بعيدا عن ظروف المنطقة.. لماذا ترغب الإمارات بعلاقات قوية مع تركيا؟
يرى مركز دراسات تركي أن العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، تطورت على أساس المواجهة بعد سنوات الربيع العربي، نظرا لوقوعهما في أقطاب مختلفة، لكنها أظهرت أخيرا مزيدا من الاعتدال والتصالح والتعاون.
وقال مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية في مقال للكاتب سونر دوغان إن وقوف تركيا مع الشعب العربي خلال ثورات 2011 ودعمه في مطالبه أثار غضب السعودية وبعض الدول التي يحكمها النظام الملكي، وخاصة الإمارات.
توتر كبير
وفي هذا السياق، كانت جغرافيا مصر وليبيا واليمن وتونس والسودان وسوريا أماكن واجهت فيها تركيا والإمارات العربية المتحدة بعضهما البعض بشكل مباشر.
وأكمل الكاتب: الإمارات العربية المتحدة، التي دعمت الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 ونجحت في هذه الخطوة، أدركت قوتها بهذه العملية.
وقد دعمت العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك السعودية، الانقلاب في مصر، لكن الإمارات على وجه الخصوص أصبحت لاعبا مهما في البلاد من خلال تقديم جميع أنواع المعلومات الاستخباراتية والمساعدة المالية لمدبري الانقلاب المصريين، بحسب الكاتب التركي.
وعلق: إدراكا منها لثقل نفوذها بعد نجاحها في مصر، فقد اتخذت الإمارات مكانها لاحقا ضد تركيا في مناطق الصراع مثل اليمن والسودان وليبيا وسوريا والصومال.
وحسنت علاقاتها مع الإدارة القبرصية اليونانية لتقويض السياسات التي تتبعها تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط وإحباط قضيتها المشروعة.
وأضاف دوغان: كما واجهت دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين تركيا خلال صراعها وعزلتها ضد قطر في عام 2017.
والسبب الرئيس للتحرك ضد قطر هو أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ونظيره في السعودية محمد بن سلمان يريدان معاقبة قطر لاتباعها سياسات مختلفة عن سياساتهما.
فوقفت تركيا إلى جانب قطر بمعارضتها عملية الحصار والاحتواء ضد قطر، وحالت دون تغيير محتمل للسلطة أو الاحتلال في البلاد.
وأعرب المسؤولون الإماراتيون عن عدم ارتياحهم لسياسات تركيا في المنطقة بقولهم إنها بلد أكثر خطورة من إيران ويجب التعامل معها.
وعلق الكاتب: على الرغم من أن العلاقات السياسية بين تركيا والإمارات كانت في أدنى مستوياتها خلال فترة التوتر، فإن التجارة المتبادلة لم تتباطأ أبدا.
وتعمل حوالي 550 شركة مملوكة لدولة الإمارات في تركيا ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد في الأيام المقبلة.
لدرجة أنه في عام 2020، زاد حجم التجارة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة ووصل إلى 8.4 مليار دولار على الرغم من ظروف وباء كورونا.
صفحة جديدة
مع انتهاء الحصار المفروض على قطر وانقضاء التوتر، فُتحت صفحة جديدة في العلاقات التركية الإماراتية.
وفي بداية عام 2021، جرى اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة.
وأضاف الكاتب أن الإمارات ظهرت مستفيدة من سياسة التوتر والمعارضة تجاه تركيا.
كما أظهرت الإمارات أنها قوة فاعلة في منطقتها ويمكن أن تكون لاعبا رئيسا من خلال أخذ دور المملكة العربية السعودية في اليمن وليبيا ومصر ودول أخرى في المنطقة تشهد صراعات.
بينما برزت إيران وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية جزئيا بوصفها القوة الرئيسة في دراسات الشرق الأوسط الكلاسيكية، يُرى أن تأثير أبوظبي اليوم يفوق القاهرة والرياض.
وأكمل: في إطار تطوير العلاقات الثنائية، وصل طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي في عام 2021 إلى أنقرة والتقى بالرئيس رجب طيب أردوغان.
