بعد إعلان السيسي دعم باشاغا في ليبيا.. لماذا هاجم ساويرس حكومة الدبيبة؟

12

طباعة

مشاركة

في 30 أبريل/نيسان 2022، اندلعت حرب تغريدات شرسة بين رجل الأعمال المصري الموالي للسلطة نجيب ساويرس، ورئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة على خلفية اتهام الأول للثاني بالتسبب في عدم استقرار ليبيا.

ساويرس انتقد الدبيبة لرفضه تسليم السلطة إلى وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا الذي اختاره برلمان طبرق رئيسا جديدا للوزراء، وتدعمه مصر.

المعركة الإلكترونية التي اندلعت بين ساويرس والدبيبة، والتي شارك فيها ليبيون، تزامنت مع تكهنات بدور سياسي يلعبه رجل الأعمال لصالح رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في ليبيا مقابل ضمان مشاريع اقتصادية حال تولي باشاغا السلطة.

لماذا الآن؟

وبدوره، بادل الدبيبة ساويرس الهجوم بصورة ملفتة وصلت إلى وصفه ضمنا بأنه صاحب مهرجانات السينما العارية، ليبدو الأمر كأن هناك صراعا خفيا ظهر فجأة للعلن.

بدأ السجال، بتغريدة لساويرس، هاجم خلالها رئيس الوزراء الليبي، قائلا: "سيذكر التاريخ أن الدبيبة وقف في طريق استقرار وطنه من أجل مصلحته الشخصية"، ويرى أنه "فضل المنصب عن مصلحة ليبيا".

وبعد ساعات من إثارة تغريدات ساويرس الجدل، قال حساب منسوب لـ "الدبيبة" في موقع تويتر، " يبدو أنك قد أخطأت العنوان .. هذه ليبيا (التاريخ) بلد الأسود وموطن الحشمة وليست مهرجانا للتعري".

ورغم أن الدبيبة لم يذكر ساويرس صراحة، لكن حديثه كان ردا واضحا على الملياردير المصري الذي يرعى مهرجان الجونة السينمائي كل عام، وتعرض لهجوم لأن المهرجانات الأخيرة تحولت إلى مبارزة بين الفنانات على ارتداء الملابس شبه العارية.

وكان ملفتا أن ساويرس رد بالقول إننا "سنرى مهرجانا للثقافة والسينما في ليبيا مستقبلا، فهما ليسا رجسا من الشيطان"، كأنه يشير إلى حتمية تغيير النظام في ليبيا.

وقد تفاعل عدد كبير من الناشطين الليبيين مع تغريدة رجل الأعمال المصري، بين مؤيدين لرأي ساويرس، وآخرين يهاجمونه ويرفضون حديثه عن الدبيبة.

ووصف ساويرس الهجوم عليه بأنه جاء من "كتائب إلكترونية تابعة لمليشيات في طرابلس"، لكنه لم ينجح في وقف هجوم الليبيين عليه واتهامه بـ "السعي لتحقيق مصالح اقتصادية في ليبيا"، وفق قوله.

وفي تفسيرهم لهجوم ساويرس على الدبيبة، اتهم ناشطون وصحفيون ليبيون، الأول بالسعي إلى توقيع عقود اقتصادية، لكن ساويرس نفى وجود استثمارات له حاليا في ليبيا، وأكد أنه لن يعمل فيها قبل الاستقرار. 

وفي يناير/كانون ثان 2022، وقعت مصر وليبيا، عقودًا لاستكمال مشروع الطريق الدائري الثالث في العاصمة طرابلس، بعد أن تعثرت شركات برازيلية، في تنفيذه بسبب الأحداث الأمنية التي بدأت عام 2011.

ويبلغ طول الطريق الدائري الثالث 23 كيلومترا، ويربط أحياء طرابلس من منطقة غوط الشعال غربا إلى طريق الشط في اتجاه الشرق، مرورا بأغلبية المناطق السكانية والخدمية في طرابلس، وتصل تكلفة المشروع إلى 3.734 مليار دينار ليبي (1 دولار = 4,78 ليبي).

