"دوفدوفان".. قوة مستعربين تشتهر بالمكر والتنكر متهمة بقتل شيرين أبو عاقلة
.jpg)
مستعربون يحملون السكاكين والبلطات، وأحيانا الأسلحة الآلية، ويستخدمون رصاص "الدوم دوم" المحرم دوليا، يطلق عليهم اسم "حرباء الجيش"، لقدرتهم على التنكر، لكن مسماهم الحقيقي داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحدة "دوفدوفان" أو "217".
وعبر ارتدائهم الزي الفلسطيني واستخدامهم مستحضرات المكياج النسائية، نفذوا كثيرا من العمليات القذرة والمهام المعقدة التي لا تستطيع عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي العاديين القيام بها، واتهموا في مناسبات عديدة بجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية.
وأحدث جرائمهم السوداء، ضلوعهم في اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/ آيار 2022، أثناء تغطيتها اقتحام قوات الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية، وفق تقارير عبرية.
مواصفات خاصة
في 12 مايو/ آيار 2022، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، عن تفاصيل تحقيق خاص داخل الجيش الإسرائيلي، تناول مسؤولية عناصر من وحدة المستعربين في جيش الاحتلال (دوفدوفان)، عن اغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة.
وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن التقرير الأولي لجيش الاحتلال أقر بأن عناصر "دوفدوفان"، أطلقوا وابلا من الرصاص في مخيم جنين باتجاه المنطقة الشمالية؛ حيث تواجدت شيرين أبو عاقلة والفرق الصحفية، ما يرجح أن طلقة أصابتها فقتلتها على الفور.
وتأسست "دوفدوفان" وهي كلمة عبرية معناها "الكرز" عام 1986، بمبادرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، وكان حينها قائدا للواء المنطقة الوسطى (الضفة الغربية)، وذلك قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (8 ديسمبر/ كانون الأول 1987).
وكانت خطة تأسيس الوحدة قائمة على رغبة في أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من العمل داخل التجمعات السكانية العربية للحصول على معلومات استخبارية وإحباط المقاومة في بدايتها، وتوجيه ضربات حادة ودقيقة إليها.
وقتها تحدث باراك عن المنطق من وراء هذه الفرقة قائلا: "أريد وحدة يبدو أفرادها كالعرب، يتحدثون مثل العرب، ويركبون الدراجات في قصبة نابلس، وكأنهم في شارع ديزنغوف في تل أبيب، أولئك الأشخاص يمكنهم العمل تحت ذلك الغطاء للوصول إلى أدق المعلومات والقيام بمهام معقدة من اغتيال وهجوم مباغت، دون الحاجة إلى قوات كبيرة ومثقلة بالمعدات".
ويتكون رمز الوحدة من سيف ذي حدين، وهو يرمز وفقا للعقيدة اليهودية إلى مكائد "إيهود بن جيرا" واحد من أبطالهم، في اغتياله لعجلون ملك موآب، وذلك وفقا لكتاب "القضاة" المقدس لديهم، إذ اتخذ "بن جيرا" إجراءات جريئة لإنقاذ شعب إسرائيل، وقرر اغتيال ملك موآب في قصره عن طريق الحيل والمكائد.

شروط الاختيار
وتعد شروط اختيار أغلب عناصر تلك الوحدة صعبة، لأنهم يكونون من الجنود المستعربين الذين يشترط أن تتطابق ملامحهم مع الملامح العربية، وإجادتهم الكاملة للهجة الفلسطينية.
ويرتكز أسلوب عملهم على الاندساس وسط الفلسطينيين، وسرعة تنفيذ عمليات قتل وخطف للناشطين من المسافة صفر تقريبا.
ويعرف مقاتلو "دوفدوفان" بنشاطاتهم ضمن وحدات (المُستعربين)، ويقع معظم تواجدهم في الضفة الغربية المحتلة، ويدخلون ضمن قوائم "وحدات الموت" مثل "وحدة شمشون" و"وحدة شالداغ" و"وحدة ياماس".
وتعمل "وحدة دوفدوفان" تحت القيادة المباشرة لشعبة "يهودا والسامرة" في القوات المسلحة الإسرائيلية، ولاحقا تم دمجها في جميع قطاعات القتال بلا استثناء، مثل قوات حرس الحدود، وحتى قوات الشرطة.
ومن المثير أن هذه الوحدة تستعين بخبراء متخصصين في عمليات المكياج والتخفي على أعلى مستوى، للعمل على مدار الساعة مع عناصر هذه المجموعة.
فبحسب موقع "همخلول" العبري في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2018، يحرص أفراد الوحدة بشكل خاص على التنكر.
ومن الأمثلة تنكرهم في زي تجار خضار فلسطينيين يرتدون الزي الشعبي، ويتنقلون في سيارات "كابينه" التي يستخدمها التجار الفلسطينيون، وغيرها من السيارات الشائعة في فلسطين.

