متابعة وجوه الضحايا في فيديو مذبحة التضامن.. اختبار مؤلم للبحث عن المفقودين
أكدت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن أمل عائلات المفقودين في سوريا تبخر بعد تداول مقطع فيديو يظهر إعدام عدد من الأسرى على يد قوات نظام بشار الأسد.
وقالت أم لواحد من عشرات الرجال الذين شوهد مقتلهم على يد رجال أمن النظام السوري في مقطع مصور "لقد قتلوه بدم بارد"، فيما لا يزال مكان وجود أكثر من 100 ألف سوري مجهولا.
ويظهر مقطع الفيديو رجلا سوريا معصوب العينين، دفعه رجل أمن النظام قبل أن يقتل بالرصاص ويلقى في حفرة كبيرة مليئة بالجثث في حي التضامن بالعاصمة دمشق.
حزن وخوف
وعلى مدى سنوات، تشبثت عائلة صيام على أمل أن يتم لم شملهم يوما ما مع ابنهم وسيم، الذي يعتقدون أنه محتجز في سجن تابع للنظام بعد أن فقد عند نقطة تفتيش منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية.
وتبخر هذا الأمل في اللحظة التي رأوه فيها في مقطع فيديو تم تسريبه حديثا، حيث كان وسيم من بين عشرات الرجال معصوبي الأعين والمقيدين الذين أصيبوا، واحدا تلو الآخر، برصاص رجال أمن النظام وتم إلقاؤهم في خندق.
وقالت سهام صيام عن مقطع الفيديو المروع الذي تم التقاطه عام 2013 وظهر أواخر أبريل/نيسان 2022: "لقد صدمنا".
وأردفت سهام لوكالة "أسوشيتد برس" في ألمانيا، حيث تعيش الآن مع عائلتها: "لقد قتلوه بدم بارد... لا يمكن لأم أن تقبل رؤية طفلها يتعرض للأذى بهذه الطريقة".
وأثار الفيديو موجة من الحزن والخوف انتشرت بين أسر عشرات الآلاف من السوريين الذين اختفوا خلال الحرب الأهلية الطويلة في بلادهم.
وبعد نشر الفيديو على موقع صحيفة "الغارديان" البريطانية أول مرة، اندفع الآلاف لإجراء مسح دقيق للقطات عبر الإنترنت بحثا عن آثار لأقارب اختفوا.
وحتى مع وقوع فظائع مماثلة في أوكرانيا، مر الاختفاء والمذابح التي دارت في سوريا منذ سنوات دون عقاب، ولم يتم التحقيق فيها إلى حد كبير.
ووصفت عائلات المفقودين الذين تحدثوا إلى "أسوشيتد برس" التعذيب اللامتناهي الذي تعرضوا له يوميا، دون أن يعرفوا مصير أحبائهم.
وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، لوكالة "أسوشيتد برس": "حتى لو لم يظهر أحباء العائلات في الفيديو، فإن الصور المروعة ستبقى محفورة في أذهانهم إلى الأبد، وسيتساءلون عما إذا كانوا قد واجهوا نفس المصير".
وأطلق على شبكة السجون السورية اسم "الصندوق الأسود"، دون أي معلومات عن المحتجزين في الداخل ومن الذي قتل.
وتعهدت سهام وزوجها بمشاهدة الفيديو كل يوم لرؤية اللحظات الأخيرة لابنهما على قيد الحياة وتوديعه.
وتم ختم الفيديو في 16 أبريل 2013، بعد يومين من اختفاء وسيم، وهو أب لطفلين يبلغ الآن 39 عاما، عند نقطة تفتيش قرب مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في ضواحي دمشق.
آثار المذبحة
ويظهر المقطع الذي تبلغ مدته 6 دقائق و43 ثانية أعضاء فرع المخابرات العسكرية 227 سيء السمعة في سوريا مع طابور يضم حوالي 40 سجينا في مبنى مهجور في "التضامن"، إحدى ضواحي دمشق قرب اليرموك.
وخلال معظم فترات الحرب، كانت المنطقة بمثابة خط المواجهة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة.