أيضا جرى إبرام عقود تنفيذ وتوسعة طريق إجدابيا – جالو بطول 252 كيلومترا وطريق أوباري غات بطول 360 كيلومترًا في الجنوب، وقال الدبيبة إنه استدعى لتنفيذها نخبة الشركات المصرية لإنجازها.

ولم يكشف رسميا عن إلغاء تلك العقود المبرمة بين الطرفين. وعقب هذا الشجار الإلكتروني، استضافت قناة ليبية ساويرس ليؤكد أنه "على تواصل مع كل الأطراف الوطنية"، وينتقد "اختطاف الثورة" من قبل من أسماهم بـ"المليشيات والمستفيدين من توتر الوضع في البلاد".

وفي تصريحات لقناة "أخبار 218" الليبية القريبة من معسكر اللواء الانقلابي خليفة حفتر، قال ساويرس أول مايو/أيار 2022 إنه لا يحمل ضغينة شخصية للدبيبة الذي أصبح خصما وحكما في ذات الوقت، داعيا إياه لضرورة أن يُضحي بمنصبه من أجل مصلحة الوطن.

ووصف رده على تغريداته بـ "غير الموفق"، مشيرا إلى أنه "لا يلتفت إلى التعليقات التي يطلقها الجناح المتطرف في ليبيا ومصر في مواجهة تغريداته".

ليس صدفة

يرى مراقبون أن تدخل ساويرس في شؤون ليبيا السياسية، ليس وليد الصدفة وأنه أمر متعمد وبضوء أخضر من نظام السيسي ربما للعب دور غير مباشر في مساندة باشاغا الذي أعلنت القاهرة 10 فبراير/شباط 2022 دعمها له.

ورأى معلقون وناشطون ليبيون في موقف ساويرس المنتقد لحكومة الدبيبة "تعبيرا غير مباشر لرؤية الحكومة المصرية لما يحدث في جارتها الغربية"، والداعم لفتحي باشاغا.

واستنكر آخرون تغريدة الملياردير المصري وعدوها "تدخلا سافرا" في شؤون بلادهم وطالبوا باستدعاء سفير القاهرة للاحتجاج.

وقد فسر حسام الغمري نائب رئيس تحرير حزب "غد الثورة" تدخل ساويرس في ليبيا بأن الأخير "يرغب في لعب دور في الثورة الليبية" وأكد أنه "لم يكتب ما كتبه على تويتر ضد الدبيبة من فراغ".

وذكر في لقاء تلفزيوني أن ناشطين ليبيين أخبروه أن لقاء سريا عُقد بالفعل بين ساويرس وباشاغا، مشيرا إلى أن للأخير سوابق في تمويل الثورة المضادة بدول عربية.

وبين أن ساويرس مول حملة الرئيس الراحل قايد السبسي في تونس "تنفيذا لأجندة معلومة"، وفق تعبيره.

ومن وقت لآخر، يطل نجيب ساويرس بتصريحات سرعان ما تثير الجدل عبر منصات مواقع التواصل، وتتنوع مضامينها بين الفن والاقتصاد لتمتد في أحيان كثيرة إلى الدين والسياسة.

وكانت مصر في مقدمة القوى الإقليمية والدولية التي ثمنت قرار مجلس النواب الليبي اختيار فتحي باشاغا لمنصب رئيس الحكومة الجديدة.

 وأوحى موقفها السريع أنها لم تكن مرتاحة لحكومة الوحدة الوطنية التي قادها عبد الحميد الدبيبة لنحو عام.

وجاء دعم القاهرة لفتحي باشاغا بالتزامن مع فتور علاقتها بالدبيبة، لوصفها الأول بأنه شخصية براغماتية يمكن الرهان عليها حتى وإن كانت له ميول نحو أنقرة.

