دبلوماسي أوكراني لـ"الاستقلال": حلم بوتين "مستحيل" ونستعد لمقاومته منذ أعوام
أكد الخبير السياسي، الدبلوماسي الأوكراني فولوديمير شوماكوف، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشل في القيام بغزو شامل لأوكرانيا وجيشه الآن محطم جدا، مقابل المقاومة الشعبية التي استعد لها الأوكرانيون منذ سنوات.
وأضاف شوماكوف في حوار مع "الاستقلال"، أن بوتين يحلم بإنشاء اتحاد سوفييتي جديد، لكن ذلك مستحيل، لذا يرتكب جرائم حرب لم يرتكبها النازيون في ألمانيا من قبل، ما جعل الشعب الأوكراني يصفه بـ"هتلر هذا العصر".
وأرجع سبب الغزو الروسي الراهن لبلاده إلى أن أي نظام استبدادي دائما يكره وجود أي نظام ديمقراطي بجواره خوفا من عدوى الديمقراطية والحرية، كما أن بوتين يرى أن أوكرانيا مهمة لتحقيق أحلامه المستحيلة.
وشرح الدبلوماسي الأوكراني ذلك بالقول إنه في الماضي كان يوجد نظرية اشتراكية هي التي ساعدت على توحيد تلك الدول الاشتراكية السابقة بما فيها أوكرانيا؛ بينما بوتين ليس لديه أية نظرية حاليا.
كما انتقد شوماكوف المواقف الدولية إزاء ما يحدث في أوكرانيا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو" الذي وصفه بـ"نمر من ورق"، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا فائدة من وجود الأمم المتحدة.
وشدد على أن الشعب الأوكراني يدرك أن هذا الاحتلال مؤقت، ولن تتوقف المقاومة الشعبية حتى ينسحب المحتل الروسي من كامل التراب الوطني، لا سيما منطقة دونباس بالشرق، وشبه جزيرة القرم بالجنوب.
وعمل شوماكوف في السلك الدبلوماسي الأوكراني بعدة مواقع، بينها مستشار بسفارة كييف في ليبيا بين عامي 2004 و2007، ويشغل حاليا منصب مندوب أوكرانيا بالجامعة العربية.
حرب دائرة
ما مصير الغزو الروسي لأوكرانيا في ظل الحرب الدائرة حاليا؟
روسيا فشلت في القيام بغزو شامل لأوكرانيا والجيش الروسي الآن محطم جدا، والإمدادات اللوجستية داخله سيئة للغاية، وكثير من الدبابات والمدرعات المدمرة متروكة حاليا بعد استهداف الجيش الأوكراني.
فلا يوجد وقود بجوار الدبابات والمدرعات، كما أن ملابسهم العسكرية رديئة جدا وحصة الطعام التي تصل للجنود الروس حالتها سيئة للغاية؛ بل وبها أغذية فاسدة منتهية الصلاحية منذ سبع سنين، ومع ذلك يتم توزيعها على الجنود حاليا.
وتتمثل خسائر روسيا حاليا في 335 دبابة، و1105 مدرعات، و208 أنظمة دفاع جوي، وأكثر من 40 طائرة قتالية، و80 طائرة عمودية.
فضلا عن مقتل نحو 12 ألف جندي روسي منذ بدء الغزو وفقا للإحصاءات الرسمية، إضافة إلى 29 ألف جندي آخرين، ما بين أسير وجريح.
ما المحرك الأساسي لروسيا من وجهة نظركم في احتلال أوكرانيا؟
أي نظام استبدادي دائما يكره وجود أي نظام ديمقراطي بجواره خوفا من عدوى الديمقراطية والحرية.
فأوكرانيا بلد يحكمه نظام ديمقراطي؛ بينما في روسيا يوجد نظام استبدادي، لذلك لا يوجد تفاهم بينهما، حيث يكره النظام الروسي الديمقراطيين في أوكرانيا.
فضلا عن أن بوتين لديه رغبة في إعادة بناء الاتحاد السوفييتي مرة أخرى، وأوكرانيا رقم واحد لتنفيذ هذه الفكرة غير الواقعية والمستحيلة.
لأن في الماضي كان يوجد نظرية اشتراكية هي التي ساعدت على توحيد تلك الدول الاشتراكية السابقة بما فيها أوكرانيا؛ بينما بوتين ليس لديه أية نظرية حاليا، لا اشتراكية ولا غيرها.
وليس عنده سوى الأموال التي يبحث عنها في كل مكان، لذلك فإن تحقيق حلم بوتين في اتحاد روسي جديد من رابع المستحيلات.
هل يستقر الوضع للغزاة الروس في المدن الأوكرانية؟
بصفة عامة بعض المدن المحتلة يوجد بها مقاومة شعبية كبيرة، والشعب الأوكراني يدرك أن هذا الاحتلال مؤقت.
فالروس لا يعرفون ماذا يفعلون مع هذه المدن التي يحاصرونها ويتسببون في أزمة إنسانية كبيرة، للضغط على حكومة كييف وإجبارها لا سيما الجيش، على القبول بشروط روسيا ولكن هذا مستحيل.
