مقابل زيادة الدعم.. هل تخلت النقابات العمالية بالمغرب عن مطالب الشغيلة؟

جمال خطابي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ قرار الحكومة المغربية زيادة الدعم المخصص للنقابات، مع توقيع اتفاق اجتماعي جديد، عشية إحياء اليوم العالمي للعمال في الأول من مايو/ أيار 2022، تعيش المملكة في حالة جدل واسع.

فهناك من عد أن زيادة دعم النقابات إلى 30 بالمائة (لم يكشف عن النسبة السابقة)، هو "مقابل" لها للتوقيع على اتفاق لا يرقى لمطالب العاملين، في حين رأى آخرون أنه دعم سنوي عادي وأن الاتفاق يدشن لمرحلة جديدة من الثقة بين الفرقاء الاجتماعيين.

وفي 30 أبريل/نيسان 2022 جرى توقيع اتفاق اجتماعي جديد بالعاصمة الرباط، بين حكومة عزيز أخنوش والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب (أكبر تجمع للشركات)، والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية.

يضم الاتفاق الاجتماعي الذي وقعته حكومة أخنوش والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، مجموعة من الالتزامات المتبادلة، منها على وجه الخصوص، الرفع من الحد الأدنى للأجر بقطاعات الصناعة والتجارة والخدمات بنسبة 10 بالمئة على سنتين.

ونص على التوحيد التدريجي للحد الأدنى القانوني للأجر بين قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة والقطاع الفلاحي، ورفع الأجر الأدنى بالقطاع العام إلى 3500 درهم صافية (350 دولارا).

جرى الاتفاق على حذف السلم السابع بالنسبة للموظفين المنتمين لهيئتي المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، والرفع من قيمة التعويضات العائلية للأبناء الرابع والخامس والسادس في القطاعين العام والخاص.

وتقرر أيضا تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3.240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، وتمكين المؤمن له البالغ حد السن القانوني للتقاعد المتوفر على أقل من 1320 يوما من الاشتراك من استرجاع الاشتراكات الأجرية واشتراكات المشغل.

كما جرى التوقيع على الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، والاتفاق على إحداث المرصد الوطني للحوار الاجتماعي لتوسيع دائرة القوة الاقتراحية، إضافة إلى إحداث أكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل ومناخ الاستثمار.

وحسب البيان الصادر من رئاسة الحكومة، فإن "محضر الاتفاق يغطي الفترة ما بين 2022 و2024".

"شراء ضمائر"

الصحفي مصطفى الفن، قال: "كنا ننتظر الزيادة في أجور العاملين والعاملات في هذا العيد العالمي للعمال، لكن العكس هو الذي وقع".

وأضاف عبر فيسبوك: "لقد وقعت هذه الزيادة لكن في قيمة الدعم المخصص لزعماء النقابات".

ووصف رفع الدعم المخصص للنقابات بأنه "عملية شراء لضمائر وصمت هؤلاء الزعماء الذين يملكون ثروات طائلة".

وأضاف أن الزيادة التلقائية في قيمة الدعم لأثرياء النقابات دون أن تطلبه هذه النقابات هو تواطؤ وتستر على "عمل جرمي" عنوانه تبديد المال العام، وفق وصفه.

وواصل: "يا لهذه المفارقة، فلقد رفعت الحكومة دعم النقابات بـ30 بالمئة لكن رفع الحد الأدنى من الأجور وسط الطبقة العاملة بالصناعة والتجارة والخدمات لم يتجاوز 10 بالمئة وعلى حولين كاملين".

وخلص الفن، إلى أن "الرابح رقم واحد في هذا الحوار الاجتماعي مع الحكومة هو (هدف) هؤلاء الأثرياء الخالدين على الكراسي الوثيرة في هذه النقابات، وليس الطبقات العاملة التي تموت كل يوم 100 مرة من أجل كسرة خبز حافية".

من جهته، وصف المدون والناشط الإعلامي، عبد المنعم بيدوري، رفع الدعم الحكومي للنقابات بـ30 بالمئة بـ"الفضيحة".

وعد بيدوري، عبر تدوينة في فيسبوك، أن "الحكومة تعرض رشوة للنقابات برفع مبلغ الدعم المخصص لها بنسبة 30 بالمئة دون تقديم أي عرض/جواب على مطالبها".

أما الإعلامي والباحث في العلوم السياسة، عبد الصمد بنعباد، فقال إن "النقابات التاريخية الثلاث، الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، تاريخ من الصمود والنضال وعشرات سنوات من الكدح إلى جانب العمال، "تنهي رحلتها في جيب عزيز أخنوش".

وتساءل بنعباد، في تدوينة عبر فيسبوك، "كيف لا يدور رأس النقابة، وتقلب 6 إلى 9، وهي تجد عرضا مغريا من باطرون المحروقات (عزيز أخنوش) الذي أغرى قيادات المركزيات النقابية بدعم يتجاوز 30 بالمئة إضافية إلى المبالغ التي تخصصها الحكومة سنويا".

