"يونيتامس" نموذجا.. كيف تعمق البعثات الأممية أزمات السودان بدل حلها؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع المظاهرات والاشتباكات المستمرة التي تشهدها الساحة السودانية بين القوى الرافضة للانقلاب من جهة، والأجهزة التابعة لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان من جهة أخرى، جاءت تصريحات متعددة ومشتركة بين الطرفين تندد بـ"الموقف السلبي" لبعثة الأمم المتحدة في البلاد "يونيتامس".

ويرى مراقبون أن "يونيتامس" بدت "قاصرة" تماما عن معالجة الصراع المحتدم، في إخفاق واضح لتأدية مهمتها ووظيفتها في توفير وضع أمني مستتب، وحماية الفترة الانتقالية.

قوات عاجزة 

وفي 25 مارس/آذار 2022، أعلن القيادي بقوى "الحرية والتغيير"، عادل خلف الله، أن بعثة يونيتامس، "عاجزة" تماما عن حل الأزمة السياسية في البلاد.

واعتبر القيادي المعارض في مقابلة مع وكالة "الأناضول" التركية، أن "التطورات أكدت أن البعثة الأممية عاجزة عن تحقيق الهدف، وساهم في ذلك الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن لكون قراراتها لا بد أن تعود إليه أولا". 

وأوضح خلف الله أن "التطورات بين روسيا وأوكرانيا (منذ 24 يناير/كانون الثاني 2022) أفقدت مجلس الأمن أي قدرة في اتخاذ قرار لصالح المسار والتحول السلمي الديمقراطي في السودان". 

يذكر أنه في 5 يونيو/حزيران 2020، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بإنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة الانتقال في السودان (يونيتامس)، استجابة لطلب الحكومة السودانية، بقيادة رئيس الوزراء آنذاك، عبدالله حمدوك، الذي أطيح به من منصبه عقب "إجراءات" البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وليست القوى المتظاهرة فقط التي تشجب عمل "يونيتامس"، فعلى الجانب الآخر هناك تصعيد متزايد من قبل المجلس والسلطة العسكرية ضد عمل البعثة الأممية.

وفي 29 مارس/آذار 2022، اعتبر البرهان "أن مهام البعثة لا تتجاوز حدود التنسيق بين الأطراف السودانية، وأنها لا تملك الحق في إطلاق أي مبادرة".

وكان رئيس البعثة، فولكر بيرتس، قد حذر في إفادة أمام مجلس الأمن الدولي في 28 مارس 2022، من "تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية في السودان، بسبب القمع المفرط ضد المطالبين بالحكم المدني، وعدم وجود حكومة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021". 

وعقب الإفادة مباشرة، أعلنت وزارة الخارجية السودانية، عبر بيان، الشروع في سلسلة إجراءات لـ"ضبط عمل بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم".

وفي 1 أبريل/نيسان 2022، حذر البرهان، رئيس البعثة الأممية "يونيتامس"، بيرتس، من "الطرد خارج البلاد للتدخل السافر بالشأن السوداني".

وليست هذه المرة الأولى التي تواجه البعثة الأممية تهديدات بالطرد، ففي 26 يناير/كانون الثاني 2022، ردت "يونيتامس" عبر بيان، على مجموعة متظاهرين مطالبين بطردها، مؤكدة أنها "توجد في البلاد بطلب وتفويض أممي وأنها تدافع عن حرية التعبير والتجمهر".

واتهمت حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، بعثة "يونيتامس"، ورئيسها بأنهم "مستعمرون جدد"، وأن "بيرتس بمثابة حاكم عام للسودان، مفوض من قبل القوى الغربية".

وفي 6 مايو/أيار 2021، قال بيرتس في تصريحات صحفية، إن بعثته "ليست تدخلا أجنبيا في السودان، ولا تشكل نوعا من أنواع الاستعمار"، وأنه "ليس حاكما عاما للسودان كما تردد وسط وسائل التواصل الاجتماعي".

تاريخ مؤسف 

ولا يمكن إغفال الدعوات التحذيرية التي أطلقت تزامنا مع قرار تأسيس بعثة "يونيتامس"، فعقب أيام قليلة من القرار، وتحديدا في 11 مايو/أيار 2020، أصدر الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة (إسعاد)، بيانا دعا فيه كافة أهل البلاد إلى رفض هذه الولاية، التي قال عنها: "منحها من لا يملك لمن لا يستحق".

ووجه "الاتحاد السوداني للعلماء" نداء إلى المواطنين لـ"الاصطفاف من أجل بناء بلادهم بسواعدهم، وإلى نبذ الفرقة والتناحر، وإلى الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها". 