والفارق أن مصر تعتقد بأن الدبيبة منحاز إلى تركيا كسابقه فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني.

بعد ساعات من التراشق الإلكتروني بين ساويرس والدبيبة، أكد ليبيون أن الأول استضاف فتحي باشاغا في منتجع الجونة المملوك لعائلة رجل الأعمال المصري على البحر الأحمر، وأن اللقاء حضره رئيس شركة النقل البحري في ليبيا خالد التواتي والمحامي أنس بو شعالة.

أكدوا أنه جرى خلال الاجتماع مناقشة تشكيل الحكومة في ليبيا وكيفية دعم باشاغا حتى يتمكن من الدخول إلى طرابلس. لكن نجيب ساويرس رد نافيا عقد اللقاء مؤكدا: "لم نلتق بعد ويشرفني لقاؤه".

وسبق لـ "خالد المحمودي"، وهو عضو بـ "كتيبة خميس" التي تُعرف رسميا باسم اللواء 32 المعزز للشعب المسلح (كتيبة أمن النظام الخاصة لرأس النظام السابق معمر القذافي)، أن أكد عقد لقاء بينهما في يناير 2022.

وكتب "المحمودي" في صحيفته "العرب اليوم" 25 يناير أن فتحي باشاغا التقى ساويرس بمدينة الجونة حينئذ، وكان بصحبته المحامي أنس بوشعالة وخالد التواتي.

وذكر أن "باشاغا طلب من ساويرس دعمه من خلال علاقاته ببعض الدول التي لا تمانع تشكيل حكومة انتقالية جديدة مقابل حصوله على عقود بالمليارات في ليبيا إذا ما نجح في مسعاه".

انتقد ساويرس في الأونة الأخيرة توغل الجيش المصري اقتصاديا وسيطرته على السوق. ولأن هذا يعد من المحرمات الكبرى التي لا يستطيع أحد كائنا من كان داخل مصر الاقتراب منها، توقع كثيرون اعتقاله مثلما حدث مع رجال أعمال آخرين.

وقد ذكرت تقارير أن ما حصن ساويرس من التنكيل به على غرار مصير غيره ممن دخلوا عش الدبابير بانتقاد بيزنس الجيش، هو علاقته مع أميركا التي يحمل جنسيتها، ووضع أهم استثماراته في مصر تحت الحماية الإماراتية.

فضلا عن امتلاك ساويرس آلة إعلامية غير هينة، تتخطى شهرتها القنوات المصرية المحلية والخاصة، منها قناة "يورو نيوز" التابعة للاتحاد الأوروبي.

وامتلاكه ثروة ضخمة من احتياطيات الذهب، ما يجعل توجيه أي ضربة غير محسوبة له مدمرة للبورصات المحلية والإقليمية.

سباق الدعم

ويعتقد مراقبون أن هذه الندية جعلت نظام السيسي يسعى للاستفادة من نقاط مشتركة بينه وبين ساويرس مثل معاداة الربيع العربي، خصوصا أن رجل الأعمال لعب دورا في هدم ثورة مصر، قبل أن يحجم النظام دوره.

ويشترك السيسي وساويرس في العداء للتيار الإسلامي الليبي والقوى الثورية التي ما زالت مسيطرة على المشهد في البلاد وتتمركز في العاصمة طرابلس، ولها علاقات جيدة مع تركيا.

هذا الاشتراك في مصالحهما بليبيا، ربما كان دافعا لسعي القاهرة إلى الضغط على حكومة الدبيبة بشكل غير مباشر، في صورة ساويرس الذي كان لعائلته استثمارات كبيرة في ليبيا ولا تزال.

هذا بخلاف مكاسب أخرى تتمثل في إسناد أعمال أكثر لشركات ساويرس في مصر خاصة مجموعة أوراسكوم، بالتزامن مع اشتراط قرض صندوق النقد الدولي الجديد المزيد من إسناد الأعمال للقطاع الخاص بدلا من الجيش.

وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور لموقع "بلومبيرغ الشرق" في 27 أبريل 2022 إن صندوق النقد الدولي طلب "إصلاحات سريعة" لمنح أي قرض جديد منها خفض قيمة الجنيه.

وأشاع ناشطون نقلا عن موظفين في بنوك مصرية توقعهم خفض قيمة الجنيه إلى ما بين 20 و25 جنيها للدولار الواحد، وأن يصدر البنك المركزي شهادات ادخار تبلغ فائدتها ما بين 20 و22 بالمئة لتعويض مدخرات المصريين.

ودعم الصندوق خطة مصر لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو ما يصب في صالح ساويرس وشركاته.

وشهدت الشهور الأخيرة سباقا بين الدبيبة وباشاغا لجمع الاعترافات من القوى الإقليمية والدولية بحكومتيهما.

وفي أعقاب فشل اجتماعات القاهرة بين وفدين يمثلان الحكومتين، بإشراف رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، بدأ الدبيبة وباشاغا يطوفان العالم لطلب الدعم، ووصل الأخير إلى القاهرة منتصف مارس/آذار 2022 لهذا الغرض.

واتجه الدبيبة إلى الجزائر التي تشكو سعي مصر لإقصائها عن ليبيا، حيث حظي بحفاوة كبيرة من الرئيس عبد المجيد تبون، الذي كان أول زعيم عربي يُجدد دعمه لحكومة الوحدة الليبية، ويُعلن أن بلاده لا تعترف بسواها.

كما زار الدبيبة، الإمارات في زيارة رسمية غير مألوفة وصفت بأنها مُؤشر على تغيير مواقف أبوظبي، بعدما كانت تدعم علنا اللواء خليفة حفتر، وقد لعبت دورا أساسيا في تسليح قواته أثناء الهجوم على طرابلس 2019، ما يعد ضربة لباشاغا ومصر.

أيضا حققت تركيا اختراقا مهما على حساب مصر في ليبيا بزيارة وفد رفيع المستوى، مؤلف من دبلوماسيين خلال العام 2021، ومعاودة فتح القنصلية التركية في بنغازي واستئناف الطيران المباشر بينها وبين إسطنبول، وعودة شركاتها للعمل شرقي البلاد.

وكان مقررا بعد تشكيل حكومة موحدة برئاسة الدبيبة في فبراير 2021، إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2022، لكن تعذر إجراؤها بسبب عقبات أمنية وقضائية وسياسية.

وفي فبراير 2022 منح مجلس النواب الليبي ثقته لحكومة جديدة برئاسة باشاغا، لتحل محل الدبيبة، لكن الأخير رفض التنازل عن منصبه إلا "لسلطة منتخبة"، وباستثناء روسيا لم تعترف الدول الكبرى بالحكومة الجديدة حتى الآن. 

ويري مراقبون أن الفترة المقبلة لن تشهد تقدما نوعيا في حل الأزمة الدستورية والسياسية في ليبيا، لأن القوى التي تملك أوراق الضغط وتستطيع جمع الفرقاء الليبيين على مائدة الحوار هما أميركا وأوروبا، وكلاهما مشغول بمضاعفات الحرب في أوكرانيا. 

وأكد المحلل السياسي الإيطالي ليوناردو بيلودي، لموقع "أخبار 218" الليبي في 28 أبريل 2022 أن حرب أوكرانيا، وجهت أنظار الغرب نحو الشمال الشرقي للقارة الأوروبية، وأنستهم مشاكل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

ومع استمرار الحرب الأوكرانية تبدو عواصم القرار الغربية غير مُستعجلة للحل السياسي في ليبيا، فيما تعجز الدول الإقليمية عن توجيه قطار الحوار بين الحكومتين إلى سكة الحل السياسي، لانحياز كل دولة إلى أحد طرفي النزاع.