وأشار إلى أن "الباطرونات التي رفضت مشروع قانون النقابات، ورفضت عرض ميزانيتها لفحص مؤسسات الرقابة المالية، هي نفسها التي قبلت دعما إضافيا للميزانيات التي لا يعرف أحد في يد من تنتهي". 

من جانبها، وصفت القيادية في حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، الحكومة بـ"الضعيفة" التي تضعف كل من يدور في فلكها.

وكتبت ماء العينين، في تدوينة عبر فيسبوك، أن "الحكومة تبشرنا باتفاق اجتماعي رفضت بعض النقابات أفضل من عرضه في حكومات سابقة لتقبل بالرفع من قيمة التعويضات العائلية للطفل الرابع والخامس والسادس".

وتساءلت بتهكم: "هل ما زال المغاربة يلدون الطفل الرابع والخامس والسادس؟؟؟"، مردفة: "مع حكومة الشركات، يا ربي يسلكوا العمال والموظفين الجرة غير مع الطفل الأول والثاني".

المدون والنقابي مصطفى الأسروتي، وصف الاتفاق الاجتماعي الذي وقعته الحكومة مع النقابات الكبرى، بأنه "أضعف اتفاق اجتماعي في تاريخ المغرب".

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك، "العجيب في هذا الاتفاق أن نقابة معينة رفضت توقيع اتفاق سابق أفضل من هذا بكثير سنة 2019، واليوم ها هي تهرول للتوقيع".

إشادة واعتراض 

أشاد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بتوقيع الاتفاق والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي، مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب.

وقال أخنوش، في تصريح صحفي عقب التوقيع، إنه اتفاق كبير يدشن لمرحلة جديدة من الثقة والعمل مع النقابات.

وعد أن مأسسة الحوار الاجتماعي "ستمكن من التقرب أكثر من مشاكل الشغيلة وإيجاد حلول لها"، لافتا إلى أن هذا سيجعل جلسات الحوار الاجتماعي ينعقد أكثر من مرة في السنة. 

من جهته، قال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس سكوري، إنه لأول مرة في تاريخ البلد، يجري التوقيع على اتفاق يتضمن التزامات مرقمة لجميع الأطراف، بجانب أجندة لتواريخ محددة لجميع الإصلاحات التي يجب أن تخرج إلى الوجود.

بدورها، وصفت الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة غيثة مزور، الاتفاق الاجتماعي بأنه يوم تاريخي للمغرب، موضحة أن المفاوضات بين الأطراف الموقعة مرت في جو كبير من الثقة.

وكشفت مزور، في تصريح صحفي عقب جلسة التوقيع، أنه جرى الاتفاق على إجراء جديد لصالح المرأة المغربية، يتمثل في منح عطلة لـ15 يوما مدفوعة الأجر للآباء في حالة ازدياد مولود لهم، بهدف إعانة الزوجة في مرحلة مهمة بحياتهما.

ورغم ما تضمنه الاتفاق من مضامين أشادت بها الأطراف الموقعة، ووصفته بأنه يدشن لمرحلة جديدة من الثقة والعمل، فإن هناك نقابات أخرى وأحزابا سياسية (معارضة)، انتقدته ووصفته بـ"المهزلة".

عبد الإله الحلوطي، الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (شريكة حزب العدالة والتنمية)، وصف الاتفاق الاجتماعي بأنه "اتفاق المهزلة والفراغ"، قائلا: "تمخض الجبل فولد فأرا".

الحلوطي مهاجما حكومة أخنوش: الاتفاق بين النقابات والحكومة "مهزلة".. ويمكننا الاتجاه للقضاء - YouTube

وأضاف الحلوطي، في كلمته خلال احتفال نقابته بعيد العمال في مطلع مايو 2022 بالرباط، "سمعنا أن هناك نقاشا وحوارا وتداولا وطموحات للدفاع عن الطبقة العاملة ومواجهة غلاء الأسعار"، مردفا "لكن للأسف وجدناه اتفاقا فارغا". 

بدوره، قلل المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية (معارض)، في بيان من قيمة الاتفاق الاجتماعي، واصفا إياه بأنه "ضعيف وهزيل على مستوى مضامينه مقارنة مع المطالب المطروحة".

ودعا الحزب، إلى إعادة النظر في مقاربة المسألة الاجتماعية برمتها، وجعلها محور وغاية جميع السياسات العمومية، والارتكاز على وضع الإنسان في قلب العملية التنموية.

وشدد على ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات ملموسة، بهدف حماية القدرة الشرائية للشغيلة المغربية، لا سيما من خلال إقرار الزيادة في الأجور، وتخفيف العبء الضريبي على العمل، ومراجعة أسعار الضريبة على القيمة المضافة بشأن المواد الاستهلاكية الأساسية.

