محاولة علاج أم تخدير؟.. تقرير رسمي يفضح "كوارث" مستشفيات المغرب
"تقرير أسود" قدمه مجلس رسمي في المغرب إلى عاهل البلاد محمد السادس، يرسم فيه "أوجاع وأسقام" قطاع الصحة وحال المستشفيات وخدماتها "المرعبة" في المملكة.
وتحدث التقرير عن تهالك العديد من البنايات الاستشفائية قليلة الصيانة وغير المناسبة لتقديم خدمات صحية للمرضى، والمعدات القديمة أو غير الصالحة للتشغيل، وعدد الأطر (الكوادر) الطبية غير الكافي وما تلوكه الألسن يشي بـ"رائحة الموت" القادمة من تلك البنايات.
ويرى مراقبون أن الدولة تفتقد لرؤية سياسية واضحة لقطاع الصحة، ويدعون إلى بلورة مشروع مجتمعي يجعل صحة المواطن أعلى من أي حسابات سياسية أو مالية، حتى يتمتع جميع المغاربة بخدمات صحية جيدة.
وضعية كارثية
وكشف "المجلس الأعلى للحسابات" (حكومي) في تقرير سنوي نشره في 15 مارس/ آذار 2022، عن "وضعية كارثية" تعيشها المستشفيات العمومية التابعة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
وأوضح أن "العديد من البنايات والبنية التحتية الاستشفائية قديمة وقليلة الصيانة وغير مناسبة لتقديم الخدمات الملائمة للمرضى، كما أن الطاقة الاستيعابية غالبا ما تكون غير كافية، وخاصة فيما يتعلق بعدد الأسرة".
وأكد أن ”العديد من المعدات الأساسية المتوفرة قديمة وقليلة الصيانة، أو غير صالحة للتشغيل، ما يؤدي في مجموعة من الحالات إلى توقف بعض الأنشطة والمرافق الأساسية لتقديم الخدمات العلاجية، وهذا يؤثر سلبا على عرض وجودة الخدمات الطبية المقدمة للمرضى”.
وشدد التقرير على أن “المستشفيات التي تمت مراقبتها، تعاني بشكل عام، من نقص في الأطر الطبية وشبه الطبية، على مستوى جميع المراكز، ما ينتج عنه تأثير سلبي على جودة الخدمات بالمستشفيات، وفق الضوابط الواردة في النصوص التنظيمية”.
وسجل المجلس، غياب معايير تحدد شروط اختيار الأراضي المخصصة لإيواء مشاريع بناء المستشفيات، حيث أدى ذلك إلى "إنشاء مستشفيات في مواقع غير مناسبة، إما قرب مصادر للتلوث، أو على تضاريس وعرة أو أراض غير متصلة بشبكة الطرق المتوفرة".
وفي تفاعل مع التقرير الرسمي، تساءلت صفحة "معا ضد الفساد" عبر فيسبوك، "هل هذا أول تقرير يفضح قطاع الصحة؟ التقارير الدولية تصنف بلادنا كل مرة في ذيل الأمم، وتقارير داخلية فجرت فضائح اختلاسات وسوء التدبير، منذ عقود ونحن نعاني من قطاع متهالك".
وتابعت: "عدد من المستشفيات في المغرب يظهر كالزريبة (الحظيرة) أعزكم الله، بل الزريبة عند الغرب أنظف من عدد من مستشفياتنا، هل كل هذه السنوات والملك لا يعرف الوضع حتى يرفع له التقرير ليعرف الوضعية الكارثية لمستشفياتنا؟! لو وجد ملك البلاد وكبار القوم الخير ما ذهبوا للاستشفاء في مستشفيات أوروبا".
واستطردت الصفحة: "أما كلمة تقرير في المغرب، الكل بات يعرف أنها أصبحت مرادفا للإقبار وعدم المتابعة، تقرير وراء تقرير لتخدير الشعب فقط بدون أية محاسبة... اعتنوا بصحتكم، وعليكم بالرياضة والتغذية السليمة، والباقي على الله".