وعقب هذا الاجتماع، زار وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف: أدى وصول محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى تسريع وتيرة تقدم العلاقات الثنائية.
وفي وقت لاحق، أشارت زيارة أردوغان إلى أبوظبي في فبراير/شباط 2022 بقبول دعوة ابن زايد وحفلات الترحيب الرفيعة المستوى إلى أن سياسات دول المنطقة، وخاصة الإمارات، تجاه تركيا ستتغير.
جرى تقييم إبرام الاتفاقيات الشاملة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة في المجالات العسكرية والتجارية والثقافية والصحية والعلمية والتعليمية على أنها ترفع العلاقات الثنائية إلى مستوى إستراتيجي.
واستدرك الكاتب: هذه التطورات في مجال التعاون والمسار الإيجابي للعلاقات واضحة، حيث تتصرف تركيا والإمارات، اللتان كانتا في مواقف مختلفة في ليبيا من قبل، على نفس الخط بعد أن بدأت العلاقات في التحسن.
فجرى تشكيل حكومة جديدة في ليبيا وانتخاب فتحي باشاغا رئيسا مؤقتا للوزراء، وفي هذه العملية يجرى التعاون بين تركيا والإمارات ومصر.
ملفات ودول
ويبرز تحسين العلاقات التركية الإماراتية كعامل مهم لدول مثل مصر والمملكة العربية السعودية لتحسين علاقاتها الثنائية مع تركيا.
وعلق الكاتب بالقول: إن حقيقة أن مصر لم تعارض أطروحات تركيا في شرق البحر المتوسط، وأن المملكة العربية السعودية رفعت الحظر المفروض بشكل غير مباشر على أنقرة، تُفسر على أنها خطوات يريدها الطرفان لتطوير العلاقات الثنائية.
بالإضافة إلى كل ذلك، تريد أبوظبي أيضا أن تصبح تركيا لاعبا مهيمنا في المنطقة ضد إيران. كما أن عملية التطبيع مع إسرائيل بقيادة الإمارات العربية المتحدة، تبعتها دول أخرى في المنطقة.
كل هذه التطورات تظهر أن الإمارات تبرز كلاعب رئيس في الشرق الأوسط، وفق تقديره.
وأشار إلى أن حقيقة أن تركيا وإسرائيل قد سارتا خطوات لتحسين علاقاتهما الثنائية، التي انقطعت منذ فترة، تفتح المجال لأنقرة في الشرق الأوسط، وخاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبين أن محاولات إحلال السلام في المنطقة من خلال اتفاقيات أبراهام التطبيعية التي تعتبر الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الفاعلين الرئيسين فيها، ذات أهمية كبيرة لتركيا أيضا.
لذلك، فإن إصلاح تركيا لعلاقاتها مع الطرفين دون اللامبالاة بالظروف الجديدة يعد مكسبا مهما.
وأضاف: إن دعم تركيا للنضالات العادلة لأذربيجان وليبيا وأوكرانيا بمنتجاتها الدفاعية الفعالة وسياستها الخارجية والعلاقات الاقتصادية يجذب انتباه الأطراف كقوة صاعدة في منطقتها.
واختتم الكاتب مقاله قائلا: باختصار، غيرت تركيا سياساتها تجاه الشرق الأوسط وبدأت في اتباع سياسات مربحة للجانبين مع دول المنطقة.
ونتيجة لذلك، فإن التطور الإستراتيجي للعلاقات التركية الإماراتية لن يؤثر فقط على دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن أيضا على دول الخليج والمنطقة الأخرى.
وفي هذا النطاق، تبرز السياسات التالية في إطار تعاون تركيا مع دول الخليج: التعاون في الحد من نفوذ إيران، وتطوير التعاون الثنائي للدول الإفريقية.
وأيضا وزيادة وجود أنقرة في المنطقة نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وتفضيل المنتجات الصناعية الدفاعية التركية، بحسب تقييم الكاتب.