أما الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، فقال إن "الميزانية السنوية للنقابات يجب أن تخضع بدورها لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات".

ونبه لطفي، في تصريح للموقع الإلكتروني المحلي "هسبريس" إلى أن "تزامن الزيادة في الدعم المالي للنقابات مع فاتح ماي (يوم العمال) سيثير جدلا اجتماعيا بالتأكيد".

وأكد النقابي ذاته، أنه كان ينبغي أن تكون الأولوية الأساسية في الوقت الحالي هي تحسين أوضاع الطبقات العمالية الهشة، وتنظيم المشهد النقابي، من خلال إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود على غرار قانون الأحزاب.

من جانبه، وجه عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (معارض)، انتقادات شديدة اللهجة للمركزيات النقابية الموقعة على الاتفاق الاجتماعي.

وفي مطلع مايو 2022، قال ابن كيران، خلال مهرجان احتفال بالعيد الأممي للعمال، وسط الرباط، في ضيافة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، إن "ما قدمته لما كنت رئيس حكومة أحسن مما وقعوا عليه أمس".

وتحدث ابن كيران، عن النقابات التي اختارت عدم الاحتفال بالعيد العمالي، مثل الاتحاد المغربي للشغل، وقال إنها "أصبحت تفرط في عيدها العمالي"، واصفا إياها بـ"الهشة والخائفة من الاحتفال".

شبهة الرشوة

ويرى الناشط الإعلامي حسن حمورو، أن الأصل هو أن يكون دعم النقابات والأحزاب وغيرهما من التنظيمات المجتمعية، مؤطرا بمعايير تحدد في قوانين أو اتفاقات معلومة ومنشورة.

وأضاف حمورو، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هذه المعايير ينبغي أن تكون لها علاقة بما هو موكول لهذه التنظيمات في الدستور، لأن الدعم هو من المال العام، مبينا أن من يملك حق صرفه، يصرفه وفق القانون والشفافية، وليس بمنطق التقدير والولاءات.

وتابع أن "الزيادة المعلنة في دعم الحكومة للنقابات العمالية، دون توضيح قيمتها ومبرراتها، تبقى شبهة ترقى إلى الرشوة".

واعتبر حمورو، أن الرزنامة التي جاءت في إطارها هذه الزيادة، تضمنت كذلك بعض الإجراءات لفائدة الأجراء والعمال الذين يفترض أن النقابات المستفيدة من الدعم تمثلهم.

وأوضح أن "ما يعزز شبهة هذه الزيادة هو أن ما أعلنت عنه الحكومة فيما سمي اتفاقا اجتماعيا، لم ينل رضى عموم الشغيلة، وعدته مجرد فتات، أقل بكثير من عروض الحكومتين السابقتين".

وأردف "نحن أمام تكليف للنقابات بالتوقيع على هذا الاتفاق لإسكات الشغيلة مقابل إقرار زيادة في الدعم المخصص".

وقال: "وطبعا هذا الدعم للأجهزة المسيرة للنقابات هي وحدها من يمكن أن تتصرف فيه، ولن يصل أي شيء منه للعمال والأجراء".

وأكد حمورو، أن "هذه الزيادة تخدش مصداقية النقابات أكثر مما هي مخدوشة أصلا بسبب صمتها على هضم حقوق الشغيلة المغربية ووقوفها بجانب أرباب العمل وفي صف الحكومة، وسيؤدي بمنخرطيها إلى الانفضاض من حولها".

وخلص إلى أن هذه الزيادة تؤسس لمعادلة سيئة في العلاقة بين الحكومة والنقابات، وهي "خذ واصمت".

وعد أن "هذه المعادلة تسيء للجميع وتظهر أن من يسيرون الحكومة لهم عقلية تجارية بالأساس، ويعتقدون أن كل شيء يمكن شراؤه، بما فيه الأصوات في الانتخابات، والأحزاب أثناء تشكيل المجالس والحكومة، والنقابات أثناء التفاعل مع مطالب الشغيلة".

وفي المقابل، يرى رئيس المرصد المغربي للدراسات السياسية والإستراتيجية ميلود بلقاضي، أنه ينبغي وضع الدعم الحكومي للنقابات العمالية في إطاره الصحيح.

وفي 4 مايو 2022، أوضح بلقاضي، في تصريح لقناة "الغد"، أن الدعم الحكومي للنقابات العمالية "ليس شراء للأصوات والذمم، بل هو اتفاق" بين الطرفين.

وأفاد بلقاضي، أن هذا رفع قيمة الدعم الحكومي للنقابات مشروطا بشرطين، الأول أنه دعم موجه للتكوين والتأطير، والثاني أنه يرتبط بالعمل على إخراج قانون تنظيمي لعمل تلك المؤسسات.

وخلص إلى أن المستقبل القريب هو الذي سيثبت: هل يشكل رفع الدعم الحكومي للنقابات شراء للأصوات والذمم، أم أنه اتفاق لدعم العمل النقابي بالمغرب؟