"افتح يا قمح".. كلمة سر مغارة بوتين في سوريا لتخزين مسروقاته من أوكرانيا

12

طباعة

مشاركة

كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن استخدام موسكو لسوريا كباحة خلفية لها تستفيد من موقعها الإستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط في معركتها الجديدة مع الغرب.

فبعد المناورات والتدريبات للبحرية الروسية على شواطئ طرطوس وتجنيد مرتزقة سوريين للقتال في أوكرانيا، اتهمت كييف موسكو بسرقة الحبوب الأوكرانية ونقلها إلى الموانئ السورية.

وأفادت وزارة الدفاع الأوكرانية، في 11 مايو/ أيار 2022 أن السفن التي ترفع العلم الروسي والمليئة بالحبوب الأوكرانية المسروقة تنقل البضائع المنهوبة إلى سوريا.

تخزين بسوريا

وأوضحت مديرية المخابرات الرئيسة بوزارة الدفاع الأوكرانية، أن السفن وصلت بالفعل إلى البحر الأبيض المتوسط، وأنه من سوريا قد يجرى تهريب الحبوب إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، فإن مصر رفضت مطلع مايو استقبال سفينتين روسيتين تنقلان قمحا أوكرانيا مسروقا.

وقدرت وزارة الدفاع الأوكرانية حتى مايو 2022 سرقة 400 ألف طن من الحبوب منذ الغزو الروسي فجر 24 فبراير/شباط من ذات العام.

بدورها أكدت وكالة "أسوشيتيد برس" الأميركية، أن سفينة شحن روسية ضخمة محملة بالحبوب الأوكرانية المسروقة، ظهرت في صور أقمار صناعية راسية أمام الشواطئ السورية باللاذقية.

وبحسب مسؤولين أوكرانيين، فإن شركة نقل البضائع الروسية "ماتروس بوزينيتش" نقلت شحنة تزن 27 ألف طن من الحبوب المسروقة إلى القرم، ثم حملتها إلى اللاذقية.

وكانت القوات الروسية أعلنت في 17 يناير/كانون الثاني 2022 مشاطرتها لإيران في السيطرة على ميناء اللاذقية أهم مرفق حيوي سوري على المتوسط.

وجاء ذلك بالتزامن مع رعاية موسكو حينها توقيع "جمهورية شبه جزيرة القرم" التي ضمتها روسيا إليها عام 2014، اتفاقيات تعاون جديدة بشأن الموانئ مع النظام السوري في التاريخ المذكور آنفا.

وطالبت السفارة الأوكرانية في تركيا حكومة أنقرة بمنع شحنات الحبوب المسروقة من عبور مضيق البوسفور الذي يصل إلى قاعدة طرطوس البحرية التي استأجرتها روسيا من النظام السوري عام 2017 لمدة 49 عاما.

فمنذ غزو أوكرانيا، أصبحت خريطة القمح في العالم وخصوصا الدول العربية هي الأكثر تداولا، في محاولة لتدشين منافذ جديدة يمكن الاعتماد عليها مستقبلا لسد النقص بعد تعثر الإمدادات القادمة من روسيا وأوكرانيا.

وبات تأمين الدول حصصها السنوية من احتياجات القمح الذي كان يستورد من أوكرانيا شبه معقد.

وترفض موسكو الاستجابة لمناشدة الأمم المتحدة لفتح موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود حتى يمكنها تصدير الحبوب، وربطت ذلك برفع العقوبات التي أقرها الغرب عليها ردا على اجتياح جارتها.

وبات شراء المزيد من القمح الروسي محكوما بمشكلات السداد المرتبطة بالعقوبات، المفروضة على البنوك الروسية وارتفاع أقساط التأمين على الشحن.

تخوف عربي

ولهذا أصبحت خيارات بعض الدول العربية محدودة، فعلى سبيل المثال وافقت مصر في الآونة الأخيرة على شراء القمح الهندي لأول مرة على الإطلاق.

وكانت الهند وهي ثاني أكبر دولة منتجة للقمح بالعالم، أعلنت في 14 مايو حظر تصدير القمح بدون إذن حكومي خاص؛ بسبب تراجع إنتاجها جراء موجات الحر التي قلصت فرص الحصاد.

ومع ذلك لجأت دول عربية عدة للتعويل على إنتاجها المحلي من القمح لتأمين الحصة التموينية حتى نهاية 2022 مع استمرار صعود أسعاره في العالم وقلة الإمدادات.

وتعد أوكرانيا وروسيا مصدرين لثلث صادرات القمح والشعير العالمية، وتذهب 60 بالمئة منها إلى الدول العربية.

 إلا أن الصادرات الأوكرانية تراجعت بعد العملية العسكرية الروسية، جراء إغلاق موانئها وتدمير بنيتها التحتية المدنية وصوامع الحبوب، بحسب وكالة "أسوشييتد برس".

وأوكرانيا صنفت رابع أكبر مصدر للحبوب في العالم في موسم 2020-2021 وفقا لبيانات مجلس الحبوب الدولي.

إذ جرى شحن معظم سلعها عبر البحر الأسود، وتجاوزت صادراتها من الحبوب خمسة ملايين طن شهريا قبل الحرب.

وإلى الآن لم تستهدف العقوبات الغربية على روسيا صادراتها من القمح، إلا أنها حظرت المعاملات بالدولار واليورو مع كبار البنوك الروسية، الأمر الذي جعل تمويل التجارة أكثر صعوبة.

وحتى 19 مايو، بلغ سعر طن القمح 453 يورو، في ضوء التوقعات العالمية الأميركية الجديدة بانخفاض إنتاج القمح الأوكراني بمقدار الثلث لعام 2022-2023.

