"غياب الردع".. موقع أميركي: قضاة العراق يتساقطون بنيران مجرمي المخدرات
.jpg)
أكد موقع المونيتور الأميركي أن العراق شهد اغتيالات ممنهجة للقضاة منذ عام 2003، حيث كان معظمهم يتولى التحقيقات في قضايا المخدرات والفساد التي تورطت فيها شخصيات وأحزاب متنفذة.
ويواجه قضاة العراق تهديدات بالقتل، فيما اغتيل بعضهم بالفعل. وفي 5 فبراير/شباط 2022، قُتل قاض ينظر في قضايا مخدرات برصاص مسلحين في مدينة العمارة (جنوب).
ونقلت قناة "رووداو" ومقرها كردستان العراق عن مصادر من الشرطة والطب الشرعي تأكيدها أن قاضيا عراقيا متخصصا في قضايا المخدرات قتل بالرصاص في الجنوب، وهي منطقة معروفة بشكل متزايد بأنها مركز للاتجار بالممنوعات.
وكان القاضي أحمد فيصل متجها إلى منزله في سيارته بمدينة العمارة، عاصمة محافظة ميسان، عندما أغلق مهاجمون مجهولون طريقه وفتحوا النار على سيارته، بحسب ما قال ضابط في الشرطة لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقال مصدر في الطب الشرعي إن القاضي توفي متأثرا بجروح ناجمة عن أعيرة نارية في الرأس والصدر. وأوضح المصدران أن الضحية أصيب بـ15 رصاصة أطلقت من رشاش كلاشينكوف.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، نجا قاض آخر ينظر في قضايا مكافحة المخدرات من محاولة اغتيال في نفس المحافظة.
تصفية حسابات
وتدهور الوضع الأمني في المنطقة بسبب الصراعات القبلية وتصفية الحسابات السياسية. وأصبحت أجزاء من جنوب ووسط العراق على الحدود مع إيران طرقا مهمة لتهريب المخدرات في السنوات الأخيرة.
وكثفت قوات الأمن جهودها للقضاء على التجارة، وأعلنت في كثير من الأحيان عن مصادرة مخدرات واعتقال المتجرين.
ووصفت وحدة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية في ديسمبر/كانون الأول ميسان والبصرة المجاورة بأنها "المحافظات الجنوبية الرائدة من حيث التهريب والاستهلاك".
وكان تعاطي المخدرات نادرا في العراق في عهد الراحل صدام حسين، حيث يواجه كل من المتعاطين والتجار عقوبة الإعدام إذا ثبتت إدانتهم.
ولكن بعد الإطاحة به عام 2003، ازدهرت هذه التجارة في جميع أنحاء العراق، الذي كان لفترة طويلة طريق عبور للمخدرات التي تشق طريقها إلى أوروبا من أفغانستان وإيران.
ودفعت هذه التطورات رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان إلى زيارة المحافظة في 7 فبراير للقاء قضاة آخرين، داعيا إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الوضع الأمني".
ووفقا للإحصاءات المنشورة في 11 فبراير 2022، فقد قتل 74 قاضيا في العراق منذ عام 2003. وجميعهم كانوا مكلفين بقضايا الفساد والإرهاب والمخدرات.
ودفعت خطورة التهديدات التي يواجهها القضاة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 15 فبراير إلى إعطاء تعليمات بشأن ضرورة توفير الحماية اللازمة لهم.
وقال رحيم العكيلي القاضي والرئيس السابق للجنة النزاهة في مجلس النواب: "إن الاغتيالات التي استهدفت القضاة منذ عام 2003 ليست مثل ما شهده العراق من قبل".
ونقل "المونيتور" عن العكيلي، قوله، إنه "في حالات قليلة فقط جرى الكشف عن الجناة وإيقاف المسؤولين عن جرائمهم".
وشدد على أن "الإرهاب والاغتيالات الطائفية كانت وراء قتل القضاة قبل عام 2010، لكن يبدو اليوم أن جماعات الجريمة المنظمة والأحزاب المؤثرة والجماعات المسلحة تتكاتف لإنجاز ذلك".
