غضب أوروبي شديد تجاه السيسي.. لماذا لا يمنع الانتهاكات بحق الشعب المصري؟

12

طباعة

مشاركة

تتوالى حملات الغضب الغربية ضد جرائم رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي الحقوقية في البلد العربي الأكثر سكانا، والذي يقبع في سجونه أكثر من 60 ألف معتقل سياسي أغلبهم من الإسلاميين منذ أكثر من 8 سنوات.

وبعد أيام من انتقادات حقوقية حادة وجهها الناشط السياسي المصري من أصول فلسطينية رامي شعث، من قلب البرلمان الأوروبي، واجه النظام العسكري الحاكم للقاهرة انتقادا أوروبيا جديدا لملفه الحقوقي سيئ السمعة.

آلية مراقبة

ووقع 200 من البرلمانيين الأوروبيين في 3 يناير/كانون الثاني 2022، رسالة طالبوا فيها "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة بإنشاء "آلية" لمراقبة ومعالجة أزمة حقوق الإنسان المستمرة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013، ضد الرئيس الراحل محمد مرسي.

الرسالة، التي وقعها نواب من جميع أنحاء القارة العجوز، دعت المجلس لاتخاذ "إجراءات حازمة" قبل دورته المقررة في مارس/ آذار 2022، وفق ما أورده موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

ولامت الرسالة المجتمع الدولي على صمته تجاه أزمة حقوق الإنسان بالبلد العربي الأكبر ديموغرافيا بنحو (105 ملايين نسمة)، واتهمته بـ"الفشل المستمر في اتخاذ أي إجراء هادف لمعالجة الأزمة".

ولفتت إلى أن "هذا الفشل، إلى جانب الدعم المستمر للحكومة المصرية والإحجام عن التحدث ضد الانتهاكات المتفشية؛ أدى لتعميق شعور السلطات المصرية بالإفلات من العقاب".

كما ندد النواب الأوروبيون بإعلان حكومة السيسي عن "إستراتيجية حقوق الإنسان" في سبتمبر/ أيلول 2021، ووصفوها بأنها "محاولة لتبييض سجلها الحقوقي السيئ".

وقالوا إن الإستراتيجية تمت صياغتها بطريقة غير شفافة ودون استشارة منظمات حقوق الإنسان المستقلة، وتتجاهل جرائم الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب أثناء الاحتجاز، ولم تحدد خطوات ملموسة لمحاسبة المسؤولين.

وفي رؤيته لإمكانية إنشاء آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان بمصر، يقول الحقوقي محمد زارع إن "توقيع هذا العدد من البرلمانيين الأوروبيين من دول مختلفة على المقترح، وحث حكوماتهم لبذل جهد لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؛ ليست الأولى".

ويؤكد لـ"الاستقلال" أنه "لعشرات المرات قدمت حكومات وبرلمانيون ومنظمات غير حكومية ملاحظات قابلتها مصر باستنكار والرد بأنه لا توجد انتهاكات، أو الهجوم العكسي كطريقة نظام القاهرة المعتادة بمعايرة الدول المنتقدة لها بأزمات حقوق الإنسان لديها".

ويتصور رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن "العمل على هذا الملف من خلال البرلمانيين وتوجيههم رسالة لتقنين آلية مراقبة يأتي في ظل وجود آلية مراقبة أممية بالفعل، وجلسات تتم بشكل دوري بالأمم المتحدة"، موضحا أن "لمصر جلسة مراجعة في 2023 و2024".

وفي تقديره للشكل المحتمل صياغته لهذه الآلية، ومكوناتها، وأدوارها المحتملة، أكد أن "تلك آلية اختيارية وغير إلزامية، وللدول حرية التعامل معها أو رفضها، كما أن دورها لا يخرج عن حث الدول على احترام حقوق الإنسان وتغيير السياسات القمعية والمطالبة بعمل قوانين جيدة".

"وإذا جرى إنشاء آلية أخرى غير القائمة عبر مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، كأن يختاروا لجنة لمتابعة الحالة المصرية أو السفر للقاهرة للمراقبة على الأرض أو إرسال مقررين خاصين؛ فإن ذلك لا بد أن يجرى بالتشاور مع الحكومة المصرية وبموافقتها"، يضيف زارع.