وارتفع سعر القمح منذ أشهر إلى مستويات غير مسبوقة في الأسواق العالمية. وزاد سعره بنسبة 40 بالمئة خلال ثلاثة أشهر، وسط قلق في الأسواق نتيجة مخاطر الجفاف في جنوب الولايات المتحدة وغرب أوروبا.

غسيل القمح

محاولة غسيل القمح الذي تسعى إليه روسيا عبر سوريا التي تدخلت فيها عسكريا عام 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، يؤكد توريط الأخير في التصعيد الحاصل ضد أوكرانيا.

ووفقا لأرقام حكومية يقدر إنتاج محصول القمح بسوريا لموسم 2022 بين مليون ومليون و250 ألف طن.

ويطمح نظام الأسد لشراء مليون طن من كمية القمح المطروحة في السوق السورية بشكل عام.

لكن هذه الكمية لا تلبي حاجة مناطق نفوذ النظام التي تحتاج لأكثر من مليوني طن من أجل الخبز فقط، ما يضطر الحكومة إلى الشراء.

وأعلن المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب، عبد اللطيف الأمين، في 30 مارس/آذار 2022، عن وجود عقود لتوريد القمح من روسيا ستصل عن طريق مرفأي اللاذقية وطرطوس.

وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي والباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، كرم شعار، أن شحنات القمح الأوكراني المسروق الذي يجري الحديث عن وصوله لشواطئ سوريا هو "عبارة عن طوق نجاة للنظام".

وأضاف لـ "الاستقلال"، أن "النظام السوري يعاني من صعوبة منذ بداية الثورة عام 2011 في تأمين القمح وهو بحاجة لما قد يتجاوز لـ 1,2 مليون طن لسد حاجته".

وأشار الأكاديمي إلى أن "المشكلة الكبيرة التي يواجهها النظام هي عدم توريد شحنات القمح، ولا سيما أن الهند أوقفت الشحن وارتفعت الأسعار بشكل جنوني في ظل عدم توفر الأموال لدى النظام".

ويذهب مراقبون للقول إن روسيا تريد جعل شواطئ البحر المتوسط المطلة على سوريا، والتي تسيطر عليها "سوقا خلفية وغير نظامية أو معلنة لتجارة الحبوب" المنهوبة من أوكرانيا.

وبين هؤلاء أن المستفيد الأكبر من ذلك هو الدول العربية، التي دقت ناقوس الخطر وأعلن كثير منها أن مخزونها من القمح يكفي لشهرين أو ثلاثة مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأقرب الدول المجاورة لسوريا كلبنان يستورد من الخارج معظم حاجته من القمح البالغ سنويا 600 ألف طن، في وقت يبلغ فيه الإنتاج المحلي 120 ألف طن سنويا، لكن هذا النوع لا يستخدم لصناعة رغيف الخبز العربي إنما لإنتاج البرغل والسميد.

وبحسب وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، فإن 60 بالمئة من القمح المستهلك محليا يأتي من أوكرانيا والباقي من روسيا ورومانيا.

وأشار في وقت سابق أنه "في حال تعذر استيراد القمح من أوكرانيا فسنلجأ لمصادر أخرى".

عقبات قانونية

وهذه الخطوة الروسية المدروسة لتخزين الحبوب المسروقة بمواقع نفوذها بسوريا، ستمكنها مستقبلا من استخدامها كورقة مع اشتداد العقوبات الغربية عليها وزيادة عقدها وتشابكاتها.

لكن حتى هذه الالتفافة التي ترسم لها موسكو، ستواجه كما يرى كثير من المراقبين بعقبات قانونية لن تنجح في تجاوزها، وبيع الحبوب بالطرق النظامية المتبعة عالميا.

بل ستلجأ موسكو عبر النظام السوري إلى الطرق المشبوهة وتجار مخصوصين وليس بشكل رسمي لبيع الحبوب المسروقة وتصريفها.

وكان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قال، إن "روسيا مجرمة ثلاث مرات، قصفت سوريا وحولتها لأنقاض واحتلت جزءا من أوكرانيا وتبيع حبوبا أوكرانية مسروقة إلى سوريا".

وأضاف كوليبا خلال تصريحات صحفية في 13 مايو 2022 أن "كل من يشارك في نقل وبيع الحبوب التي استولت عليها روسيا في المناطق المحتلة من البلاد سيواجه عواقب قانونية دولية مناسبة".

وهذا ما يلفت إليه الأكاديمي والخبير الاقتصادي أسامة القاضي بقوله لـ "الاستقلال"، إنه "ليس من السهل على روسيا أن تجد دولة أو جهة تستطيع شراء قمح غير معروفة أصوله أو وجود أوراق قانونية تثبت ملكيته".

وألمح القاضي وهو رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، إلى أن "الدول التي ستشتري هذا القمح المسروق ستدخل في مشاكل مع الغرب والولايات المتحدة وربما يصبح من الصعب تجنب العقوبات الاقتصادية عليها".

وبين أنه "ليس هناك مكان أفضل من شواطئ طرطوس وبانياس واللاذقية التي تسيطر عليها روسيا بسوريا لتخزين القمح الأوكراني المسروق، حتى تتمكن موسكو من بيعه أو تقديمه لأي جهة صديقة لها كهدية".

وأردف قائلا: "على سبيل المثال فإن روسيا تريد أن تظهر بمظهر المنقذ لسوريا في مسألة القمح رغم أنه ليس روسيا بل مسروقا من الموانئ الأوكرانية".

وذهب القاضي للقول: "الخطوة الروسية لنقل الحبوب المسروقة لسوريا تدل على عدم وجود سيادة سورية حقيقة على الأرض، وأن لموسكو اليد الطولى في هذا البلد".