وبين جمال الأسدي الخبير الأمني والمفتش العام السابق في وزارة الداخلية العراقية: "توفير ضمانات كافية للقضاة لحماية أمنهم وإبعاد قراراتهم عن التدخلات السياسية والإجرامية أو أي ضغوط أخرى ضروري لحماية المجتمعات".
وأردف الأسدي، وفق "المونيتور"، أن "عدد القضاة في العراق لا يتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتقهم أو مع المعايير الدولية التي تقيس عددهم بالنسبة للسكان بمعدل سبعة قضاة لكل 100 ألف شخص".
وأوضح الأسدي أن هذا يعني أن العراق بحاجة إلى 2800 قاضٍ باستثناء المدعين العامين، في حين أن البلاد بها 1600 قاض ومدع عام واحد.
خسارة كبيرة
ولفت إلى أن "خسارة القاضي كبيرة، حيث بذل القضاة الكثير من الجهد في التعليم والتدريب للوصول إلى ما وصلوا إليه اليوم ".
وأكد القيادي في التيار الصدري رياض المسعودي: "المادة 87 في الفصل الثالث تنص على أن القضاء سلطة مستقلة".
ويرى المسعودي، أن بعض القوى السياسية تدرك أن القضاء هو هيئة قوية ومستقلة، لذلك يحاولون تقويضه بإثارة الريبة والشك والضغط، حسب الموقع الأميركي.
ويتعامل القضاء مع القضايا الخطيرة، وهذا هو السبب في أن المحاكم والقضاة ليسوا في أمان، وفق قوله.
ويرى أن السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة ووزارة الداخلية وجهازها الأمني يجب أن تكون خط الدفاع الأول لحماية الاعتداء على القضاة.
وذكر أن "القوى السياسية تسعى إلى أن يكون لها ممثلون في الهيئة القضائية، التي هي، حتى الآن، بعيدة نسبيا عن التدخل السياسي. وهذا هو سبب تهديد بعض السياسيين للقضاء والقضاة" وفق تعبيره.
ونقل "المونيتور"، عن الخبير الأمني في مركز أبحاث التنمية فاضل أبورغيف، قوله: "لعب القضاة دورا رئيسا في إصدار مذكرات توقيف بحق قيادات إرهابية، ما حولهم إلى أهداف".
وأضاف أبورغيف أن القضاء دعم جهود الكاظمي في مكافحة الفساد وأصدر مذكرات توقيف بحق متهمين في قضايا فساد كبرى مما جعلهم هدفا للفاسدين والقوى القوية التي تقف وراء هذه الجرائم.
وذكر رئيس المركز العربي للسياسات وتعزيز القدرات جواد الهنداوي بالقول: "يشهد العراق حاليا تعزيزا مناسبا لدور القضاء، لا سيما المحكمة الاتحادية العليا. لكن هذا هو المكان الذي تتصادم فيه الأشياء".
وأضاف للموقع الأميركي: "بينما يسعى القضاء لفرض العدالة وسيادة القانون واحترام الدستور ومحاربة الفساد والتخريب، تحرص بعض القوى الخارجية والداخلية على الحفاظ على حالة عدم الاستقرار والجرائم وتقويض أسس الدولة".
بدوره، أوضح الخبير القانوني والقاضي السابق علي التميمي: "يكمن الحل في توفير قوات الأمن الحماية للقضاة إلى أن يصبح القضاء مستقلا تماما. إذا تعذر ذلك، فلن يتمكنوا من تنفيذ مهامهم"، وفق "المونيتور".
ونقل الموقع عن أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن "الاستهداف المتكرر للقضاة هو نتيجة عدم تحرك الدولة الرادع ضد الجماعات المسلحة".
وتحدث الشمري عن "صعود عصابات المافيا الكبرى في الدولة العراقية والتي نمت وأصبحت أكثر قوة بسبب غياب الملاحقة القضائية. إن التحالف بين هذه المافيات والقبائل سيعني فقط المزيد من الاستهداف للقضاة والمؤسسات الأمنية".
وأضاف أن هناك "صراعا على النفوذ على السلاح والمخدرات، حيث يجرى دعم كل مجموعة من قبل طرف قوي من شأنه أن يديم الصراع".
وبين أن "أي قرار بملاحقة المجرمين سيدفع المافيا إلى أعمال انتقامية باغتيال القضاة وضباط التحقيق المعنيين".