البنك المركزي المصري استسهال خاطئ لا يناسب ظروف مصر الاقتصادية والاجتماعية.
تداعيات الفائدة
ويتبع النظام المصري سياسة المسكنات في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، ولطالما كان موقفه رد فعل وليس فعلا، فبدلا من العمل على تقويم الموارد الاقتصادية المحلية وخلق موارد ذاتية قادرة على الاعتماد عليها وقت الأزمات، يعتمد على نهج تقليدي يضيف مزيدا من الأعباء.
وبحسب الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، فإن رفع سعر الفائدة بنحو 3 بالمئة منذ مارس/ آذار 2022، والتي بدأت برفع الفائدة بنحو 1 بالمئة ثم زيادتها بنحو 2 بالمئة في مايو، يأتي في ضوء تصور صانع السياسة النقدية أنه يتخذ هذه القرارات من أجل مواجهة ارتفاع معدلات التضخم.
وأضاف الصاوي، لـ"الاستقلال"، أن العمل بهذا المفهوم في ظل انخفاض سعر العملة المحلية من الممكن أن يكون صحيحا من وجهة نظر السياسة النقدية، إلا أن دلالته على بقية مكونات السياسة الاقتصادية سلبية.
وتابع: "فمثلا رفع سعر الفائدة بالنسبة للمنتجين الذين يعتمدون على التمويل من الجهاز المصرفي يعني تأثرهم سلبا، حيث يسهم ذلك في رفع تكلفة التمويل، ما يعني رفع تكلفة الإنتاج، ما سيضعف بشكل كبير القدرة التنافسية للمنتجات المصرية سواء في السوق المحلي أو الخارجي".
ولفت الصاوي، إلى أنه من الممكن أن يصب هذا القرار في صالح المدخرين ويدفعهم لادخار أموالهم نظير ارتفاع سعر الفائدة على المدخرات، إلا أنه يرى أن مصلحة المدخر تتوقف على معدل التضخم الذي في حال تجاوز سعر الفائدة فبالتالي سيكون هناك نتيجة سلبية على المدخرين.
وزاد: "هذا ما يحدث الآن بالفعل نظرا لأن معدل التضخم مع نهاية أبريل بلغ 14.9 بالمئة، ومع ارتفاع أسعار الغذاء وأسعار الطاقة في السوق الدولية التي تنعكس على مصر سيكون هناك معدلات تضخم أعلى من سعر الفائدة، وبالتالي رفع سعر الفائدة لن يحقق أهدافة".
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي أحمد ذكرالله، أن رفع سعر الفائدة له العديد من الآثار، لكن الأثر الأكبر هو جمع السيولة النقدية الموجودة في أيدي الفئة العريضة من الناس نتيجة هذا الارتفاع وتوجيهها إلى القطاع المصرفي.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن هذا الأمر يتسبب في انكماش القدرة الشرائية لهذه الفئة العريضة من الجماهير، وبالتالي يحدث نوعا ما من الركود داخل الاقتصاد المصري في وقت يعاني فيه الاقتصاد بالأساس من انكماش كبير خلال السنوات الماضية.
وتابع ذكر الله: "وبالتالي هذه القرارات ستعمق من حالة الركود التي يعانيها الاقتصاد بصفة عامة لا سيما في ظل ارتفاع معدلات التضخم بصورة كبيرة جدا خلال الفترة الأخيرة".
رؤية غائبة
وعلى الرغم من تلك التداعيات التي يفرضها رفع سعر الفائدة على الاقتصاد المصري، إلا أن البنك المركزي يواجه تحديات عديدة ما بين ضرورة الحفاظ على سعر صرف العملة المحلية والحفاظ على وجود سيولة دولارية، وما بين تخفيف الأعباء على الداخل ودعم المنتجين المحليين.
ويأتي ذلك نتيجة اعتماد الاقتصاد المحلي على الخارج الذي يوفر له نحو 70 بالمئة من احتياجاته، فضلا عن عدم وجود مصادر دولارية كافية لتغطية احتياجات البلاد، ما جعل الأموال الساخنة، التي لا يجب الاعتماد عليها، مصدرا أساسيا للمدخلات الدولارية.