بشكل مقصود
وتزامن هذا التقرير مع استطلاع أظهر غياب المغرب عن قائمة مجلة "نيوزويك" العالمية وشبكة "ستاتيستا" للدراسات الإحصائية، لأفضل مستشفيات العالم عام 2022، حيث لم يرد اسم أي مستشفى بالمغرب ضمن القائمة التي تضم أفضل 250 مستشفى بالعالم.
وتم انتقاء 250 أفضل مستشفى بالعالم وفق معايير مشددة، منها قدرتها المستمرة على تقديم رعاية عالية الجودة للمرضى، وإجراء البحوث الطبية الخاصة، حتى في الوقت الذي ركزت فيه جهودها على مكافحة فيروس كورونا.
وكشف الاستطلاع سبب سفر المسؤولين والبرلمانيين والسياسيين المغاربة إلى أوروبا لتلقي العلاجات وإجراء العمليات، في كون المستشفيات بالمملكة غير مصنفة، وفق وسائل إعلام محلية تحدثت عنه في 15 مارس 2022.
وقال المغرد علي دادا في تغريدة "شتان ما بين الواقع والمتمنيات، في المغرب المستشفيات والمراكز الصحية العمومية في حالة يرثى لها نقص في الأطباء والممرضين والتقنيين وفي المعدات الطبية والأدوية، وفي التعليم نقص في الأطر وفي المؤسسات التعليمية.. وللأسف بشكل مقصود".
شتان مابين الواقع والمتمنيات. في المغرب المستشفيات والمراكز الصحية العمومية في حالة يرثى لها نقص في الأطباء والممرضين والتقنيين وفي المعدات الطبية والأدوية .وفي التعليم نقص في الأطر وفي المؤسسات التعليمية.وللأسف بشكل مقصود.
— ALI DA (@Daali1962Da) March 8, 2022
من جانبه، قال المدون محمد ولد علي عبر صفحته بفيسبوك "إذا رأيت إشهارا لوزارة الصحة أو تدشينا لأحد المستشفيات تقول اللهم بارك، وإذا عشت الواقع للمستشفيات المغربية بدون استثناء تتمنى الموت على أن لا تصل إليها، حقيقة مؤلمة جدا، اللهم متعنا بالصحة والعافية واشف كل مريض آمين".
هزالة الدعم
وفي ظل النقص الكبير الذي تعاني منه المنظومة الصحية في المغرب على مستوى الأطر الطبية، ارتأت الحكومة مراجعة مدة التكوين (الدراسة) في الطب من سبع سنوات إلى ست سنوات، بحسب ما جاء في بلاغ وجهه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى رؤساء الجامعات العمومية، في 18 فبراير/ شباط 2022
لكن مقترح تقليص مدة التكوين طرح سؤالا حول مدى كفاية هذه المدة لتمكين أطباء المستقبل من "تعليم متين".
من جانبه، قال الطبيب في القطاع الخاص المنسق الوطني للأطباء الداخليين سابقا، أمين الخيدر، إن تقليص عدد سنوات التكوين في كليات الطب "قرار إيجابي".
وأضاف لموقع هسبريس المحلي في 19 فبراير 2022، أن السنة السابعة "كانت تفيد فقط وزارة الصحة، لأنها تستعين بالطلبة الذين يدرسون في هذه السنة للاشتغال كأطباء متدربين في المستشفيات الإقليمية والجهوية".
وأوضح أن "قرار خفض عدد سنوات التكوين في الطب، تقف خلفه اعتبارات أخرى، من قبيل سعي الدولة إلى تحسين وضعيتها في الترتيب العالمي، المتعلقة بالصحة، التي من بين معاييرها عدد الأطر الصحية المتوفرة، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص".
وشدد المتحدث على ضرورة "وضع معيار كفاءة الأطباء فوق أي اعتبار آخر، لأن الهدف الذي نريد تحقيقه هو تقديم خدمات صحية في المستوى للمواطنين، وهذا يتطلب مستشفيات عمومية وخاصة في المستوى، وأطباء ذوي كفاءة عالية".
من جانبه، أرجع التقني مصطفى أوشكور، النقص في الأطباء إلى "القوانين المتعلقة بقطاع الصحة وطريقة انتقاء الطلبة لولوج كليات الطب التي كانت تستقبل فقط أبناء الطبقة البورجوازية نظرا لطول مدة الدراسة وتكاليفها، وبعد التخرج يذهبون إلى فتح عياداتهم الخاصة ويرفضون العمل في المغرب المنسي الذي لا يتوفر على مستشفيات ولا مراكز صحية".
