تسريب أم إفشاء؟.. هكذا فضح مقطع صوتي فساد جنرالات الحرس الثوري الإيراني
جدل واسع في إيران فجره مقطع صوتي مسرب مدته 50 دقيقة، يكشف عن فساد عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة داخل الحرس الثوري وخارجها، لا سيما رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.
وفي إطار المعلومات التي جرى كشفها، أثيرت تساؤلات إن كانت ستطيح التسريبات بهؤلاء المسؤولين، وفي مقدمتهم قاليباف، ورئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، حسين طائب، ومن يقف وراء التسريب؟ وما أهدافه؟
كما ذكّر المقطع الصوتي بتسريبات أخرى جرى تداولها في الشهور والسنوات الأخيرة واستهدفت عددا من الشخصيات، تبين لاحقا عدم رضا السلطات عنها، فيما بدا كمعركة تصفية مدروسة عبر الضغط المجتمعي.
ومن أبرز هذه التسريبات، تصريحات نسبت لوزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف في 26 أبريل/ نيسان 2021، انتقد فيها دور القائد السابق لفيلق القدس الإيراني بالحرس الثوري قاسم سليماني، ما أحدث ضجة في البلاد.
تفاصيل التسريب
والمقطع الصوتي الجديد نشره راديو "فردا" الفارسي في 11 فبراير/ شباط 2022، ويرجع تاريخه إلى عام 2018 يتحدث فيه قائد الحرس الثوري السابق محمد علي جعفري (2007 - 2019)، والمساعد الاقتصادي للحرس آنذاك صادق ذو القدرنيا، بشأن فساد عدة مؤسسات مرتبطة بالحرس.
وتُظهر المحادثة المسربة دورا مباشرا بالفساد لرئيس المخابرات حسين طائب، ورئيس البرلمان قاليباف، الذي كان حينذاك رئيسا لبلدية طهران، إضافة إلى قاسم سليماني، ونائب منسق الحرس آنذاك جمال الدين أبرومند.
وأشار التسريب إلى دور رئيس البرلمان الحالي في فساد شركة "ياس القابضة" التابعة لفيلق القدس، حيث قال الجنرال ذو القدرنيا خلال المحادثة إن "قاليباف طلب منه توقيع مذكرة تفاهم بثمانية آلاف مليار تومان إيراني (نحو 200 مليون دولار) لتسوية هذا الملف من الفساد".
وأوضح ذو القدرنيا أنه "حاول استخدام نفوذ قاليباف لإغلاق قضية الفساد في شركة ياس القابضة، بينما دعم رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب، موقف قاليباف".
من ناحية أخرى، ذكر ذو القدرنيا أن "قاسم سليماني (قبل اغتياله) كان غير مرتاح للتحقيق مع نائب منسق الحرس الثوري آنذاك، جمال الدين أبرومند، والأشخاص الواردة أسماؤهم في ملف الفساد، وأنه تحدث إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي بهذا الشأن".
وفي تكملة للخطاب، قال ذو القدرنيا، إن "خامنئي أصدر تعليماته بأن الغرض من أنشطة ياس القابضة، هو تقديم الدعم المالي لفيلق القدس، وأنه يجب تخصيص 90 بالمئة من الموارد المالية لأنشطة فيلق القدس".
وكانت مجموعة "ياس" للتنمية الاقتصادية، المعروفة باسم "ياس القابضة"، تعمل كمنظمة أم للمؤسسة التعاونية للحرس الثوري (ذراع اقتصادي)، كما انتشرت أنباء عن أن المجموعة لعبت بالفعل دور خزينة فيلق القدس.
وجرى حل "ياس القابضة" عام 1996 بعد تحقيق مكثف في الفساد أدى إلى اعتقال بعض مسؤوليها التنفيذيين، من بينهم عيسى شريفي المقرب من قاليباف، وشغل منصب نائب عمدة طهران خلال فترة قاليباف.
وحكمت محكمة عسكرية على شريفي بالسجن 20 عاما، في مارس/ آذار 2021؛ لدوره في قضية فساد بملايين الدولارات. فيما حكم على المتهم الآخر، ويدعى محمود سيف بالسجن 30 عاما من قبل المحكمة نفسها.
"مؤامرة العدو"
ورغم الجدل الكبير الذي أثاره التسريب الصوتي، لكن شخصيات صحفية وسياسية قريبة من المرشد الإيراني علي خامنئي، ومحسوبة على التيار المحافظ، دافعت عن رئيس البرلمان محمد قاليباف، وكذلك فعلت مع الحرس الثوري في محاولة لتبرئة ساحتهم.
وتعليقا على التسريب الصوتي، أكد حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد خامنئي، حدوث فساد في مؤسسة الحرس الثوري الإيراني.
لكن شريعتمداري أضاف في مقال نشرته الصحيفة في 13 فبراير 2022 أن القضية شهدت تحقيقا وإدانة للمتهم في المحكمة. كما نفى متحدث باسم الحرس الثوري دور قاسم سليماني في الفساد.
وفي معرض محاولته تبرئة الحرس الثوري، أشار شريعتمداري إلى قضية عيسى شريفي، مساعد رئيس بلدية طهران في فترة قاليباف، وكتب أن "جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك، أصدر بعد سماع التقرير والتأكد من دقته (الفساد)، أمرا بإقالة شريفي- المدان- وتقديمه إلى القضاء".
وتأتي مزاعم شريعتمداري في وقت لم يكن فيه قائد الحرس الثوري، في ذلك الوقت، مخولا قانونيا بإقالة شريفي بسبب منصبه في البلدية. وفي حين اتهم جزء من التسريب قاليباف بالفساد، دافع شريعتمداري عنه بشكل كامل، وكتب، محملا شريفي كامل المسؤولية، أن "قاليباف نقل مساعده بذكاء من الخارج إلى إيران ورتب لإلقاء القبض عليه".