كما حذر الاتحاد حكومة حمدوك، من "تفتيت البلاد وتمزيقها ورهنها لتجار الحروب وصناع الأزمات"، وشبه ما يحدث حاليا بـ"تجربة جنوب السودان الأليمة".

وفي الوقت نفسه، أكد الاتحاد "رفضه القاطع لتجاوز الحكومة المكلفة للمهام الانتقالية التسييرية التي كلفت بها، وإهمالها للتصدي لاحتياجات الناس العاجلة الصحية والمعاشية، وبطأها في إطفاء الحرائق التي باتت تشب شرقا وغربا ووسطا".

وصدر ذلك البيان حينها استنادا إلى "تاريخ مؤسف" للبعثات الأممية في السودان، والتي ساهمت "في تفريق البلاد وتشتيتها".

وبدأ تاريخ السودان مع البعثات الأممية عام 2005، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد البلاد أي استقرار على الإطلاق، بل تفتتت أركانه وصار دولتين واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، وكلاهما ما زال يعاني من النزاعات الداخلية والصراعات القبلية والإثنية، رغم وجود هذه البعثات.

البعثة الأممية الأولى المعروفة اختصارا بـ"يوناميس"، كلفت بمراقبة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب، وانتهت مهمتها عام 2011 بانفصال الجنوب.

والثانية التي عرفت بـ"أميس" جاءت تحت الفصل السابع معنية بحفظ السلام في إقليم دارفور، ولا تزال تعمل هناك.

أما الثالثة "يونيسفا" فأنشئت عام 2011 للانتشار في منطقة أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا.

فشل جذري

ودائما كانت البعثات محل قلق بالنسبة للسلطة والشعب في آن واحد، وسبق أن وصف الرئيس المعزول عمر البشير، قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور "يوناميد" بأنها "أصبحت عبئا أمنيا"، وطالبها بالرحيل.

وقال البشير خلال مؤتمر صحفي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، إن القوات الدولية "لم تعد تضطلع بحماية المدنيين بل تقوم بحماية المسلحين".

وبعد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، طلبت الحكومة الجديدة آنذاك برئاسة حمدوك من الأمم المتحدة تأجيل انسحاب "يوناميد"، الذي كان من المفترض أن يتم بداية 2020.

ووجهت الحكومة رسالتين إلى مجلس الأمن تطلب منه تفويض بعثة "متابعة" سياسية ولبناء السلام جديدة تغطي السودان بالكامل.

ورغم مطالبة الرسالتين بتفويض البعثة الجديدة بموجب الفصل السادس من "ميثاق الأمم المتحدة"، تماما كتلك البعثة الشاملة التي يريدها حمدوك، ولكن في عموم السودان، وليس في دارفور فقط.

وبعدها بدأت بعثة "يونيتامس" عملها بعد دعوات حمدوك، وإرادة القوى الغربية متمثلة في الولايات المتحدة ودول "الترويكا"، ما أدخل السودان في معضلة متجددة، لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. 

وقال الصحفي السوداني محمد نصر إن "بعثة يونيتامس هي جزء من مؤامرة قديمة ممتدة لإفشال وتقسيم الدولة السودانية، وهي جزء من أدوات الرقابة والضغط الدولي على السودان".

وأكد نصر لـ"لاستقلال" أن "البعثة لا هي قدمت حلولا جذرية ولا حققت التأمين اللازم لوقف الصراعات المستمرة، خاصة وأن البعثة فشلت في مهمتها الأساسية والتي أسست من أجلها لدعم المرحلة الانتقالية وتأمين انتقال سلس للسلطة وتمكين حكومة مدنية".

وأشار إلى أن "هذه الآمال تبخرت مع إجراءات البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 (أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين)، دون قدرة البعثة على كبح جماح العسكر أو تحقيق أي نوع من التوازن بين الجانبين".

وتابع نصر: "هذا يذكرنا بالبعثات الأممية القديمة التي تواردت إلى السودان في مطلع الألفينيات، فلا هي منعت مجازر الحرب في دارفور، ولا هي ساهمت في توحيد السودان، بل فقط مزيد من الدماء، وصولا إلى انفصال الجنوب". 

وشدد على أنه "يجب على شركاء وفرقاء المرحلة الانتقالية أن يستوعبوا أن حل أزمة السودان من الداخل فقط، لأن استيراد الحلول من الخارج لم يزد بلادنا إلا إرهاقا".

وختم نصر حديثه بالقول "إذا لم يجتمع الفرقاء للوصول إلى حل، ستتجه البلاد إلى كارثة شاملة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والجميع سيدفع ثمن هذا الإخفاق، وعلى رأسهم الشعب بعمومه وطوائفه".