مع الغضب الشعبي المتصاعد في مصر.. هل يضحي السيسي بحكومة مدبولي؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تزايدت حدة الانتقادات لحكومة رئيس وزراء النظام المصري مصطفى مدبولي، مع تحميله مسؤولية ما وصلت له البلاد من أزمات مالية واقتصادية.

وخلال مناقشة البيان الختامي للموازنة المصرية العامة (2021/2020)، وجه أعضاء بمجلس النواب وعلى غير عادة برلمانيي عهد رئيس النظام، عبدالفتاح السيسي، أشد الانتقادات لحكومة مدبولي، محملينه سبب أزمة تفاقم الديون والفقر والغلاء وضياع أصول الدولة، وغيرها من الأزمات.

التوجه الجديد من داخل النظام بالهجوم على حكومة مدبولي يثير التساؤلات بشأن مستقبل تلك الحكومة، واحتمالات أن يجعلها النظام "كبش فداء" للفت الانتباه عن حقيقة الأزمات التي ترصدها مؤسسات اقتصادية دولية.

وضع قاتم

ويعيش المصريون على وقع أزمة لا تنتهي من ارتفاع أسعار السلع الإستراتيجية، مثل الوقود والخبز والمواد الغذائية، حيث وصل معدل التضخم السنوي إلى 12.1 بالمئة في مارس/آذار 2022، وفقا لبيان حكومي صادر في 10 أبريل/نيسان 2022.

ونتيجة لمعاناة الاقتصاد وفي 21 مارس 2022، رفعت مصر سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، وخفضت قيمة عملتها بنسبة 14 بالمئة، مع تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، ما تسبب في تراجع قيمة العملة إلى 18.55 جنيها مقابل دولار واحد.

وخسر الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي 3.9 مليارات دولار في مارس 2022، متراجعا إلى 37.082 مليار دولار. 

وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري، في 3 أبريل/نيسان 2022، أن صافي الأصول الأجنبية شهد تراجعا حادا في فبراير 2022، إذ انخفض بمقدار 60 مليار جنيه مصري (3.29 مليارات دولار) إلى سالب 50.3 مليار جنيه.

وتفاقم الدين الخارجي في عهد السيسي حتى وصل إلى 145.529 مليار دولار، بحسب إعلان البنك المركزي المصري في 18 أبريل 2022، وهو الرقم المرشح للزيادة خاصة مع إعلان القاهرة في 23 مارس 2022، عن اتفاق بقرض جديد من صندوق النقد الدولي.

وفي تقرير لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، خلال مارس 2022، أشار إلى أن "مصر عرضة لصدمة مفاجئة بسبب مزيج من ضغوط إعادة التمويل الكبيرة ونسبة خدمة الديون المرتفعة".

ووفق تقرير مؤسسة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني في 5 أبريل 2022، فإن إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن يصل نهاية 2022، إلى 391.8 مليار دولار.

وأشارت المؤسسة إلى أنه وبهذه الصورة فإن إجمالي الديون العامة على مصر سيتصاعد في عامين لنصف تريليون دولار. 

مطالبات بالإقالة

ومن داخل قبة البرلمان في 19 أبريل 2022، أعلن بعض النواب رفضهم للحساب الختامي للموازنة، وانتقدوا سياسات الحكومة بالاقتراض، واصفين حجم الدين بـ"الكارثي"، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك مطالبا بإقالة الحكومة الحالية وتعيين حكومة أخرى، بحسب مواقع محلية.

وقال النائب أحمد الشرقاوي إن "حجم الدين كارثي وبلغ نحو 5547 مليار جنيه (102.9 مليون دولار)"، محملا مسؤولية تفاقمه إلى الحكومة، ومشيرا إلى أن أولويات الحكومة "مرتبكة وغير سليمة".

النائب، فريدي البياضي، طالب بإقالة الحكومة، قائلا: "أرفض الحكومة، وأطالب بإقالتها"، منتقدا "التوسع في القروض، وعدم استغلالها جيدا".

وقالت البرلمانية، مها عبدالناصر، إن "الملاحظات التي أوردتها لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، على الحساب الختامي للدولة كفيلة بإقالة الحكومة".