أضف إلى ذلك أن أوكرانيا بحكومتها وشعبها وجيشها مصممون على الانتصار على الاحتلال الروسي ويتمتعون بروح عالية ومستعدون للمواجهة ولديهم صمود كبير في الميدان.
ونلاحظ أن الغزو الروسي فشل بشكل كبير في كسر الروح المعنوية الأوكرانية التي تستهدف تحقيق الانتصار، حيث استقبل الجيش الأوكراني آلاف المتطوعين من مختلف الدول الغربية.
ووصل أوكرانيا حتى الآن أكثر من 50 ألف متطوع من أوروبا وأميركا وحتى من كندا دفاعا عن بلدنا.
الداخل الأوكراني
ما موقف الشعب الأوكراني من المحتل الروسي؟
الأوكرانيون داخل البلاد اعتمدوا إستراتيجية المقاومة الشعبية الشاملة في المدن الثلاث المحتلة، خرسوم وبرجانيسك ومورتوبولي.
وبقية المدن الأوكرانية تتصاعد فيها المقاومة الشعبية بصورة كبيرة جدا، وتم الاستعداد لها منذ سنوات حيث إن روسيا تدعي أن جزءا من أراضي أوكرانيا روسية.
كما أن الشعب الأوكراني يريد الانتقام للمدنيين الذين قتلتهم روسيا عبر القصف الهمجي والعدوان العنيف؛ كما يرغب في الانتصار على هذا المحتل.
ولن تتوقف المقاومة الشعبية حتى ينسحب المحتل الروسي من كامل التراب الأوكراني لا سيما منطقة دونباس المحتلة، وشبه جزيرة القرم الأوكرانية.
ما الوضع الاقتصادي التي تتميز به أوكرانيا.. وما مصيره في ظل الغزو الروسي؟
الناتج المحلي لأوكرانيا تجاوز 200 مليار دولار في 2021، والاحتياطي النقدي 31.6 مليار دولار، وصادراتها بلغت 68.24 مليار دولار، وتنتج 50 مليون طن من الحبوب بينها 28 مليون طن من القمح.
وتحتل المركز السادس عالميا في صادرات القمح والرابع في صادرات الذرة، كما تحتل المركز الأول عالميا في صادرات زيت دوار الشمس، والثالثة عالميا في إنتاج وتصدير العسل بنحو 81 ألف طن سنويا.
كما يوجد في أوكرانيا كثير من الثروات الطبيعية، لا سيما الفحم والحديد ولكن كثيرا من المناجم لا تعمل بسبب الحرب، وسوف تعود هذه المناجم للعمل بعد انتصار أوكرانيا على المحتل الروسي.
وأنا على يقين أن الانتصار سيتحقق وستسترد أوكرانيا مكانتها وسوف تدور عجلة الإنتاج فيها كما كانت قبل الحرب.
وهل هناك أطماع روسية في ثروات أوكرانيا الطبيعية؟
بصفة عامة ليست هناك أطماع في ثروات أوكرانيا الطبيعية يريد بوتين أن يستولي عليها، حيث إن روسيا أغنى بكثير من أوكرانيا، ولديها ثروات هائلة من الغاز والنفط فضلا عن وجود الفحم بكثرة والحديد وغيرها من المعادن.
لذلك لا أعتقد أن الهدف الأساسي من الغزو هو الطمع في ثروات أوكرانيا، لكنه كراهية الديمقراطية إضافة إلى الحلم الذي يلهث وراءه بوتين بمحاولة إعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي المستحيلة.
الموقف الدولي
كيف ترى دور الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من العدوان الروسي؟
دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كبير لمساعدتنا، والآن يمدون أوكرانيا بالأسلحة الحديثة والصواريخ المضادة للدبابات، ونحن نطلب من حلف الناتو إغلاق المجال الجوي؛ إلا أنه يخاف من تنفيذ هذا المطلب.
والآن نسخر من موقف الناتو الذي يصفه الشعب الأوكراني بأنه نمر من ورق ساعدنا بشراء 50 طن من الديزل لنا!
ولذلك لا أدري بعد انتصار أوكرانيا على الدب الروسي هل سيكون لديها رغبة للانضمام إلى هذا الناتو؟!
كما أن الأمم المتحدة لا فائدة منها أيضا، والزعيم الليبي السابق معمر االقذافي كان محقا عندما مزق ميثاق الأمم المتحدة.
إلا أننا نلاحظ الدعم الكبير من الاتحاد الأوروبي بالعقوبات الاقتصادية المدمرة لروسيا والتي ستدمر الاقتصاد الروسي ومعه سينهار حلم بوتين.
ألا ترى أن أميركا وأوروبا ورطا أوكرانيا في الحرب؟ أم ورطا الدب الروسي في وحل الحرب لإضعاف قوته؟
أنا لا أعتقد ذلك، لكن بصفة عامة من الممتاز لأميركا والصين أن تكون روسيا ضعيفة، والغريب أن بوتين لا يفهم أن بعد الحرب ستكون روسيا أكثر ضعفا اقتصاديا وعسكريا.
