قانون "تجريم التطبيع".. كيف يهدد علاقة العراق مع أميركا وبريطانيا؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تسارع عدد من الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، صوت البرلمان العراقي في 26 مايو/ أيار 2022 لصالح مقترح قانون "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني"، الذي قدمته "الكتلة الصدرية" وحلفاؤها.

لكن القانون، أثار حفيظة دول غربية، ما فتح الباب واسعا أمام تساؤلات عن مستقبل العلاقة بين بغداد والغرب، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين أظهرتا موقفا متشددا من هذه الخطوة التي يراها كثيرون أنها موجهة في الأصل للداخل.

إذ يتهم تحالف "الإطار التنسيقي" الشيعي الذي تنضوي به جميع التشكيلات السياسية والعسكرية الموالية لإيران، التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) بأنه مدعوم من محور التطبيع مع إسرائيل، الأمر الذي ينفيه مقتدى الصدر وحليفاه من السنة والأكراد.

وتأتي هذه الاتهامات في ظل انسداد سياسي يشهده العراق، إذ يصر التحالف الثلاثي على تشكيل حكومة أغلبية تقتصر على الكتل الفائزة بالانتخابات، فيما يطالب "الإطار التنسيقي" بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية كما جرت العادة.

غضب غربي

وأقر البرلمان العراقي القانون بإجماع الحاضرين (دون ذكر العدد)، وينص على عقوبات، تصل إلى إعدام من يروج لـ"مبادئ الصهيونية، بما في ذلك الماسونية، أو ينتسب لأي من مؤسساتها، أو يساعدها ماديا أو أدبيا، أو يعمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها".

ومنذ احتلال الصهاينة أرض فلسطين عام 1948، لا يقيم العراق أي علاقات مع إسرائيل، وترفض الحكومة وأغلبية القوى السياسية الحالية التطبيع معها، فيما تقيم 6 دول- من أصل 22 دولة عربية- علاقات معلنة مع دولة الاحتلال هي: مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وغداة المصادقة على القانون، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في بيان، إن "الولايات المتحدة تشعر بانزعاج كبير من إقرار البرلمان العراقي قانونا يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

وأضاف أن "هذا القانون يعرض حرية التعبير للخطر ويعزز بيئة معادية للسامية، كما أنه يتناقض بشكل صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق من خلال بناء الجسور مع إسرائيل، وتطبيع العلاقات معها وخلق فرص جديدة للناس في مختلف أنحاء المنطقة".

وتابع المتحدث الأميركي: "ستواصل الولايات المتحدة دورها كشريك قوي وثابت في دعم إسرائيل، من خلال دعمها لتوسيع العلاقات مع جيرانها في السعي لتحقيق المزيد من السلام والازدهار للجميع".

وبلهجة أشد من الأولى، انتقد المتحدث باسم الشؤون الخارجية في مجلس النواب البريطاني ديفيد لامي، خلال بيان صحفي في نفس اليوم، تشريع البرلمان العراقي لهذا القانون، ناعتا إياه بـ "القانون المروّع"، وداعيا حكومة بلاده إلى ردع العراق.

وقال لامي إنه "لأمر مثير للقلق، بشكل لا يصدق، أن البرلمان العراقي قد أصدر قانونا يجرم، بل ويهدد بالقتل أولئك الذين لديهم علاقات مع إسرائيل". 

وأضاف المتحدث البريطاني: "يجب على الحكومة البريطانية أن تستخدم ثقلها الدبلوماسي بشكل عاجل لردع العراق عن هذا القانون المروع".

أبعاد داخلية

وتعليقا على ذلك، أوضح الباحث العراقي في الشأن السياسي لطيف المهداوي، إلى أن "أبعاد هذا القانون سياسية داخلية تتعلق بمناكفات واتهامات".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن هذه الاتهامات "تطلقها قوى موالية لإيران تجاه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني، بأنهما يسعيان إلى التطبيع مع إسرائيل، وهذان الطرفان حلفاء التيار الصدري، لذلك عمد الأخير لاقتراح القانون وإقراره بالبرلمان".

وتابع: "للقانون أيضا تداعيات خارجية، إذ إن الولايات المتحدة وبريطانيا هما من يتبنيان منهج التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وهم من أسقطا نظام صدام حسين وجاءا بالقوى السياسية التي تحكم العراق اليوم، لذلك الأمر يعد ضربة جديدة لهاتين الدولتين".

وأعرب المهداوي عن اعتقاده بأن لندن وواشنطن قد يعمدان إلى فرض عقوبات على شخصيات سياسية موالية لإيران ووضع مزيد من القيود على تحركاتها وتعاملاتها المالية، وربما حتى المجال العسكري، فقد تقيد واشنطن ضخ السلاح والمعدات للعراق.

ولفت إلى أن "العلاقات الخارجية للعراق لابد أن تتأثر، ليس مع الدول الغربية فحسب وإنما مع الدول العربية التي أعلنت تطبيعها مع إسرائيل، رغم أن القانون الجديد لم يتطرق إليها وهذا أمر مستغرب وإحدى المؤاخذات التي أشار إليها العديد من السياسيين".

