كلما خبت زادها سعيرا.. لماذا يصر إعلام السيسي على إشعال المعركة ضد شيخ الأزهر؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

الحرب الإعلامية الممنهجة على شيخ الأزهر أحمد الطيب، كلما خبت في مصر، زادها النظام سعيرا، وكم من مرة منذ سيطرة عبدالفتاح السيسي على الحكم، استهدف الإمام الأكبر بحملات ممنهجة قصدت سمعته، وسعت إلى التقليل من قيمته الاعتبارية بأوساط العالم الإسلامي. 

ولا تخفى الخلافات الجوهرية بين الطيب والسيسي، التي بدأت مبكرا، وتحديدا بعد سقوط ضحايا في أحداث الحرس الجمهوري عقب أيام من انقلاب يوليو/ تموز 2013.

إذ قال الإمام الأكبر وقتها: "قد أجد نفسي مضطرا إلى أن أعتكف في بيتي حتى يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم، منعا من جر البلاد لحرب أهلية طالما حذر الأزهر، وطالما حذرنا من الوقوع فيها".

وفي 14 أغسطس/آب 2013، يوم مذبحة رابعة العدوية والنهضة، خرج الطيب في بيان صوتي قائلا: "الأزهر يؤكد دائما على حرمة الدماء وعظم مسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفه لوقوع عدد من الضحايا"، مؤكدا أنه لم يعلم بقرار الفض إلا عبر وسائل الإعلام.

وتعبيرا عن منهجيته إزاء التعامل مع النظام، أكد الطيب في أكثر من مناسبة أن "الأزهر فوق الثورة والسلطة"، لكن المثير للاستغراب أن الأزمات الحالية التي يحاول النظام إقحام الإمام الأكبر فيها، بدأت تتداخل معها وسائل إعلام أجنبية.

هجوم ممنهج

في 1 فبراير/ شباط 2022، تعرض شيخ الأزهر أحمد الطيب، لموجة هجوم جديدة في الإعلام المصري، على خلفية مناقشة قضية "اعتداء الزوج على زوجته".

وأثارت حلقة الإعلامي عمرو أديب المقرب من النظام، عبر قناة "إم بي سي مصر" السعودية، التي تناولت مشروع القانون الجديد الذي يقضي بتغليظ عقوبة تعدي الزوج على زوجته بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات، حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفاجأ أديب الرأي العام بهجوم على شيخ الأزهر من خلال عرض تصريحات سابقة للإمام قال فيها "إن علاج النشوز كما بينه القرآن، ثلاثة أنواع، وكان آخرها حتى لا تغرق الأسرة أو تهلك، هو علاج الضرب". 

وأجرى أديب مداخلة هاتفية مع الباحث المثير للجدل إسلام بحيري، الذي سبق سجنه بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، علق خلالها على كلام الطيب، قائلا إن "نشوز المرأة المذكور في سورة النساء يتحدث عن الخيانة الزوجية ولا علاقة له بالمرأة والتأديب والتهذيب".

وأضاف: "كلام شيخ الأزهر خاطئ وضد الدستور، ولا يخصنا تماما وفي النهاية رأي استشاري، لكنه يخلق دولة الغابة لا علاقة لها بالشريعة التي ندافع عنها". 

وتطور الهجوم من الداخل إلى الخارج عندما أيد موقع "الحرة" الأميركي، انتقاد واستهداف شيخ الأزهر، بنشره مقال في 10 فبراير بعنوان "موقف الأزهر باطل"، داعما فيها رأي إعلام النظام المصري.

وقال الموقع إن الأزهر يتصرف وكأن شيخه أكبر شأنا من (الخليفة الثاني) عمر بن الخطاب، حينما اعترضت عليه امرأة بسيطة وأظهرت أن رأيه كان مخالفا للقرآن، فلم يتردد عمر أن يقول: "أصابت امرأة وأخطأ عمر". 

وزعم أن "شيخ الأزهر أباح للرجال ضرب الزوجات حسب تقديرهم الشخصي، وكأن الرجل دائما صاحب الفكر السليم، وكأنه لا توجد دولة ولا دستور، وكأن المرأة في نظره كالبهيمة يجوز ضربها إذا احتاج الأمر إلى ذلك".


رد قاس 

وفي 9 فبراير 2022، خرج الأزهر الشريف عن صمته إزاء حلقة أديب، وشنت صحيفة "صوت الأزهر"، الصادرة عن المشيخة، هجوما حادا على أديب، ووصفته في عنوان الملف الذي خصصته للرد، بـ"إعلامي الترفيه"، في إشارة إلى كونه دمية لهيئة الترفيه السعودية التي يسيطر عليها تركي آل الشيخ سيئ السمعة.

وعددت في "صحيفة المخالفات المهنية لإعلامي الترفيه في قضية ضرب الزوجات"، المخالفات التي وقع فيها أديب ولخصتها في 12 مخالفة مهنية.

من بينها إذاعة أخبار كاذبة عن تبني شيخ الأزهر للضرب، وترويج شائعات عن وقوف الأزهر الشريف ضد صدور قانون لردع من يقوم بذلك، فضلا عن إدارة نقاش عن الأزهر من دون وجود ممثل له.

من جانبه، أوضح الصحفي المصري سليم عزوز، سبب الهجوم على شيخ الأزهر، بالقول: "حلقة مذيع الترفيه ليست الأولى، فالهجوم عليه متواصل منذ أن شغل قائد الانقلاب العسكري، موقع رئيس الجمهورية، فتتبادل عليه الأبواق الإعلامية، التي نعلم أنها مسيرة لا مخيرة، ليكون هذا الهجوم غير مسبوق".