وتحدثت عبدالناصر عن "فشل إداري واضح وتجاوزات تستدعي تحويل مسؤولين للتحقيق بتهمة إهدار المال العام"، قائلة أن "هذه الحكومة أفقرت المصريين وأغرقتهم في الديون وليس لديها أي فكر، وحولت مصر لبيئة طاردة للاستثمار"، داعية الحكومة للاستجابة إلى "الملاحظات أو الرحيل". 

بدوره، تحدث النائب ضياء الدين داود، بالبرلمان عن "فشل" الحكومة وإغراقها البلاد بأزمة الدين وفوائده وأقساطه، مشيرا إلى أن الدين العام الحكومي داخليا وخارجيا بلغ نحو 5547 مليار جنيه في 30 يونيو/ تموز 2021، (سعر الدولار 18.55 جنيها).

ولفت إلى أن أعباء الدين الحكومي بلغت نحو 1092 مليار جنيه (58.8 مليون دولار)، وقيمة الفوائد السنوية 563.7 مليار جنيه (30.3 مليون دولار)، وقيمة الأقساط السنوية 527.7 مليار جنيه (28.4 مليون دولار)، وأعباء الدين من أقساط وفوائد سنوية بحوالي 51 بالمئة من استخدامات الموازنة.

وعلى نفس المنوال سار النائب أشرف أبو الفضل، مطالبا بإقالة الحكومة، ومنتقدا عدم الالتزام بصرف القروض في محلها.

وفي السياق، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي طالب ناشطون بإقالة حكومة مدبولي كحل للأزمة الحالية، وتعيين رئيس حكومة من الشخصيات الاقتصادية "قادر على مواجهة تحديات الأزمة يكون لديه خطة وبرنامج واضح".

وكتبت الصحفية شيماء جلال: "نحتاج لرئيس حكومة من الشخصيات الاقتصادية قادر على مواجهة تحديات الأزمة، لديه خطة وبرنامج واضح للخروج من عنق الزجاجة".

وأضافت في تدوينة على "فيسبوك"، أن "الأزمة ومعطياتها تحتاج لنمط مختلف من الأداء، لترتيب الأولويات لبرنامج حكومي شامل غير قائم على الاستدانة أو الضرائب، باختصار رئيس حكومة لديه برنامج".

حامل أختام

المثير أن دعوات البرلمانيين لإقالة مدبولي، تم نشرها وإذاعتها على الهواء، رغم أنه ومنذ انعقاد أولى جلسات البرلمان الحالي في 12 يناير/كانون الثاني 2021، منعت السلطات إذاعة جلسات مجلسي "النواب" و"الشيوخ"، ويجري إذاعة بعض الفقرات بعد المونتاج.

وهو ما دفع البعض للقول إنه تسريب مقصود لبعض فقرات الجلسات ويظهر فيها البعض وكأنه "معارض لسياسات الحكومة ويحملها مسؤولية الانهيار الاقتصادي والإفلاس الذي يقرع الأبواب ويطالب بمحاسبتها وإنزال العقوبة بها على السفه وإهدار المال العام".

ويرى مراقبون تلك الدعوات والانتقادات الموجهة لمدبولي وحكومته "مجرد محاولة لتحميله فشل رأس النظام"، مؤكدين أن مدبولي "مجرد سكرتير وحامل أختام لدى السيسي صاحب كل قرار، وأن ما يجري من سياسات اقتراض وتجاهل للأولويات هي من صنع الأخير".

الناشط والخبير المصري في الإدارة، هاني سليمان، توقع "إقالة الحكومة"، وتحميلها "الفشل الواضح، والفساد المنتشر، وانهيار الاقتصاد المخزي، وارتفاع الأسعار المجنون، والغضب الشعبي المتصاعد".

وتوقع أيضا عبر "فيسبوك"، أن يتم "مدح السيسي والإشادة به في الإعلام المهترئ المأجور، بصفته بطل الشعب الغلبان ومنقذه وحاميه من الأشرار والفاسدين والفاشلين، كالعادة دائما، وذلك في محاولة لإخراجه من الموضوع كما تخرج الشعرة من العجين".