وكان السجناء معصوبي الأعين وأذرعهم مقيدة خلف ظهورهم، ويقف مسلحو "الفرع 227" واحد تلو الآخر على حافة خندق مليء بالإطارات القديمة، ثم يدفعون أو يركلون الرجال إلى الداخل ويطلقون عليهم النار عندما يسقطون.
وفي لعبة قاسية، قال العملاء للبعض، بمن فيهم وسيم، إنهم سيمرون عبر زقاق للقناصة وعليهم الركض.
ويتساقط الرجال على أجساد أولئك الذين قتلوا قبلهم، وبينما تتراكم الجثث في الخندق، أطلق المسلحون النار على كل من بقي ما يتحرك، ثم أشعلوا النيران في الجثث، على ما يفترض لمحو كل آثار المذبحة.
ووفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، لا يزال 102 ألف و207 أشخاص في عداد المفقودين، بعد أكثر من 11 عاما على بدء الصراع في سوريا.
وشددت الشبكة على أن "المسؤول الأكبر عن حالات الاختفاء القسري هو نظام الأسد، حيث فقد 86 ألفا و792 شخصا، واختفى عدد غير معروف منهم في متاهة السجون الغامضة".
وأكد مواطن تحدث إلى "أسوشيتد برس" أن 25 من أقاربه أخذوا من منازلهم في حي التضامن من قبل عملاء الفرع 227 في يوليو/تموز 2013.
وقال المواطن الذي طلب عدم نشر اسمه: "نحن على يقين من أنهم قتلوا بنفس الطريقة (كما في الفيديو)".
ولفت إلى أن "السكان يعرفون حفرا متعددة في حي التضامن حيث قتل الناس وحرقوا فيما بعد، وقالوا إن عناصر الأمن الذين ظهروا في الفيديو هم من جيران العائلات المفقودة، وكانوا يعرفون بعضهم البعض لأكثر من 30 عاما".
بؤس حقيقي
ومن بين أقارب المفقودين أخت ذهبت للاطمئنان على أسرتها بعد يومين من نقلهم من منزلهم، لكنها لم تعد قط.
ولم تنته مأساة العائلة عند هذا الحد، فبعد بضعة أشهر، ألقي القبض على شقيقها.
وبعد سنوات، ظهرت صورة لجسده المعذب في ملف كبير من الصور والوثائق التي تم تهريبها من قبل المنشق المعروف باسم "قيصر."
وفي رسالة مفتوحة بتاريخ 9 مايو 2022، حثت 17 منظمة حقوقية ومنظمات مجتمع مدني، مجلس الأمن الدولي على بدء تحقيق في عمليات القتل لمحاكمة مرتكبي المجزرة ومن أصدروا الأوامر.
كما شجبوا التقاعس الدولي بشأن الملف السوري، قائلين إنه "سمح للأسد وحلفائه بمواصلة ارتكاب الجرائم ضد الشعب دون عقاب".
ووصفت عائلات المختفين للوكالة الأميركية سنوات القلق والبحث غير المثمر، التي تخللتها موجات من الأمل الكاذب.
وقال أحد هؤلاء ويدعى ماهر، إنه ما زال يأمل أن يكون شقيقه المفقود منذ 2013 على قيد الحياة وأن يطلق سراحه ذات يوم.
وأشار إلى تبدد الأمل في كل مرة يعلن فيها عن إطلاق سراح سجناء ولا يكون شقيقه بينهم.
وقال ماهر: "يحاول المرء التكيف على مر السنين، لكن الجرح ينفتح مرة أخرى مع كل تقرير ينشر".
واختفى شقيقه أثناء إحضاره مساعدات غذائية من وكالة الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، المعروفة باسم "الأونروا".
وأشار ماهر إلى أن "مئات الأشخاص اعتقلوا أثناء ذهابهم لجمع صناديق الطعام، لدرجة أن العديد منهم أصبحوا يعرفون باسم صناديق الموت".
ولفت إلى أنه "على أمل تجنب الاعتقال، كان يرسل الناس كبار السن لأخذ الصناديق، وذهب أخوه أربع مرات؛ وفي اليوم الخامس تم اعتقاله".
وختم ماهر حديثه بالقول: "إذا تأكدت وفاة أخي سيبدأ البؤس الحقيقي حينها".