وأضاف في مقالة نشرتها صحيفة "القدس العربي" اللندنية، بتاريخ 18 فبراير، "لم يحدث في تاريخ مصر أن تعرض شيخ الأزهر للهجوم الذي يتعرض له الإمام الطيب حاليا".

وأوضح أن "الهجوم لم يتم في منابر خاصة، لكن في قنوات تلفزيونية خاضعة لتوجيهات النظام، ومن قبل إعلاميين لا يستطيعون الاقتراب من موظف عام، مهما صغر منصبه، إلا بتعليمات تصدر من الضابط الذي يدير الإعلام، برسائل سامسونغ الشهيرة!".

وتساءل: "من يحاسب المذيع إذا كذب، وإذا فبرك، وإذا نشر معلومات خاطئة، وإذا ضلل المشاهدين؟!"

يذكر أن عمرو أديب، سبق وطالب شيخ الأزهر بالاستقالة والتنحي في 11 مارس/ آذار 2015، على خلفية تململ السلطة من مواقف الشيخ التي اتسمت بالهدوء تجاه خصومها السياسيين المعارضين لانقلاب 2013. 

صاحب الشجرة 

ووصف عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ عبدالعزيز الحنفي هجوم إعلام النظام المصري على شيخ الأزهر، بأنها جزء من حرب ممنهجة على الإسلام بكل تفاصيلها واتجاهاتها.

وقال لـ"الاستقلال": "إنهم في ذلك يتبنون فكرة أن صاحب الشجرة هو الوحيد القادر على قطعها واجتثاثها، فهم لم يستطيعوا أن يقتحموا حصون الإسلام من الخارج، فجعلوا الخيانة من الداخل". 

وأضاف: "في دولة بها أزمات سياسية واقتصادية وأخلاقية، تحتاج إلى إعادة بناء مجتمعي وإصلاح شامل، يظل الدين جزءا أساسيا من الحل".

واستدرك الحنفي: "لكن بدلا من ذلك، نجد مؤامرات تستهدف رأس المؤسسة الدينية الرسمية للدولة، ويحاولون تحطيم صورته والانتقاص من قدره، ومنهم من يكيل له اتهامات دعم الإرهاب والتطرف، فهذه سوابق خطيرة يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار". 

وذكر أن دخول قنوات إعلامية وصحف أجنبية على الخط يؤكد ما يحيك في الصدور، من أن تحييد شيخ الأزهر وتشويه صورته، يأتي ضمن الخطة القديمة الرامية إلى الحرب على الإسلام.

وهي بدأت بالأصوليين والآن تستهدف البقية الباقية من العلماء الرسميين الأجلاء، وحتى الطرق الصوفية لن تسلم منهم طالما كانت في موضع تأثير، وفق عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ودافع موقع الحرة الأميركي في مقاله عن أديب بالقول، إن هجوم مجلة الأزهر عليه باطل بكل المقاييس، لأنه لم يكذب على أحد ولم يهن شيخ الأزهر، مؤكدا أن أديب شجاع ومحترف!

مقصدهم الإسلام 

من جانبه، علق الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور محمد أبو زيد، على الحملة الإعلامية الموجهة ضد شيخ الأزهر الإمام أحمد طيب، قائلا: "إنها ليست جديدة، وإنما ضمن سلسلة طويلة من استهداف المؤسسة الأزهرية وشيخها الطيب".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الأزهر آخر حصون الإسلام ومنارته في مصر والعالم الإسلامي، ومن مستهدفات أعداء الإسلام، تدمير الأزهر عموما وشمولا، وهو مخطط قائم منذ قرون وعقود، ولتقرأوا الحملة الفرنسية على مصر، عندما أراد نابليون اجتثاث الإسلام دخل جنوده الأزهر برجلهم وخيولهم، لكنهم ذهبوا وبقي الأزهر". 

وأضاف: "العجيب في زمننا أن محاولات تدمير الأزهر تتم من الداخل، وهو جزء أصيل من قوة مصر الناعمة، وسمعتها على الصعيد الدولي، فعلماء الأزهر هم الذين نشروا وعلموا العالم الإسلام في مختلف ربوع الأرض، وستجد أثرهم جليا في إفريقيا وآسيا، وأوروبا، وفي أماكن بعيدة وصل إليها صوت الأزهر".

وتساءل أبو زيد: "فلمصلحة من يجرى السعي إلى تقويض وتحجيم تلك المؤسسة العريقة؟!"

ولفت الأستاذ الأزهري إلى أنه "لم يجرؤ أحد من الإعلاميين ولا حتى رئيس الدولة أن يهاجم أو ينتقد رأس المؤسسة المسيحية في مصر، البابا تواضروس الثاني، ولا يتدخل في شرائعهم، مثل مسألة (الطلاق) على سبيل المثال، الذي تمنعه وتحرمه الكنيسة وفقا لشريعتها، وهناك آلاف من الأزواج المسيحيين المصريين، متأزمون من هذا القانون".

واستدرك: "لكن أحدا لم يستطع التدخل وانتقاد شريعة الكنيسة، وعلى العكس سعى السيسي إلى محاولة منع (الطلاق الشفهي)، واستخدم الأدوات الإعلامية، ووجه خطابا مباشرا إلى شيخ الأزهر على مرأى من الناس لإحراجه، وسلط الإعلاميون عليه وهاجموه وانتقصوا من قدره".

وأكد أبو زيد أن "هذا يوضح سياسة الكيل بمكيالين، وأن الهدف ليس الإمام، بل الشريعة الإسلامية نفسها". 

واختتم بالقول: "يجب على علماء الأزهر التكاتف في هذا الوقت العصيب، والوقوف خلف الإمام الأكبر، لأن كسره في هذه المرحلة، سيكون فارقا وتاريخيا في مستقبل الأزهر والإسلام في مصر والمنطقة بأسرها".