كما دافعت وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري عن قاليباف، وجعفري، وسليماني في مقال بعنوان "حقيقة التسريب الصوتي" نشرته في 14 فبراير 2022 وكتبت أن "محمود سيف وعيسى شريفي، المتهمان الرئيسان في القضية، تمت محاكمتهما وإدانتهما بعد الإجراءات التي قام بها كبار مسؤولي الحرس الثوري الإيراني".
وأضافت "فارس" أن "النقطة المهمة في هذه القضية هي جهود قادة الحرس الثوري الإيراني ومنهم جعفري وسليماني وقاليباف، لتوضيح الانتهاكات وتقديم مرتكبيها للعدالة".
وفي غضون ذلك، نفى عبد الله كنجي، رئيس تحرير صحيفة "همشهري" في مقال بتاريخ 14 فبراير، دور قاليباف وجعفري في فساد الحرس، وكتب: "بحسب ما قاله الإمام، فالإنسان الفاسد يمكن أن يكون في أي فئة، بما في ذلك الحرس الثوري ورجال الدين، ومثله مثل المرحاض المجاور للمسجد، لكن الناس يرون المسجد".
وفي السياق ذاته، نقلت مواقع إيرانية تصريحات لمجتبى توانكر، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، في 14 فبراير، وصف فيها تسريب الملف الصوتي بأنه "مؤامرة العدو" ضد الحرس الثوري وقاليباف، قائلا: "تم التحقيق في هذه الانتهاكات بشكل صريح في الجهات الرقابية".
"نهاية قاليباف"
وأكدت الصحفية الإيرانية البارز "صبا آذر بيك" إنه "إذا وصل هذا الملف إلى المرشد الأعلى فستكون نهاية رئيس البرلمان قاليباف".
وأضافت الصحفية الإيرانية في تغريدة عبر "تويتر" في 12 فبراير 2022 أنه "كما سيكون أيضا نهاية عدة أشخاص آخرين مذكورين في هذا الملف".
چرا ارتش سایبری که روزه سکوت گرفتند، تنها در برابر این گزاره «رهبر باید به موضوع قالیباف شخصا ورود کند» این قدر واکنش تند نشان میدهند؟!
— ���� Saba Azarpeik ������صباآذرپیک (@sabaazarpeik) February 12, 2022
آقای #سردار_باقری شما رییس کل نیروهای مسلح هستید؛ اجازه ندهید مردم یقین کنند هیچ ارادهای برای برخورد با فساد نیست#فایل_صوتی #عیسی_قالیباف
وعلى الوتيرة ذاتها، علق النائب السابق والقيادي في التيار الإصلاحي محمود صادقي في تغريدة عبر "تويتر"، "الفساد في الملف الصوتي هو مثال آخر على الفساد البنيوي".
وأضاف صادقي أن إحالة القضية إلى محكمة عسكرية واعتبار الأحكام سرية، ونتيجة لذلك أصبح الكشف عن أبعادها ذريعة لصراع على السلطة، يشير إلى ضعف في المعركة الحاسمة ضد الفساد".
وعلى الصعيد ذاته، كتب الناشط الإصلاحي عباس عبدي أيضا ساخرا في 12 فبراير: "اعتقدت أنه لن يذهب أحد إلى المسجد أثناء صلاة الفجر، لكن يبدو أن بعض الناس ما زالوا يذهبون، رغم أن لديهم أشياء أخرى يفعلونها هناك".
وتساءلت صحيفة "شرق" الإيرانية في 12 فبراير عما إذا كان التسريب الجديد "إفشاء أو تسريب معلومات"، وأشارت في هذا السياق إلى نموذجين بارزين من تسريبات داخلية مشابهة.
الأول لوزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف الذي أثار جدلا واسعا في أبريل/ نيسان 2021، وآخر في يناير/ كانون الثاني 2022 الذي يعود لنشر تفاصيل تقرير سعيد جليلي، مستشار المرشد الإيراني في المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي جاء في 200 صفحة، ويتضمن انتقادات لاذعة لمفاوضات الاتفاق النووي.
وفي إشارة إلى تأثير التسجيل المسرب، على إبعاد إمكانية حضور ظريف في الانتخابات الرئاسية الماضية، دعت الصحيفة إلى تتبع أثر التسريب.
وكتبت في هذا الصدد: "مضمون المحادثة المنشور سيوجه التهم إلى أي أشخاص وتيارات، ويبرئ أي أفراد أو تيارات بشكل غير مباشر، أو على الأقل تسبب في تهيئة أجواء إيجابية حول وجه ما أو تعزيز شخصيته".
المصادر
- افشای جلسه محرمانه سرلشکر جعفری درباره فساد و روابط مافیایی در بالاترین سطوح سپاه
- برلمانيان إيرانيان يصفان التسريب الصوتي لقادة الحرس الثوري بـ"الاندساس".. و"مؤامرة العدو"
- اصالت صوت منتشر شده از جلسه فرمانده سابق سپاه تایید شد
- "حرس إيران" يعترف بفساد جنرلاته وسط موجة سخرية
- صحيفة المرشد تعترف بصحة التسريب الصوتي وفساد الحرس الثوري الإيراني
- إيران.. تفاصيل جديدة في قضية التسريب الصوتي عن "فساد الحرس الثوري"
- تسجيل مسرب لاجتماع سري بين قيادات الحرس الثوري يثير ضجة واسعة في إيران
- «إفشاء» فساد «الحرس الثوري» يستنفر البرلمان الإيراني