وقال في تدوينة عبر فيسبوك "لا يعقل في بلاد حصلت على استقلالها منذ أكثر من نصف قرن ولا زالت لم تحقق الاكتفاء الذاتي في الميدان الطبي، ولا زالت المستشفيات المغربية بدون تجهيزات طبية وخصاص كبير في الأطباء والأطر الصحية المختصة".
لكن قطاع الصحة العمومية بالمغرب يعاني من مجموعة مضاعفات اجتماعية ومادية مرتبطة أساسا بالنمو الديموغرافي المتزايد خلال السنوات الأخيرة، مقابل هزالة الدعم المادي واستئثار فئة قليلة من صلاحيات التغطية الصحية والفساد المتفشي في المستشفيات العمومية.
كما أن الميزانية العامة لقطاع الصحة لا تغطي سوى 41 بالمئة من المصاريف الإجمالية في مجال الصحة، بحيث إن خمسة ملايين فقط من المغاربة (من أصل 34 مليونا) كانوا هم المستفيدين من التغطية الصحية.
بينما يلجأ باقي المواطنين إلى تقديم شهادة "الضعف والاحتياج"، وهو نظام تم اعتماده سابقا لتأمين فرص متساوية أمام المواطنين في عالم التمريض.
لوبيات خطيرة
وبشكل دائم، تطفو على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور لمظاهر محزنة لمواطنين أمام المستشفيات يحكون معاناتهم، من قبيل رفض إدارتها استقبال حامل لغياب أطباء التوليد، ما يدفع نساء للولادة في الشارع، أو مريض لم يتم معالجته لعدم امتلاكه "مالا للرشوة"، وغيرها من الحالات.
وفي 8 مارس 2022، تطرقت صحيفة "المساء" (خاصة) لاختفاء مادة "الجبس" التي تستعمل في علاج الكسور من مستشفى محمد الخامس بمكناس، حيث يعاني بسبب ذلك مصابون بكسور معاناة لا تطاق، خاصة الفئات المعوزة التي لا تستطيع شراء هذه المادة من الصيدليات.
ونقلت الصحيفة عن مصادر (لم تسمها)، أن الأطر الصحية بالمستشفى المذكور تعاني بدورها يوميا بسبب عدم توفر مادة الجبس، إذ تضطر إلى مطالبة الراغبين في الاستفادة من الخدمات العلاجية بالمستشفى بشراء هذه المادة الحيوية من الصيدليات، الأمر الذي يؤدي إلى الاصطدامات بين بعض المصابين وأسرهم والأطر الصحية.
ووفق "المساء"، فإن عدم توفر الجبس هو مشكل على الصعيد الوطني ولا يعاني منه مستشفى محمد الخامس بمكناس وحده، بل تعاني منه مختلف المستشفيات العمومية التي أضحت تعيش مؤخرا وضعا استثنائيا بسبب أزمة الخصاص في هذه المادة.
وقال الناشط المدني، ياسر البركوشي، إن "الخوف من المستشفيات العمومية دفع الكثير من المرضى الذين يتوفرون على تأمين صحي إلى التوجه للعيادات والمصحات بالقطاع الخاص، رغم أسعارها المرتفعة".
وأكد لـ"الاستقلال"، أن "المستشفيات العمومية والمرافق التابعة لها تعاني من خدمات صحية جد سيئة، لا ترقى إلى التعامل الإنساني، والدليل على ذلك ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الإهمال والخصاص في التجهيزات وقله الأطباء والممرضين، ولجوء الميسورين إلى خارج البلاد للعلاج".
واعتبر البركوشي أن "تجاهل الاهتمام بالمستشفيات والمراكز الصحية يمكن النظر له من زاوية أنه هدف مقصود من الدولة، لاعتبارات التوازن بين العمومي والخاص، وأيضا ضعف المسؤولين عن القطاع الذي يعتبر ضبط هيكلته صعبا جدا لوجود لوبيات خطيرة تستفيد من هذه العشوائية".