وتابع سليمان: "مع أننا جميعا نعرف أن الحكومة مجرد سكرتارية تنفيذية للرئيس، تأتمر بأوامره وتنفذ تعليماته وتلتزم بتوجيهاته، وتمشي يمينا إذا أراد ويسارا إذا أحب وفوقا إذا رغب وتحت إذا هوى، وذلك دون نقاش ولا جدال ولا حوار ولا كلام ولا تفكير ولا تغيير ولا تدبير ولا تحليل ولا نصح ولا إرشاد ولا إضافة ولا إبداع ولا اختراع ولا امتناع".

وأكد أن "التغيير يجب أن يبدأ من قمة الهرم، ومن حجره الأعلى، لا من منتصفه ولا من قاعدته، فتنظيف السلم يبدأ من قمته، والسمكة تفسد من رأسها"، في إشارة إلى إقالة السيسي.

من جهته، انتقد الكاتب سيد صابر، محاولات تحميل حكومة مدبولي المسؤولية، مؤكدا أنها "تعمل كمنفذة لسياسات السيسي"، واصفا إياه بـ"الكبير أوي"، مشبها واقع حكومة مدبولي بحكومة أحمد نظيف آخر رؤساء عهد حسني مبارك حتى ثورة 25 يناير 2011.

تغيير بلا جدوى

وفي تعليقه على دعوات إقالة حكومة مدبولي بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تواجهها البلاد، قال الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إن حكومته "حققت التكليف الرئاسي لها في 7 يونيو/تموز 2018، بنسبة كبيرة".

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن "التكليف الرئاسي كان حماية الأمن القومي، ومواجهة التحديات وتحسين أوضاع الدولة واستكمال خططها التنموية، ودعم خطط وإستراتيجيات القضاء على الإرهاب، والحفاظ على حقوق مصر المائية وتنميتها".

وعن حجم ما تتحمله حكومة مدبولي من مسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية المصرية الصعبة، قال عبدالمطلب: "التنمية الاقتصادية جاءت بخطاب التكليف الرئاسي للحكومة بالعمل على تحقيق معدل نمو اقتصادي بنحو 7 بالمئة سنويا، وكذلك خفض عجز الموازنة".

وتابع: "مع الأخذ في الاعتبار أولوية خفض معدلات التضخم والبطالة، وزيادة فرص العمل، ومضاعفة التنمية الاقتصادية الصناعية والزراعية، ومعالجة مشكلات المصانع المتوقفة والمتعثرة، وتشغيل المصانع الجديدة".

وأيضا، "دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لا سيما سيناء والصعيد، ودمج الاقتصاد غير الرسمي بالمنظومة الرسمية، ومضاعفة الاستثمار والاستغلال الجيد للثروات القومية غير المستغلة لإقامة صناعات تخصصية وطنية"، وفق عبدالمطلب.

ويعتقد الخبير المصري أن "حكومة مدبولي لم تتمكن من تحقيق هذا التكليف الرئاسي بسبب عدة عوامل، لعل أهمها كان انتشار فيروس (كورونا) مع بداية 2020 في مصر".

وعن أن إقالة حكومة مدبولي قد تكون الحل في تقليل حالة الغضب الشعبي واستعادة السيسي لبعض ما فقده من شعبية، أكد عبدالمطلب، أن "التغيير هو سنة الحياة".

وأضاف أن "اختيار سلف مدبولي، المهندس شريف إسماعيل رئيسا للوزراء كان بسبب اكتشافات الغاز في مصر، واختيار مدبولي كان هدفه تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية".

ويرى عبدالمطلب أن "المشاكل الاقتصادية الحالية تستدعي على الأقل، تكوين فريق اقتصادي متخصص لإدارة ملف الاقتصاد والديون والاستثمار، وهذا يمكن أن يتم من خلال تعديل وزاري وليس شرطا إقالة الحكومة".

وحول ما يثيره البعض بأن مدبولي سيكون "كبش فداء" للحالة الصعبة التي تعيشها البلاد، يرى عبدالمطلب، أنه "حتى وقت قريب جدا كانت المؤسسات الدولية تشيد بكفاءة وقوة الاقتصاد المصري، وتثني على حكومة مدبولي، ولذلك لا أعتقد أن إقالة الحكومة سيغير شيئا".