مراوغة السيسي

وفي رؤيته لكيفية تنفيذ تلك الآليات لمهمتها وسط حالة التغول الأمني لنظام السيسي، يعتقد زارع أن "الآليات هذه لن يكون لها حظ من القبول والنجاح، وربما تتعاطى الدولة مع مطالب الدول الأخرى أو تبرر لهم الوضع لديها مثلما فعل السيسي مرارا".

ويلفت إلى قول السيسي في رسائل عديدة لأوروبا: "إننا غيركم، وإن ملف حقوق الإنسان بمصر غير أوروبا، وإن أولوياتنا مختلفة"، وكذلك تبريره "الوضع القائم أو التشكيك في التقارير المنتقدة"، مضيفا: "لذا لا أظن أن تعطي هذه الآلية لو أنشئت نتيجة كبيرة بملف مصر".

"هذا ليس معناه عدم وجود أمل للنهاية؛ لأنه لا يوجد نظام يستمر حتى النهاية في استخدام وسائل القمع طوال الوقت مع الشعوب ويصر على أنه لا طريقة أخرى غيرها"، وفق زراع.

ويضيف: "لكن خطورة هذه السياسة أن عواقبها وخيمة على استقرار البلاد بانتشار العنف والأفكار الراديكالية بسبب عدم الانصياع لمتطلبات حقوق الإنسان، ولذا فهناك مشاكل ستحدث مستقبلا".

وعن الآلية، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، لـ"ميدل إيست آي"، في 4 يناير 2022، إنه "مع اقتراب موعد جلسة مجلس حقوق الإنسان، فإن تكثيف الجهود لإنشاء آلية طال انتظارها لمراقبة حقوق الإنسان والإبلاغ عنها في مصر سيكون بداية جيدة".

وأكد المحامي بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كلاوديو فرانكافيلا، لذات الموقع، أن الآلية طال انتظارها، موضحا أن رسالة النواب "تُظهر دعما واسعا رغم أن دعوتهم تتناقض بشكل صارخ مع تقاعس حكوماتهم".

وأضاف أن "الرسالة تقدم رواية مضادة لترويج حكومة القاهرة للتحسينات المزعومة في حقوق الإنسان"، مؤكدا أن "التراخي المتعمد من قبل المجتمع الدولي ودعم حكم السيسي للقبضة الحديدية شجع شعور الحكومة المصرية بالإفلات شبه التام من العقاب".

وإزاء الانتهاكات الصارخة والانتقادات الغربية المتواصلة، سعى نظام السيسي للمراوغة والمناورة في الشهور الأخيرة من 2021، بمواجهة التقارير والمطالب الأميركية والأوروبية بملفه الحقوقي.

وأعلن السيسي عن "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، في 11 سبتمبر/ أيلول 2021، كما قرر وقف العمل بـ"قانون الطوارئ" الذي جرى العمل به لعقود، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2021.

وأفرج السيسي عن بعض النشطاء السياسيين الليبراليين، وبينهم رامي شعث، والباحث المصري-الإيطالي باتريك زكي، والحقوقي حسام بهجت، إلى جانب علا القرضاوي نجلة الدكتور يوسف القرضاوي.

ولكن تلك الإجراءات، تبعها انتهاكات دائمة لحقوق المصريين، ما دفع نشطاء ومنظمات حقوقية محلية ودولية لانتقادها واعتبارها مناورة من السيسي.

انتقادات لا تنقطع

رامي شعث، المفرج عنه من السجون المصرية في 3 يناير 2022، مقابل تنازله عن جنسيته المصرية، قال في حديثه أمام البرلمان الأوروبي في 26 من الشهر ذاته إن "مصر تغلي من الداخل، والدولة تحولت لجمهورية خوف".

شعث الذي قضى بسجون السيسي 915 يوما، أكد في كلمته أن "كثيرا من المنظمات الحقوقية بمصر اضطرت لحل نفسها خشية المطاردة والمنع من السفر ومصادرة ممتلكات أعضائها وسجنهم".

وأمام جمع من النواب الأوروبيين، كشف عن جرائم التعذيب والإهانة التي يتعرض لها المعتقلون، مشيرا لمخالفة الضباط القوانين، وتسييس القضاء وخضوعه لتوجيهات النظام.