عمليات قذرة
يسجل تاريخ "دوفدوفان" العديد من العمليات القذرة، ومنها من فشلت بالفعل وقد خسرت الكثير من جنودها نتاج ذلك.
ففي 6 أغسطس/ آب 2000، حاولت الوحدة اغتيال محمود أبو هنود قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام "الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)" شمالي الضفة الغربية.
لكن العملية أخفقت وأدت إلى مقتل 3 من الجنود الإسرائيليين، برتبة رقباء، ونجاة القائد الفلسطيني.
وحينها كتب المحلل العسكري الإسرائيلي، رون بن يشاي قائلا "لا شك أن الخسارة جسيمة.. وفضلا عن أن أبو هنود تحول من بطل محلي إلى أسطورة فقد لحق ضرر جسيم بالمعنويات والثقة بالنفس لدى عامة الإسرائيليين".
وقتها نشرت وحدة "دوفدوفان" بيانا عن الواقعة، ورد فيه: "عملية محاولة اغتيال (أبو هنود) هي أكثر عملية آلمتنا".
وبعد فشل هذه العملية قررت قيادة الجيش الإسرائيلي تعليق المقر التشغيلي لـ "دوفدوفان"، لكن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تم تمديد عمل الوحدة مرة أخرى.
وفي عام 2009، شارك مقاتلو الوحدة لأول مرة في أنشطة عملياتية خارج أراضي القدس المحتلة والضفة، حيث شاركوا في عملية الرصاص المصبوب أو "معركة الفرقان" في قطاع غزة، بقيادة قائد الوحدة (آنذاك) عوفر وينتر.
وفي 2014 شارك مقاتلو الوحدة ، بقيادة قائد الوحدة (حينئذ) كوبي هيلر ، في عمليتي "شوفو عهيم" و"إيتان كليف" في غزة، حيث تم حصار أفراد "دوفدوفان" من قبل مقاتلي كتائب القسام.
وتم إنقاذ مقاتلي الوحدة بصعوبة عن طريق المقاتلات الجوية، وكتيبة مدرعات بقيادة "موشيه داينو"، الذي قتل بصاروخ مضاد للدبابات، على يد مقاتلين حركة حماس.
وفي 20 مارس/ آذار 2018، قتل الرقيب "شاحار ستروج" برصاصة أطلقت من مسدس مقاتل آخر في الوحدة، وهي من أبرز الحوادث التي أثارت المجتمع الإسرائيلي، الخاصة بالإشكاليات والأزمات داخل معسكرات الجيش والوحدات الخاصة بين القادة والجنود.
وفي 24 مايو/ آيار 2018، وخلال عملية اعتقال لفلسطينيين في مخيم الأمعري قرب رام الله، ألقيت بلاطة رخامية على الجندي الرقيب رونين لوبارسكي، ما أدى إلى إصابته بجروح قاتلة، ليموت بعد يومين، متأثرا بجراحه.

قاهر دوفدوفان
من أبرز وأخطر العمليات التي أقدمت عليها "دوفدوفان" وانتهت بفشل ذريع وهزيمة مرة، ما وقع يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
حينها حاولت الوحدة اختراق قطاع غزة، بطريقة غير تقليدية، عن طريق سيارة مدنية، يرتدي أفرادها الزي المدني كنوع دارج من التمويه والخداع بطريقة "الحرباء" الشهيرة التي تتبعها الوحدة، عن طريق التنكر المستمر.
لكن قوة أمنية تابعة لكتائب القسام بقيادة نور الدين بركة، ارتابت في أمر السيارة ومن بداخلها، وأخضعتهم للتوقيف والتفتيش، ما أدى إلى إصابتهم بالخوف والذعر.
هنا اكتشف بركة أمرها، وأمر جنوده بالاشتباك المباشر معهم، ودارت معركة سريعة أسفرت عن مقتل قائد الوحدة الإٍسرائيلية وعدد آخر منها، وإصابة آخرين.
لكن نتج عن العملية أيضا استشهاد نور الدين بركة، القائد الميداني الفذ بحماس، والذي لقب بقاهر "دوفدوفان" لأنه أفشل مخططها في اختراق القطاع، وتنفيذ عملية نوعية بداخله.
وكان بركة يبلغ من العمر 37 عاما، حين استشهد، وقد حصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن من الجامعة الإسلامية بغزة، والتي أعدها في مجال عمله بالمقاومة حيث حملت الرسالة اسم "الإهمال في العمل الجهادي".