مرحلة خطيرة

وعن خطورة الوضع الاقتصادي لمصر وطرق الخروج منه، أكد المستشار الأممي، إبراهيم نوار، أن "ديون مصر ترتفع بمقدار 4 أمثال معدل النمو الاقتصادي، والديون تستنزف قدرة الاقتصاد على التحمل، لأن معدل زيادتها يتجاوز معدل النمو الاقتصادي بمقدار ثلاث مرات".

وفي مقال له عبر "فيسبوك"، لفت نوار، إلى أن "أعباء خدمة الديون تلتهم 17 بالمئة من الناتج المحلي سنويا، أي تلتهم قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مرة كل 6 سنوات تقريبا".

وأشار إلى أن "أرقام البنك المركزي تكشف ارتفاع الديون الخارجية نهاية 2021، بمقدار 16.4 مليار دولار، لتصل 145.5 مليار دولار، مقارنة بنحو 129.1 مليار دولار نهاية 2020".

وفي رؤية نوار، فإن "هذا يعني أن معدل زيادة الديون بعام واحد بلغ 12.7 بالمئة، في حين أن معدل النمو الاقتصادي للسنة المالية (2021/2020) حسب تقديرات وزارة التخطيط يبلغ 3.3 بالمئة".

وأوضح أن "هذا يعني أن سرعة زيادة الديون تبلغ نحو 4 أمثال معدل النمو الاقتصادي، وبمعنى آخر، أن معدل النمو الاقتصادي يعادل 25 بالمئة تقريبا من معدل زيادة الاستدانة".

وأكد الخبير المصري أن "أعباء الديون تضيف الكثير من الآلام الاقتصادية الإضافية، إذ إن مصر تقتطع من ثروتها سنويا ما يعادل 17 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي تدفعها لسداد أقساط وفوائد الديون بدلا من أن تنفقها على الاستثمار".

"كما أن مجموع ما تستهلكه خدمة الديون يلتهم أكثر من 70 بالمئة من المصروفات العامة للميزانية، مع اتجاه للزيادة المستمرة.. ". 

وتحدث نوار، عن وصول الاقتصاد المصري "مرحلة حرجة شديدة الخطورة، تستوجب على الحكومة مراجعة الموقف واتخاذ إجراءات قوية وجادة لوقف الاستدانة، فقد أصبحت البلاد تقترض من أجل سداد ديونها، وتطلب المعونات من أجل إظهار قوائم محاسبية شكلية ترضي صندوق النقد الدولي والقائمين.. ".

وفي وصفه للحالة المصرية الصعبة وحجم دور الحكومة والنظام بها، قال الخبير المصري في الإدارة، هاني سليمان: "باعتراف الدولة، وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ثلث سكان مصر تقريبا فقراء، وبحسب البنك الدولي عام 2019 فإن ثلثا آخر بطريقهم إلى الفقر".

سليمان، أكد لـ"الاستقلال" أنه "مع انخفاض قيمة الجنيه في 21 مارس 2022، وارتفاع الأسعار الجنوني بكل السلع، فإن نسبتي الفقراء والمعرضين للفقر ارتفعتا بدرجة كبيرة".

وتحدث عن "السياسات الاقتصادية الفاشلة للنظام، باقتراض المليارات وضخها بمشروعات غير إنتاجية، كبناء القصور الرئاسية وعاصمة مترفة للحكام وللصفوة، وإقامة الطرق والكباري الموصلة لها، وإنشاء القطار الكهربائي الذي يربطها بالمدن الساحلية الفاخرة".

وانتقد سليمان عدم "ضخ تلك القروض باستثمارات ومشروعات إنتاجية وصناعية وزراعية، تدر دخلا، وتشغل الشباب، وتصدر إنتاجها وتجلب العملات الصعبة التي تعاني مصر نقصا منها، خاصة بعد هروب الأموال والاستثمارات من مصر مع الحرب الروسية الأوكرانية". 

وانتقد تعامل الحكومة والنظام مع أزمة البلاد المالية والاقتصادية، مؤكدا أنها "تواجه الفشل الاقتصادي بحلول فاشلة، ما يعكس غياب الرؤية الاقتصادية والسياسية لحكام مصر".

وأكد الخبير المصري، سليمان، أن "الحكام الحاليين من العسكر، يفتقدون أبسط قواعد العلم، ويعانون من نقص الكفاءة والخبرة، والأمانة والنزاهة والقدرة على تحمل المسؤولية".