وأكد أن قوات الأمن تتمتع بالإفلات من العقاب على الجرائم المنصوص عليها بالقانون الدولي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب والإخفاء القسري.

وطالب شعث أعضاء البرلمان الأوروبي بتبني موقف فعلي ضد نظام القاهرة وانتهاكاته الجسيمة ضد المصريين، مؤكدا أنه "لا يزال 60 ألفا بسجون القمع دون أمل، ما لم نتحرك جميعا".

وقال إن "مصر تغلي من الداخل، والناس تواجه يوميا الفقر والقمع"، معلنا للنواب أنه "إذا أردتم علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع مصر فعليكم أن تلتزموا أولا بالعمل والدفاع عن حرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان".

وعقب كلمة شعث، تطرق عضو البرلمان الأوروبي منير ساتوري إلى حاجة الاتحاد الأوروبي لمعالجة وضع حقوق الإنسان بمصر بشكل أكثر ثباتا، وفق ما نقله "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان".

وانتقد نظيره ميغيل أوربان كريسبو، الاتفاق المشترك بين الاتحاد الأوروبي ومصر بشأن رئاسة "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب" التابع للأمم المتحدة، منددا بإجبار شعث على التخلي عن جنسيته كمقابل للإفراج عنه.

تلك الانتقادات أتت بالتزامن مع إعلان مصر والاتحاد الأوروبي في 23 يناير 2022 عزمهما الترشح معا في مارس/آذار 2022، لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي يضم 30 دولة.

وهو ما دفع جماعات حقوقية لانتقاد المسعى المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي لرئاسة جهاز مكافحة الإرهاب، خلفا لكندا والمغرب.

ودعت "هيومن رايتس ووتش" الاتحاد الأوروبي في 25 يناير، لـ"إعادة النظر" بالشراكة المقترحة، مشيرة لانتهاكات واسعة وقمع وسجن وتعذيب وإعدام نشطاء المعارضة والسياسيين.

وفي سياق الضغوط الغربية على نظام السيسي، قررت أميركا في 28 يناير منع 130 مليون دولار من المساعدات لمصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكن واشنطن في المقابل أقرت بيع أسلحة ومعدات بـ2.5 مليار دولار للقاهرة.

وفي إطار الانتقادات المتواصلة لملف السيسي الحقوقي، قالت "هيئة الإجراءات الخاصة لحقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة في 3 يناير إن الناشط المصري أحمد مفرح، يتعرض لمضايقات تتعلق بتعاونه مع الأمم المتحدة، بمجال حقوق الإنسان، موجهة رسالة بذلك للقاهرة.

معضلة كبيرة

وفي إجابته على سؤال: لماذا لا يدفع تتابع الانتقادات الأوروبية لملف مصر الحقوقي النظام لتخفيف قبضته الأمنية وحلحلة أزمة المعتقلين؟ يرى الحقوقي محمد زارع أن "مطالب الناشطين مثل رامي شعث، ومن يرصدون انتهاكات حقوق الإنسان ويكشفونها من جنسيات أخرى، ليست مسموعة دوليا ولا تحدث نتيجة كبيرة".

ويوضح أن "لدى الغرب مصالحه وتجارته ومشروعاته المشتركة مع النظام المصري وصفقات السلاح وتبادل المعلومات الأمنية والمخابراتية، ولهذا فإن المصالح هنا أهم من حقوق الإنسان".

"وربما تتخذ دول إجراءات مثل أميركا التي حجبت 130 مليون دولار من المعونة بسبب هذا الملف؛ ولكن في المقابل هناك صفقة أسلحة أميركية لمصر تتجاوز 2.5 مليار دولار، وهذا يعني أن هناك مصالح إستراتيجية تتغلب على عدم الرضا عن ملف مصر الحقوقي".

زارع يؤكد أيضا أن "الحالة الحقوقية لن تتحسن إلا بدور الشعب المصري وليس أميركا ولا أوروبا ولا السيسي نفسه؛ ولكن عندما يقتنع الشعب أنه لا يستحق تلك التجاوزات ويقاتل ويناضل لتحسين أوضاعه بشكل إنساني ويجبر الحكام والمسؤولين على احترام حقوق الإنسان".