وهذا سيكون في صالح الصين، حيث هناك نزاع بين الصين وروسيا على مساحات شاسعة من الحدود تدعي الصين أن روسيا استولت على أراضيها وتسعى لاستردادها وستكون تلك فرصة مناسبة.
ماذا عن وساطة تركيا بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان مستثمرا العلاقة الطيبة مع روسيا وأوكرانيا؟
نحن نرحب بجهود الرئيس أردوغان وهو يساعد أوكرانيا كثيرا في كافة المجالات لا سيما الاقتصادية والعسكرية، حيث العلاقات الأوكرانية التركية متينة جدا.
لذلك تركيا تبذل جهودا كبيرة من أجل حل وسط بين موسكو وكييف، لكن بوتين لا يرغب في ذلك.
فبوتين يريد إجبار أوكرانيا على تنفيذ شروط روسيا من أجل وقف الحرب؛ وهو ما تراه أوكرانيا مستحيلا؛ لأن هذه الشروط الروسية تعني تدمير الدولة الأوكرانية ولذلك ترفضها جملة وتفصيلا.
ووفقا لهذه المعطيات فمن المتوقع أن تفشل الجهود التركية في الوساطة بين البلدين من أجل حل وسط لا يريده بوتين وقد يتسبب ذلك في مأزق كبير حقيقة.
كيف ترى دعوة الرئيس الأوكراني للشباب الأوروبي أن يتطوعوا للدفاع عن بلاده؟
أعتقد أن توافد المتطوعين سيكون شيئا جيدا جدا لأوكرانيا؛ لأن أغلب هؤلاء المتطوعين سواء كانوا أجانب أو عربا سيكون لهم خبرة سابقة للحرب ضد روسيا.
كما أن بينهم طيارين قادرين على استخدام طائرات حربية أوروبية وأميركية وهذا مهم جدا، في ظل سعي أوكرانيا للحصول على طائرات أميركية وغربية.
وأعلم أنه يوجد عدد كبير من المقاتلين العرب يريدون القدوم للقتال ضد الروس انتقاما من جرائمهم في بلاد الشام وخاصة سوريا وليبيا والعراق.
ملف النازحين
كيف ترى التقارير التي تتوقع أن عدد النازحين من جحيم الحرب يتجاوز 5 ملايين شخص؟
أنا سمعت هذا الرقم فعلا، والبعض يقول 3 ملايين أغلبهم نساء وأطفال، لأن المدنيين العزل من النساء والأطفال يهربون من المدن السكنية الأوكرانية التي يتم قصفها ليل نهار خوفا على حياتهم.
كما أن الروس أطلقوا في مدينة "سومي" قنبلة تزن نصف طن وسط المدنيين وهو نوع من الجنون الذي أصيب به بوتين وجيشه الذي استخدم أكثر من 600 صاروخ باليستي ضد المدنيين ثمن الصاروخ الواحد أكثر من 4 ملايين دولار.
ومن الطبيعي أن يفر المدنيون من هذا القصف المجنون من قبل بوتين الذي ارتكب جرائم حرب لم يرتكبها النازيون في ألمانيا من قبل، الأمر الذي جعل الشعب الأوكراني يصف بوتين بـ"هتلر هذا العصر".
ما مصير الطلاب العرب والأجانب في أوكرانيا؟
بشكل عام تعمل جامعاتهم الأوكرانية ومؤسساتهم على مساعدتهم للخروج من جحيم الحرب بالمدن المستهدفة، ومن الطبيعي أن تكون سفارات دول تلك الطلاب العرب والأجانب في مساعدتهم أيضا.
والدولة الأوكرانية كانت تعمل على نقل الطلاب الأجانب خوفا على حياتهم مع المواطنين الأوكرانيين الراغبين في الخروج لا سيما النساء والأطفال إلى المناطق الحدودية بعيدا عن خطر القصف.
ما تعليقكم على قضية العنصرية التي يتم التعامل بها مع غير الأوكرانيين على البوابات الحدودية؟
بصفة عامة لا توجد أي عنصرية في أوكرانيا ضد الأجانب عند المقارنة مع روسيا التي فيها عنصرية شديدة، وقد يتعرض بعضهم للعنصرية على الحدود البولندية أو غيرها؛ بسبب ضخامة الأعداد التي تريد أن تفر من الحرب.
وأعتقد أن السكان المحليين في بولندا أو غيرها من الدول المجاورة لأوكرانيا لم يكونوا جاهزين لاستقبال هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين سواء أوكرانيين أو عرب أو غيرهم.
ولكن داخل أوكرانيا لا توجد عنصرية، حيث إن ما حدث على الحدود هو استثناء، والشعب الأوكراني يرحب دائما بالأجانب ويحسن معاملتهم.
لكن ربما بسبب الحرب وقعت هذه الحوادث الفردية التي تظهر كشذوذ عن القاعدة، واستثناء لا يعبر عن حقيقة علاقة الشعب الأوكراني الودود مع الأجانب.