إلا أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة عالميا وبخاصة من قبل الفيدرالي الأميركي، الذي رفع سعر الفائدة منذ بداية العام بنحو 0.75 بالمئة، فإن أصحاب الأموال الساخنة بدؤوا في الخروج من الأسواق النامية مثل مصر، ما أحدث أزمة في السيولة الدولارية، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي تضيف أعباء تضخمية.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في تصريحات لقناة "سي إن بي سي عربية"، منتصف مايو 2022، إن "حجم الأموال الساخنة التي خرجت من مصر منذ بداية العام وصل إلى 20 مليار دولار".
ويرى الصاوي، أن أمام البنك المركزي المصري تحديا كبيرا يتمثل في رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي الذي يدفع جزءا كبيرا من الأموال الساخنة للخروج من مصر بحثا عن الأرباح في السوق الأميركية .
ويشير إلى أنه في حال شهدت السوق الأميركية مزيدا من رفع سعر الفائدة خلال الفترة القادمة سيكون البنك المركزي مضطرا لرفع سعر الفائدة مرة ثانية لإغراء أصحاب الأموال الساخنة وإبقائهم في السوق المصري.
ويوضح أن سبب حرص البنك المركزي على إبقاء الأموال الساخنة في السوق المصري هو اعتماده على الموارد المتحققة منها لتحقيق توازن في احتياطي النقد الأجنبي، وكذلك في بقاء سعر الصرف عند معدلات محددة.
ولمواجهة تلك التحديات، يقول الصاوي، إنه على البنك المركزي، كونه أحد مكونات السياسة الاقتصادية، أن يكون هناك تنسيق بينه وبين السياسات الإنتاجية والمالية، وكذلك السياسات المعنية بالتوظيف والاستثمار، حتى يتم الوصول إلى وضع يتحقق فيه أكبر قدر من المصلحة لجميع المساهمين في النشاط الاقتصادي، وليس فقط ما يتعلق بالبنك المركزي.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري، في 17 أبريل 2022، أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر حقق أدنى مستوى له في آخر خمس سنوات خلال عام 2021، إذ سجل نحو 5.1 مليارات دولار مقابل 5.9 مليارات دولار في 2020، بتراجع بلغ 12.5 بالمئة.
استسهال خاطئ
بدوره، يرى ذكر الله أن رفع سعر الفائدة لم يكن مناسبا الآن، لأنه أداة تحدث عندما يكون التضخم من جانب الطلب ولكن ما يحدث حاليا هو أن التضخم مستورد من الخارج، وبالتالي فعالية أدوات السياسة النقدية ستكون منقوصة بحد كبير في هذا الإطار.
وأشار إلى أن البنك المركزي ليس لديه بدائل كثيرة، وأنه كان يجب تثبيت سعر الفائدة في حال كان المستهدف الرئيس للمركزي خفض التضخم، لكن مستهدف المركزي بشكل رئيس كان إبقاء جزء ولو يسير من الأموال الساخنة التي عادت إلى ملاذاتها الآمنة بعد رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وكان البنك الأهلي المصري وبنك مصر، وهما أكبر بنكين حكوميين في البلاد، قد طرحا شهادة ادخار بسعر عائد سنوي 18 بالمئة لمدة عام، بعد أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة 1 بالمئة خلال مارس 2022، ما دفع البعض بتوقع طرح شهادات ذات عائد أعلى مع رفع الفائدة مرة أخرى خلال مايو.
ويعتقد ذكر الله، أن مصر لن تطرح شهادات أعلى من 18 بالمئة، لأن البنك المركزي كان يستبق الأحداث حينها بتلك الشهادات لكي يقطع الطريق أمام عمليات الدولرة التي تحدث للاقتصاد كنتيجة لرفع سعر الفائدة وانخفاض قيمة الجنيه.
ويرجع بعض الاقتصاديين صعوبة طرح شهادات ذات عائد أعلى من الـ18 بالمئة إلى أن اتخاذ قرار كهذا يعني تحميل ميزانية الدولة التي تعاني بالأساس مزيد من الأعباء.