من جانبه، قال النائب السابق بالبرلمان كامل الدليمي على حسابه بموقع "تويتر" في 26 مايو، إنه "بعد التبرئة من تنظيم الدولة وأفعاله تأتي تبرئة الكرد والسنة من تهمة ملصقة بهم منذ فترة ليست بالقصيرة بعد التصويت على هذا القانون".

وتساءل الدليمي، قائلا: "ثم ماذا بعد قانون الحظر!! هل اطمأن الشركاء السياسيون أن لا تطبيع مع الكيان الغاصب والذهاب لحل مشكلة تشكيل الحكومة أم افتعال المشاكل قائم؟"

اتفاقيات حاكمة

وفي السياق، قال المحلل السياسي العراقي، الدكتور عدنان السراج خلال تصريحات صحفية في 28 مايو، إن "العلاقات الأميركية العراقية مقرونة بالاتفاقية بين الطرفين، ولعل أهمها اتفاقية التعاون الإستراتيجية".

وأضاف أن "الولايات المتحدة ما زالت ترى أن العراق تحت نفوذها، ويجب أن تحصد نتائج احتلالها للعراق، وهي لا تريد إعادة الفشل في سياستها بأفغانستان وبقية البلدان التي انسحبت منها".

واستبعد السراج أن "تتأثر الولايات المتحدة بعناوين هذا القانون العراقي وتخوض في حرب البيانات أو في مجالات التطبيق العملي للعراق في هذا الموضوع؛ لأن القانون سيأخذ بعدا عمليا أكثر من الإجراءات التي لا ترتقي إلى مستوى التطبيق بشكل عام".

وأشار إلى أن "العراق سبق أن أصدر قرارا بإخراج القوات الأميركية عام 2020، وأن الولايات المتحدة أصدرت بيانا أوضحت فيه أن قواتها هم عبارة عن مستشارين وليسوا قتاليين، وبعدها أعلنت خروج قواتها بأعداد محدودة".

وتابع: "لذلك فالمناورة والمراوغة للسياسة الأميركية تجاه العراق واضحة، لكنها لا ترتقي إلى مستوى قطع العلاقات أو التصعيد تحت أي عنوان".

ومضى يقول: "بالنسبة للعراقيين، فإن البيان بشكل عام يعد على مستوى الحدث العربي شيئا جديدا، لكن على مستوى التطبيق الواقعي يحتاج إلى جهد كبير وإمكانيات كبيرة".

وأرجع ذلك إلى أن "هناك فعلا من العراقيين من يفتح علاقاته مع إسرائيل، ويمهد لها الأجواء في مناطق مختلفة من شمال العراق، ومناطق أخرى قامت بزيارات ولقاءات ولديها سياسة حسن نوايا مع إسرائيل".

وأشار السراج إلى أن "أميركا لديها نفوذ وعلاقات مع قوى سياسية، وأن هذه القوى تعمل ضمن السياسية الأميركية وبالتأكيد هذا القانون لا يروق لها، لكن الأخير حدد مسارات الحكومة العراقية أكثر من تحديد مسارات القوى السياسية العراق".

ورأى السراج أن "العلاقات الأميركية العراقية لا تتأثر بمثل هذه القوانين، لأن المجالات العملية محدودة والعراق بشكل عام ضد إسرائيل، لكن هناك محاولات لجر المنطقة إلى سياسة التطبيع، وهذا الذي تأثرت به البيانات الأميركية والإسرائيلية والبريطانية، لأن مشروع التطبيع واجه نكسة بقرار العراق".

فيما نقلت وكالة الأنباء العراقية عن الخبير القانوني والأكاديمي ماجد مجباس في 27 مايو، قوله إن "قانون تجريم التطبيع من مشاريع القوانين المهمة لهذه المرحلة".

وأضاف أن "المشرع العراقي ومنذ بداية وجود هذا الكيان الغاصب لم يعترف به على المستوى الدولي لأنه مع حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

وأوضح أن قانون العقوبات العراقي في المادة 201 يشير "بشكل صريح إلى تجريم كل أشكال التعاون مع هذا الكيان والتعامل معه والترويج له وتحبيب مبادئه ومنع أي تعامل أدبي أو علمي أو غيره".

كما نقلت الوكالة العراقية، عن الخبير القانوني، علي التميمي، قوله إن "قانون تجريم التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني الذي صوت عليه البرلمان (...) يسري على العراقيين ومؤسسات الدولة والعسكريين والمحافظات والأقاليم ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني".

ولفت التميمي إلى أن "المادة الثانية منه تنص على أن القانون يسري على العراقيين داخل العراق وخارجه بما فيهم المسؤولون وموظفو الدولة والمكلفون بخدمة عامة من المدنيين والعسكريين والأجانب المقيمين داخل العراق".

كما يسري على "مؤسسات الدولة كافة وسلطاتها الاتحادية والهيئات المستقلة وحكومات الأقاليم ومجالسها البرلمانية ودوائرها ومؤسساتها كافة والشركات الخاصة والمؤسسات الأجنبية والمستثمرين والعاملين في العراق"، وفق التميمي.