ويخلص للقول إن "الملف شائك؛ ولا أظن أن هناك شيئا إلزاميا والعلاقات الدولية اختيارية وعلاقات مصالح، وأظن أنه حتى وجود مصر بمجلس حقوق الإنسان هو باختيارها، وتعرف كيف تتعامل مع الملف داخل المجلس الأممي".

"ولديها علاقات مع دول أخرى تساندها، وترسل مندوبين بأعداد كبيرة ومنظمات شبه حكومية للدفاع عن ملفها، ولديها إستراتيجيتها وأدواتها، وقادرة على التعامل مع الوضع الدولي القائم على المصلحة على حساب حقوق الإنسان، وهذه هي المعضلة"، بحسب زارع.

ويقبع عشرات الآلاف من معارضي السيسي ورافضي حكمه وأنصار جماعة الإخوان المسلمين في السجون المصرية، فيما تعرض الآلاف منهم للإخفاء القسري والتعذيب وأُجبروا على اعترافات تسببت في أحكام إعدام ومؤبد بحقهم، فيما فر الآلاف خارج البلاد.

وفي 25 يناير 2022، الموافق لذكرى الثورة المصرية جرى تسريب مقطع فيديو لنحو 10 سجناء مصريين أثناء تعذيبهم في مقر احتجاز قسم "السلام" شرق العاصمة القاهرة.

ومع نشر مقطع الفيديو الذي يفصل الانتهاكات بحقهم أكد نشطاء وعائلات المحتجزين الجنائيين العشرة، أنهم فقدوا الاتصال بهم ما يثير مخاوف من تعرضهم لجريمة الاختفاء القسري.

انتهاكات متواصلة

ومن جرائم النظام بحق المصريين أخيرا؛ كشفت رسالة باكية من والدة عضو حزب "الدستور" هيثم البنا، عن اختفائه قسريا منذ 30 يناير 2022.

وروت كيف اعتقلت قوات الأمن نجلها من منزله فجرا، وأحدثت دموعها حالة ألم كبير بمواقع التواصل الاجتماعي.

تلك الانتهاكات نالت حتى المحامين والعاملين بالمجال الحقوقي والصحفيين الرافضين لتلك الجرائم، إذ اعتقلت السلطات المصرية المحامي الحقوقي أسامة بيومي في 29 يناير 2022، وقامت بإخفائه قسريا.

وقررت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إحدى أقدم وأهم المنظمات الحقوقية، وبعد 18 عاما من العمل تجميد نشاطها بمصر خوفا على العاملين بها إثر تعرضهم للتوقيف مرارا وتعرض مقرات المنظمة للمداهمة.

وفي الإطار، رصدت جبهة الدفاع عن استقلال المحامين في 31 يناير، احتجاز 50 محاميا، وذلك في الوقت الذي تحل فيه مصر بالمرتبة الثالثة عالميا في قمع الصحفيين.

حالات الاعتقال والإخفاء القسري تلك نالت حتى المصريين الفارين من البطش الأمني وقمع النظام إلى خارج البلاد.

واعتقلت السلطات المصرية الناشط حسام المنوفي من "مطار الأقصر" جنوبي مصر، في 12 يناير، إثر ما قيل إنه هبوط اضطراري لطائرة قادمة من السودان التي يقيم فيها منذ 2016، متوجهة إلى تركيا، فيما نال المنوفي جريمة الاختفاء القسري.

وقبل المنوفي، جرى اعتقال صحفيين ومحامين ومعارضي النظام من مطارات مصرية، عند وصولهم أو سفرهم، وبينهم الصحفيون ربيع الشيخ، وجمال الجمل، وأحمد زيادة، ومحمود حسين، والمحامي إبراهيم متولي، والناشط الحقوقي باتريك زكي، والباحث إسماعيل الإسكندراني.

ونتيجة للاعتقالات والإخفاء القسري صدرت آلاف الأحكام القاسية بحق آلاف المعتقلين، كان بينها الإعدام، ما جعل مصر السيسي ثالث أسوأ دولة بالعالم، بعد الصين وإيران، بعدد الإعدامات.

ووفق تقرير منظمة العفو الدولية عام 2020، شهد أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني إعدام 57 مصريا، بينهم 49 في 10 أيام.

وفي آخر تلك الأحكام، قضت محكمة مصرية في 30 يناير 2022، بإعدام 10 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بقضية مسيسة وفق حقوقيين، سبقتها مئات القضايا المماثلة.