وفي خضم تلك المعطيات يظل المواطن المصري هو من يتحمل قرارات السياسات الاقتصادية، التي تصنعها الحكومة، والتي لا تراعي أصحاب الدخل المحدود في القطاع العام أو الخاص، فضلا عما تحمله تلك القرارات على أصحاب القطاع الخاص.
ويرى الصاوي، أنه في إطار رفع سعر الفائدة، من الصعب أن نتحدث عن المواطن بشكل عام، ولكن ينبغي تحديد كل فئة من الفئات المتعاملة في ضوء السياسة النقدية الراهنة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات:
ويضيف: الفئة الأولى تتمثل في المدخرين، ويحقق قرار رفع سعر الفائدة بعض مصالحهم وليس كلها، لأنه كما ذكرنا أنه في حالة سعر الفائدة أعلى من معدل التضخم فسيكون سعر الفائدة في صالح المدخرين لكن إذا ظل سعر الفائدة أقل من معدلات التضخم فسيبقى المدخرون متضررين.
ويتابع الخبير الاقتصادي: أما إذا نظرنا إلى الفئة الثانية والتي تتمثل في المستثمرين الذين يعتمدون على التمويل المصرفي في نشاطهم الاقتصادي، فهم متضررون لأن ارتفاع سعر الفائدة يعني ارتفاع معدلات التكلفة، وسينتقل التضخم من حالة الطلب إلى حالة العرض.
ويردف الصاوي: وأخيرا الفئة الثالثة وهي الأكثر تضررا والمتمثلة في المستهلك، فهو من يتحمل بالأخير نتائج كل السياسات الاقتصادية من ارتفاع معدلات التضخم والفائدة وانخفاض قيمة العملة، لذا نجد خلال الفترة الماضية تصاعد شكوى المواطنين من موجات الغلاء.
ويوضح الصاوي، أن من سيتضرر بشكل كبير هم الفئات ذات الدخول الثابتة من الموظفين سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، مشيرا إلى أنه إذا كان القطاع الخاص لديه نسبة من المرونة في رفع الرواتب، فإن هذه النسبة للحكومة تكون مساحتها محدودة بين 7 إلى 10 بالمئة في الزيادة السنوية، "وهي زيادة لا تحقق تعادلا في الموازنة بين الأسعار والأجور".
وكان رئيس النظام عبدالفتاح السيسي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه مصري (145 دولارا)، بالتزامن مع بلوغ معدلات التضخم نحو 6.5 بالمئة في يناير/كانون الثاني 2022، في حين أنه ما زال هذا الحد الأدنى عند نفس المستوى، إلا أن معدل التضخم وصل إلى 14.9 بالمئة وما زال في تزايد.
وبقسمة هذا الراتب على متوسط عدد أفراد الأسرة المصرية 5 أفراد، نجد أن نصيب الفرد في كل أسرة نحو 29 دولارا أي متوسط 0.96 دولار يوميا.
أي عند حدود مؤشر الفقر المدقع العالمي التي حددها البنك الدولي بأقل من 1.90 دولار يوميا للفرد، وبالتالي فإنه مع تزايد معدلات التضخم أكثر فإن المواطن المصري يسير نحو أزمة أشد قسوة مما يعيشها الآن.
بدوره، قال ذكر الله، إن المواطن المصري ما زال هو ضحية السياسات غير المدروسة من قبل الحكومة، فهو من تحمل تبعات برنامج الضبط المالي من صندوق النقد الدولي بالسنوات الأخيرة، ويتحمل الآن ما يحدث من تبعات جديدة، لذا من المتوقع سقوط ملايين المواطنين تحت خط الفقر.
المصادر
- البنك المركزي المصري يرفع الفائدة على الإيداع والإقراض
- مصر.. التضخم يقفز لأعلى مستوى منذ 40 شهرا.. وخبراء يعلقون
- "موديز" تؤكد تصنيف مصر عند B2.. وتغيّر نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية
- رئيس الوزراء: 20 مليار دولار حجم الأموال الساخنة التي خرجت من مصر منذ بداية العام
- الاستثمار الأجنبي المباشر يحقق أقل مستوى في 5 سنوات (جراف)
- الدين الخارجي لمصر يرتفع 6% إلى 145 مليار دولار